الرابطة المحمدية للعلماء

دور الشباب في ترسيخ القيم الإنسانية المشتركة

أهمية الانفتاح على الآخر، وتوثيق علاقات الحوار والتعاون بين شباب العالم

شدد باحثون جامعيون مغاربة شاركوا في الندوة الدولية حول (الشباب والمستقبل)، اختتمت أشغالها نهاية الأسبوع الماضي بالعاصمة التونسية، على الدور المنوط بالفئات الشابة في المجتمعات العربية والإسلامية، للعمل على ترسيخ القيم الإنسانية المشتركة في أوساط الشباب.

وأكد هؤلاء الباحثون، في مداخلاتهم ، خلال جلسات الندوة، التي تناولت عدة محاور تهم على الخصوص واقع الشباب والتحديات التي يواجهها ووسائل إشراكه في الشأن العام ودوره في الحوار وترسيخ القيم الإنسانية المشتركة، على أهمية الانفتاح على الآخر، وتوثيق علاقات الحوار والتعاون مع شباب العالم لمواجهة التحديات المشتركة، وقبول ثقافة الاختلاف والتنوع كقاعدة ثابتة في العلاقات التي تربط بين الأمم والحضارات.

وفي هذا الصدد، تطرق سعيد شبار، رئيس المجلس العلمي لبني ملال، ورئيس مركز دراسات المعرفة والحضارة بكلية الأدب بهذه المدينة، إلى المدخلين الثقافي والحضاري، لترسيخ القيم لدى الشباب، لكونهما يعكسان الجوانب المشتركة بالنسبة للقيم الإنسانية، باعتبارها تشكل القاسم المشترك بين الإنسانية جمعاء .

وقال في مداخلة تحت عنوان “المدخل الثقافي والحضاري لترسيخ القيم الإنسانية المشتركة لدى الشباب)، إنه ليس من المفيد في شيء، أمام التطورات الحاصلة على مستوى التقارب الثقافي بين الشعوب وعلى مستوى اندماجها الحضاري، إثارة مداخل الخلاف أو بعض الخصوصيات التي تحتفظ بها الكيانات لنفسها كمحددات داخلية لهويتها الخاصة.

ويرى شبار أن تفعيل المدخل الثقافي من خلال مكوناته المتعددة، الدينية والتاريخية واللغوية والفكرية، وكذا المدخل الحضاري، كفيلان بتعميم وترسيخ القيم الإنسانية لدى الشباب .

ودعا في هذا السياق إلى تزويد مختلف مداخل التكوين والتأهيل على مستوى النظم التربوية المختلفة والبناء الثقافي والحضاري العام، بتلك القيم الإنسانية قصد ترسيخها لدى الناشئة والشباب .

وبعد أن أشار السيد شبار إلى أن الشباب أصبح الآن ينتمي إلى ثقافات وديانات وحضارات متخلفة، تعمق خلافها بسبب النزاع وبؤر التوتر الكثيرة بين الدول، أعرب عن أسفه لوجود جهات مختلفة، لا تمثل القيم الإنسانية في نظامها الفكري أي حيز، تعمل على إذكاء تلك البؤر وتأجيج نيران الخلاف والفتن بين الأمم والشعوب، الأمر الذي يستدعي العمل على إشاعة قيم التسامح والمحبة والتعاون والتكافل واحترام الحريات والحقوق بمزيد من الكشف عنها والتعريف بها داخل المنظومة الدينية الثقافية والحضارية المختلفة وترسيخ الإعلام وكل إمكانات التواصل المتاحة لهذا الغرض.

من جانبه، حاول عبد الوهاب الرامي، أستاذ بالمعهد العالي للإعلام والاتصال، أن يسلط الضوء على ما يعتري الإعلام العربي، في نظره، من خلل في تعاطيه لمسألة ترسيخ القيم الإنسانية المشتركة لدى الشباب، معتبرا أن هناك جملة من الإكراهات تجعل هذا الإعلام غير قادر على تأدية هذا الدور، لكونه إعلاما “غير متجانس” في تحديده للمفاهيم ومضامين الصيغ التي يستعملها في هذا المضمار ، بالإضافة إلى كونه لا يتوفر على رؤية موحدة وواضحة بالنسبة لهذه المفاهيم ومضامينها.

ويرى الباحث المغربي أن إشكالية الإعلام العربي في هذا المجال تتمثل في القيم التي يحملها الإعلاميون أنفسهم، والتي، كما قال، يفترض أن يكونوا مقتنعين بها قبل تمريرها إلى الشباب. بالإضافة إلى ذلك يرى أن الخطابات التي يروجها الإعلام العربي تظل “متذبذبة” بين المنحى الحداثي، القائم على النظرة الغربية للأشياء وبين المفهوم الذي “يختزل الإسلام، فقط في وجهة النظر المحافظة، ولا يستثمره من أجل وصله بالحركة الحداثية”.

ويرى الرامي أن الإعلام العربي مطالب بإشراك الشباب في إنتاج الخطاب الإعلامي الموجه للشباب، وأن يعمل على وضع الشباب على سكة القيم الإنسانية المشتركة حتى يمكن الانفتاح على الغرب دون أن يفرط في موروثه الثقافي الذي “يجب أن يفعله، لا أن يتعامل معه مكوروث جامد”.

أما الباحث المغربي، حسن عزوزي، الأستاذ بجامعة القرويين ورئيس مركز الدراسات والأبحاث في مجال تصحيح صورة الإسلام بفاس، فيرى أن ترسيخ القيم الإنسانية المشتركة هو المدخل الحقيقي لحوار الثقافات والحضارات، مؤكدا على الدور الأساسي الذي يمكن أن يضطلع به الشباب في ترسيخ هذه القيم والانخراط في الحوار مع شباب العالم والتصدي لمن يريد تشويه صورة الاستلام.

وقال إن الشباب تقع على عاتقه مهمة تعزيز مقومات الحوار الحضاري وتحقيق مساحة مشتركة من التعاون والتفاهم بين الحضارات، من أجل “تخفيف حدة الكراهية والخوف ” القائم حاليا من بعض الأوساط الغربية إزاء الإسلام .

وبعد أن أكد أن الإقرار بالتنوع الثقافي هو السبيل لترسيخ القيم الإنسانية المشتركة، أبرز أنه من الصعب على أي حضارة أو ثقافة أن تفرض شروطها وقيمها على الثقافات الأخرى ، الأمر الذي يفرض احترام حق الاختلاف والاعتراف بالتمايز والخصوصيات المكتسبة لكل ثقافة وحضارة .

وأضاف أن العولمة بما تنطوي عليه من بعض الايجابيات ، تمثل تحديا حقيقيا للموروث الإنساني المشترك ، مما يدعو إلى رعاية مبدأ التنوع الثقافي من خلال الحوار المؤدي الى مزيد من الوعي بأهمية ترسيخ القيم الإنسانية المشتركة بين جميع الشعوب

وحسب الباحث المغربي، فان أبناء الجاليات المسلمة في بلاد المهجر، يمكنهم القيام بدور هام في تعزيز وترسيخ القيم الإنسانية المشتركة، وذلك من خلال استثمار الموقف الإسلامي الواضح الذي ينفتح على الغير ويتميز بالتسامح مع جميع الأديان والعقائد والثقافات والحضارات.

كما يمكنهم العمل، يضيف الباحث ، على إقامة علاقات ثقافية نشيطة وذات فعالية مع جميع شرائح المجتمعات التي يندمج فيها شباب المهجر ويتعايش معها ، بالإضافة إلى العمل على تصحيح صورة الإسلام من خلال إبراز قيمه النبيلة ومبادئه السامية ومثله العليا التي يجهلها معظم الغربيين نتيجة الصورة النمطية السلبية والأفكار المغلوطة.

وخلص الجامعي المغربي إلى أنه يتوجب استثمار الكفاءات المسلمة الشابة خارج البلدان الإسلامية لتشكل عاملا مجديا ومفيدا في تعزيز القيم الإنسانية المشتركة .

ويذكر أن هذه الندوة الدولية التي نظمت بتعاون بين المنظمتين الإسلامية والعربية (الاسيسكو والالكسو) والأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي، شهدت مشاركة وفود من عدة دول عربية وإسلامية وممثلي العديد من المنظمات الدولية والإقليمية، وتأتي بعد قرار الجمعة العامة للأمم المتحدة بجعل سنة 2010 سنة دولية للشباب، تتوج بعقد مؤتمر دولي للشباب.

(عن و.م.ع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق