مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينشذور

درر في مناقب الأنصار رضي الله عنهم

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لولا الهجرة، لكنت امرأً من الأنصار»([1]).

إنّ الاعتراف بفضل الصحابة الكرام وتقديرهم أصل عظيم يجب على المسلمين معرفته؛ لأن ذلك من الإيمان، فَبُغْضهم أو بُغْض أَحَد منهم من الكفر والنّفاق، ولأن حبّهم من حبّ النبي صلى الله عليه وسلم، وبُغْضهم من بُغْض النبي صلى الله عليه وسلم. و هي من الأمور الواجب الإيمان بها في عقيدة أهل السنة والجماعة.

لقد أثنى الله عز وجل في القرآن الكريم على الصحابة ثناءً عامًا، يشملهم جميعًا، ويشهد لهم بالفضل والإحسان، وثناءً خاصًا، يُفضِّل بعضهم؛ بسابقتهم وإنفاقهم وجهادهم.

ومن بين هؤلاء الأخيار الأفذاذ الصحابة الأنصار، أهل الضيافة والنصـرة، أهل الوفاء والكرم والأخوة، أهل العطاء والبذل بلا حدود. إنَّهم الأنصار، خيرُ مَن واسى بالنفس والمال. فهم قدوةُ الخير لكلِّ مُقتدٍ في العطاء لله ولدينه بلا حدودٍ وبلا كللٍ، وموعده الحسنى يوم يلقى ربه راضيًا مرضيًّا.

لقد مدح الله الأنصار ومعهم المهاجرين في كتابه العزيز، ورفع شأنهم، وأثنى عليهم الثناء العاطر، وزكَّاهم وأعدَّ لهم جنات النعيم قال الله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}([2]).

وقال سبحانه أيضا: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَّنَصَرُوا أُولَٰئِكَ هُمُ الْمُومِنُونَ حَقًّا ۚ لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}([3]).

جاء ثناء الله تعالى على الأنصار في كتابه؛ ليثبت فضلهم ويؤكد مكانتهم في الإسلام؛ وللأنصار رضي الله عنهم فضائل عظيمة قال الله تعالى في معرض مدحهم وذكر فضائلهم: { وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُوثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُّوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }([4]).

وهم قومٌ لهم أعلى مكانةٍ في السابقين، والمجاهدين، والصالحين، والذَّاكرين، والمواسين، والمُؤْثِرين، والمنفقين، ولم يكن لهم في قاموس المعاني من الأنانية، والكَدِّ، والصَّدِّ، والإلجاء، والجُبْنِ، والبُخْلِ، والاستغْلال، والجحود، وخفر العهود – أدنى نصيبٍ من المعنى حتى طاولوا منازلَ الملائكَة الكرام حُبًّا ووفاءً ومَرْحَمَةً وبِرًّا، هُمْ وإخوتهم من المهاجرين. وهم الذين استقبلوا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم  في هجرته إلى المدينة بلهفة المشتاق، وحداء البهجة والتَّرْحاب.

قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الْاوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْانصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الانْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۚ ذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}([5]).

قال القرطبي في تفسيره لهذه الآية: لما ذكر عز وجل أصناف الأعراب، ذكر المهاجرين والأنصار، وبيَّن أن منهم السابقين إلى الهجرة، وأن منهم التابعين، وأثنى عليهم، وقد اختلف في عدد طبقاتهم وأصنافهم ونحن نذكر من ذلك طرفًا نبيِّن الغرض فيه إن شاء الله تعالى، وروي عن عمر بن الخطاب أنه قرأ: {وَالْأَنصَارُ} رفعًا؛ عطفًا على {السَّابِقُونَ}، قال الأخفش: الخفض في الأنصار الوجه؛ لأن السابقين منهما؛ والأنصار اسم إسلامي. قيل لأنس بن مالك: أرأيت قول الناس لكم: الأنصار؛ اسم سَمَّاكم الله به أم كنتم تُدْعَوْن به في الجاهلية؟ قال: بل اسم سمانا الله به في القرآن؛ ذكره أبو عمر في >الاستذكار<.

كما نص القرآن على تفضيل السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، وهم الذين صلوا إلى القبلتين في قول سعيد بن المسيب وطائفة، وفي قول أصحاب الشافعي: هم الذين شهدوا بيعة الرضوان، وهي بيعة الحديبية، وقاله الشَّعْبِيُّ، وعن محمد بن كعب وعطاء بن يسار: هم أهل بدر. واتَّفقوا على أن من هاجر قبل تحويل القبلة فهو من المهاجرين الأولين من غير خلاف بينهم([6]).

وكان الصحابة يقدرون للأنصار مكانتهم فقد رَوَاهُ مُسْلِمٌ عن أَنَسٌ قال: خَرَجْتُ مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْبَجَلِيِّ فِي سَفَرٍ فَكَانَ يَخْدُمُنِي فَقُلْتُ لَهُ: لَا تَفْعَلْ، فَقَالَ: >إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الْأَنْصَارَ تَصْنَعُ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا، آلَيْتُ أَنْ لَا أَصْحَبَ أَحَدًا مِنْهُمْ إِلَّا خَدَمْتُهُ< زَادَ ابْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ فِي حَدِيثِهِمَا: وَكَانَ جَرِيرٌ أَكْبَرَ مِنْ أَنَسٍ، وَقَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: أَسَنَّ مِنْ أَنَسٍ([7]).

وفيما يلي درر في مناقب الأنصار رضي الله عنهم:

مؤاخاة رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بينهم وبين المهاجرين.

من مناقب الأنصار أنَّهم أهلُ المؤاخاة مع المهاجرين، مع أنَّهم كانوا يَملكون الضياعَ والنعم والأموال، بينما ترك المهاجرون كل ذلك في مكة، فكانت أُخُوَّتُهم نَموذجًا باهرًا للإيثار والبذل والعطاء.

وقد آخى النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم  بينهما في دار أنس بن مالكٍ  رضي الله عنه  وكانوا ستين رجلاً، نصفهم من المهاجرين، ونصفهم من الأنصار، آخى بينهم على المواساة، ويتوارثون بعد الموت دون ذَوي الأرحام إلى وقعة بدر، فأنزل الله – تعالى -: {وَأُولُوا الْارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ}([8]).

الأنصار: هم الأوس والخزرج، ووجه تسميتهم بالأنصار؛ لأنهم ناصروا رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ومن معه من المسلمين.

واسم الأنصار، وكذلك اسم المهاجرين، تسمية شرعية سماهم الله بها في القرآن الكريم، ولم تكن معروفة من قبل. فقد روى البخاري عن غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسٍ: أَرَأَيْتَ اسْمَ الأَنْصَارِ، كُنْتُمْ تُسَمَّوْنَ بِهِ، أَمْ سَمَّاكُمُ اللَّهُ؟ قَالَ: >بَلْ سَمَّانَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ<([9]).

وعلى هذه الشاكلة كان حالهم يُنْبِئ عن العطاء في أبهى حُلله، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ: اقْسِمْ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمُ النَّخْلَ، قَالَ: >لاَ< قَالَ: >يَكْفُونَنَا المَئُونَةَ وَيُشْرِكُونَنَا فِي التَّمْرِ< قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا([10]).

وروى البخاري أيضا عن  إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمُوا المَدِينَةَ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ، قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: إِنِّي أَكْثَرُ الأَنْصَارِ مَالًا، فَأَقْسِمُ مَالِي نِصْفَيْنِ، وَلِي امْرَأَتَانِ فَانْظُرْ أَعْجَبَهُمَا إِلَيْكَ فَسَمِّهَا لِي أُطَلِّقْهَا، فَإِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا فَتَزَوَّجْهَا، قَالَ: بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، أَيْنَ سُوقُكُمْ؟ فَدَلُّوهُ عَلَى سُوقِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، فَمَا انْقَلَبَ إِلَّا وَمَعَهُ فَضْلٌ مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ، ثُمَّ تَابَعَ الغُدُوَّ، ثُمَّ جَاءَ يَوْمًا وَبِهِ أَثَرُ صُفْرَةٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: >مَهْيَمْ<، قَالَ: تَزَوَّجْتُ، قَالَ: >كَمْ سُقْتَ إِلَيْهَا؟<. قَالَ: نَوَاةً مِنْ ذَهَبٍ، – أَوْ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ، شَكَّ إِبْرَاهِيمُ ([11]).

حبّ رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأنصار.

فقد روى البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ أَبُو القَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: >لَوْ أَنَّ الأَنْصَارَ سَلَكُوا وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ فِي وَادِي الأَنْصَارِ، وَلَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ<، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: >مَا ظَلَمَ بِأَبِي وَأُمِّي، آوَوْهُ وَنَصَـرُوهُ، أَوْ كَلِمَةً أُخْرَى<([12])

وروى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه  قال: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا، فَكَلَّمَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: >وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ< مَرَّتَيْنِ ([13]).

وروى مسلم في الصحيح عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَأَى صِبْيَانًا وَنِسَاءً مُقْبِلِينَ مِنْ عُرْسٍ، فَقَامَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْثِلًا([14])، فَقَالَ:>اللهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، اللهُمَّ أَنْتُمْ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ يَعْنِي الْأَنْصَارَ<([15]).

الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ.

روى البخاري عن عَدِيٍّ بْنِ ثَابِتٍ، قَالَ: سَمِعْتُ البَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: >الأَنْصَارُ لاَ يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ، وَلاَ يُبْغِضُهُمْ إِلَّا مُنَافِقٌ، فَمَنْ أَحَبَّهُمْ أَحَبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ أَبْغَضَهُمْ أَبْغَضَهُ اللَّهُ<([16]).

آيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: >آيَةُ الإِيمَانِ حُبُّ الأَنْصَارِ، وَآيَةُ النِّفَاقِ بُغْضُ الأَنْصَارِ<([17]).

خَيْرُ الدُورِ دور الأَنْصَارِ.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: >خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ، بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عَبْدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الحَارِثِ بْنِ خَزْرَجٍ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ<([18]).

وصية رسو ل الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأنصار.

روى البخاري عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، يَقُولُ: مَرَّ أَبُو بَكْرٍ، وَالعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكُمْ؟ قَالُوا: ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّا، فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ، قَالَ: فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ، قَالَ: فَصَعِدَ المِنْبَرَ، وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ اليَوْمِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أُوصِيكُمْ بِالأَنْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي، وَقَدْ قَضَوُا الَّذِي عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ، فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ»([19]).

وروى البخاري عَنْ ابْن الغَسِيلِ، قال: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، يَقُولُ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهِ مِلْحَفَةٌ مُتَعَطِّفًا بِهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ، وَعَلَيْهِ عِصَابَةٌ دَسْمَاءُ، حَتَّى جَلَسَ عَلَى المِنْبَرِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ، فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ، وَتَقِلُّ الأَنْصَارُ حَتَّى يَكُونُوا كَالْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ مِنْكُمْ أَمْرًا يَضُرُّ فِيهِ أَحَدًا، أَوْ يَنْفَعُهُ، فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ»([20]).

وروى البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الأَنْصَارُ كَرِشِي، وَعَيْبَتِي وَالنَّاسُ سَيَكْثُرُونَ، وَيَقِلُّونَ فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ»([21]).

وأخرج أحمد في المسند عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: خَرَجَ نَبِيُّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَقَّتْهُ الْأَنْصَارُ بَيْنَهُمْ فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لَأُحِبُّكُمْ، إِنَّ الْأَنْصَارَ قَدْ قَضَوْا مَا عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ الَّذِي عَلَيْكُمْ، فَأَحْسِنُوا إِلَى مُحْسِنِهِمْ، وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ» ([22]).

بشارة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم  بأنه سيلقاهم عند الحوض.

 روى البخاري عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: >إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي وَمَوْعِدُكُمُ الحَوْضُ<([23])، وهذه من عاجل البشرى؛ لأنَّهم افتدوا هذا الدين وهذا النبي الكريم  صلَّى الله عليه وسلَّم  دون أن يكون لهم في عالم الأطماع الدنيوية شيءٌ مذكورٌ أو غير مذكورٍ؛ لهذا استحقوا هذه البشرى.

قول النبي صلَّى الله عليه وسلَّم:  >لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ<.

فقد روى البخاري عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، يَقُولُ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وَأَعْطَى قُرَيْشًا: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ العَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تُرَدُّ عَلَيْهِمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا الأَنْصَارَ، قَالَ: فَقَالَ: >مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ<، وَكَانُوا لاَ يَكْذِبُونَ، فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ، قَالَ: >أَوَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بُيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُيُوتِكُمْ؟ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا، أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ<([24]).

دعاء النبي صلَّى الله عليه وسلَّم للأنصار.

ومن دعاء النبي للأنصار ما رواه البخاري عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: >لاَ عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَةِ، فَأَصْلِحِ الأَنْصَارَ، وَالمُهَاجِرَةَ< وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ، وَقَالَ: >فَاغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ<([25]).

وروى البخاري عَنْ سَهْلٍ، قَالَ: جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَحْنُ نَحْفِرُ الخَنْدَقَ، وَنَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى أَكْتَادِنَا([26])، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: >اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلَّا عَيْشُ الآخِرَهْ، فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ<([27]).

وَروى مسلم في الصحيح قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللهُمَّ اغْفِرْ لِلْأَنْصَارِ، وَلِأَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءِ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ»([28]).

قول النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ  للأنصار:>مَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ<.

روى البخاري عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ، فَغَضِبَتِ الأَنْصَارُ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ»([29]).

وروى البخاري عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ، حِينَ أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ، فَطَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي رِجَالًا المِائَةَ مِنَ الإِبِلِ، فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ: فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَقَالَتِهِمْ، فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، وَلَمْ يَدْعُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ»، فَقَالَ فُقَهَاءُ الأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا، وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالًا حَدِيثِي عَهْدٍ بِكُفْرٍ أَتَأَلَّفُهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى رِحَالِكُمْ، فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «سَتَجِدُونَ أُثْرَةً([30]) شَدِيدَةً، فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي عَلَى الحَوْضِ» قَالَ أَنَسٌ: «فَلَمْ يَصْبِرُوا»([31]).

وروى الإمام أَحْمَدُ في المسند عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: لَمَّا أَعْطَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَى مِنْ تِلْكَ الْعَطَايَا فِي قُرَيْشٍ وَقَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْأَنْصَارِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَجَدَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ فِي أَنْفُسِهِمْ، حَتَّى قَالَ قَائِلُهُمْ: لَقِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمَهُ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ هَذَا الْحَيَّ قَدْ وَجَدُوا عَلَيْكَ فِي أَنْفُسِهِمْ لِمَا صَنَعْتَ فِي هَذَا الْفَيْءِ الَّذِي أَصَبْتَ، قَسَمْتَ فِي قَوْمِكَ، وَأَعْطَيْتَ عَطَايَا عِظَامًا فِي قَبَائِلِ الْعَرَبِ، وَلَمْ يَكُ فِي هَذَا الْحَيِّ مِنَ الْأَنْصَارِ شَيْءٌ، قَالَ: «فَأَيْنَ أَنْتَ مِنْ ذَلِكَ يَا سَعْدُ؟» قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا أَنَا إِلَّا امْرُؤٌ مِنْ قَوْمِي، وَمَا أَنَا؟ قَالَ: «فَاجْمَعْ لِي قَوْمَكَ فِي هَذِهِ الْحَظِيرَةِ»، قَالَ: فَخَرَجَ سَعْدٌ، فَجَمَعَ الْأَنْصَارَ فِي تِلْكَ الْحَظِيرَةِ، قَالَ: فَجَاءَ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، فَتَرَكَهُمْ، فَدَخَلُوا وَجَاءَ آخَرُونَ، فَرَدَّهُمْ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا أَتَاهُ سَعْدٌ فَقَالَ: قَدِ اجْتَمَعَ لَكَ هَذَا الْحَيُّ مِنَ الْأَنْصَارِ، قَالَ: فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، بِالَّذِي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، ثُمَّ قَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ، مَا قَالَةٌ بَلَغَتْنِي عَنْكُمْ وَجِدَةٌ وَجَدْتُمُوهَا فِي أَنْفُسِكُمْ، أَلَمْ آتِكُمْ ضُلَّالًا فَهَدَاكُمُ اللهُ؟ وَعَالَةً فَأَغْنَاكُمُ اللهُ؟ وَأَعْدَاءً فَأَلَّفَ اللهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ؟»، قَالُوا: بَلِ اللهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ وَأَفْضَلُ. قَالَ: «أَلَا تُجِيبُونَنِي يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ؟» قَالُوا: وَبِمَاذَا نُجِيبُكَ يَا رَسُولَ اللهِ، وَلِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ الْمَنُّ وَالْفَضْلُ. قَالَ: «أَمَا وَاللهِ لَوْ شِئْتُمْ لَقُلْتُمْ فَلَصَدَّقْتُمْ وَصُدِّقْتُمْ، أَتَيْتَنَا مُكَذَّبًا فَصَدَّقْنَاكَ، وَمَخْذُولًا فَنَصَرْنَاكَ، وَطَرِيدًا فَآوَيْنَاكَ، وَعَائِلًا فَآسَيْنَاكَ، أَوَجَدْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ فِي لُعَاعَةٍ مِنَ الدُّنْيَا، تَأَلَّفْتُ بِهَا قَوْمًا لِيُسْلِمُوا، وَوَكَلْتُكُمْ إِلَى إِسْلَامِكُمْ؟ أَفَلَا تَرْضَوْنَ -يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ- أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ فِي رِحَالِكُمْ؟ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْلَا الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرأً مِنَ الْأَنْصَارِ، وَلَوْ سَلَكَ النَّاسُ شِعْبًا، وَسَلَكَتِ الْأَنْصَارُ شِعْبًا، لَسَلَكْتُ شِعْبَ الْأَنْصَارِ، اللهُمَّ ارْحَمِ الْأَنْصَارَ، وَأَبْنَاءَ الْأَنْصَارِ، وَأَبْنَاءَ أَبْنَاءِ الْأَنْصَارِ» قَالَ: فَبَكَى الْقَوْمُ، حَتَّى أَخْضَلُوا لِحَاهُمْ، وَقَالُوا: رَضِينَا بِرَسُولِ اللهِ قِسْمًا وَحَظًّا، ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَفَرَّقُوا ([32]).

ولا شك أنَّهم لم يغنموا هذه النُّعوت الفاضلة إلا بمناقبهم وتَميُّزهم، الذي اختُصوا به من بين الناس.

ولله درُّ حسّان بن ثابت وهو يمدح الأنصار بقوله [البسيط]:

قَومي الَّذينَ هُمُ آوَوا نَبِيَّهُمُ

 وَصَدَّقوهُ وَأَهلُ الأَرضِ كُفّارُ

إِلّا خَصائِصَ أَقوامٍ هُمُ سَلَفٌ

 لِلصالِحينَ مَعَ الأَنصارِ أَنصارُ

مُستَبشِرينَ بِقَسْمِ اللَهِ قَولُهُمُ

 لَمّا أَتاهُم كَريمُ الأَصلِ مُختارُ

أَهلاً وَسَهلاً فَفي أَمنٍ وَفي سِعَةٍ

 نِعمَ النَبيُّ وَنِعمَ القَسْمُ وَالجارُ

فَأَنزَلوهُ بِدارٍ لا يَخافُ بِها

 مَن كانَ جارَهُمُ داراً هِيَ الدارُ

وَقاسَموهُ بِها الأَموالَ إِذ قَدِموا

 مُجاهِدينَ وَقَسمُ الجاحِدِ النارُ([33])

والحمدلله رب العالمين.

——————————————————————————-

([1]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار-باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ»-5/31 رقم: 3779.

([2])  سورة الأنفال: 73.

([3])  سورة الأنفال: 75.

([4])  سورة الحشر: 9.

([5])  سورة التوبة آية 101.

([6])  الجامع لأحكام القرآن = تفسير القرطبي: 8/235-238.

([7]) رواه مسلم في الصحيح- كتاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- بَابٌ فِي حُسْنِ صُحْبَةِ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ-4/1951 رقم: 2513.

([8])  سورة الأنفال آية 75.

([9]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار-باب مَنَاقِبِ الأَنْصَارِ-5/30 رقم: 3776.

([10]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار-باب إِخَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ المُهَاجِرِينَ، وَالأَنْصَارِ «لَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ»-5/32 رقم: 3782.

([11]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار-باب إِخَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ المُهَاجِرِينَ، وَالأَنْصَارِ «لَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ»-5/31 رقم: 3780.

([12]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار-باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَوْلاَ الهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ»-5/31 رقم: 3779.

([13]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار-باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: «أَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»-5/32 رقم: 3786.

([14]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار-باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: «أَنْتُمْ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ»-5/32 رقم: 3786.

([15]) ممثلا: يروى بكسر الثاء وَفَتْحِهَا: أَيْ مُنْتَصِبًا قَائِمًا.  ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: 4/295.

([16]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- بَابُ حُبِّ الأَنْصَارِ. 5/32 رقم: 3783.

([17]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- بَابُ حُبِّ الأَنْصَارِ.5/32 رقم: 3784.

([18]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- بَابُ فَضْلِ دُورِ الأَنْصَارِ5/33 رقم: 3789.

([19]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ».5/34 رقم: 3799.

([20]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ».5/35 رقم: 3800.

([21]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ».5/35 رقم: 3801.

([22]) أخرجه أحمد في المسند: 20/278، رقم: 12950، وقال المحقق شعيب الأرنؤوط: (إسناده صحيح على شرط البخاري).

([23]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِ: «اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الحَوْضِ».5/33 رقم: 3793.

([24]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار-بَابُ مَنَاقِبِ الأَنْصَارِ.5/30 رقم: 3778.

([25]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصْلِحِ الأَنْصَارَ، وَالمُهَاجِرَةَ».5/34 رقم: 3795.

([26])الكَتَدُ بِفَتْحِ التَّاء وكَسْرها: مُجْتَمَع الكَتِفين، وَهُوَ الكاهِل. ينطر: النهاية في غريب الحديث والأثر لابن الأثير: 4/149.

([27]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب مناقب الأنصار- بَابُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصْلِحِ الأَنْصَارَ، وَالمُهَاجِرَةَ».5/34 رقم: 3797.

([28]) رواه مسلم في الصحيح- كتاب فَضَائِلِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ- بَابٌ  مِنْ فَضَائِلِ الْأَنَصَارِ رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُمْ-4/1948 رقم: 2506.

([29]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب المغازي- بَابُ غزوة الطائف.5/158 رقم: 4332.

([30]) قال القسطلاني: (أُثْرَةً: بضم الهمزة وسكون المثلثة وبفتحهما لأبي ذر وبالوجهين قيده الجياني وبفتحهما الأصيلي أي؛ سترون بعدي استقلال الأمراء بالأموال وحرمانكم منها (فاصبروا حتى تلقوا الله) يوم القيامة. ينظر: إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري: 5/226.

([31]) رواه البخاري في الصحيح- كتاب المغازي- بَابُ غزوة الطائف.5/158 رقم: 4331.

([32]) أخرجه أحمد في المسند: 18/254، وقال المحقق شعيب الأرنؤؤط: (إسناده حسن).

([33]) الأبيات في سيرة ابن هشام: 2/223.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق