مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينشذور

درر في محبة أهل البيت رضي الله عنهم (1)

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: >أذكركم الله في أهل بيتي< ([1]).

إنّ الله عز وجل اصطفى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على جميع الخلائق، وخصه بفضائل ومزايا وعطايا لم تعط لأحد قبله ولا بعده، فقد أخرج الإمام مسلم في أوائل كتاب الفضائل من صحيحه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : >أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأوّل من ينشق عنه القبر، وأوّل شافع وأوّل مشفع<. وحباه الله عز وجل وقربه، وأعلى منزلته ومنزلة من انتسب إليه سببا أو نسبة، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، >ينقطع يوم القيامة كل سَبَببٍ ونَسَبٍ، إلا سببي و نسبي<([2])، ورفع مرتبة أتباعه إلى يوم الدين، فقال سبحانه : {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}([3]) وفرض على المسلمين محبته فقال صلى الله عليه وسلم: >لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده، ووالده، والناس أجمعين<، فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسـي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: >لا، والذي نفسـي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك<. فقال له عمر: فإنه الآن، والله لأنت أحب إلي من نفسـي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: >الآن يا عمر<([4]). ودعانا لمحبة أهل بيته وألزمنا مودة قرابته صلى الله عليه وسلم وتوقيرهم  وتعظيمهم فقال صلى الله عليه وسلم: >أذكركم الله في أهل بيتي< ([5]). مع وجوب محبتهم وتحريم بغضهم، باعتبار نسبتهم الطاهرة إلى سيدنا رسول الله ، لأنهم جزء منه، وللجزء من الحرمة ما للكل، ولقد خصهم الله بالذكر في غير ما آية من كتابه العزيز، في الطهارة: {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس} ([6]) والمودة: {قل لا أسألكم عليه أجرا إلاّ المودة في القربى} ([7]) . وفي تفسير الخطيب([8]) الشـربيني ([9]) في قوله تعالى: {قل لا أسألكم عليه أجرا} ([10]) أي: البلاغ أجرا، ولكن أسألكم المودة- أي المحبة العظيمة الواسعة- في القربى، أي: مظروفة منها، بحيث تكون القربى موضعا للمودة وظرفا لها لا يخرج شيء من محبتكم عنها.

فعلى هذا؛ يجب على من عرف مناقبهم وفضائلهم، أن يعظم قدرهم، وفي ذلك تعظيم لقدر سيدهم الذي ينتسبون إليه، وأن يوقرهم ويعظمهم، فقد أخرج البخاري في الصحيح عن أبي بكر رضي الله عنه: >ارقبوا محمدا في آل بيته< ([11])، قال القاضي عياض في (الشفا بتعريف حقوق المصطفى): (ومن توقيره صلى الله عليه وسلم وبره برُّ آله وذريته وأمهات المؤمنين أزواجه، كما حض عليه صلى الله عليه وسلم ، وسلكه السلف الصالح رضي الله عنهم)([12]). يقول العلامة الرهوني التطواني في (إعلام الأنام بحقوق آل البيت الكرام): وفي هذا التعليق تنبيه عظيم يغفل عنه الكثير في نظرتهم لآل البيت، فينظر البعض لهم على أنهم أفراد وأناس عاديون كغيرهم من البشـر، ليس لهم مزية، وهذا عين الجهل ؛ بل هم آل النبي الكريم الذي هو أفضل الرسل، وهم أبناؤه من نسله فاطمة الزهراء سيدة نساء الجنة، وريحانته في الدنيا الحسن والحسين، ولهذا قال العلماء من ثبتت المزية لأصله ثبتت لفرعه. وهو مودة قرابته صلى الله عليه وسلم ومحبَّتهم، لزمنا أن نؤدي هذا الواجب من محبتهم على أكمل الوجوه، بل لو لم يكن في وجوب محبَّتهم إلا هذه الآية لكان كافيا للعاقل في لزومها، وعدم الخروج عنها طرفة عين، مع أن المصطفى صلى الله عليه وسلم حضَّ عليها في غير ما حديث([13]).

والحمد لله رب العالمين.

—————————————————————————-

([1]) أخرجه مسلم في(الصحيح) ص:980 -كتاب فضائل الصحابة-باب فضل علي بن أبي طالب. – ]رقم:2408[

([2]) أخرجه أحمد في (الفضائل): 2/626  ]رقم:1070[، بلفظ (كل سبب ونسب ينقطع) عن شبيب بن غردقة عن المستظل أن عمر خَطَبَ إلى علي ابنته أم كلثوم، وأخرجه الطبراني في (الكبير): 5/376، عن عمر بن الخطاب، وأخرج الحاكم نحوه في(المستدرك): 3/165 ، وصححه على شرط الشيخان. وأورده الهيثمي في(المجمع): 9/275 ، عن جابر. وقال: رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار، ورجالهما رجال الصحيح غير الحسن بن سهل، وهو ثقة.

([3])  سورة آل عمران آية 110.

([4]) أخرجه البخاري في الصحيح -كتاب الأيمان والنذور- باب كيف كانت يمين النبي صلى الله عليه وسلم 6/ 2445 رقم: 6257.

([5]) أخرجه مسلم في(الصحيح) ص:980 -كتاب فضائل الصحابة-باب فضل علي بن أبي طالب. – ]رقم:2408[

([6]) سورة الأحزاب، الآية: 33.

([7]) سورة الشورى، الآية: 21.

([8]) هو: شمس الدين محمد بن أحمد الخطيب الشربيني،(900-977هـ)، الشافعي القاهري، الفقيه المفسر، المتكلم النحوي، ولد في شربين بمحافظة الدقهلية وإليها ينسب، تبحر في علوم عدة وأجيز في الإفتاء والتدريس. ترجمته في: شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي: 10/561-562.

([9]) (السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم). الكتاب مطبوع.

([10]) سورة الشورى: الآية 21.

([11]) أخرجه البخاري في )الصحيح(: 3/27 –كتاب فضائل أصحاب النبي-باب مناقب الحسن والحسين- ]رقم:3751[ عن ابن عمر.

([12]) القاضي عياض في )الشفا( ص: 292.

([13]) ص: 63، والكتاب من منشورات مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعين بطنجة التابع للرابطة المحمدية للعلماء. طبع سنة 2014.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق