الرابطة المحمدية للعلماء

دراسة حديثة ترصد تصاعد ظاهرة الإسلاموفوبيا بالولايات المتحدة

خلصت دراسة أمريكية حديثة إلى أن ظاهرة “الإسلاموفوبيا” هي  في ازدياد مضطرد بالولايات المتحدة الأميركية، بعد مرور أزيد من عشر سنوات على هجمات الحادي عشر من شتنبر الإرهابية، وأن الظاهرة الآن “أكثر انتشارا” مما كانت عليه قبل عشر سنوات مضت، بل إنها زادت بشكل “دراماتيكي” منذ سنة 2008.

وتوضح الدراسة الصادرة عن مركز التقدم الأمريكي، وهو مركز أبحاث أمريكي ليبرالي التوجه، مدى تطور شبكة الإسلاموفوبيا في أمريكا خلال السنوات العشر الأخيرة، والنموّ السّريع والمتصاعد لتلك الظّاهرة، والتي تطوّرت بصفة ملحوظة منذ عام 2001، ونمَت أكثر وبشكل مقلق خلال العامين الأخيرين.

فقبل عشر سنوات، لم تكن شبكة الإسلاموفوبيا بهذا الحجم، وما كانت تضم كل هؤلاء الإعلاميين والكتاب والسياسيين والقادة الجماهيريين. ولم تكن أيضًا قد انتشرت في نواحٍ مختلفة من الحياة العامة الأمريكية، وخاصة على المستوى السياسي-الجماهيري، كما يوضّح تقرير المركز.

ولعل صدور هذا التّقرير في الفترة الحالية عن مركز أبحاث أمريكي معروف نسبيا في واشنطن، هو جرس إنذار عالي الصوت لكل المعنيّين بمكافحة الظّاهرة ومواجهتها، وهي التي تؤثّر يوميا في صورة الإسلام والمسلمين في أميركا وفي العلاقة بين الولايات المتّحدة ودول العالم الإسلامي.

وبحسب التقرير فإن الإسلاموفوبيا هي “خوف، أو كراهية، أو عداء مبالغ فيه ضد الإسلام والمسلمين، وتقوم على صور نمطية سلبيّة، وتؤدّي إلى التحيّز ضد المسلمين والتمييز ضدهم وتهميشهم وإقصائهم من الحياة الأمريكية الاجتماعية والسياسية والعامة”.

وهذا يعني أن الإسلاموفوبيا ليست تحيزا عارضًا ضد الإسلام والمسلمين بسبب عدم المعرفة أو الجهل، وينتهي عند الشكّ البسيط القابل للزّوال في أقرب فرصة، إنّما الإسلاموفوبيا خوف وعداء مبالغ فيهما لا يتوقّفان فقط عند مستوى الشّعور أو الفكر، بل يتخطّيانه إلى مستوى العمل من خلال الحض على – أو المشاركة في – تهميش المسلمين والإسلام كجماعة ودين من الحياة العامة الأميركية على مستويات مختلفة وتشويه صورتهم.

وتقول الدّراسة إن الإسلاموفوبيا هي امتداد لحركات الكراهية الأمريكية. وهي حركات عديدة وقديمة قدم أميركا نفسها، وعانت منها تاريخياً جماعات أمريكية مختلفة كالسّود وبعض المهاجرين وبعض الطّوائف الدينيّة المسيحية لأسباب مختلفة، مؤكدة “للأسف المسلمون الأمريكيون والإسلام هما الفصل الأحدث في كفاح أمريكي طويل ضدّ استخدام الآخرين كبش فداء لأسبابٍ دينية وعرقية وعقائدية”.

وهذا يعني أن شبكة الإسلاموفوبيا لم تولد في أمريكا بعد أحداث “11 شتنبر”، فقد وُجدت قبل ذلك بسنوات، حسب التقرير الذي أشار إلى كتابات بعض رواد “شركة الإسلاموفوبيا” ومواقفهم كستيفن إمرسون، مؤسّس ومدير “مركز المشروع التحقيقي عن الإرهاب”، التي تعود إلى النّصف الأول من تسعينيات القرن الماضي.

وكانت قفزة الإسلاموفوبيا الكبرى في أمريكا على مرحلتين، تورد الدراسة؛ المرحلة الأولى هي التالية لأحداث “11 شتنبر”؛ إذ شهدت نموا واسعا لظاهرة الإسلاموفوبيا حيث امتدّت إلى عددٍ أكبر من الخبراء ووسائل الإعلام والحركات اليمينية الأمريكيّة، ممّا أدّى إلى تدهورٍ كبير في صورة الإسلام والمسلمين.

وتشير استطلاعات الرّأي الأمريكية إلى أن الإسلام هو أكثر الأديان التي ينظر لها سلبيا في أميركا في الوقت الحاضر، حيث ينظر 37 بالمائة فقط من الأميركيين بنظرة إيجابية للإسلام. وهي النّسبة الأقل منذ عشر سنوات، وذلك وفقا لاستطلاعٍ قامت به شبكة “أي بي سي”، وصحيفة “واشنطن بوست” في سنة 2010.

وهي نظرة تُرجمت في رفض مجتمعي أميركي للمسلمين الأمريكيين، حيث تشير الاستطلاعات إلى أنّ 28 بالمائة من النّاخبين الأمريكيين لا يعتقدون أنّ المسلمين يحقّ لهم الخدمة في المحكمة العليا الأميركيّة، ويعتقد ثلث الأميركيين تقريبا أنه يجب منع المسلمين من الترشح للرئاسة، وذلك وفقًا لاستطلاع مجلّة “تايم” الأميركية في سنة 2010.

أمّا مرحلة النموّ الثانية، فهي الفترة منذ سنة 2008 وحتّى الآن، إذ يتّضح من التّقرير أن خروج الجمهوريين من الحكم وصعود نجم الرئيس الأمريكي الحالي، باراك أوباما، أدّى إلى تشدّدٍ كبير من جانب الحركات اليمينيّة الأميركية، وتحرّر يدها في الهجوم على الإسلام والمسلمين. كما رأى بعضهم في باراك أوباما ومسلمي أمريكا عدواً مشتركا؛ إذ عمد هؤلاء إلى تصوير أوباما على أنّه مسلم أو مسلم مستتر يخفي إسلامه، أو شخص متعاطف مع المسلمين، وصبّوا غضبهم عليه وعلى المسلمين على أنّهم جزء من مؤامرة ضدّ أمريكا.

ويرصد التّقرير عددًا من المقولات الخطيرة في حقّ أوباما والمسلمين، إذ كتب فرانك غافني – أحد أبرز أعضاء شبكة الإسلاموفوبيا في أمريكا وفقًا للدّراسة- مؤسّس ومدير “مركز سياسات الأمن”، مقالا بعنوان “أول رئيس مسلم لأمريكا؟”، يقول فيه إنّ هناك “أدلّة متراكمة على أن الرئيس ليس فقط مرتبطًا بالمسلمين، ولكنه أيضا قد يكون لا يزال واحدا منهم”.

وتشير الدراسة إلى أن الإسلاموفوبيا بمعناها السّابق لا تنتشر في أمريكا بهذه السّرعة تلقائيا أو كنتيجة للتوتّر الذي تمرّ به العلاقات بين أميركا وبعض الدول المسلمة، أو بسبب التحيّزات القديمة وأخطاء الإعلام الأميركي في تغطية قضايا الإسلام والمسلمين، مؤكدة أن الإسلاموفوبيا في أمريكا مقصودة ويقف وراءها مجموعة من المؤسسات اليمينية المتشددة، والتي تسمّيها الدّراسة “شبكة الإسلاموفوبيا”. وهذا يعني أننا أمام عدة مؤسسات تعمل في تكاملٍ وعن قربٍ لنشر الإسلاموفوبيا على مستوياتٍ مختلفة.

نورالدين اليزيد، عن صدى الوطن بتصرف

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق