الرابطة المحمدية للعلماء

دراسة جديدة حول التفسير الموضوعي للقرآن الكريم

جمعت الدراسة بين التأصيل التاريخي والنقد المنهجي للتفاسير الموضوعية

صدر حديثا عن دار الملتقى بمدينة حلب السورية 2009 دراسة للدكتور سامر رشواني حول : “منهج التفسير الموضوعي للقرآن الكريم: دراسة نقدية”. مميزا بين التفسير الموضوعي للقرآن المجيد، والتفسير الموضوعي للسور..

وفي سعيه لذلك، أجرى الباحث رصدا تاريخياً لبواكير التفسير الموضوعي، متتبعا أصوله الأولى لدى المعتزلة، وبوجه خاص، لدى الجاحظ في دراسته عن “النار” في القرآن الكريم، ثم ما بات يعرف  بـ”تفسير القرآن بالقرآن”، خاصة مع ابن تيمية الذي قدم دراسة رائدة عن “السنّة” في القرآن، وصولا إلى مصنفات التفسير الفقهي التي تعتمد الموضوع الفقهي أصلاً في الدرس القرآني..

بعد ذلك انتقل الباحث للدراسات الحديثة، منطلقا من اهتمام المستشرقين بالتفسير الموضوعي كوسيلة لفهم القرآن المجيد، بعد أن استغلق عليهم فهم ترتيبه التوفيقي، كاشفا أن أولى هذه الدراسات تعود إلى المستشرق الهولندي فت الذي نشر دراسة عام 1845 بعنوان: “محمد والقرآن”، وتوالت دراسات أخرى تركزت في مجال العقائد والديانات، وتوّج عمل المستشرقين في هذا المجال بصدور “دائرة معارف القرآن” التي انكبت على دراسة النص القرآني نفسه.

بعد ذلك وقف على الجهود القيمة لمدرسة المنار، والمدرسة الإصلاحية، والاتجاه الأدبي في التفسير، في هذا المجال، إلى أن ظهرت أول رسالة علمية أكاديمية قدمها محمد محمود حجازي عام 1967 بعنوان: “الوحدة الموضوعية في القرآن الكريم” كأطروحة للدكتوراه في الأزهر، ثم تبعتها دراسات أخرى، إلى أن وجدت الفكرة تطوراً آخر لدى محمد باقر الصدر في تركيزه على الجانب الاجتماعي وربط التفسير بالواقع، فيما يتحول التفسير الموضوعي إلى مجال للتأويل عند حسن حنفي الذي يعتبر النص مجرد معطى يمكن أن يملأه المؤوّل بالمضمون الزماني والمكاني الذي يعيشه.

لقد اعتمد الكاتب هذا المدخل التاريخي التحليلي بمثابة أرضية لنقد المنهج في التفسير الموضوعي، وقد توقف فيه بالخصوص عند جهد الباحث الياباني “توشيكو إيزوتسو” ومقاربته للكلمات المفتاحية في القرآن، كما توقف عند مشكلة الترتيب التاريخي لآيات القرآن وأعمال المستشرقين والمعاصرين في هذا المجال وموقفهم منه، وأولى اهتماماً خاصاً للدراسة الدلالية والمصطلح القرآني، والدراسة النصية ودور السياق الجزئي والكلي في التفسير، وتوقف عند أهم الإشكالات في التفسير الموضوعي، وهي دعوى الموضوعية في مقابل التحيز، واعتبر أن الرجوع إلى النص القرآني يقلل من الخلاف.

أما التفسير الموضوعي للسورة (النوع الثاني للتفسير الموضوعي) فيقصد به”وحدة السورة”  موضوعياً أو عضوياً أو نسقياً، وخلاصته أنه “النظر في السورة القرآنية من حيث كليتها ونظمها، لا من حيث الدلالة التفصيلية لآياتها”، ويرصد جذور هذا النوع من التفسير الذي يرجع الاهتمام الصريح به إلى الباقلاني وحديثه عن نظم السورة، كما اهتم الرازي بمناسبات الآيات في السورة الواحدة، وأولى ابن تيمية وابن القيم الجوزية اهتماماً بموضوع السور، فيما تحدث الشاطبي عن مقاصد سور القرآن، إلى أن جاء البقاعي واعتبر القرآن وحدة مترابطة وأن هذه الوحدة تسري بين سوره وآياته، فكل سورة لها مقصد واحد يدور عليه أولها وآخرها، ويستدل عليه فيها.

أما في العصر الحديث، فتطور النظر إلى الموضوع مع عبدالحميد الفراهي في نظريته حول “نظام القرآن”، ويرى أن لكل سورة صورة مشخصة، وأن للسورة عموداً يجري إليه الكلام، ويُتَابع الموضوع مع محمد عبدالله دراز الذي تحدث عن وحدة عضوية للسورة ونظام معنوي وبنية متماسكة. وتجد فكرة وحدة السورة حضورها عند المدرسة الأدبية وسيد قطب وآخرين اختلفت تسمياتهم للفكرة الأساسية، وهي الوحدة الموضوعية للسورة القرآنية،  والتي ترتبط بعناوين منهجية تبدأ من دلالة اسم السورة، وتاريخ النزول وبيئته، وتناسب الآيات، وعمود السورة وقضاياها ومقاصدها.

تنبع أهمية هذه الدراسة، وفق ما أكده الباحث عبدالرحمن حللي في مقالة له بجريدة الحياة اللندنية، من تتبعها التاريخي للاتجاهات الكبرى للتفسير الموضوعي، وفق رؤية منهجية تحليلية نقدية ترنو إلى أن تقدم أرضية تأصيلية ينطلق منها كل باحث في هذا المجال.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق