مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكأعلام

خليل بن إسحاق الجندي (767هـ)

 

ذة. نعيمة ملوكي:

باحثة مختصة في الفقه المالكي.

 

هو خليل بن إسحاق بن شعيب أبو المودة ضياء الدين، عرف بالجندي، الإمام العلامة العامل القدوة الحجة الفهامة، حامل لواء المذهب بمصر في وقته، من الفقهاء الذين أنجبتهم المدرسة المالكية بمصر، المشارك في كثير من العلوم الشرعية، مثل العربية والحديث والفرائض والأصول وغيرها. قال ابن فرحون: إنه من جند المنصورة كان يتزيى بزيهم، حضرته بالقاهرة يقرئ فقها وحديثا وعربية، من صدور علمائها، مجمعا على فضله ودينه، أستاذا ممتعا ذا تحقيق، ثاقب الذهن، أصيل البحث، مشاركا في الفنون، فاضلا في مذهبه صحيح النقل، جامعا بين العلم والعمل.

جاور بمكة وحج، ودرّس بالشيخونية أكبر مدرسة بمصر وبيده وظائف أخر. لازم الشيخ المنوفي فشغل مالكيا رغم أن أباه كان حنفيا.

آثر الشيخ خليل حياة التقشف والانقباض على حياة الترف والإسراف، وكان من الدعاة إلى الله الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر المقبلين على نشر العلم، فنفع الله به المسلمين.

تفقه على يد الإمام العالم عبد الله المنوفي وأخذ عنه الفقه، وعن شيوخ مصر كأبي عبد الله ابن الحاج صاحب المدخل، وابن عبد الهادي، وأخذ العربية والأصول عن الرشيدي. أخذ عنه جلة من العلماء الأئمة منهم: بهرام والأقفهسي، وحسن البصري، وخلف النحريري، ويوسف البساطي والتاج الإسحاقي، وشمس الدين محمد الغماري المالكي. 

له شرح حسن على ابن الحاجب في ست مجلدات، انتقاه من ابن عبد السلام، وقد اعتمد اختياراته وأنقاله، لعلمه بفضله مع عزو الأقوال ورد الفرع لأصله، وإيضاح ما فيه من الإشكال، سماه: “التوضيح”، وضع الله عليه القبول وعكف الناس على تحصيله ومطالعته.

وألف مختصرا في المذهب على منوال الحاوي، قال الحجوي: فجمع الفروع الكثيرة من كتب المذهب حتى قالوا: إنه حوى مائة ألف مسألة منطوقا ومثلها مفهوما، وإنما ذلك تقريب وإلا ففيه أكثر من ذلك بكثير، بل قال الهلالي: فيه المسألة الواحدة التي تجمع ألف ألف مسألة، قصد فيه إلى بيان المشهور مجردا عن الخلاف، وجمع فيه فروعا كثيرة جدا مع الإيجاز البليغ، أقام في تأليفه خمسا وعشرين سنة، ولقد عم النفع بهذا المختصر إجابة لما سأل الله فيه بقوله في ديباجته: “والله أسأل أن ينفع به من كتبه أو قرأه أو حصّله أو سعى في شيء منه، وقد كتبته بخطي وقرأته، واتخذته وظيفة عمري”، ولم يخرج من المسودة إلا ثلثه الأول إلى النكاح، والباقي أخرجه تلاميذه. وقد لقي إقبال العلماء والطلبة عليه بالحفظ والتدريس والشرح والتعليق.

 وله شرح على المدونة ولم يكمل وصل فيه إلى كتاب الحج. وله ترجمة شيخه سيدي عبد الله المنوفي تدل على علمه بالأصول. وشرح على ألفية ابن مالك، ومنسك وتقاييد.

أثنى عليه العلماء مشرقا ومغربا وأدلوا بشهاداتهم في حقه:

فقال عنه الإمام ابن مرزوق: سمعت من غير واحد أنه من أهل الدين والصلاح، مجتهدا في العلم إلى الغاية حتى لا ينام في بعض الأوقات إلا زمنا يسيرا بعد طلوع الفجر للراحة من جهد المطالعة للكتب.

وقال عنه ابن غازي: كان عالما مشتغلا بما يعنيه، حتى حكي عنه أنه أقام عشرين سنة لم ير النيل بمصر.

وحكى أبو زيد الكلواني عمن رآى خليلا بالديار المصرية يلبس الثياب القصيرة … ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

وحكى الحافظ أبو عبد الله القوري أنه بلغه أنه كان من أهل المكاشفات، وأنه مر بطباخ دلس على الناس بيع لحم الميتة فكاشفه فأقر وتاب على يديه.

ولقد أذعن علماء المغرب لفضله وجلالته حتى أن العلامة ابن ناجي أحد جماعة ابن عرفة في شرح التهذيب في غير موضع ساق كلام الشيخ خليل على طريق الاستدلال على ما صدرت المخالفة فيه بينه وبين مشايخه، حيث قال في بعض المواطن: ولم يزل يختلف حتى ورد علينا تأليف خليل.

أما عن قيمة مؤلفاته العلمية:

فيقول أحمد التنبكتي: وقد عكف الناس على مختصره وتوضيحه شرقا وغربا، حتى اقتصروا في بلاد المغرب كفاس ومراكش في هذا الوقت على المختصر فقط، فصار قصاراهم مع الرسالة، قل أن ترى معتنيا بابن الحاجب فضلا عن المدونة (…) وأما توضيحه فليس من شروحه على كثرتها ما هو أنفع منه ولا أشهر، اعتمد عليه حفاظ المذهب من أصحاب ابن عرفة وغيرهم.

وقد تمسكوا به تمسكهم بالإسلام حيث حكي عن الشيخ ناصر الدين اللقاني حين عورض بكلام غير خليل أنه كان يقول: “نحن ناس خليليون إن ضل ضللنا” مبالغة في الحرص على متابعته لكمال الاعتقاد في فضله وتحريره.

وقد مدح ابن غازي المختصر فقال: “إن مختصر الشيخ العلامة خليل بن إسحاق من أفضل نفائس الأعلاق، وأحق ما رمق بالأحداق، وصرفت له همم الحذاق، إذ هو عظيم الجدوى بليغ الفحوى مبين لما به الفتوى، وما هو المرجع الأقوى قد جمع الاختصار في شدة الضبط والتهذيب، وأظهر الاقتدار في حسن المساق والترتيب، فما نسج أحد على منواله، ولا سمحت قريحة بمثاله”. فاعتنى به المغاربة وعكفوا على حفظه ودراسته على مر العصور، واعتمدوه في الفتوى استغناءا به عما سبقه من أمهات المذهب، وخصصت كراسي علمية بالقرويين لتدريسه، وحرص السلاطين على حضور ختمه ومنح المنح الرفيعة لحافظيه.

فكان للشيخ خليل دور كبير في توحيد المذهب المالكي وترسيخه، بعد أن كانت فتواه متشعبة ومتفرقة في المدارس المالكية المتعددة، واقتصر في مختصره على ما به الفتوى من الأقوال وترك بقيتها، إسهاما منه في تقنين فقه المذهب ورسم طريق الفتوى حتى لا يتيه المستفتي بين الأقوال.

وقد توفي رحمه الله لثلاث عشر من شهر ربيع الأول من سنة ست وسبعين  وسبعمائة وقيل سبع وستين وسبعمائة للهجرة.

 

مصادر الترجمة:

– كفاية المحتاج للعلامة أحمد بابا التنبكتي ص124 رقم153 الترجمة.

– الدرر الكامنة لابن حجر 2/49 رقم الترجمة1653.

– شجرة النور الزكية محمد بن قاسم مخلوف 1/321 رقم825 الترجمة.

– توشيح الديباج وحلية الابتهاج، بدر الدين القرافي: ص70:

– الديباج المذهب لابن فرحون 1/312

– الفكر السامي 4/77.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق