مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

خلق العدل في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين.

    لقد حث الله عز وجل  على خُلق العدل في العديد من آياته الكريمة، ودعا الإنسان إلى الاتصاف به، قال تعالى في محكم آياته: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا) ([1])، وقال (يا أيهآ الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهدآء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون) ([2])، كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم في العديد من أحاديثه إلى الالتزام بهذا الخلق الرفيع مبينا عظيم أجر المتصف به يوم القيامة؛ فقال: “إن المقسطين عند الله على منابر من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا” ([3])

ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة في العدل، ومن يتصفح سيرته الطاهرة يجدها حافلة بهذا الخلق الرفيع، لأجل ذلك أحببت أن أعرض في هذه العجالة لبعض المواقف التي تدل على عدل النبي صلى الله عليه وسلم باختصار، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

بعض المواقف التي تدل على عدل النبي صلى الله عليه وسلم:

لقد كان من صفات النبي صلى الله عليه وسلم العدل في كل شيء، حتى مع نفسه، وسيرته الطاهرة  مليئة بنماذج كثيرة تبين تمسكه صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق الرفيع، سواء كان هذا العدل في حد من حدود الله، أو في غيرها من الأمور العامة السلمية، والحربية على حد سواء، ومن نماذج ذلك الآتي:

عدله صلى الله عليه وسلم ولو على قرابته، واتضح لنا ذلك من خلال قصة المرأة المخزومية التي سرقت، واستعان أهلها بأسامة بن زيد كي يشفع لهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم لأسامة كما في الصحيحين: “أتشفع في حد من حدود الله؟ ثم قام فاختطب، ثم قال: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها “([4])

عدله مع زوجاته حتى في أبسط الأمور؛ فعن أنس رضي الله عنه قال: “كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم فسقطت الصحفة فانفلقت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة، ويقول: “غارت أمكم” ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت”([5])، وعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت:” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها” ([6])

عدله مع أصحابه؛ كما التزم النبي صلى الله عليه وسلم بخلق العدل مع أصحابه، وكان يأمرهم بالتزامه في كل الأمور قال صلى الله عليه وسلم: “يا عبد الله بن عمرو بلغني أنك تصوم النهار ، وتقوم الليل فلا تفعل ، فإن لجسدك عليك حظا ، ولعينك عليك حظا ، وإن لزوجك عليك حظا “([7])

عدله مع غير المسلمين ومن صوره: حين اختصم رجل من الصحابة؛ وهو الأشعث بن قيس مع جاره اليهودي، فقد روى عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : ” من حلف على يمين وهو فيها فاجر، ليقطع بها مال امرئ مسلم، لقي الله وهو عليه غضبان” قال: فقال الأشعث بن قيس: “في والله كان ذلك، كان بيني وبين رجل من اليهود أرض فجحدني، فقدمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي رسول الله عليه الصلاة والسلام: “ألك بينة؟ قلت: لا، فقال لليهودي: “”احلف” قال: قلت: يا رسول الله، إذا يحلف ويذهب بمالي، فأنزل الله تعالى: (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا) ([8]) ([9])

     من خلال ما تقدم من بعض نماذج عدله صلى الله عليه وسلم نخلص للآتي:  أن العدل يعد خلقا رفيعا حث عليه الإسلام وأمر  بها ، كما التزمه النبي صلى الله عليه في سائر أمور حياته وحث على الالتزام به ، والمسلم مطالب بالتحلي بهذة الصفة العظيمة، فبها فلاحه في الدنيا والآخرة.

والحمد لله رب العالمين 

*******************

هوامش المقال:

([1])  سورة النساء  الآية: (135).

([2])  سورة المائدة  الآية: (8).

([3])  صحيح مسلم (2 /886) كتاب: الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث على الرفق برقم:  (1827).

([4])  صحيح البخاري (2/ 499) كتاب:  أحاديث الأنبياء، باب: حديث الغار، برقم: (3475)، وصحيح مسلم (2/ 805) كتاب: الحدود، باب: باب قطع السارق الشريف وغيره والنهي عن الشفاعة في الحدود، برقم : (1688) واللفظ للبخاري.

([5])  صحيح البخاري (3 /394) كتاب:  النكاح، باب: المتشبع لما لم ينل، وما ينهى من افتخار الضرة، برقم: (5225).

([6])  صحيح البخاري (2/ 235) ، كتاب: الهبة، باب: هبة المرأة لغير زوجها، برقم:  (2593) وصحيح مسلم في حديث طويل، كتاب: التوبة، في حديث الإفك وقبول توبة القاذف، برقم: (2770).

([7])  صحيح مسلم (1 /518)، كتاب: الصيام، باب: النهي عن صوم الدهر، برقم: (192)(1159).

([8])  سورة آل عمران (77).

([9])  صحيح البخاري (2/ 258)، كتاب: الشهادات، باب: سؤال الحاكم المدعي هل لك بينة قبل اليمين، برقم: (2666)(2667).

****************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ..

الجامع الصحيح. أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتنقيحه: محب الدين الخطيب، ورقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وراجعه وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة. ط 1/ 1400هـ.

*راجع المقال الباحث: يوسف ازهار

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق