مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

خصائص الكتابة الصوفية في درر الحجال

يسمح لنا مما وَصَلَنا من “درر الحجال”[1] بإبداء الملاحظات التالية:

1- الإكثار من التقسيمات والفصول. فقد عقد ثلاثة وثلاثين فصلا للحديث عن ثلاثة محاور أساسية. وجاءت مختصرة لا تتعدى بضعة أسطر في الغالب. ولم يتعد بعضها الآخر الصفحة الواحدة، وبلغ طولها ثمان صفحات، وهو الفصل الذي تناول فيه كرامات الأولياء.

ولعل مرد هذا الاختصار عائد إلى موقع الفصول من الكتاب، فهي عبارة عن مقدمة لا غير.

2- تعكس موضوعات المقدمة مشاغل عامة الناس في عصر المؤلف: مناقب الصلحاء، المفاضلة بين علماء الظاهر والباطن، إثبات كرامات الأولياء، وهي أحيانا متواضعة: كمناقشة مسألة تقديم الصدقة للولي، وأخذ التراب من القبور وقراءة الفاتحة عندها، والحلف في الروضات والأضرحة…وهي مسائل لا أهمية لها في ذاتها، وتقوم دليلا على المستوى الذي آلت إليه الكتابة الصوفية في منتصف القرن الثاني عشر.

فقد ركزت على القشور وتركت جانبا الموضوعات الأكثر أهمية ، والتي تعين المريد على معرفة نفسه ومجاهدتها، معالجة عيوبها وعللها، قصد قطع المقامات، وتجاوز الأحوال لبلوغ الهدف المنشود.

وقد كان لتقديس الأولياء وتتبع أخبارهم ومناقبهم أثر في تعدد مؤلفات الطبقات والتراجم “كالدرر” الذي نتحدث عنه، والصفوة والنشر، والتقاط الدرر…

3-ينوع المؤلف أساليب الاستدلال على ما يورده من آراء، ويعرض له من مناقشات، وهي بالأساس: القرآن والحديث، وأقوال السلف، ومشاهير مؤلفي كتب التصوف.

ويكثر إعطاء الأمثلة وقصص الأولياء وخاصة المعاصرين له.

ويتوخى الدقة والضبط بالنقل عنهم مشافهة أو رواية، واختيار أصح الأسانيد عند تأخر أزمانهم. ويحتوي الكتاب على مجموعة من الأخبار المروية عن أصحابها مباشرة من معاصري المؤلف.

كما يستشهد بالنصوص الشعرية على عادة مؤلفات التصوف كالتشوف، وأنس الفقير، واثمد العينين…وغيرها، ويقصد به إثارة العواطف والانفعالات خدمة للمقصد العام.

4- ويسعى إلى الاقناع بهذه الأساليب أكثر من استعمال أسلوب النقاش وإبداء الرأي. فهو كثير التردد بادي السلبية، قليلا ما يبدي رأيه أو موقفه بكامل الوضوح. فما أكثر تعبيراته (هذه المسألة كثر فيها النزاع بين الأئمة، وتشعبت فيها الآراء، ونحن نلخص كلامهم في ذلك تلخيصا حسنا)[2]. وبالطبع دون إبداء رأي في ذلك.

وفي مثل قوله عند حديثه عن الساعين للقبور حفاة (لكن عادتي أنا أن لا أنكر عليهم في ذلك)[3].

ويمكن رد هذه المواقف إلى ما شاع في عصر المؤلف من احترام الأولياء كيفما كان حالهم، وما يتناقله الناس من مناقبهم وكراماتهم وقدراتهم على معاقبة المنكرين عليهم والجاحدين لفضلهم، فلم تكن لليفرني الشجاعة الكافية للتخلص من هذه المعتقدات ومواجهة الموضوعات بتجرد.

ولعله كان أكثر جرأة عندما تعلق الأمر بمسألة لها أبعاد دنيوية كقضية التجاء أصحاب الجرائم إلى الأضرحة، واتخذ موقفا صريحا وهو منع اخراجهم منها سدا للذرائع وفقا للمذهب المالكي. إذ قد يلجأ إليها في البلاد من ظلم الولاة والحكام فيكون اخراجهم ظلما واعتداءا على حرمتهم[4].

5- الاستطراد: كان اليفرني مولعا بجمع أخبار الصوفية وأقوالهم ومناقبهم فحصل على قدر مهم منها، كان له دور في ميله إلى الاستطراد فكلما تحدث عن حادث أو ظاهرة انساق إلى ما يعرفه من مثيل لها في محفوظه أو مشاهداته. وهي ظاهرة عامة في التأليف العربية القديمة.

ولاتخلو من فائدة بالرغم من سلبيتها منهجيا، فالمعلومات التي قدمها عن أبي يعزى وأبي مدين مثلا مفيدة جدا وإن جاءت عرضا في حديثه عن يوسف بن علي، وكذلك الشأن في كثير من فصول المقدمة.

6-المصادر: لاحظ بعض داري “نزهة الحادي” أن اليفرني قد رجع فيه إلى أوثق المصادر المعروفة في عصره، واستعملها استعمالا سليما، وإلى المستندات المخزنية التي وقف عليها ونقل منها بأمانة[5]. ونبه بنفسه في مقدمة كتابه “صفوة ما انتشر” أنه اعتمد على أزيد من عشرين مصدرا (ذكرها في آخر الكتاب، وقال: فكن أيها الناظر واثقا بما فيه من الفوائد، عالما أنها منقولة من الأصول المجردة من الزوائد)[6].

لقد سلك المؤلف نفس المنهج السليم في التعامل مع مصادره “درر الحجال” فكان يشير إلى اسم الكتاب، واسم صاحبه، ويحدد بداية النقول ونهايتها، ويضيف إلى المصادر المكتوبة الرواية الشفوية مهتما بضبط الأسانيد وتدقيقها. ومصادر ما وصلنا من “درر الحجال” متنوعة: أغلبها في موضوع التصوف، منها الأصول  التي لابد أن يرجع إليها في هذا الموضوع كرسالة القشيري، والحكم العطائية، وحلية أبي نعيم، وتذكرة القرطبي…ومنها مؤلفات وشروح لبعض المغاربة كزروق في شرح الحكم، وشرح حزب البحر، وفي كتابه “القواعد” والناصري في أسئلته….

ومنها مؤلفات في الصلاة والتسليم على النبي ﷺ مثل: القول البديع للسخاوي- وضياء النهار في فضل الصلوات والأذكار لأبي القاسم بن محمد.

واعتمد كذلك كتب التراجم والمناقب وطبقات الأولياء: كالتشوف، ومناقب الجيلاني، والنجم الثاقب لابن صعد، والديباج لابن فرحون، وفهارس العلماء: كغنية عياض، وفهرسة العمري، وفهرسة المنجور، والنوازل:  كنوازل ابن رشد والنوازل القورية، ومعيار الونشريسي..

وأخيرا كتب الحديث وشروحها: كالصحيحين، ومسند أحمد، والموطأ…وذلك لتخريج الأحاديث الواردة في موضوع الزيارة والولاية والتصليات…

7-  ويصير “درر الحجال” بدوره مصدرا مهما لتوفره على معلومات لا توجد في غيره.

-منها ما يتعلق بالمؤلف نفسه، انفرد بذكر بعض الشيوخ الذين أخذ عنهم، وهم أبو علي المعداني، العربي بن أبي القاسم الأمراني، أبو عبد الله المسناوي، وإشارته علي الولي بإصلاح ضريح أبي يعقوب كما هو عليه الآن.

-ومنها ما يتعلق بظاهرة سبعة رجال: تاريخ تنظيم الزيارة، وملابستها وهذا ما خوله مكانة خاصة بين المصادر التي تناولت هذا الموضوع.

هوامـش

[1] مقتطف من كتاب: بحوث في التصوف المغربي، ص 85-89.

[2] درر الحجال، ص 46.

[3] المصدر نفسه، ص 31.

[4] نفسه، ص 8.

[5] مؤرخو الشرفاء، ص 96.

[6] صفوة من انتشر، ص 2.

Science

د. طارق العلمي

  • أستاذ باحث في الرابطة المحمدية للعلماء، متخصص في المجال الصوفي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق