مركز الأبحاث والدراسات في القيمدراسات وأبحاث

خرافة قيم التحديث وتطوير الذهنية المغربية في الفكر الكولونيالي الفرنسي 3/6

إن تسويغ القيم البديلة المرتبطة بالمد الكولونياني الفرنسي الهادفة إلى طمس قيم المغرب المتجدرة في أعماق التاريخ ارتكزت على مستندات منها ما سماه المستعمر الفرنسي “العبقرية الفرنسية”.

وفي هذا التوجه يواصل الأستاذ محمد أعمار قراءته في كتاب “المنهاج التربوي بالمدرسة المغربية زمن الحماية “للدكتور محمد بلكبير،مستلا منها مرتكزات ” العبقرية الفرنسية “في المفهوم الكولونيالي :

تعتبر “العبقرية الفرنسية” شقا آخر مكملا لشق ” العناية الإلهية ” في الخطاب الكولونيالي .وذلك أن العناية الإلهية لا يمكنها أن تتم إلا حينما تتوفر السبل لتحقيق ذلك.وهنا يأتي الحديث عن “النبوغ الفرنسي”الذي يعتبر الأداة التي تخلص الأمم من تخلفها،بفضل ما لها من “مزايا فكرية وعقلية وأخلاقية وإنسانية …” ومن هنا يرى الفرنسيون “أن استعمار فرنسا للشعوب واجب حضاري لنشر مبادئ الديمقرطية “1 وما يرتبط بها من قيم إنسانية .

وتضطلع فرنسا بهذا “العمل الحضاري” حسب رأي الفرنسيين المستعمرين،لأنها دولة المجد،التي تمد الشعوب بالمعرفة وتنتشلهم من الجهل،وتسخر لهم الطرق والقنوات والسكك الحديدية والسيارات والتلغراف والتلفون،وتحقق لهم الخدمات الصحية،وتعرفهم بحقوق الإنسان،إنها تفعل ذلك وغيره إيمانا منها بواجب الأخوة،وبعيدا عن الهيمنة الأمبريالية 2

ولذلك لابد أن يسند إلى فرنسا دور تربية وتعليم الشعوب.

ولقد اعتبر(Jules Ferry)3 أن العبقرية الفرنسية رسالة إلهية جعلت الفرنسيين سادة ربوع كل المعمور، ينشرون فيها العدل،ويوقظون لدى سكانها المبادئ العليا،التي كان لفرنسا شرف الحفاظ عليها عبر العصور.ولذلك نراه يؤكد على أن “نشرونقل حضارتنا عمل جليل يشرف المؤسسة الاستعمارية”4.

ورغم حرص المستعمرين الشديد على عدم التصريح بالنوايا الاستعمارية ،والتشديد على إظهار العناية بالشعوب كواجب إنساني تفرضه طبيعة وعبقرية فرنسا،فإن هؤلاء المستعمرين كثيرا ما تأخذهم الغفوة ليعبروا صراحة عن مقصدهم الاستعماري،لتصبح مسأة العناية بالمواطنين ليست فقط مسألة احتماعية :” إنها في النهاية مسألة سياسية ،وذلك لأن نجاح عملنا، كحماية،رهين بمدى ما نحققه من نهضة في المجال السياسي “5 .

وهكذا يتضح أن السياسة الاجتماعية مظهر فقط ،وأن بيت القصيد هو امتلاك المستعمرات قصد التوسع.وهكذا نقرأ في كتاب رسمي :”تعتبر فرنسا قوة كبرى بفضل مستعمراتها فيما وراء البحار…إن فرنسا ليست قطعة من اوروبا ،إنها،وبفضل مستعمراتها،امبراطورية كبرى”6.ولكنها،وهي امبراطورية عظمى،تظل في حاجة إلى المستعمرات لترفع ما يتقل كاهلها على الأقل في أوقات الشدة.

وهكذا تكون المستعمرات صنعا فرنسيا لدرء المخاطر عن فرنسا،وشد أزرها،وتحقيق مآربها الأمنية والاقتصادية.ولم ينس السياسيون الفرنسيون التصريح بذلك،رغم حرصهم الشديد عن الادعاء بأنهم،حينما يذهبون إلى المستعمرات،إنما يذهبون يدافع حضاري فقط.وهكذا نقرأ مثلا “لقد عمل كولونياليونا على إيجاد دول فرنسية أخرى (d’autres Frances) ساعدت المتروبول في السراء والضراء،اعترافا منها بالجميل الذي أسدته لها فرنسا من قبل”7 .

فالعناية الإلهية والعبقرية الفرنسية واجهة واحدة لسياسة الاستعمار،وتبرير واه للغزو والاحتلال .فأي تحديث تريد فرنسا إيجاده في مستعمراتها ؟

 

يتبـــــــــــــــع

1- La France au Maroc.op.cit ;p.71.

2- Albert Bayet «Les cahiers des droits de l’homme ».28Fev.1931 «Libres opinions » ?p.145.

3- يعتبر جول فيري (J.Ferry ) أحد رجال فرنسا الاستعماريين البارزين –ارتبط اسمه بالسياسة التوسعية وشغل عدة مناصب حكومية وسياسية.

4- Jules Ferry.in « La France au Maroc ».p.66.

5- Ibid.p.151.

6- « Histoire de France »Editions Ligel.classede fin d’études ;p.245.op.cit.p.

7- Ch.R.Ageron »LaFrance Coloniale »op.cit.p.245.

Science

ذ. محمد أعمار

• خريج جامعة السربون باريس فرنسا.
• حاصل على الإجازة في الآداب من كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، تخصص الفلسفة.
• حاصل على شهادة التخرج من المدرسة العليا للأساتذة سابقا. وكلية علوم التربية حاليا.
• أستاذ الفلسفة والفكر الإسلامي بالعديد من المؤسسات التربوية بالمغرب.
• أستاذ مادة علوم التربية بالعديد بالمراكز التربوية، بالمغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق