مركز الأبحاث والدراسات في القيمحوارات

حوار مع الدكتور محمد بلكبير رئيس مركز الدراسات والأبحاث في القيم

أجرت جريدة التجديد ليوم الثلاثاء 12 يونيو 20113، العدد 3167 حوارا مع الدكتور محمد بلكبير عالم اجتماع، ورئيس مركز الدراسات والأبحاث في القيم  التابع للرابطة المحمدية للعلماء وفيما يلي نص الحوار:

بداية ما هي العلاقة التي تربط الإنسان بالقيم؟

حينما نتحدث عن الإنسان بصفة عامة، وعن الإنسان كبينية من صنع الله سبحانه وتعالى، فإن فيه الجانب الوجداني، وفيه الجانب المادي الجسدي، ولكن فيه أيضا الجانب الثقافي. فالبعد الثقافي متأصل، وهذا هو الفارق بين الإنسان والحيوان. الحيوان يعيش على الكتلة المادية البيولوجية الغريزية، ولكن الإنسان إلى جانب هذه الكتلة الجسدية، وهذه الطاقة الغريزية التي يشترك فيها مع الحيوان، عنده الجانب السوسيوثقافي الذي يحدد طبيعة هذا الإنسان ومساراته فيما بعد. وأكثر من ذلك أن ما يسمى بالغرائز تضمحل وتتلاشى وتتعدل بناء على البعد الثقافي. والقيم لها بعد ثقافي، فهي التي ترسم توجهات الإنسان وتحاول أن تبين للإنسان كيف يمكن أن يختار مساراته.

إذن القيم هي الاستعدادات الأولى لسلوك الإنسان، والجانب الأخلاقي هو الجانب الظاهر من هذا الحيز القيمي الكبير. وإذا حاولنا أن نُعرّف الإنسان أو أن نضيف إلى تعريفاته السابقة التي عرفه بها المناطقة، باعتباره إما كائنا ناطقا أو كائنا مفكرا أو كائنا صناعيا، فهو كائن أخلاقي أيضا، وكائن قيمي، وفي غياب البعد القيمي لا تقوم للإنسان قائمة.

بعد معرفة الصلة والترابط بين الإنسان والقيم، ما علاقة القيم الإسلامية بالقيم الكونية؟

معلوم لدينا أن القيم الإسلامية قيم كونية، باعتبار أن الله سبحانه وتعالى، حينما أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، إنما كان ذلك بغرض تتميم مكارم الأخلاق من جهة، وتبليغ رسالته للعالمين من جهة أخرى، فكونه مرسل إلى كافة العالمين، بمعنى أن القيم التي أتى بها صالحة لكل زمان ومكان وصالحة لكل إنسان، إذن في استحضار هذه القيم الإسلامية بصفة عامة، والتي يمكن بالنسبة إلي تلخيصها في الكليات الخمس التي تكلم عليها المقاصديون، فهي قيم مثلى وقيم كبرى وقيم يمكن أن يسير عليها الإنسان.

  ما هي رؤيتكم لواقع القيم في المجتمع، والتحديات المرتبطة بها؟

أصبحت القيم الآن تعرف نوعا من التصادمات لا الحوار ونوعا من التدافع، وبدأت تظهر بعض القيم المناوئة والمخالفة تماما للقيم التي تربينا عليها، والقيم التي يقبلها المجتمع. وبعض الناس في إطار المغالاة في حقوق الإنسان يعتبرون الخروج على ما رسمه الإسلام حرية، مثلا: الآن فيما يتعلق بالجنسية المثلية عندنا أشخاص بدأوا يعلنون على أنهم باسم الحرية يمكنهم أن يبيحوا الزواج المثلي، ويعتبرون هذا قيمة ترتبط بالحرية وبحقوق الإنسان، وهناك جمعيات تشتغل في المجتمع المدني تطالب بهذا. إذن نحن الآن في هذا الإطار وباسم القيم، هل نتسامح في هذا أم لا؟ فإذا تسامحنا وقلنا هذا ممكن، ما هي مرجعيتنا؟ فنحن ننطلق من الكليات الخمس ومن مقاصد الشريعة الإسلامية، وما هو المقصد الذي يمكن أن نأخذ به كمقصد؟، وإذا لم نقبل بهذا، ما هو موقفنا تجاه الجمعيات والمجتمع المدني، ومجتمع حقوق الإنسان في جوانب معينة التي تدعو إلى هذا؟

  هل تقوم المؤسسات التربوية بدور الطلائعي في التربية ونشر القيم؟

المؤسسات الآن تعلم ولا تربي، والهاجس الذي يحضر هو التعليم، وليس هاجس التربية، حتى وإن سمينا مؤسساتنا مؤسسات تربوية فهي مؤسسات تعليمية، وهنا استحضر مقارنة بسيطة بين الكتّاب القرآني في القديم وبين المدرسة، فحينما كان الآباء يوكلون مهمة التربية والتكوين للكتّاب كان الهدف الأسمى هو خلق الفقيه، الفقيه بهالته التربوية. فالفقيه ليس حافظا للقرآن فقط، ولكن له وظائف أخرى قيمية، لذلك لا يقبل منه أن يكذب، ولا يقبل منه أن يزوّر، ولا يقبل منه أن يأتي خارما من خوارم المروءة، والمعلم لا يضطلع بوظيفة المربي في الكتاب، لماذا؟ لأن المدرسة والآباء هكذا يتصورون أنها تعلم، أي تعطينا المادة العلمية في غياب الكفايات والخبرات، وما يقال عن المؤسسات التربوية في بدايتها كالمدرسة الابتدائية أو المدرسة الإعدادية أو التأهيلية يقال عن الجامعة. إذن في غياب هذا الزحم المؤسساتي تضيع التربية ويبقى التعليم، وإذا أخذنا مؤسسات أخرى كالأحزاب السياسية والمجتمع المدني كمراكز المعرفة ومراكز العلم نجدها كذلك تهتم بجوانب معرفية، وحينما نتكلم عن مؤسسات حقوق الإنسان فالهدف تعليم الناس حقوق الإنسان، ولكن قيمة حقوق الإنسان وجعل هذا الإنسان يقبل هذه القيمة لا يتم الاهتمام به.

  طفت على سطح المجتمع المغربي سلوكيات اجتماعية سلبية ذات الصلة بالأطفال من اغتصاب واختطاف وتحرش وامتهان كرامة وبراءة الطفولة، هل يعزى ذلك إلى ضعف في القيم المؤطرة للمجتمع؟

الناس الذين يختطفون، أو يقومون باغتصاب الأطفال، أو بزنا المحارم، يقومون بسلوكيات سلبية، لكنها لم تصل إلى درجة الظاهرة، كما هو الأمر بالنسبة للتطرف والإجرام، وليست سلوكيات عامة تستأثر بالاهتمام بشكل كبير جدا إلى درجة أن نجعل منها ظاهرة اجتماعية. فقد بدأت تظهر ولكن هؤلاء الذين يمارسونها الآن نتساءل: هل تم تشخيص البناء العقلي والبناء النفسي لديهم؟ هل عندهم اهتزاز؟ هل هذا السلوك يصدر من جميع الناس أم يصدر من فئات هشة وجب تحليلها ووجب بناء الاهتزازات النفسية عندها؟ لأننا حينما نتكلم عن سلوكيات من هذا النوع وتصدر من طائفة كبيرة من الناس غير مهتزة ومتزنة نقول أن هناك اختلالا في القيم، ولكن حينما تصدر هذه السلوكيات من أشخاص بعيدين عن المتوسط بمقياس إحصائي، تدخل في إطار التشتت أو الانحرافات المعيارية، أي البعيدة عن المتوسط، وتبقى سلوكيات لا يمكن أن ترتبط بالقيم بقدر ما هي سلوكيات تصدر عن أشخاص يمكن إدراجهم ضمن ما نسميه بالسلوكيات المرضية اجتماعيا، بمعنى أن هذه سلوكيات استثنائية لا علاقة لها بالقيم، فهي أمور شاذة ويمكن معالجتها على مستويات أخرى.

  كيف يمكن محاصرة السلوكيات السلبية في المجتمع، وما هي السبل التي يمكن إتباعها في معالجتها؟

يمكن التغلب على انتشار السلوكيات السلبية في المجتمع بقضية الإقناع، وبالمؤسسات التربوية التي يجب أن يكون لها دور كبير، كالمؤسسات التعليمية، والمؤسسات الرقمية، وشبكات التواصل الاجتماعي، والتي تعتبر جذابة بالنسبة للأطفال، وحينما أقول الأطفال فلأننا نريد أن نربي ناشئة، ونريد أن نحصن أطفالنا وناشئتنا. علينا أن نعد مخاطِبين داخل هذه المؤسسات، وحينما نتكلم الآن على بناء الذات، وتحصين الذات، فيجب الانطلاق من المواقع الاجتماعية، ومن الثقافة الرقمية، والأشياء التي يرتادها الشباب. فقبل 25 سنة كانت السينما تلعب دورا كبيرا ثم تقلص دورها، وجاء التلفيزيون وتقلص دوره أمام الانترنيت، لذلك علينا أن نشغّل هذه الالية ونجعلها تلعب دورا طلائعيا في إطار ألعاب وتفاعلات وأشياء من هذا القبيل، وبالتالي نستطيع أن نحاصر الظواهر السلبية. والشباب وإن كان (منحرفا) وأنا أتكلم عن الانحراف بمعنى الإحصائي أي الخروج عن المنوال فهو قابل أن يعود ولكن حينما يجد محاورا قابلا لأن يقنعه.

يجب إذن أن نبني الثقافة القيمية الجديدة على الإقناع، ويجب إزالة الزجر. والإقناع يقوم على القيادات، قيادات دينية، قيادات سياسية، قيادات تربوية، وحينما نقول قائد فليس هو الرئيس أو المدير، بل القائد الذي يمتلك مجموعة من القدرات وبموجب هذه القدرات يمكن أن يستميل إليه الناس، فحينما يكون المدرس قائدا وحينما يكون الأستاذ في الجامعة قياديا، ويكون رئيس الحزب السياسي قياديا، وحينما يكون المدير قياديا، بطبيعة الحال تكون هذه القيادية هي آلية لجعل الناس يمتلكون ويتملكون هذه القيم، بمعنى أن القيم لا تبقى كأشياء نضيفها، ولكن تصبح مكونا من مكونات سلوك الإنسان، وتصبح استعدادا لا يمكن للإنسان إلا أن يسلك وفقها.

فالآليات هي الإقناع وجعل الحوار مبنيا على الحجة، مبنيا على البينة، مبنيا على البرهنة، (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم)، وهذه الآليات هي التي يمكن أن نشتغل وفقها.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بسم الله الرحمان الرحيم

    فضيلة الدكتور السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

    بداية ، تشرفت بالاطلالة على هذا المنبر الرقمي الذي تشرفون عليه ، فمزيدا من العطاء و التألق ، و زادكم الله علما ، و أطال الله في عمركم على طاعته آمين . .

    إن المؤسسات الرقمية التي أشار إليها أستاذنا اصبحت الوارث غير الشرعي لمؤسسة الأسرة ـ المحضن الأساس لبناء الطفل السوي جسديا و وجدانيا و معرفيا

    فلابد من وضع منهاج تربوي رقابي على هذه المؤسسات بعقد شراكات بين الجهات التربوية و الأمنية من جهة و بين شركات الاتصالات من جهة ثانية.

    ابنكم عبد السلام والطالب – أستاذ التعليم الابتدائي ، طالب سابق بمركز تكوين المعلمين العكاري موسم 1997-1999

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق