الرابطة المحمدية للعلماء

حماية اللغة العربية يحتاج إلى إرادة سياسية

مفكرون وأكاديميون يؤكدون أن حماية اللغة العربية يحتاج إلى إرادة سياسية

ما فتئ مفكرو الأمة وعلماؤها يؤكدون، في أكثر من مناسبة، أن لا أمل للعرب والمسلمين في النهوض والتقدم إلا بنهضة لغتهم وتقدمها وعنايتهم واعتزازهم بها، وحرصهم على تطويرها.. وهو التأكيد الذي أعاد التشديد عليه الأستاذ عباس الجراري في آخر مؤلفاته  “قضايا للتأمل برؤية إسلامية” في جزئه الثاني، عن منشورات النادي الجراري، مطبعة الأمنية، الطبعة الأولى 2008.

 فبعد أن أشار إلى أن “اللغة، أية لغة، جزء مكون لهوية الناطقين بها؛ هذه الهوية التي تتشكل من مقومات أربعة، هي: الوطن، والدين، واللغة، والثقافة بما تتضمنه من تراث”. وأن مصير اللغة رهين بمدى الحس الوطني الذي يكون للناطقين بها، وبما يبذلون من جهود، إذ مكانتها من مكانتهم؛ فهي تنمو وتتطور وتتجدد بقدر أدائها لوظيفتها الاجتماعية والتواصلية بينهم”.

عاد ليبرز مفارقة مفادها أن اللغة العربية رغم أنها تشكل لغة تواصل في فضاء حضاري يتشكل من أزيد من 300مليون، كما تشكل لغة عبادة بالنسبة لحوالي مليار ونصف من المسلمين في مختلف أنحاء العالم، ومع أنها تحتل المرتبة الثالثة أو الرابعة ضمن لغات العالم، والمرتبة العاشرة بين اللغات المستخدمة للحاسوب، فضلا عن كونها لغة القرآن الكريم الذي تعهد المولى عز وجل بحفظه.. إلا أنها تعاني من مشاكل وتحديات حقيقية؛ منها ما يتصل باللغة العربية في حد ذاتها من قبيل؛ ضعف المتن، وقصور المعجم، وتخلف المصطلح، ضعف الكتاب المدرسي، وجمود طرق التدريس.. وتحديات خارجية؛ من قبيل الأثر الاستعماري الذي يتقوى يوما بعد يوم بدل أن يتراجع بعد مرور أزيد من نصف قرن على استقلال أغلب الدول العربية..

وهو الأثر الذي تعكسه الفرنكفونية التي تنامى دورها بشكل لافت في الدول المغاربية من خلال تشعب وانتشار تعليم البعثة التي اتسع الإقبال عليها، في وقت ينظر فيه ّإلى التعليم الحكومي بشيء غير قليل من الازدراء، وتشجيع الكتابة بالفرنسية من خلال المنح والدعم المالي.. بالإضافة إلى  الانتشار الواسع للمراكز الثقافية الفرنسية وغيرها من المراكز الأجنبية.. إلى جانب الضغوط المتنامية لظاهرة العولمة وما يتصل بها من مخاطر التنميط والتفتيت سيما في غياب أية قدرة فعلية على المنافسة..

غير أن أخطر التحديات التي تتهدد مصير اللغة العربية، من وجهة نظر الأستاذ عباس الجراري، تتمثل في التحديات الداخلية، وفي مقدمتها؛ تعثر التعريب في التعليم والإدارة، جمود مناهج التعليم وضعف المستوى العلمي للمقررات، تزايد استعمال العامية في وسائل الإعلام، إلى جانب انتشار الأمية في بعديها الأبجدي والثقافي..

نجاح مشروع الإصلاح اللغوي يستلزم مقتضيات “تبدأ بتأكيد الثقة في الهوية واعتماد مقوماتها في مختلف المجالات مع اعتبار اللغة في طليعة هذه المقومات. وهو ما لا يمكن أن يتم، من وجهة نظره، إلا بوجود” إرادة سياسية عليا تحرص على صيانة اللغة وحمايتها من كل ما يتهددها.. في احترام للدستور الذي ينص على أن العربية هي اللغة الوطنية والرسمية، وأن كل خرق لهذا النص هو مس بروحه ومخالف له..

وفي نفس السياق أكد رئيس مجمع اللغة العربية الأردني الدكتور عبد الكريم خليفة أن “لغتنا بأوضاعها الحاضرة قادرة على التعبير عن الفكر العلمي الحديث، مشددا على أن التدريس باللغة العربية يحتاج لقرار سياسي من مؤسسة القمة والمجالس التشريعية والتنفيذية..” كاشفا، في مقابلة مع الجزيرة نت، وجود ضغوط سياسية خارجية في اتجاه تكريس سيادة اللغات الأجنبية على حساب اللغة العربية مضيفا أن الأمر يتعلق بـ ” قضية معروفة سيسجلها التاريخ، وسيادة أي دولة ستبقى منقوصة حتى تستعيد اللغة العربية سيادتها في أوطانها، فالإبداع لا يمكن أن يكون إلا باللغة الوطنية”

وفي المقابل أوضح خليفة كيف أن السياسات المتبعة حاليا مناهضة للغة العربية، وتحمل انتهاكا صارخا  للدستور، ولذلك تبقى القرارات والمعاجم التي تصدرها المجامع اللغوية ومؤتمرات التعريب حبيسة الرفوف، منوها إلى أن قرارات المجامع غير ملزمة وهو ما يعبر عن معضلة حقيقية..

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق