مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

حضور حلية الأولياء عند أصحاب الطبقات

   أولى العلماء لكتاب الحلية عناية خاصة، نظرا لأهميته وقيمته العلمية الكبيرة، واحتوائه على نفائس ودرر، أغرت العديد منهم على مدارسته وتدريسه، وكذا اختصاره، وتقويم ما فيه من زلل، والزيادة عليه.

1. صفة الصفوة: لأبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (ت597هـ)

   صفة الصفوة للإمام أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي (ت597هـ) فقد كان الداعي إلى تأليفه لهذا الكتاب هو الاستجابة للطلب الملح حول تهذيب كتاب الحلية، والاستدراك على أبي نعيم في مسائل عديدة، واختصاره حتى يكون سهلا ميسرا، يقول ابن الجوزي: “أما بعد، فإنك أيها الطالب الصادق، والمريد المحقق لما نظرت في كتاب (حلية الأولياء) لأبي نعيم الأصبهاني أعجبك ذكر الصالحين والأخيار، ورأيته دواء لأدواء النفس، إلا أنك شكوت من إطالته بالأحاديث المسندة التي لا تليق به، وبكلام عن بعض المذكورين كثير قليل الفائدة، وسألتني أن أختصره لك وأنتقي محاسنه؛ فقد أعجبني منك أنك أصبت في نظرك، إلا أنه لم يكشف لك كل الأمر…”،[1] وبعد ذكر مجموعة من المؤاخذات عن كتاب الحلية، قال: “وقد حداني جدك، أيها المريد، في طلب أخبار الصالحين وأحوالهم أن أجمع لك كتابا يغنيك عنه، ويحصل لك المقصود منه، ويزيد عليه بذكر جماعة لم يذكرهم، وأخبار لم ينقلها، وجماعة ولدوا بعد وفاته، وينقص عنه بترك جماعة قد ذكرها، فبعضها لا ينبغي التشاغل به، وبعضها لا يليق بالكتاب على ما سبق بيانه”.[2] وهذا شأن أي تأليف أولي في أي فن من الفنون، وتجدر الإشارة إلى أنه لابد من التماس العذر للمؤلف عما تخلل كتابه من أي مواخذة خصوصا إذا علمنا أهمية كتاب “حلية الأولياء وطبقات الأصفياء” الذي حشد فيه مؤلفه العالم الكبير سير وتراجم جمهرة كبيرة من رجالات المسلمين الأصفياء المنقطعين لله تعالى من أعيان القرون الهجرية الأربعة الأولى، وذكر في تراجمهم ما ورد في فضلهم من الأحاديث والآثار والأقوال، فجاء الكتاب كأحسن ما يكون التصنيف والتأليف على الرغم مما ورد فيه من الأحاديث والآثار الضعيفة، فعذره في ذلك إيراد تلك الأحاديث والآثار بالأسانيد الأمر الذي يتيح للباحث المختص بدراسة الأسانيد معرفة الصحيح من السقيم.

2. أحسن المحاسن: لأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الرَّقي الحنبلي (ت703 هـ)

   يعد كتاب (أحسن المحاسن) لأبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الرَّقي الحنبلي (ت703 هـ) لب كتاب “صفة الصفوة” لابن الجوزي الذي اختصره بدوره من كتاب (حلية الأولياء وطبقات الأصفياء) لأبي نعيم الأصبهاني، فهو إذاً لب اللباب، وحين نظر “أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الرّقي الحنبلي المتوفى سنة 703 هـ) في كتاب “صفة الصفوة” رأى أنه فوق طاقة العامة من المسلمين لكبر حجمه وكثرة أسانيده، فعمد إلى اختصاره بذكر أحسن ما في كتاب “صفة الصفوة” لابن الجوزي، فجاء هذا الكتاب (أحاسن المحاسن) خيار من خيار من خيار، ففيه أحسن ما روي من محاسن الأولياء، لا يكاد يشبع من قراءته وسماعه من له معرفة بأحوال الأصفياء، فكان اختصاره لمختصر ابن الجوزي بحذف أسانيده، وحذف ما ليس بكثير الفائدة من مسانيده، وأبقى على ما يعود بالفائدة على القراء مما وقع عليه، ورتبه على أبواب وقسمه على أجزاء، وذكر فيه لب لباب (حلية الأولياء) مرتباً مادته على ذكر مشاهير العابدات من النساء، وقد طبع الكتاب في مصر أول مرة منذ سنوات عديدة، ثم صدرت أحدث طبعاته عن دار الوعي بحلب سنة (1420هـ = 1999م) بعناية الأستاذ الدكتور عبد المعطي أمين قلعجي المتمرس بفنون البحث والتحقيق.

   اختصر الشيخ العلامة السيد محمد بن علوي المالكي رحمه الله هذا الكتاب أيضاً في كتاب سماه:  ( المختار من كلام الأخيار ) وقد حقق النسخة ولده السيد أحمد حفظه الله ، وقابلها على جميع الأصول ابتداء من (الحلية) إلى (أحسن المحاسن)، وأما كتاب: (أحسن المحاسن) فهو محقق له في رسالة ماجستير. 

3. مجمع الأحباب وتذكرة أولي الألباب

   كتاب مجمع الأحباب وتذكرة أولي الألباب ويعرف ب: (مناقب الأحباب ومراتب أولي الألباب ) و (مجمع الأخبار في مناقب الأخيار) لشمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن ابن عبد الله الواسطي الشافعي (ت 776 هـ).

قال حاجي خليفة: “سلك في اختصاره مسلكا وسطا مع زيادة تراجم أئمة”.[3]

   فالمؤلف جمع ما قدِّر له أن يجمعه حتى زمانه في “مجمعه”، وهذا الكتاب يحوي سير وأخبار أقطاب الزهد والورع وآثارهم، ويحمل في طياته العلاج الناجع لداء القسوة والعُجْب والكبر، وغيرها من الأدواء؛ لأن رجال المجمع هم أطباء القلوب، بما آتاهم الله من العلم والحكمة. وكم كان المؤلف موفقاً.. حينما ختم كتابه بترجمة السلطان العادل نور الدين محمود، والسلطان صلاح الدين الأيوبي محرر المسجد الأقصى من الصليبيين.. رضي الله عنهما.ومن المهم هنا.. أن نذكر أن بعض تراجم هذا الكتاب موسعة.. بل وتصلح بعض التراجم أن تكون في كتب مستقلة.

طبع هذا الكتاب، سنة 2008م، دار المنهاج، بتحقيق مجموعة من المحققين.

 

هوامش

[1] صفة الصفوة، 9/1.

[2] صفة الصفوة، 12/1.

[3] كشف الظنون، 689/1، تاريخ الأدب العربي، 224/6.

د.مصطفى بوزغيبة

باحث بمركز الإمام الجنيد التابع للرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق