مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

حرف الردف وأحكامه (2)

كتبه: أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي
الباحث بمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية
حروف الردف:
حروف الردف كما أشرنا ثلاثة: الألف والياء والواو. فالألف هي الأصل وغيرها فرع، يقول ابن جني:”أَصلُ الرِّدْفِ لِلألِفِ; لأنَّ الغرضَ فيهِ إنَّما هوَ المدُّ، وليسَ في الأحرفِ الثلاثةِ ما يُساوِي الألفَ في المدِّ، لأنَّ الألفَ لا تُفارقُ المدَّ، والياءُ والواوُ قَد يُفَارِقَانِهِ. فَإذا كانَ الرِّدفُ ألفًا فهوَ الأصلُ، وإذا كانَ ياءً مكسورًا مَا قبلَهَا، أَو واوًا مَضمومًا ما قبلهَا، فَهو الفرعُ الأقربُ إليهِ; لأنَّ الألفَ لا تكونُ إلا ساكنةً مفتوحًا ما قبلها( 1)”.
ويجوز تعاقبُ الواو والياء في القصيدة الواحدة “لأنَّ الضَّمةَ والكسرةَ أُختانِ( 2)”، وإن كانَ الاتفاقُ ـ كما قال التّنوخي وغيرُه ـ أحسنُ، لاسيما إِنْ كانت القافية مُنَفَذًّةً( 3). وأمَّا تحامي بعض الشعراء ذلك فليس إلا من باب لُزوم ما لا يَلزَمُ، ومنهم ابنُ الرُّوميّ الذي “لا يعاقب بين الواو والياء في أكثر شعره قدرة على الشعر واتساعاً فيه( 4)”.
فمثال الرِّدفِ بالألف، قول جريرٍ:[من الوافر]
فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْـرٍ فَلَا كَعْباً بَلَغْتَ وَلَا كِلَابَا
ومثال الرِّدفِ بالياء قول علقمة:[من الطويل]
فإنْ تَسْألوني بالنِّسَاءِ فَإِنَنِي بَصِيرٌ بأدْواء النِّسَاءِ طَبِيبُ
إِذَا شَابَ رَأْسُ المرْءِ أَوْ قَل مَالُه فَلَيْسَ لَهُ فِي وُدِّهِنَّ نَصِيبُ

حروف الردف:
حروف الردف كما أشرنا ثلاثة: الألف والياء والواو. فالألف هي الأصل وغيرها فرع، يقول ابن جني:”أَصلُ الرِّدْفِ لِلألِفِ; لأنَّ الغرضَ فيهِ إنَّما هوَ المدُّ، وليسَ في الأحرفِ الثلاثةِ ما يُساوِي الألفَ في المدِّ، لأنَّ الألفَ لا تُفارقُ المدَّ، والياءُ والواوُ قَد يُفَارِقَانِهِ. فَإذا كانَ الرِّدفُ ألفًا فهوَ الأصلُ، وإذا كانَ ياءً مكسورًا مَا قبلَهَا، أَو واوًا مَضمومًا ما قبلهَا، فَهو الفرعُ الأقربُ إليهِ; لأنَّ الألفَ لا تكونُ إلا ساكنةً مفتوحًا ما قبلها( 1)”.

ويجوز تعاقبُ الواو والياء في القصيدة الواحدة “لأنَّ الضَّمةَ والكسرةَ أُختانِ( 2)”، وإن كانَ الاتفاقُ ـ كما قال التّنوخي وغيرُه ـ أحسنُ، لاسيما إِنْ كانت القافية مُنَفَذًّةً( 3). وأمَّا تحامي بعض الشعراء ذلك فليس إلا من باب لُزوم ما لا يَلزَمُ، ومنهم ابنُ الرُّوميّ الذي “لا يعاقب بين الواو والياء في أكثر شعره قدرة على الشعر واتساعاً فيه( 4)”.

فمثال الرِّدفِ بالألف، قول جريرٍ:[من الوافر]فَغُضَّ الطَّرْفَ إِنَّكَ مِنْ نُمَيْـرٍ فَلَا كَعْباً بَلَغْتَ وَلَا كِلَابَاومثال الرِّدفِ بالياء قول علقمة:[من الطويل]

                   فإنْ تَسْألوني بالنِّسَاءِ فَإِنَنِي              بَصِيرٌ بأدْواء النِّسَاءِ طَبِيبُ

                  إِذَا شَابَ رَأْسُ المرْءِ أَوْ قَل مَالُه          فَلَيْسَ لَهُ فِي وُدِّهِنَّ نَصِيبُ

ومثال الرِّدفِ بالواو قوله أيضاً:[من البسيط]

                   وَكُلُّ حِصْنٍ وَإِنْ دَامَتْ سَلامَتُهُ    على دَعَائِمِهِ لاَ شَكَّ مَهْدُومُ

                   وَمَنْ تَعرَّضَ لِلْغِرْبانِ يَزْجُرُهَا         عَلَى سَلامته لا بُدَّ مَشْؤُومُ

ومثال الجمع بين الواو والياء قوله أيضاً: [من الطويل]

                  طَحَا بِكَ قَلْبٌ فِي الِحسَانِ طَرُوبُ      بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصْرَ حَانَ مَشِيبُ

                  يُكَلِّفُنِي لَيْلَى وَقَدْ شَطَّ وَلْيُهَا           وَعَادَتْ عَوَادٍ بَيْنَنَا وَخُطُوبُ

ذلك أمثلة الردف بحرف المد واللين. وأما مثال الرِّدف باللين بالواو فكقول الحماسيّ:[من البسيط]

               يا أيُّها الرَّاكِبُ المُزجي مَطيَّتَهُ         سَائِلْ بَنِي أَسَدٍ مَا هَذِهِ الصَّوْتُ

              وَقُلْ لَهُمْ بَادِرُوا بِالْعُذْرِ وَالْتَمِسُوا        أمراً يُبَـرِّؤُكُمْ إنِّي أنَا الموتُ( 5)

أو بالواو كقوله:[من الطويل]

               لَعَمْرُكَ مَا أَخْزَى إِذا مَا نَسَبْتَنِي         إِذَا لَـمْ تَقُلْ بُطْلًا عَلَيَّ وَمَيْنَا

                وَلَكِنَّمَا يَخْزَى امْرُؤٌ تَكْلِمُ اسْتَهُ        قَنَا قَوْمِهِ إِذَا الرِّمَاحُ هَوَيْنَا(6 )

ومثال تعاقبهما قول الشاعر:[من مشطور الرجز]

يَا قَوْمِ مَا بَالُ أَبِي ذُؤَيْبِ

كُنتُ إذا أَتَوْتُهُ مِنْ غَيْبِ

يَشُمُّ عِطْفِي وَيَمَسُّ ثَوْبِي

كأنّني قدْ ربتُهُ بِرَيْبِ (7 )

القوافي التي يلزمها الرِّدفُ:

تكلم علماء الفن عن القوافي التي تكون مردوفةً؛ إما على سبيل الوجُوب واللزوم، وإمَّا على سبيل الاستحبَاب والاستحسان، كما اتفقوا على بعضٍ واختلفوا في بعضٍ آخرَ، وفي طليعتهم الخليلُ بن أحمد الفراهيديُّ مفترعُ هذا العلم مبثوثاً كلامُه بين الكتبِ، إذ لم يصلنا كتابهُ في العروض، وكذلك الأخفشُ في كتابه «القوافي:107-116»، وأشار إليه سيبويه إشارةً خفيّةً في «كتابه 4/441»، كما تكلم عنهَا ابن عبد ربه في «العقد الفريد: 5/481-482»، وأبو الحسن العروضي، في «الجامع:292-293»، وابن رشيق في «العمدة: 1/145-148»، والتنوخي في كتابه «القوافي: 155-161»، وابن الدَّهَّان في كتابه:«الفصول في القوافي:64» والإربلي في كتابه:«القوافي:117-119»، وحازم القرطاجني في كتابه «القوافي» المطبوعِ ما تبقَّى منهُ باسم «الباقي من كتاب القوافي:45-48».

وهناك من العروضيين من لم يُخصِّص لتلك القوافي المذكورة مبحثاً معيَّنًا، بل تَكلّم عنها في معرض الكلامِ عن البُحور، فيذكر لكل بحر قوافيَه التي يلزم فيها الردف، كابن القطّاع في «البارع».

وخلاصة ما ذكروا أن الردف يلزمُ في حالتين( 8):

الحالة الأولى( 9):

أن يكون البيت تامَّ البناء وَنُقِصَ من ضربه حرفٌ متحرك أو زنة حرفٍ متحرّكٍ(10 )، وإلى ذلك أشار سيبويه رحمه الله بقوله:” كُلُّ شِعْرٍ حَذَفْتَ مِنْ أَتَمِّ بِنائِهِ حرْفاً مُتَحَرِّكاً أوْ زنةَ حرفٍ متحرّكٍ فَلا بُدَّ فِيهِ من حرفِ لينٍ للرِّدف(11 )”. وَيُقصَدُ بِزنةِ حَرْفٍ مُتَحرّكٍ “أنْ يُحْذَفَ سَاكنُ آخِرِ الضَّرْبِ وَيُسَكَّنَ مَا قَبْلَهُ؛ فإنَّ المجموعَ من الحرفِ السَّاكِن والحركة يُوازِنَانِ المتحَرِّك، فإنَّ المتَحَرِّكَ حَرْفٌ وَحَرَكةٌ(12 )”. ومثال ذلك ضرب البسيط الثاني «فاعلُنْ» فإذا دخله القطع ـ وهو: حذفُ ساكن الوتد المجموع وإسكانُ ما قبله، أي اللامِ ـ وجب فيه الرِّدفُ، كما سيأتي.

وعلى ذلك ـ كما ذكر ابن رشيق رحمه الله ـ:”أجمعَ حُذَّاقُ أهلِ العلم من البصريينَ والكوفيّين(13 )”.

وأمَّا عِلّةُ إردافِ القَوافي هنا فهيَ لِلمُعادلة بين مقطعي العروض والضرب، أي:”ليستصحبَ مقطعُ الشِّعْر بِزيادةِ المدِّ من الزَّمانِ قَدْرَ مَا كانَ يَسْتَصْحِبُهُ بِالقَدْرِ الذي نَقَصَ منهُ أَو قريباً من ذَلك، لِيقْرُبَ الجُزآن المتحاذِيَانِ بِذلك مِن التَّعَادُلِ(14 )”.

وتلك القوافي التي يلزمها الرِّدف لغرض المعادلة هي( 15):

1- الضرب الثالث من الطويل المحذوف، ووزنه:«مَفَاعِي/فَعُولُنْ»، كقول علقمة الفحل:

                 طَحَا بِكَ قَلْبٌ فِي الِحسَانِ طَرُوبُ        بُعَيْدَ الشَّبَابِ عَصْرَ حَانَ مَشِيبُ

قال الأخفش:”«فعولن» في الطويل لا بدَّ فيها من حرفِ لينٍ؛ لأنها ناقصةٌ من «مفاعيلنْ» بينها وبينه حَرفان، الساكنُ منهما قد يقع للزحاف، فإنما يحتسب بالمتحرك(16 )»، وقال ابن القطاع:”والرِّدفُ لازمٌ لهذا الضرب، وقد شَذَّ غَير مردوفٍ( 17)”، وقال السكاكي:”ويلزم هذا الضرب الثالث عند الخليل والأخفش كونُ القافيةِ مُرْدَفَةً بالمدِّ( 18)”

وفي هذا الضرب إشكالٌ ناقشه العروضيُّون، لأنه لا يدخلُ تحتَ ضَابِطِ اللُّزوم المذكور؛ فلم يُحذَفْ منه مُتحرِّك ولا زنةُ متحركٍ، لكن ما عليه أكثرهم كسيبويه والجَرْمي والفارسي والشَّلَوْبِين:”أنَّ الرِّدفَ عوضٌ من لام «مفاعيلن» خاصةً، لأن النُّونَ شَأنها أنْ تُحذَفَ للزّحافِ حشواً، ومَا يُحْذَفُ للزِّحافِ لَا تُعوِّضُ العربُ منهُ شَيْئاً(19 )” قال الدّماميني رحمه الله:”وَأَكْثَرُ العَرُوضِيِّين على هذا الجواب(20 )”.

2، 3- الضربُ الرابعُ والسَّادسُ من المديد الأبتران أو المبتوران، ووزنه (فَاعِلْ/فَعْلُنْ)، فالأول كقول الشاعر:

                                   إِنَّمَا الذَّلْفَاءُ يَاقُوتَةٌ أُخْرِجَتْ مِنْ كِيسِ دُِهْقَانِ

  والثاني كقول الشاعر:

                                 رُبَّ نَارٍ بِتُّ أَرْمُقُهَا        تَقْضَمُ الهندِيَّ  والْغَاراَ

  والفرقُ بين هذين الضربين أن الضربَ الرابع عروضهُ محذوفةٌ، والسادسَ عروضُه محذوفةٌ مخبونةٌ. قال السَّكاكي:”ويلزم هذا الضربَ السادسَ والضربَ الرابعَ قبلَه كونُ القافية مُرْدَفَةً بالمدِّ عند الخليل رحمه الله(21 )”. وأما الأخفشُ فيرى غير ذلك، بأَنْ يكونَ بغير حرف لينٍ، لأنه كَثُر نُقْصانُهُ(22 ).

4- الضرب الثاني من البسيط المقطوعُ، ووزنه:«فَاعِلْ/فَعْلُنْ»، كقول علقمة الفحل:

                      وَكُلُّ حِصْنٍ وَإِنْ دَامَتْ سَلامَتُهُ       عَلَى دَعَائِمِهِ لاَ شَكَّ مَهْدُومُ

قال الأخفش:”«فَعْلُنْ» في البسيط، لا بدَّ فيه من حرف لينٍ؛ لأنَّ أصلَهُ «فاعلنْ»، فألقيت النون وأسكنت اللامُ، فقد ذهبَ ساكنٌ وحركةٌ، وذانِكَ زنةُ متحرّكٍ ( 23)»، قال الزنجاني في «معيار النظار»:”ولا يجوز أن يجيءَ هذا الضربُ إلَّا مُرْدَفًا بالألفِ أو بالواوِ أو بالياءِ، والأحسنُ أن يكونَ قبل الواو ضمةٌ، وقبل الياء كسرةٌ، والفتحُ قبلَها قليلٌ( 24)”.

5- الضرب الثاني من الكامل المقطوعُ، ووزنه:«مُتَفَاعِلْ/فَعِلَاتُنْ»، كقول الأخطل:

                       وَإِذَا دَعَوْنَكَ عَمَّهُنَّ، فَإِنَّهُ        نَسَبٌ يَزِيدُكَ عِنْدَهُنَّ خَبَالَا

قال الأخفش:”وأما «فَعِلاتنْ» في الكامل الذي على ستةٍ فلا يكون إلا بحرف لينٍ؛ لأنك أذهبتَ من «متفاعلن» التنوينَ وأسكنتَ اللامَ، فذهب منه [زنة] مُتحرّكٍ(25 )»، قال السكاكي:”وحقُّ هذا الضربِ عند الخليل والأخفش كونُه مُرْدَفًا( 26)”.

6- الضرب الثاني من الرجز المقطوعُ، ووزنه:«مُسْتَفْعِلْ/مَفْعُولُنْ»، كقول الشاعر:

                      القَلْبُ مِنْها مُسْتَـرِيحٌ سَالِمٌ   وَالقَلْبُ مِنِّي جَاهِدٌ مَجْهُودُ

وقد يدخل الضربَ الخبن فيصير:«مُتَفْعِلْ/فَعُولُنْ».

قال الأخفش:”وأما «مَفْعُولُنْ» في الرجز و«فَعُولُنْ» فلا يكون إلا بحرف لينٍ، لأنك أسقطتَ نونَ «مُسْتَفْعِلُنْ» وَأَسكنتَ اللام، فذهبَ منهُ زنةُ مُتحركٍ(27 )»، قال السكاكي بعد ذكر البيتِ:”ويلزمُ هَذَا الضربَ عند الخليلِ والأخفشِ كونُ القافيةِ مردفةً بالمدِّ( 28)”.

7- الضربُ الخامس من الخفيف المقصورُ المخبون، ووزنه:«مُتَفْعِلْ/فَعُولُنْ( 29)»، كقول الشاعر:

                            كُلُّ خَطْبٍ إِنْ لَـمْ تكُو    نُوا غَضِبْتُمْ يَسِيـرُ

  قال السكاكي بعد ما أورد هذا البيتَ:”ويلزم هذا الضربَ عند الخليل الرِّدفُ( 30)”.

وبعضهم أضاف إلى ما ذكرناَ قوافيَ أُخَرَ لازماً فيها حرفُ اللين لغرضِ المعادلة، كـ«فعولن» في الوافر( 31)، و«فعولن» في الهزج(32 )، و«فعِلاتُنْ» في مجزوء الكامل(33 ).

الحالة الثانية:

ما كانت قافيته من النوع المترادف( 34)، وهو أن يجتمع في آخر البيت ساكنان، “فيُجْعَلُ الأوّلُ حرفَ مدٍّ ولينٍ لتَسْهُل النُّقْلَةُ منهُ إلى الثَّاني والانصبابُ منه إليه(35 )”، و”لتكون استطالةُ الصَّوتِ بالرِّدف عوضًا من التقاء الساكنين، ولذلك صارَ إشباعُ المدَّةِ في قول الله تعالى:(ولا الضَّالِّينَ) عوضاً من التقائهما، وَلذلك لا تجدُ شعرًا في آخره ساكنانِ إلَّا والأوَّلُ حرفُ لينٍ إِلَّا مَا شَذَّ(36 )”.

قال الأخفش:”لما اجتمع ساكنان كان ذلك مما يثقُلُ ولا يكونُ في الأَدْرَاجِ، والقصيدةُ عندهم بيوتُها مُدرَجَةٌ بعضُهَا إلى بعضٍ، فأدخلوا المدَّ واللِّينَ لِيكونَ عِوَضاً مِن ذهابِ التَّحريكِ وَقُوَّةً على اجتماعِ الساكنينِ، وقد جاءَ بغيرِ حَرْف لِينٍ، وهو شاذٌّ لا يُقاسُ عَلَيْهِ(37 )”. وقال الصبّان:”والرِّدفُ واجبٌ اتفاقًا حيثُ يلتقي سَاكنان آخرَ البيت(38 )”

وأما القوافي التي يلزمها الرِّدف لغرض توطئةِ سبيلِ النُّطق بالساكنين فتسعةٌ على قول الخليل(39)، وهي( 40):

1-  الضرب الثاني من المديد، وهو المقصور « فَاعِلَاتْ/فَاعِلَانْ»، كقوله:

                           لاَ يَغُرَّنَّ امْرَأً عَيْشُهُ    كُلُّ عَيْشٍ صَائِرٌ للزَّوَالْ

  2- الضرب الثالث من البسيط، وهو المذال «مُسْتَفْعِلَانْ»، كقوله:

                           إِنَّا ذَمَمْنَا عَلَى مَا خَيَّلَتْ   سَعْدَ بن زَيْدٍ وَعَمْراً مِنْ تَمِيمْ

  3- الضرب السابع من الكامل، وهو المذال «مُتَفَاعِلَانْ»، كقوله:

                            جَدَثٌ يَكُونُ مُقَامُهُ    أَبَداً بِمُخْتَلَفِ الرِّيَاحْ

  4- الضرب الثاني من الرمل، وهو المقصور « فَاعِلَاتْ/فَاعِلَانْ»، كقول زيد الخيل:

                         يَا بَنِي الصَيْدَاءِ رُدُّوا فَرَسِي      إِنَّمَا يُفْعَلُ هذا بالذَّليلْ

                           عَوِّدُوا مَهْرِي كَمَا عَوَّدْتُهُ      دَلَجَ اللَّيْلِ وإِبطاءَ القَتيلْ

5- الضرب الرابع من الرمل، وهو المسبَّغُ «فَاعِلَاتَانْ/فَاعِلِيَّانْ»، كقول الشاعر:

                             يَا خَلِيلَيَّ ارْبَعَا وَاسْـ        تَـخْبِـرَا رَبْعاً بِعُسْفَانْ

  قال التبريزي:”هَذَا الضربُ قليلٌ جدًّا(41 )”

6- الضرب الأول من السريع، وهو المطويُّ الموقوفُ «مَفْعُلاتْ/فَاعِلَانْ»، كقوله:

                أَزْمَانَ سَلْمَى لا يَرَى مِثْلَهَا الرَّا    ؤُونَ في شَأْمِ وَلاَ فِي عِرَاقْ

  7- مشطور السريع، وهو الموقوف «مَفْعُولَاتْ/مَفْعُولَانْ» كقوله:

                             لَمْ تَعُدْ فِي بُؤْسٍ        وَلاَ فِي إِقْلاَلْ

  8- منهوك المنسرح، وهو الموقوف «مَفْعُولَاتْ/مَفْعُولَانْ»، كقوله:

                                       صَبْراً بَنِي عَبْدِ الدَّارْ

  9- الضرب الثاني من المتقارب، وهو المقصور «فَعُولْ»، كقوله:

                     وَيَأوِي إلى نِسْوَةٍ بائِسَاتٍ   وَشُعْتٍ مَرَاضِيعَ مِثْل السَّعَالْ

  قال السكاكي بعدما ذكرَ هذا الشَّاهدَ:”ضربُه «فَعُولْ»، ويلزم هذا الضربَ الرِّدفُ( 42)”.

خاتمة:

هذه الحالات هي حالاتُ لزوم الرِّدف التي ذكرها علماء الفنّ، وما جاءَ من تلك الأوزان غير مردوفٍ فشاذٌّ، قال ابن عبد ربه:”قال سيبويه: وَكلُّ هذه القوافي قد يجوز أن تكون بغير حرف المدِّ، لأنّ رويها تامٌّ صحيحٌ على مِثْلِ حالِهِ بحرفِ المدِّ، وقد جاء مثل ذلك في أشعارهم، ولكنه شاذ قليل، وأنْ تكونَ بحرفِ المدِّ أحسنُ، لِكثرتهِ وَلُزومِ الشُّعراءِ إِيَّاهُ، وَممَّا قِيلَ بِغير حرف مدٍّ:[من الكامل]

                 وَلَقَدْ رَحَلْتُ الْعِيسَ ثُمَّ زَجَرْتُهَا        وَهْناً وَقُلْتُ: عَلَيْكِ خَيْرَ مَعَدِّ

 وقال آخر:

إِنْ يُمْنَعِ الْيَوْمَ النِّسَاءُ يُمْنَعْنْ( 43)”

  وقال ابن رشيق بعدما ذكر القوافيَ اللازمُ فيها الردف:”فعلى هذا إجماع الحذَّاقِ، إلَّا سيبويه فإنه رَخَّصَ فيه لموافقةِ الوَزْن مُردَفاً وغير مُردف(44 )”.

وأما غير ما ذكرتُ من القوافي فمستحبٌّ فيها الرِّدْفُ “استكثاراً من المدِّ في الأواخر، لأنَّهَا محلُّ مَدٍّ وَتَرَنُّمٍ( 45)”، وذلك:”حيثُ يُوجَدُ الضَّربُ والعَرُوضُ عَلى حَدٍّ وَاحِدٍ مِنَ التَّماثُلِ وَالاتفاقِ وَلا يُوجد للساكنين فِي حدِّ واحدٍ مِنهُمَا تَلَاقٍ( 46)”

————–

الهوامش:

(1 )  لسان العرب، مادة:ردف.

( 2)  العقد الفريد، 5/468.

( 3)  القوافي، للتنوخي، ص:123، الحاشية الكبرى، للدمنهوري، ص:88. وأرى أن قول التنوخي:منفذة من النفاذ  (ويقال له: النفاد أيضا)، وهو حركة هاء الوصل المتحركة، ويقصد بذلك أن تكون القافية المردوفة موصولةً بالهاء، نحو:«حَبِيبُهَا-خُطُوبُهَا».

( 4)  العمدة، 1/160.

( 5)  ديوان الحماسة بشرح التبريزي، 1/47.

( 6)  ديوان الحماسة بشرح التبريزي، 1/79.

( 7)  ديوان الهذليين، 1/165. وقوله: أتوته لغة في أتيته.

(8) وقد نقل الدماميني عن ابن بري أن للردف ثلاثَ حالاتٍ: حالة اتفاق، وحالة اختلاف، وحالة استحباب، [انظر تفاصيل ذلك في:العيون الغامزة، ص:141 وما بعدها].

(9 ) وذكر الصبان أن لزوم الردف هنا إنما هو على قول الأكثر، [حاشية الدمنهوري الكبرى، ص:90].

( 10) انظر: القوافي، للإربلي، ص:117 وما بعدها، البارع لابن القطاع، ص:92.

( 11)  الكتاب، 4/441.

(12 )  نهاية الراغب، ص:130.

(13 )  العمدة، 1/146. قال:”أجمع حذاق أهل العلم من البصريين والكوفيين على أن كل وزن نقص من أتم بنائه حرف متحرك عُوِّضَ حرفُ المد واللين من ذلك الحرف فلم يجئ إلا مردفاً بواو أو ياء أو ألف، ولا يحتسب في ذلك بما يقع للزحاف”.

(14 )  الباقي من كتاب القوافي، لحازم القرطاجني، ص:46.

(15 ) انظر: القوافي، للأخفش، ص:111، العقد الفريد، 5/481، الجامع في العروض والقوافي، ص:292، العمدة، 1/146، القوافي للتنوخي، ص:159، الباقي من كتاب القوافي، ص:46، رسالة الصاهل والشاحج، ص:463، الفصول في القوافي، ص:64، القوافي للإربلي، ص:118.

(16 )  القوافي، للأخفش ص:111.

(17 )  البارع، ص:91، وانظر أيضا:معيار النظار في أوزان الأشعار، 1/21.

( 18)  مفتاح العلوم، ص:630.

( 19)  العيون الغامزة، ص:143، حاشية الدمنهوري الكبرى، ص:87، العمدة، 1/146، ولم يسلم هذا التوجيه من اعتراض!

(20 )  العيون الغامزة، ص:143.

(21 )  مفتاح العلوم، ص:634.

(22 )  القوافي، للأخفش ص:112.

( 23)  القوافي، للأخفش ص:99.

(24 )  معيار النظار، 1/28.

(25 )  القوافي، للأخفش ص:113.

( 26)  مفتاح العلوم، ص:645، وانظر أيضا:معيار النظار، 1/38.

(27 )  القوافي، للأخفش ص:114.

(28 )  مفتاح العلوم، ص:653.

(29 )  قال التبريزي:”كان أصله «مستفعِ لن» فأسقطت السين، فنقل إلى «مَفَاعِلُنْ» ثم قصر؛ وهو أن نونه أسقطت ولامه سكنتْ، فبقي «مَفَاعِلْ» فنقل إلى «فَعُولُنْ»”[الوافي، ص:142].

(30 )  مفتاح العلوم، ص:670، وانظر أيضا:معيار النظار، 1/48. ويرى الأخفش غير ذلك، قال:”و«فعولن» في الخفيف يكون بغير لين؛ لأنه كثر نقصه”[القوافي للأخفش، ص:114].

(31 )  القوافي، للأخفش، ص:113، الجامع في العروض والقوافي، ص:292، قال الأخفش:”و«فعولُن» في الوافر لا بدَّ فيه من حرفِ اللّين وقد جاء بغير لين”

( 32)  الباقي من كتاب القوافي، ص:46. وقال الأخفش:” وأمّا «فعولن» في الهزج فمن جعله مجزوءاً لم يجعله بحرف لين. وينبغي أن يكون مجزوءاً، لأنّه لا يكادُ يجيء شعر من أشعار العرب فيه نحو هذه الأجزاء إلاَّ قد بني على ستة أجزاء. فإن لم تأخذ بهذا تركت أشياء من المقاييس. ومن قال إنّ «فعولن» ناقصةٌ من «مفاعيلن»، ليس بمجزوء لزمه حرفُ اللّين”، [القوافي، للأخفش، ص:114]

(33 )  القوافي، للأخفش، ص:113، قال الأخفش:”وأمّا «فعلاتن» و«مفْعولن» في الذي على أربعة أجزاء منه [أي: الكامل] ففي القياس أن يكون بغير حرف لين لأنه نقص منه ما لا يدرك بحرف لين. ولم نسمعه بغير حرف لين. وذلك أنه شعرٌ ضعيف قليل، قد نقصوه، فأرادوا أن يعدِّلوه حتى يكون النصفُ الآخرُ مثلَ الأوَّلِ. فإذا جاءَ فأجزه”

( 34)  المترادف أحد ألقاب القافية وأنواعها الخمسة، وهو:”القافية التي اجتمع في آخرها ساكنان”[انظر: المعجم المفصل، ص:348].

(35 )  الباقي من كتاب القوافي، ص:46.

(36 )  القوافي، للإربلي، ص:118.

(37 )  القوافي، للأخفش، ص:107.

(38 ) حاشية الدمنهوري الكبرى، ص:90.

(39 )  قال أبو العلاء:”والأوزان التي يلزمها اللين والتقييدُ تسعةٌ عند الخليل، وعشرة في قول سعيد بن مسعدةَ” أي الأخفش، [انظر: رسالة الصاهل والشاحج، ص:463]. وأما من عدّوا المترادف أكثر من ذلك كأبي الحسن العروضي الذي جعله ثلاثة عشر، والسكاكي الذي جعله سبعة عشر، والزنجاني الذي جعله ثلاثة عشر، فيمكن رد بعض القوافي إلى بعضٍ، لأنهم عدّوا الأجزاء بمزاحَفَاتها، [انظر: الجامع في العروض والقوافي، ص:265، مفتاح العلوم، ص:690، معيار النظار، 1/92].

( 40)  القوافي للتنوخي، ص:155، الباقي من كتاب القوافي، ص:47، العمدة، 1/146، العقد الفريد، 5/481.

(41 )  الوافي، ص:112.

(42 )  مفتاح العلوم، ص:678، وانظر أيضا: معيار الأنظار، 1/79.

(43 )  العقد الفريد، 5/482.

(44 )  العمدة، 1/147.

( 45)  الحاشية الكبرى، ص:87.

(46 )  الباقي من كتاب القوافي، 47-48، العيون الغامزة، ص:142.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق