مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات عامة

حرف الردف وأحكامه (المقالة الأولى)

كتبه: أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي
الباحث بمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية
مقدمة
للقافية مكانة مرموقة في الشعر، وأثرٌ بالغ في نغمته وإيقاعه، فهي:”شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر، ولا يسمَّى شعراً حتى يكون له وزن وقافية(1)”، كما أنها ـ حسب تعبير حازم القرطاجني ـ:” حوافر الشعر، أي: عليها جريانه واطراده، وهي مواقفه؛ فإن صحَّت استقامت جريته وحسنت مواقفه ونهاياته( 2)”. وينصُّ ابن جني على:”أن العناية بالشعر إنما هي بالقوافي لأنها المقاطع(3)”.
وتتألف القافية من حروفٍ على الشاعر الانتباهُ إليهَا، ومن بينها حرفُ الردف، فهو أحد حروفها الستة اللازمة، فإذا ورد واحد منها في مطلع القصيدة لزمَ في سائر أبياتها، وقد جمعها صفيُّ الدين الحلي في قوله:[من الكامل]
مجرَى القَوافي في حروفٍ ستّةٍ كالشّمسِ تَجري في علوّ بُرُوجِهَا
تأسيسُها، ودَخيلُها، معَ رِدفِها ورَوِيُّها، معَ وَصْلِها، وَخُروجِهَا
تعريفه:
قال التبريزي في تعريفه:”الردف ألفٌ أو واوٌ أو ياءٌ سَواكنُ قبلَ حرف الروي معه( 4)”، بمعنى لا يكون بينه وبين حرف الرويّ حاجزٌ. وقد سمي ردفاً “لأنه مُلْحَقٌ في التزامه وتحمُّل مُرَاعَاتِه بالرويِّ، فجرى مجرى الرِّدف للراكب، لأنه يليه ومُلْحَقٌ بِهِ(5 )”، وتسمَّى القافيةُ إذا كان فيها الردف مُرْدَفَةً أو مَرْدُوفَةً(6 )، ويُقابلهُ التَّجريدُ، وهو خلوّها من الرِّدف والتأسيس أيضًا(7 ).
ويجوز أن يكون الرِّدف والرويُّ في كلمةٍ واحدةٍ، وهو ـ كما قال ابن رشيق ـ الأجودُ(8 )، ويجوز أن يكونَا في كلمتين، كقول ابن المعتز:[مجزوء الرمل]
عَيَّـرُوا عَارِضَهُ بالْـ     مِسْكِ فِي خَدٍّ أَسِيل

مقدمة

للقافية مكانة مرموقة في الشعر، وأثرٌ بالغ في نغمته وإيقاعه، فهي:”شريكة الوزن في الاختصاص بالشعر، ولا يسمَّى شعراً حتى يكون له وزن وقافية(1)“، كما أنها ـ حسب تعبير حازم القرطاجني ـ:” حوافر الشعر، أي: عليها جريانه واطراده، وهي مواقفه؛ فإن صحَّت استقامت جريته وحسنت مواقفه ونهاياته( 2)“. وينصُّ ابن جني على:”أن العناية بالشعر إنما هي بالقوافي لأنها المقاطع(3)“.

وتتألف القافية من حروفٍ على الشاعر الانتباهُ إليهَا، ومن بينها حرفُ الردف، فهو أحد حروفها الستة اللازمة، فإذا ورد واحد منها في مطلع القصيدة لزمَ في سائر أبياتها، وقد جمعها صفيُّ الدين الحلي في قوله:[من الكامل]

مجرَى القَوافي في حروفٍ ستّةٍ        كالشّمسِ تَجري في علوّ بُرُوجِهَا

تأسيسُها، ودَخيلُها، معَ رِدفِها        ورَوِيُّها، معَ وَصْلِها، وَخُروجِهَا

تعريفه:

قال التبريزي في تعريفه:”الردف ألفٌ أو واوٌ أو ياءٌ سَواكنُ قبلَ حرف الروي معه( 4)“، بمعنى لا يكون بينه وبين حرف الرويّ حاجزٌ. وقد سمي ردفاً “لأنه مُلْحَقٌ في التزامه وتحمُّل مُرَاعَاتِه بالرويِّ، فجرى مجرى الرِّدف للراكب، لأنه يليه ومُلْحَقٌ بِهِ(5 )“، وتسمَّى القافيةُ إذا كان فيها الردف مُرْدَفَةً أو مَرْدُوفَةً(6 )، ويُقابلهُ التَّجريدُ، وهو خلوّها من الرِّدف والتأسيس أيضًا(7 ).ويجوز أن يكون الرِّدف والرويُّ في كلمةٍ واحدةٍ، وهو ـ كما قال ابن رشيق ـ الأجودُ(8 )، ويجوز أن يكونَا في كلمتين، كقول ابن المعتز:[مجزوء الرمل]

عَيَّـرُوا عَارِضَهُ بالْـ         مِسْكِ فِي خَدٍّ أَسِيلِ*

تَحْتَ صُدْغَيْنِ يُشِيرَا             نِ إِلَى وَجْهٍ جَمِيلِ

عِنْدِيَ الشَّوْقُ إِلَيْهِ               وَالتَّنَاسِي عِنْدَهُ لِي

فالواو في ضمير «عِنْدَهُو» ردفٌ، واللام في «لِي» رويٌّ، وجاز ذلك للقرب ما بين الردف والرويّ، قال أبو الحسن العروضي:”ومثل هذا كثير(9 )“.

وللرِّدف فائدةٌ ودلالة موسيقيّة أَشار إليهَا أبو الحسن الإربلي بقوله:”ولما كانَ الشِّعرُ مَوضُوعاً للغِنَاءِ والحُـِدَاء ويحتاج إلى مَدِّ الصَّوْتِ في القافية جُعِلَ الرِّدْفُ قبلَ الرَّوِيّ ليُساعدَ عَلى مَدِّ الصَّوتِ مَع الوَصلِ وَالخرُوجِ فَيعذُبُ نَظمُهُ وَيَطيبُ سَمَاعُهُ( 10)“، وكذلك فـ”قد يجمعون بين ساكنين في القافية، وجاؤوا بالردف ليجبروا بالمدِّ ما وَقعَ من التقاء الساكنين….ولذلك لا تجد شعرًا في آخره ساكنان إِلَّا وَالأوَّلُ حَرف لينٍ إلا ما شذَّ( 11)“،

هل يلزم المدّ في الردف؟

 يتجلى من خلال تتبع كلام علماء الفن في تعريف الرِّدْفِ مذهبان اثنانِ:

الأول: يرى أن الردف حرفُ مدٍّ ولينٍ معاً، بمعنى أن تكون الحركةُ من جنسِ الرّدف، كالضمة مع الواو والكسرة مع الياء نحو:«شكُوٍر»و«قديرٍ»، وأما الألف فلا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، نحو:«عتابٍ».

وعليه فإذا كان الحرفُ حرف لينٍ فقط، بأن كانت الحركة غير مجانسةٍ للحرف، نحو:«قَوْلٍ – سَيْلٍ» فلا يُسمَّى رِدْفاً. وعلى هذا المذهب سيبويهِ على ما ذكر أبو يعلى التنوخيُّ، يقول:”وذكر سيبويه أن فتح ما قبل الواو والياء لا يجوزُ( 12)“. وعليهِ أيضاً حمل جمال الدين الإسنوي [ت:772] في «نهاية الراغب في شرح عروض ابن الحاجب» قولَ ابن الحاجب في «لاميته»:[من البسيط]

إِشْبَاعُهُمْ كَسْرَةُ الدَّخِيلِ رِدْفُهُمُ           مَدٌّ وَلِينٌ لِمَا قَبْلَ الرَّوِي مُطِلاَ( 13)

الثاني: يرى أن الرِّدْف حرف اللين ممدوداً أو غير ممدودٍ، وعليه ابن كيسان(14 )، وابنُ عبد ربه(15)، وأبو الحسن العروضي( 16)، وابن جني(17 )، وابن رشيق(18 )، وبه جزم ابن القطاع كما قال الإسنوي(19)، كما تعقَّب أبو يعلى التنوخي كلامَ سيبويه السَّابقَ ذكرُه،

وقال:”وقد استعملت الشعراء ذلك( 20)“، بمعنى استعملوا حرف اللين غيرَ الممدود رِدْفًا، ثم ذكر لذلك أمثلةً. وقد علق أيضاً أبو العلاء المعري في كتابه:«رسالة الصاهل والشاحج» على الشاهد الذي يُناقض كلام سيبويه وقال:”وهذا خلافُ ما أصَّلَهُ سِيبَويْهِ، إِلَّا أنَّ قولَه يُحْمَلُ على مَا كَثُر وعُرِفَ لَا عَلى مَا قَلَّ وَنَدَر، وَاليَاءُ والواوُ إذا انفتحَ مَا قَبلَهُما ففيهما بعضُ اللّينِ وإن لم يكمُلْ مثلَ كَمَالِهِ في «عُودٍ»و«عِيدٍ»(21 )

ولا يجوز عند هؤلاء الجمع بين اللين الممدود واللين غير الممدود، فإذا حصل فهو سناد الحذو(22)، وهو من عيوب القافية، يقول ابن رشيق:” وَمِن المردَفِ مَا تكونُ حَركةُ الحَذْوِ فيهِ مُخَالِفةً للرِّدْفِ؛ فَيُجعَلُ شِعْراً عَلى جِهتهِ، فَإن دخل مع غيره كان سِناداً، وذلكَ مثل: هَوْلٍ وَسَيْلٍ يَكونانِ في قصيدةٍ، وَلَا يَكونُ مَعَهُمَا سُولٌ وَفِيلٌ(23 )“.

ولذلك عيبَ عمرو بن كلثوم في قوله:[من الوافر]

كَأَنَّ غُصُونَهُنَّ مُتُونُ غُدْرٍ            تُصَفِّقُهَا الرِّيَاحُ إِذَا جَرَيْنَا

فَقد سَانَدَ في قوله:«جَرَيْنَا»، باختلاف حركة ما قبل الرِّدف، فالبيتُ من معلقته التي مطلعها:

أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ، فَاصبَحِيَنا            وَلاَ تُبْقِي خُمُورَ الأَنْدَرِينَا

وثمرة الخلاف: أنه يجوز عند أصحاب الرأي الأول الجمع بين «هَوْلٍ»و«وَبْلٍ» في قصيدةٍ واحدةٍ، وأما عند أصحاب الرأي الآخر فذلك سِنَادٌ، وقد وقع ذلك في قول الكسعي حين جمع بين «خَمْسِي»و«قَوْسي» وهو:[من الوافر]

نَدِمْتُ نَدَامَةً لَوْ أَنَّ نَفْسِي                  تُطَاوِعُنِي إِذاً لَقَطَعْتُ خَمْسِي

تَبَيَّنَ لي سَفَاهُ الرَّأْيِ مِنِّي          لَعَمْرُ أَبِيكَ حِينَ كَسَرْتُ قَوْسِي(24 )

وفي بيتين أوردهما ابن عبد ربه حيث جمع الشاعر بين «الطَّوْفِ»و«أُخْفِي»(25 ).

وأرى أنّ هذا السناد أخفّ، وأن حرف الواو لو كان ممدودًا لكان أقبح، والله أعلم!

وقد أشار إلى هذا الخلاف سيدي محمد بن عبدالله العلوي الشنقيطي في نظمه الماتع «مُجَدِّدِ العَوَافِي مِنْ رَسْمَيِ العَرُوضِ وَالقَوَافِي» بقوله:[من الرجز]

وفي اشْتِـرَاطِ الْـمدِّ فِي الرِّدْفِ اخْتُلِفْ.

  وستناول في الحلقة القادمة القوافي التي تكون مردوفة إن شاء الله.

الهوامش:

( 1)  العمدة، 1/151.

(2 )  منهاج البلغاء، ص:271.

(3 )  الخصائص، 1/84.

( 4)  الوافي، ص:204.

(5 )  الوافي، ص:205.

(6 )  فقوله: مُرْدَفَة من أَرْدَفَ، ومَرْدُوفَة، من رَدِفَ كسَمِعَ، وكنصر، وهما على معنًى.

(7 )  انظر: المعجم المفصل في علم العروض والقافية وفنون الشعر، ص:186.

(8 )  العمدة، 1/161.

(9 )  الجامع في العروض والقوافي، ص:274.

(10 )  القوافي، للإربلي، ص:117.

(11 )  القوافي، للإربلي، ص:120.

(12 )  القوافي، للتنوخي، ص:122. وقد ذكر أيضا التنوخي أن أبا بكر الخزاز العروضي ذكر أيضاً مذهبَ سيبويه.

(13 )  نهاية الراغب، ص:354.

(14 )  تلقيب القوافي وتلقيب حركاتها، ص:52، يقول:”فإن فتح ما قبلهما – أي الواو والياء – جاز ذلك واعتدلا أيضاً”.

(15 )  انظر: العقد الفريد، 5/469، يقول في معرض ذكره للأرداف:”وجنس ثالث من الردف، وهو أن يكون الحرف قبله مفتوحا ويكون الردف ياء أو واوا”.

(16 )  الجامع في العروض والقوافي، ص:274.

(17 )  مختصر القوافي، ص:25، يقول:”وإذا انفتح ما قبل الياء والواو وهما ساكنتان كانتا ردفين أيضاً”.

(18 )  العمدة، ص:354.

(19 )  نهاية الراغب، ص:354.

(20 )  القوافي، للتنوخي، ص:122.

(21 )  رسالة الصاهل والشاحج، ص:464.

(22 )  سناذ الحذو، هو اختلاف الحذو، وهو الحركة التي قبل الردف، وهذا الاختلاف إنما يكون عيبا إذا كان بين الفتحة من جهةٍ، وبين الكسر أو الضم من جهة أخرى. أما الاختلاف بين الكسرة والضمة فليس ذلك عيبا، [المعجم المفصل، ص:366]

( 23)  العمدة، ص:354.

(24 )  انظر: مجمع الأمثال، 2/348، محاضرات الأدباء، 1/38.

(25 )  العقد الفريد، 5/479

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق