مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةغير مصنف

حديث (صوموا تصحوا)

بسم الله الرحمن الرحيم:

 

 

بقلم الباحثة: خديجة أبوري*

راج على ألسنة كثير من الوعاظ والخطباء، جملة من الأحاديث المشهورة، بخصوص شهر رمضان، مع كونها ضعيفة أو موضوعة، والتي لا يجوز ذكرها على الإطلاق إلا لبيان حالها، لئلا يغتر بها من لا يعرفها.

ومن تلك الأحاديث: حديث (صوموا تصحوا)؛ وهو وإن صح معناه، فهو عبارة عن مقولة لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالنبي ﷺ.

      ولما كان الموضوع بهذه الأهمية رأيت أن أفرده بمقال، أقف من خلاله على طرق الحديث مع نقل أقوال العلماء فيه فأقول وبالله أستعين:

تخريج الحديث:

روي هذا الحديث من طرق ضعيفة لم يثبت منها شيء، وهذا تفصيلها :

الطريق الأول: عن أبي هريرة رضي الله عنه .

أخرجه العقيلي في  الضعفاء الكبير([1])، والطبراني في  المعجم الأوسط ([2])، والحراني في جزء أحاديث أبي عروبة الحراني([3]) جميعهم من طريق:  محمد بن سليمان بن أبي داود ، نا زهير بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا، بلفظ:( اغزوا تغنِموا، وصوموا تصحوا، وسافروا تستغنوا )، وعند الحراني: (وسافروا تصحوا) بدل (وسافروا تستغنوا).

قال العقيلي: لا يتابع عليه إلا من وجه فيه لين.

وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن سهيل بهذا اللفظ، إلا زهير بن محمد.

 وهذا الطريق ضعيف لأن فيه:

زهير بن محمد، أبو المنذر الخراساني؛ وهو ضعيف في رواية الشاميين عنه -وهذه منها-.

قال البخارى: ما روى عنه أهل الشام فإنه مناكير، وما روى عنه أهل البصرة فإنه صحيح([4]).

وقال أبو حاتم: محله الصدق، وفي حفظه سوء، وكان حديثه بالشام أنكر من حديثه بالعراق لسوء حفظه، فما حدث من حفظه ففيه أغاليط، وما حدث من كتبه فهو صالح([5]).

وقال أبو أحمد بن عدي: لعل أهل الشام أخطأوا عليه، فإنه إذا حدث عنه أهل العراق فرواياتهم عنه شبه المستقيمة، وأرجو أنه لا بأس به([6]) .

والحديث ضعف إسنـاده الحافظ العراقي في  تخريج الإحياء([7]) .

الطريق الثاني: عن ابن عباس رضي الله عنهما

 رواه ابن عدي في  الكامل في الضعفاء([8]) قال : ثنا عبد الرحمن بن محمد بن علي القرشي ، ثنا محمد بن رجاء السندي ، ثنا محمد بن معاوية النيسابوري، ثنا نهشل بن سعيد، عن الضحاك، عن ابن عباس -رضي الله عنهما- بلفظ الطريق المتقدم .

وهذا إسناد ضعيف جدا؛ لأن فيه علتان وهما:

الأولى: أن في إسناده نهشل بن سعيد وهو متروك، وكذبه إسحاق بن راهويه وغيره ، كما في تهذيب التهذيب([9]).

الثانية: علة الإنقطاع بين الضحاك بن مزاحم وابن عباس فإنه لم يسمع منه شيئا. وهو قول شعبة وأبي حاتم وأبي زرعة([10]).

الطريق الثالث: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

أخرجه ابن عدي في  الكامل في الضعفاء([11]) من طريق حسين بن عبد الله بن ضميرة بن أبي ضميرة، عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ: «صوموا تصحوا .

وهذا إسناد ضعيف جدا  أيضا؛فيه الحسين بن عبد الله بن ضميرة وهو متروك الحديث كذاب كما قال مالك وأبو حاتم وغيرهما([12])

وخلاصة القول أن هذا الحديث ضعيف من جميع طرقه.

وقد حكم الصغاني على الحديث بالوضع([13])، وتابعه عليه بعض ممن جمع في الحديث الموضوع فأوردوه فيه([14]) .

الخاتمة

وفي ختام هذا المقال لا بد من التذكير بأنه ليس من اللازم أن يكون كل حديثٍ ضعيفٍ سنداً غيرَ صحيح دلالة ومعنى كشأن هذا الحديث، الذي يعتبر صحيحا من حيث معناه باعتبار الواقع، لكن مع ذلك لا يجوز نسبته إلى الرسول – ﷺ – خاصةً وأنه في كثير من الأحيان تتسلل الخرافات والبدع من طريق الأحاديث الضعيفة والموضوعة.

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

*******************

لائحة المراجع المعتمدة في المقال

1- أحاديث أبي عروبة الحراني برواية أبي أحمد الحاكم. تحقيق ودراسة: د عبد الرحيم محمد أحمد القشقري. مكتبة الرشد الرياض. ط1 /1419-1998.

2- تخريج أحاديث إحياء علوم الدين. العراقي. استخراج: أبو عبد الله محمود بن محمد الحداد. دار العاصمة الرياض. ط1/ 1408-1987. 

3- التذكرة في الأحاديث المشتهرة. الزركشي: بدر الدين محمد بن عبد الله الزركشي. دراسة وتحقيق: مصطفى عبد القادر عطا. دار الكتب العلمية بيروت. ط1/ 1406-1986 .

4- تهذيب التهذيب. ابن حجر: أبو الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني الشافعي. مطبعة مجلس دائرة المعارف النظامية بالهند. ط 1 – 1325.

5- جامع التحصيل في أحكام المراسيل. العلائي: صلاح الدين أبي سعيد بن خليل بن كيكلدي العلائي. حققه وقدم له وخرج أحاديثه: حمدي عبد المجيد السلفي. عالم الكتب. ط2/ 1407-1986.

6- الجرح والتعديل. الرازي: أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي. دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان.ط1/ 1372- 1953.

7- الضعفاء الكبير. العقيلي: أبو جعفر  محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي. تحقيق: حمدي بن عبد المجيد السلفي. دار الصميعي. ط1/ 1420-2000.

8- الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة. الشوكاني: محمد بن علي الشوكاني. تحقيق: الشيخ عبد الرحمن المعلمي. تحت إشراف: زهير الشاويش. المكتب الإسلامي. ط3/ 1407-1987.

9- لسان الميزان.ابن حجر: أحمد بن علي بن حجر أبو الفضل العسقلاني الشافعي تحقيق : دائرة المعرف النظامية – الهند الناشر : مؤسسة الأعلمي للمطبوعات – بيروت. ط3 / 1406 – 1986

10- المعجم الأوسط. الطبراني: أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني. تحقيق: طارق بن عوض الله ابن محمد ,‏عبد المحسن بن إبراهيم الحسيني.  دار الحرمين- القاهرة ط 1415- 1995.

11- المقاصد الحسنة في بيان كثير من الأحاديث المشتهرة على الألسنة. السخاوي: محمد عبد الرحمن السخاوي. دراسة وتحقيق: محمد عثمان الخشت. دار الكتاب العربي. ط1/ 1405-1985.

12- موضوعات الصغاني. الصغاني: أبو الفضائل الحسن بن محمد بن الحسن القرشي الصغاني. حققه وخرج أحاديثه وعلق عليه: نجم عبد الرحمن خلف. ط1 /1401-1980.

******************

 

هوامش المقال:

([1]) الضعفاء الكبير (2 /449-450 )رقم الترجمة: (549).

([2]) المعجم الأوسط (8 /174) برقم: (8312).

([3]) أحاديث أبي عروبة الحراني (ص: 52 ) برقم: (45).

([4])  نقله عنه ابن حجر في التهذيب( 3 /349).

([5]) الجرح والتعديل (3 /590 ).

([6])  نقله عنه ابن حجر في التهذيب( 3 /350).

([7])  تخريج أحاديث الإحياء( 4 /1606).

([8])  الكامل في ضعفاء الرجال ( 7 /57).

([9])  التهذيب ( 10 /479).

([10]) ينظر: ما كتبه الحافظ العلائي في كتابه: جامع التحصيل (ص:199- 200) رقم الترجمة: (304).

([11])  الكامل في ضعفاء الرجال ( 2 /357).

([12])  لسان الميزان ( 2 /289).

([13])  الموضوعات ( ص: 45) برقم: (72).

([14])  كالزركشي في التذكرة (ص: 159)، والسخاوي في المقاصد الحسنة (ص: 381) برقم: (549).والشوكاني في الفوائد المجموعة (ص: 94) برقم: (259).

* راجع المقال الباحث: محمد إليولو

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق