مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

حاشية الإمام الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل

من الكتب التي حظيت بالاعتناء والتقدير، ولقيت القبول والثناء الوفير؛ كتاب «أوضح المسالك  وأسهل المرَاقِي إلى سَبْكِ إبريز الشيخ عبد الباقي» والذي اشتهر بحاشية الرهوني، للعلامة الجليل أبي عبد الله مَحَمَّد ـ بفتح الميم الأولى ـ بن أحمد الرُّهوني (ت1230هـ)، أحد أعلام المالكية في أواخر القرن الهجري الثاني عشر، وبداية الثالث عشر، ومن دارت عليه الفتوى بالمغرب في ذلك الوقت، وهو عبارة عن حاشية وضعها على شرح الشيخ عبد الباقي الزرقاني لمختصر العلامة خليل، ودعاه لوضع هذه الحاشية ما رآه من وجود بعض الإشكالات في مختصر خليل أغفل الشيخ الزرقاني في شرحه حلَّها، أو لم يستوعب الكلام عليها، وكذلك ما وقع لبعض الشراح بعده من قصور في إزالة اللبس عنها، وتخطئتهم له بسبب عدم فهم كلامه، والمقصود هنا حاشيتا شيخيه العلامة محمد التاودي ابن سودة، والعلامة محمد بن الحسن بناني حيث «تعرضا رضي الله عنهما لتتبع كلامه بما أراحا الناظر فيه من تعب، وأوقفاه من كنوزه الخفية على ما طلب، وأبديا من التنبيهات، والفروع، والفوائد ما لا ينكره إلا جاهل أو معاند، لكنه بقيت فيه مواضع يحتاج إلى التنبيه عليها لم تقع منهما إشارة إليها، اعتقدها الطلبة من كلامه صحيحة…كما اعترضا كثيرا من مسائله الصحاح، ونسباه فيها إلى الخطأ الصُّراح» ثم قال رحمه الله«ولما وقفت على بعض ذلك … وقع في خَلَدي أن أقيد ذلك».

وقبل الشروع في المقصود قدم لحاشيته بمقدمات مهمة؛ الأولى: في فضائل العلم والحث عليه، والثانية: في بيان حكم تعلم العلم وتعليمه، وكيفية طلبه، فيما خصص المقدمة الثالثة لترجمة الأشياخ الثلاثة الذين استفاد من حواشيهم، وهم محمد التاودي ابن سودة، وأبو عبد الله محمد بن الحسن بناني، وأبو عبد الله محمد بن الحسن الجَنَوي.

وبعد هذه المقدمة شرع في التعليق على شرح الزرقاني، فبدأ بكتاب الطهارة، ثم الصلاة، وهكذا إلى آخر الكتاب، فيورد قول الأصل ـ أي قول الشيخ خليل ـ ويُثَنِّي بكلام الزرقاني عليه، ويُثَلِّث بكلامه عليه، وأحيانا يكتفي بإيراد كلام الزرقاني فقط، وكثيرا ما ينقل كلام الشيوخ الثلاثة التاودي ابن سودة، ومحمد بناني، ومحمد الجنوي، وقد وضع لكل واحد منهم رمزا خاصا به ذكره في المقدمة، وباقي الرموز جريا على من تقدمه من شراح خليل، كما يتميز منهجه في هذا الشرح بطريقته الجدلية، حيث يناقش الأقوال ويرجح بينها، ويدفع الاعتراضات التي قد يتوهمها القارئ، على شكل سؤال، يتولى الإجابة عنه، فيقول مثلا: فإن قلتَ:كذا وكذا، قلتُ…، وكثرة النقول عن فَطَاحِلٍ العلماء المالكية، فيأخذ القارئ في رحلة بين هذه المصادر متقدمها ومتأخرها من حديث، ولغة، وفقه، ونوازل، وغيرها، مع الأمانة في النقل، وعدم التصرف في العبارة، فغالبا ما يختم نقوله بقوله: «انتهى منه بلفظه»، أو «انتهى موضع الحاجة منه»، أو«قال فلان ما نصه»، وما شابه ذلك، ، وكذلك الاعتناء بضبط الأسماء، والألفاظ، وشرح الغريب، والاستعانة في ترجيح الأقوال بعضها على بعض أو تخريجها ـ إذا خالفت المذهب ـ ببعض القواعد الأصولية المقررة عند مالك، كمراعاة الخلاف، ومفهوم المخالفة مثلا.

ونظرا لتمكن الرهوني من ناصية اللغة، والأدب فقد وظف ذلك في حاشيته هذه، حيث يقف القارئ في ثنايا كتابه هذا على بعض الأبيات من بديع قريحته، ضَمَّن فيها مسائل فقهية تقريبا لحفظها، وتيسيرا لفهمها، كما فعل في آخر مسائل سجود السهو، والشفعة، وأحيانا أخرى يستدرك كما في كتاب الوكالة حيث استدرك على الزقاق في لاميته، وفي كتاب الوديعة على شيخه التاودي ابن سودة.

وقد حظيت هذه الحاشية بقبول كبير لدى العلماء لمكانة مؤلفها، وإبداعه فيها، فقال عنها صاحب شجرة النور الزكية: «دلت على طول باع، وسعة اطلاع»، وقال الحجوي في الفكر السامي:«دلت على فضله، وتمكنه من علم الفقه فضلَ تمكن، فلقد أجاد فيها كلَّ الإجادة، …فأحسن الإفادة، وسلك في التحقيق طريقا صريحا، ومَهْيَعًا صحيحا… ـ إلى أن قال ـ فهي مما ادخره للمتأخرين فكانت حجة على المتقدمين ».

 ومن أوجه اهتمام العلماء بهذه الحاشية، اختصارها لأبي عبد الله محمد بن المدني كنون (ت1302هـ)، طبعت مع أصلها.

ورغم أن الكتاب بهذه الأهمية، فإن مما يعيق الاستفادة منه كثرة الرموز التي درج المؤلف على استعمالها؛ ذلك أن شُرَّاح خليل كثيرون، وكلما نقل المتأخر منهم عن المتقدم، فإنه يحتفظ باصطلاحاته، ثم يضيف إليها اصطلاحات جديدة خاصة به، وهكذا إلى زمن الرهوني، فالقارئ للكتاب لأول مرة لن يستطيع فهم كلام الرهوني ونقولاته دون الاستعانة بمن سبقه، مما يجعل محتويات الكتاب صعبة المنال إلا على المتمرس بهذا النوع من الحواشي، ومما يزيد في تعقيد ذلك غياب طبعة محققة تحقيقا علميا للكتاب.

صدرت الطبعة الأولى من حاشية الرهوني سنة 1306هـ، بالمطبعة الأميرية ببولاق، بمصر، في 8أجزاء، ثم قامت دار الفكر بإعادة تصويره عن الطبعة السابقة سنة 1398هـ/1978م.

الكتاب أوضح المسالك وأسهل المراقي إلى سبك إبريز الشيخ عبد الباقي (حاشية الرهوني)
المؤلف أبو عبد الله مَحَمَّد بن أحمد الرُّهُوني(ت1230هـ)
مصادر ترجمته سلوة الأنفاس (1/109)، شجرة النور الزكية (ص378)، إتحاف أعلام الناس (4/181)، إتحاف المطالع (1/114)، الأعلام (6/17)
دار النشر دار الفكر، بيروت، سنة 1398هـ/1978م مصورة عن طبعة بولاق 1306هـ
الثناء على المؤلف قال الكتاني في سلوة الأنفاس(1/110):«وحاشيته على الزرقاني عديمة المثال، بديعة الحسن والجمال، بلغت من التحقيق الغاية القصوى، وعليها في وقتنا المدارُ في الحكم والفتوى »

إعداد: ذ.جمال القديم.

Science

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم ورحمة الله وهل طبع طبعة أخرى غير طبعة دار الفكر 1978

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق