مركز ابن البنا المراكشي للبحوث والدراسات في تاريخ العلوم في الحضارة الإسلاميةدراسات عامة

جوانب من أخلاقيات الممارسة الطبية في التراث العلمي العربي أبو بكر الرازي نموذجا

عبد العزيز النقر

مركز ابن البنا المراكشي

   يمكن الحديث عن الممارسة العلمية في علاقتها ببعض الجوانب الأخلاقية داخل التراث العلمي العربي من عدة أوجه. من بين هذه الأوجه – مثلا – أن يتم النظر إلى الكيفيات التي حاور بها علماء هذه الحضارة علماء الحضارات السابقين عليهم أو العلماء المنتمين لنفس حضارتهم (أي الحضارة العربية)،[1] ومنها أيضا البحث عن بعض الضوابط التي كانت تحكم ممارساتهم العلمية، كتحليهم بالأمانة العلمية أو استفراغهمُ الوُسع في ما أتوه من أعمال توخيا للإحسان وطلبا للإتقان، ومنها كذلك البحث عن أهم المتون التي ندبها مؤلفوها لتقنين مجالات اشتغالهم من الناحية الأخلاقية. وذلك دفعا لكل ما يمكن أن يشوبها من هذه الناحية أو يطال المنتسبين إليها من خوارم تقدح في أهليتهم العلمية والأخلاقية. يمكن التمثيل على هذه الكيفية الأخيرة بعدة مؤلفات تنتمي للتقليد الطبي العربي، ككتاب “أدب الطبيب” لأبي إسحق بن علي الرهاوي،[2] الذي يضم، الإضافة إلى بعض الأمور الطبية-العلمية مسائل أخلاقية تهم الطبيب والمريض على حد سواء، وكتاب “امتحان الأطباء” لحنين بن إسحق” وكتاب “أخلاق الطبيب” لأبي زكريا الرازي[3]

   ارتأينا أن يكون هذا العمل الأخير مدار حديثنا في الأسطر التالية[4]، حيث سنعمل على تقديم أهم الأفكار التي انطوى عليها مركزين فقط على ما اتصل منها بالبعد الأخلاقي ضاربين الذِكر صفحا عن بعض المسائل العلمية المتصلة بصنعة الطب، والتي لا ترد إلا في حالات قليلة. نشير، بداية، إلى مسألتين قبل الانتقال إلى المضامين الأخلاقية للكتاب : أ- يكتسي هذا العمل أهمية خاصة، وذلك بحكم أن مؤلفه لم يكن مجرد شخص ملم بصنعة الطب فحسب، بل إنه كان ممارسا لهذه المهنة، كما كان أيضا رئيسا للبيمارستان (المستشفى) العضدي بمدينة بغداد الذي يُعد من أهم المستشفيات في تاريخ الإسلام (سُمي بالعضدي نسبة إلى السلطان عضد الدولة البُويهي)، وكان كذلك قائما على تدبير مارستان الري.[5] بالتالي، فإن ما يتضمنه هذا الكتاب ليس مجرد توجيهات نابعة من تأملات نظرية مجردة، بل إنها عبارة عن خلاصة لتجربة عملية كابدها الرازي خلال مسار تكوينه العلمي وممارسته المهنية. ب- لم يكن هذا الكتاب هو عمل الرازي الوحيد في مجال الأخلاق، بل إن له أعمالا أخرى تندرج في هذا الجانب، منها مثلا كتابا “السيرة الفلسفية” وكتاب “الطب الروحاني”[6]. لكن، يبدو أن هذا العمل الذي بين أيدينا ذو طابع أكثر خصوصية، إذ يمكن القول إن مادته الأخلاقية تكاد تقتصر على مجال الممارسة الطبية، بينما الكتب الأخرى ذات طابع أعم. لذا، يمكن القول إنه إذا كانت تلك الأعمال الأخرى تحدد للمرء بصفة عامة السبل الأخلاقية القويمة، فإن هذه الرسالة “تضع دستورا أخلاقيا في طريقة السلوك بين الطبيب والمريض، وترسم أهم المبادئ التي يجب أن يتعامل بها كل منهما مع الآخر[7]. من جهة أخرى، لا ينفي هذا الأمر، بطبيعة الحال، اعتبار الرسالة  كـ”نموذج أدبي رائع لأحد موضوعات الخير الأسمى.”[8]

   يحمل الكتاب الذي اعتمدناه هنا العنوان التالي : “أخلاق الطبيب : رسالة لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي إلى بعض تلاميذه“. لا ينبغي أن يوهمنا هذا العنوان بأننا أمام عمل ذو طابع شخصي محض، أي رسالة خاصةٌ من أستاذٍ إلى تلميذه. إذ يبدو أن هذا المقصد ليس هو قصد الرازي الوحيد. صحيح أنه يتوخى هنا تقديم بعض التوجيهات الأخلاقية والعلمية (وأيضا المهنية) لتلميذ له بمناسبة إشرافه (أي التلميذ) على تدبير ورعاية صحة أحد الأمراء، إلا أن الأصح، في اعتقادنا، أن الرازي قد توخى أساسا أن يحقق مكسبين، أو أكثر، في نفس وقت. حيث سعى إلى أن يستفيد تلميذه من هذه التوجيهات والنصائح، وأن تتعدى فائدتها إلى غيره (تلميذه) من عموم القراء. ويشهد على هذا الرأي أمران على الأقل : أ- لم يُسَمّ الرازي تلميذه ولا الأمير الذي سيقوم هذا الطبيب/التلميذ على خدمته[9]. فكيف يُعقل أن نكون أمام رسالة موجهة إلى شخص بعينه وهي خلو من الأسماء ؟ من ناحية أخرى، يبدو هذا مخالفا – مثلا – لما يرد في كتابه “سر الأسرار في الطب والكييماء” حيث يسمي أحد تلاميذه المعنيين بتأليف هذا الكتاب، يقول الرازي : “إن الذي دعاني إلى تأليف هذا الكتاب : مسألة شاب من تلاميذي من أهل بخارى يقال له : “محمد بن يونس” […] سألني بعد فراغي من الكتب الاثني عشر في الصنعة والرد على الكندي، ومحمد بن الليث الرسائلي : أن أجمع له شيئا من أسرار أعمال الصنعة، ليكون له إماما يُقتدى به، ودستورا يرجع إليه“.[10] رُبّ معترض يعترض علينا بالقول أن هذا الكتاب (سر الأسرار) موجه للعموم لكنه يتضمن مع ذلك اسما محددا (هو محمد بن يونس) ! وونكتفي هنا بالقول : 1- إننا هنا أمام سبب تأليف الرازي لهذا الكتاب، وهو طلب تلميذه، ولسنا أمام رسالة موجهة إلى أحدهم كما هو حال كتاب “أخلاق الطبيب” التي ترد فيها جل العبارات بصيغة المخاطب. لهذا، نعيد التساؤل هنا : إذا كان كتاب “أخلاق الطبيب” عبارة رسالة شخصية موجهة إلى تلميذ بعينه، دون غيره من سائر القراء، فكيف تخلو من اسم المخاطب على الأقل ؟ . 2- تُعتبر مسألة ذكر أسماء الأشخاص الذين يكونون سببا في تأليف كتاب ما مسألة شائعة في مقدمة عدة متون تراثية. ج- لئن كان ذكر اسم الشخص الذي هو سبب في تأليف كتاب “سر الأسرار” يتماشى مع طابع الكتاب الموجه للعموم، فإن هذا الأمر أولى أن يصدق على كتاب “أخلاق الطبيب” الذي لا يرد فيه أصلا اسم الشخص الذي وُجهت له الرسالة.

   إضافة إلى ما تقدم، فإن بعض الأمور الواردة في الرسالة تشهد بأن مجمل مضامينها موجهة إلى عموم القراء لا إلى شخص بعينه، منها مثلا : 1- حديثه عن أهمية احترام الطبيب وإيلائه مكانة تليق بمقامه. وواضح أن أمورا كهذه لا تعني الطبيب بشكل مباشر، إذ يبدو أنها موجهة لعموم الناس وخاصتهم بوجوب تقدير الطبيب حق قدره. 2- منها أيضا ذكره لبعض المسائل التي يدفع من خلالها اللوم عن الأطباء بحكم طبيعتهم الإنسانية المجبولة على النقص وانتفاء الكمال، ويتعلق الأمر بعدم قدرة الأطباء على الإبراء من كل العلل والأسقام. ويبدو أن كلامه بخصوص هذه المسألة موجه، بشكل ضمني، إلى القراء بصفة عامة.

   يثير عنوان الرسالة، في الحقيقة، بعض الإشكالات. إذ لا نستطيع الجزم إن كان الرازي هو من اختار هذا العنوان أم أنه من وضع بعض النساخ أو فقط اجتهاد من المحقق. كما أن هذا الأخير لا يسعفنا، للأسف، بمعلومات كثيرة عن هذه المسألة أثناء تقدميه للنص المحقَّق. وما يزيد من صعوبة الحسم في هذه المسألة أن هذا العنوان لا يرد في الترجمات التي خصصها النديم[11] وابن أبي أُصَيْبِعَة[12] وابن جُلْجُل[13] والقِفْطي[14] وابن فضل الله العُمري[15] وصاعِد الأندلسي[16] لأبي بكر الرازي. إن أقرب العناوين المحتملة، من حيث مضامينها، إلى هذا الكتاب ترد عند ابن أبي أصيبعة (الذي يعرض أعمال الرازي في ما يقارب سبع صفحات)، وهي: “رسالة في محنة الطبيب وكيف ينبغي أن يكون حاله في نفسه وبدنه وسيرته وأدبه” (المقصود بمحنة هنا هو إجراء امتحان للطبيب قصد تقويم كفاءته وأهليته لمزاولة مهنة الطب) و”كتاب خواص التلاميذ” و”كتاب الممتحن في الطب على سبيل كناش”. لكن، رغم هذا فإن الحسم في مدى مطابقة أحد هذه العناوين للكتاب الذي بين أيدينا يبقى أمرا عسيرا طالما أن الوقوف على مضامين تلك الأعمال الثلاثة أمر متعذر بحكم عدم توفر نصوصها بين أيدينا.

   إن هذه المسألة المتعلقة بالعنوان ليست مجرد مسألة ثانوية، بل يمكن أن ينتج عنها إشكال أكثر أهمية وخطورة. ويتعلق الأمر بمدى صحة نسبة هذا العمل نفسه إلى أبي بكر الرازي. ففي غياب أمور تؤكد هذه النسبة، من قبيل الاستناد إلى كتب الأعلام والتراجم أو الاعتماد على عدة نسخ من النص المخطوط … فإن الحسم في هذه المسألة يبقى إلى حد الآن أمرا صعبا. رغم ذلك، نشير بكل وضوح إلى أن مقصدنا هنا ليس أبدا نفي نسبة هذا العمل إلى أبي بكر الرازي، فأمر كهذا يحتاج منا – على الأقل – إلى أدلة مقنعة تسنده، وهو ما يقتضي بدوره العودة إلى كثير من الدراسات المعاصرة وكذا عدة متون تراثية (منها معظم كتب التراجم ومعظم ما ألفه الرازي وكثير مما ألفه أطباء آخرون …). ولا شك في أن القيام بعمل على هذه الشاكلة (أي الرجوع إلى كل تلك المتون والدراسات) سيخرج بنا عن الإطار الذي رسمناه لهذا المقال المتواضع. حيث إن هدفنا الأساس هو أن نقدم بعض الأوجه الأخلاقية المرتبطة بالممارسة الطبية من خلال هذا النص التراثي. لهذا، فإننا نعتقد أن نسبة هذه الرسالة إلى الرازي أو غيره لا تؤثر كثيرا على هذا المقصد. ومع ذلك، فإننا نميل إلى نسبتها إلى الرازي نظرا لأن المحقق الأستاذ د. عبد اللطيف محمد العبد[17] قد اعتمد في نسبتها إلى الرازي على مقارنة مضامينها بمضامين أعمال أخرى لنفس المؤلف (الرازي)، يقول المحقق في هذا الصدد : “وقد قمت بتعليقات عديدة في الهامش، وهي تؤكد في مواضع كثيرة من الرسالة أن نسبتها صحيحة إلى الرازي. حيث قارنت كثيرا بين فكر الرسالة وفكر الرازي في كتبه الأخرى التي تيسرت لي مطبوعة ومخطوطة، وقد وجدت الروح واحدة، فلا تناقض ولا اضطراب“.[18] في الحقيقة، إننا على وعي تام أنه رغم الأهمية الكبيرة التي تكتسيها هذه الطريقة المتعلقة بالمقارنة، إلا أنها – للأسف – غير كافية للحسم في هذه النقطة. بالمقابل، وطالما أنه لا يوجد، لحد الآن، أي دليل قاطع على عدم نسبة المخطوط إلى الرازي، فإننا لا نرى بأسا بالتسليم بهذه النسبة، لكن دونما جزم أو قطع تاميين.

   يبدأ الرازي الرسالة بإبراز المكانة المهمة التي يحظى بها الطبيب لدى الخاصة والعامة، مع الإشارة إلى بعض الصعوبات التي يمكن أن تواجهه في أداء مهنته. ثم يتجه بعد ذلك صوب تقديم بعض التوجيهات والنصائح إلى تلميذه حاثا إياه على مداومة مطالعة الكتب وتجنب مجالس اللهو والطرب. ولا يخفى على أحد مدى أهمية، بل وبديهية، هذه النصيحة، وذلك نظرا لما في مداومة مجالس اللهو من ضياع للوقت في أمور لا تعود على صاحبها بالنفع بقدر ما تشكل عائقا أمامه في سبيل التحصيل العلمي والاستزادة من المعرفة. ولا ريب في أن انكباب الطبيب على العلم يعود بالنفع عليه هو نفسه أولا، ثم يكون في ذلك فائدة متعدية إلى غيره من عموم الناس ثانيا.

   ولكي يعلل الرازي اقتراحه لهذه النصيحة المتعلقة بتجنب مجالس اللهو ومداومة مطالعة الكتب، فإنه يكتفي بالقول التالي : “فعساه[19] أن يسألك عن شيء بغتة، ولا تحفظه، فتعسر عليك الإجابة. فيضرك ذلك عنده”.[20] لا يجب أن نفهم من هذا النصيحة، أو هذا التوجيه، أن الرازي يدعو تلميذه إلى ضرورة الاستعداد للإجابة عن كل الأسئلة التي تُلقى إليه أو ادعاءه القدرة على معالجة كل العلل. فمن البين بذاته أن أمرا كهذا بعيد كل البعد عن متناول أي إنسان كيفما كان. لذا، يبدو وكأن الرازي يستدرك بعد ذلك مباشرة على قوله السابق في نوع من التنبيه إلى أن هذا الأمر عادي جدا ووارد الحدوث بين الفينة والأخرى.

   هكذا، نراه يشير إلى أن نعت عالم ما (أو طبيب ما) بالجهل لكونه عجز عن الإجابة عن مسألة معينة يرجع أساسا إلى فساد تصور بعض العامة وجهلهم لا إلى تقصير من لدن العلماء والأطباء. وذلك نظرا لأن الكمال صفة منتفية أصلا عن الإنسان، يقول الرازي : “[…]ومن الأكابر من يصادف أميا فيحسبون بقلة علمهم، وكثرة جهلهم أن كل من نسب إلى علم، فهو خليق بأن يجيب عن كل ما يسأل من ذلك العلم، فإن غبي بمسألة فإنهم ينسبونه إلى الجهل. وليس يدرون أنه ربما أصاب الأخرق وأشوى (أي أخطأ) الحاذق وربما أشكل على العالم النحرير المسألة التي يجيب عنها أقل تلامذته علما، وأحلهم (بمعنى أقلهم) فهما، لا أنه ليس يحفظها، أو لم يقرأها، ولم يسمعها، لكن لعوز الكمال في الإنسان.”[21] بمعنى أنه قد يكون هناك عالم من أكابر العلماء، متمكن من علمه مجيد له أصولا وفروعا، لكن قد يحدث أن يصادف شخصا من عامة الناس، ممن لا علم لهم ولا دراية، فيسأل هذا العامي ذاك العالِم (أو الطبيب) عن مسألة لا يجد لها الأخير جوابا، فيَحْمِلُ هذا الأمر العاميَّ على أن يَنْسب ذاك العالِم إلى الجهال غير الملمين بما يشتغلون به من ضروب العلم وصنوف المعرفة.

   لكن واقع الحال، حسب الرازي، أن عجز الأطباء (العلماء) عن الجواب عن بعض المسائل لا يرجع بالضرورة إلى جهلهم أو تقصيرهم في علمهم وعملهم، بل إن مرد الأمر إلى أن إحاطة الإنسان العالِم بكل موضوعات وتفاصيل علم من العلوم – أي إحاطته بكل مسائله وفروعه – أمر متعذر عن الكائن الإنسان المجبول على النقصان والمطبوع على عدم الكمال. إن ما ينطبق على العلماء بصفة عامة ينطبق على الأطباء بصفة أخص، حيث إن من الناس – مثلا – من يتوهم أن من المهام الموكولة إلى الطبيب أن يكون في مقدوره إبراء كل سقيم مهما كانت علته أو مرضه ! يقول الرازي في هذا الصدد : “فأما الأميون والعاميون فإنهم يتوهمون – بل يعتقدون – أن كل من نسب إلى علم النجوم، فإنه لا محالة يعلم الغيب، وأن من نسب إلى الطب فإنه يقدر أن يزيل كل مرض، ويشفي كل سقم“.[22] يبدو أن الرازي قد عانى هو نفسه نوعا ما من بعض ادعاءات العامة حول الأطباء، أو على الأقل قد وصل إليه صدى رأيهم في الأطباء الذين يعجزون عن “معالجة” بعض الأمراض.

   يستند هذا الرأي إلى شاهدين على الأقل : أ- لقد كان الرازي ينفر نفورا تاما من أن تصل أعماله العلمية أو الفسلفية إلى العامة. يقول مثلا : “فحرام على من رُفِع إليه هذا الكتاب [سر الأسرار في الطب والكيمياء] أن يعيره مَن ليس منّا أو من المنكِر، أو يُطلِع العامّة على ما فيه، أو فاسقا وسمَ نفسه بسمتنا وأدخله في عملنا لما شرحنا فيه مما سترته القدماء من الفلاسفة […] ولولا علمي بانصراف أيامي دون أجلي، ومخافتي من فَوت ما آمله وأرومه لم أكن بالذي أجمع له هذا كلّه في كتاب واحد هذا الاستقصاء.”[23]لهذا، من المحتمل أن يكون كُره الرازي لوصول أعماله إلى بعض العامة نابعا من كونه يعرف موقف بعضهم تجاه الحكماء أو بعض الأطباء. ب- يتمثل الشاهد الثاني في طبيعة بعض الأعمال التي كتبها الرازي بخصوص مهنة الطبيب، حيث نجده – مثلا – قد كتب كتبا من قبيل “خطأ غرض الطبيب” ورسالة “الطبيب الحاذق ليس هو من قدر على إبراء جميع العلل، وأن ذلك ليس في الوسع”. لذا، يلوح أنه من المستبعد أن يكتب الرازي هذين العملين دون أن تثار هذه المسائل في المحيط الذي اشتغل فيه أو، على الأقل، دون أن يصل إليه مسامعه صدى منها بكيفية من الكيفيات. رغم ذلك، سيكون من الصعوبة بمكان إثبات هذا الرأي بشكل قاطع، وذلك نظرا لأنه ليس في متناول يدنا لا مخطوط الكتاب ولا مخطوط الرسالة .[24]

   لكي يدفع الرازي عن الطبيب لوم بعض العامة، بخصوص ما لا يقدر على علاجه بحكم إنسانيته المجبولة على النقص وعدم الكمال، يلجأ إلى تقسيم الأمراض إلى ثلاثة أنواع : 1- “علة واجبة البرء” : يمثل عليها بصداع الرأس الناتج عن ضربة الشمس أو الحمى التي قد تعتري كثيرا من الناس في أكثر الأحيان. ب- “علة جائزة البرء” : أي تلك العلل التي يمكن العلاج منها، ويضرب مثالا عليها بالحمى التي ليست من “جنس الحميات الخبيثة”، ويمكن علاج هذا النوع، حسب الرازي، إذا اتبعت في ذلك الطرق الصحيحة باتخاذ الأسباب المفيدة. أما في حالة تركها دونما علاج فإما أن يشفى منها المريض من تلقاء نفسه أو أن تزداد حاله سوءا بسبب استفحال أمرها عليه. ج- “علة مستحيلة البرء” : والمقصود بهذا النوع تلك الأمراض التي لا يفلح معها تدبير طبيب ولا مفعول دواء، كالسرطان والجذام والبرص.[25]

   هكذا، إذا أدرك المرء أن هذا هو واقع الحال، فسيعذر الطبيب في حالة عدم قدرته على علاج مرض من الأمراض. ولئن أبى المرء غير هذا، فإنه بذلك يكلف الطبيب ما لا طاقة له به ولا قدرة له عليه. بناء على ذلك، نجد الرازي يختم هذه الفقرة  بالقول الآتي : “فالطبيب في أكثر الأمر ملوم، وعلى أي حال. وأما فيما يمكنه علاجه فلطول وقت المعالجة. وأما فيما لا يمكنه العلاج فلعجزه عن ذلك“.[26] بمعنى أنه رغم إشارته إلى هذه الأنواع من العلل، فإنه كان مدركا أن العامة لا تنفك عن لوم الطبيب في أغلب الأحيان، سواء كان ذلك بسبب طول مدة العلاج أو أن ذاك المرض هو مما يتعذر على الإنسان/الطبيب معالجته.

   إذن، فقد كانت بعض هذه الأفكار السالفة بمثابة نوع من الدفاع عن بعض حقوق الطبيب (كأن لا يُلام على ما هو فوق طاقته)، أما بعد ذلك مباشرة في نتقل الرازي إلى ما يمكن أن نسميه ببعض الواجبات الملقاة على عاتق الطبيب إزاء مرضاه. يقتصر الرازي هنا على ثلاثة واجبات : على الطبيب أن يكون رفيقا بمرضاه أثناء علاجه إياهم. لا شك أن مفعول العلاج المُرفق بالمعاملة الحسنة يكون أبلغ أثرا في تحسن حال المريض من الاقتصار على المعالجة وحدها. وربما قد يكون الرازي قد لاحظ مدى تأثير المعاملة الجيدة على بعض المرضى، سواء تأثيرها على الجانب النفسي أو حتى البدني. حيث يمكن، من جهة، أن تخفف عنهم شيئا من وطأة آلام المرض، ويمكنها من ناحية أخرى أن تسهم في علاج أجسامهم السقيمة. وقد قلنا أن الرازي “ربما قد لا حظ تأثير المعاملة الحسنة” نظرا لأنه كان طبيبا ممارسا لهذه المهنة بالبيمارستان العضدي وبيمارستان الري. بالتالي، فلا ريب أن ممارسته للطب قد أكسبته خبرة واسعة ودراية عميقة ليس من الناحية العلمية فحسب، بل من الناحية الأخلاقية (السلوكية) أيضا، لذا نلفيه هنا يحث تلميذه على أهمية معاملة المرضى برفق لما ينطوي عليه هذا الفعل من خلق عال ومن نتائج إيجابية على نفسية وصحة المريض.

   يتعلق الواجب الثاني بحفظ سر المريض. إن هذا الأخير قد يلجأ، في نظر الرازي، إلى الحديث عن أمور شخصية يكتمها عن أقرب الناس إليه، لكنه قد يحكيها للطبيب اضطرارا بحكم ضرورة التعرف على بعض الأمور التي قد تعينه في دفع ما ألم بمريضه من داء. لذا وجب على الطبيب، من الناحية الأخلاقية، أن لا يفشي تلك الأسرار لأحد حتى لو كان ولد المريض أو زوجه أو أباه … أما الواجب الثالث فيتعلق بـ”حفظ” الطبيب لـ”طرفه”، أي عليه أن يغض بصره عن الأمور التي لا يجوز له مد بصره إليها، خصوصا في علاجه للنساء. حيث يجب عليه “إذا أراد علاجهن أن يقصد الموضع الذي فيه معنى علاجه، ويترك إجالة عينيه إلى سائر بدنها”.[27] إن الإخلال بمثل هذه الواجبات لا يعبر فقط عن الانحطاط الأخلاقي للطبيب أثناء ممارسته لمهنته، بل إنه تؤدي به، حسب الرازي، إلى حط مكانته لدى الآخرين حيث يصبح محل ازدراء وتبخيس من طرف العامة والخاصة. وبذلك فهو يحرم نفسه شرف المكانة الرفيعة التي تبوأها بين هؤلاء، كما يحرم غيره إمكانية الاستفادة من علمه وعمله.

   إذا كان للمريض على الطبيب واجبات، فإن لهذا الأخير كذلك على المريض بعض الواجبات التي يأتي الرازي على ذكرها مباشرة بعد التطرق لواجبات الطبيب تجاه مريضه. من بينها، مثلا، أن يعمل عامة الناس وخاصتهم على رفع مكانة الطبيب على غيره من الناس. يرجع سبب ذلك إلى أمور منها – مثلا – أن الطبيب هو أحرص الناس على صحة مخدومه (سواء كان سيدا/أميرا كما في حالة تلميذ الرازي أو كان مريضا بصفة عامة) وأسعدهم بسلامته وشفائه لما في ذلك من تعبير عن نجاحه في مهنته كطبيب يرعى صحة الناس. كما يرى الرازي أن معاملة الطبيب بالحسنى وإكرامه من طرف مخدومه من شأنه أن يحثه على الاجتهاد أكثر في علمه وعمله خدمة لذلك المخدوم من خلال السهر على حفظ صحته عليه ومعالجته من أمراضه بأقصى وُسعه. يقتصر الرازي هنا على حالة خاصة، وهي تلك المتعلقة بخدمة الطبيب لأمير أو أحد من أصحاب الجاه، حيث لا يتطرق مثلا إلى الكيفية التي يجب أن يُعامل بها عامة الناس الطبيب. ويمكن أن يكون مرجع هذا الأمر إلى أحد السببين : أ- إما لأن الرازي لم يكن يُؤمل خيرا كثيرا من عامة الناس، بدليل أنه كان يرفض أن تصل بعض كتبه إلى متناول أيديهم. لذا، ربما ارتأى أن لا فائدة كبيرة تُرجى من تذكيرهم وحثهم على تقدير مكانة الطبيب. ب- أو ربما لأن طبيعة الكتاب فرضت عليه أن يقتصر على هذه الأمثلة نظرا لأن الكتاب موجه إلى أحد تلاميذه بمناسبة ذهابه لخدمة أحد الأمراء كما أسلفنا القول. يظهر أن السبب الثاني هو الأرجح نظرا لأن الرازي قد أشار، ولو باقتضاب شديد، إلى أنه يجب على عامة الناس وخاصتهم أن يكرموا الطبيب، أي إنه أشار إلى  “عامة الناس” حتى لو لم يفصل في كيفية هذا التوقير وكيفيات رفع مكانة الطبيب لديهم.

   يسترسل بعد ذلك الرازي في تعداد بعض أوجه الواجبات الأخلاقية الأخرى التي يجب أن يلتزم بها الطبيب في معاملته للآخرين، سواء تعلق الأمر بكيفية بالمرضى أو بعموم الناس. يؤكد الرازي، بهذا الخصوص، أن على الطبيب أن يتصف دائما بالتواضع مهما علت رتبته أو ارتفع شأنه لدى الخاصة و العامة. إذ لا بد للطبيب، أو الحكيم بتعبير الرازي، أن يبقى دائما معاملا بالحسنى لكل الناس مترفقا بهم[28] وباسطا يده لعلاج كل من يحتاج لذلك، سواء كان غنيا أو فقيرا. فما كان للطبيب الفاضل أن يحرم مريضا من العلاج بسبب فقره أو ضعة مكانته بين الناس. كما لا ينبغي للطبيب أن يداخله الغرور والاعتداد بالنفس بسبب نجاح في علاج مريض من المرضى.

   رغم ما عرف عن الرازي من اجتهاد علمي واعتماده على التجربة والممارسة الطبيتين، فإنه لم يكن يعتمد بشكل مطلق على هذه الأمور، فهي مجرد أسباب لابد من اتخاذها طلبا للعلاج ودفعا للأسقام. بالمقابل، يرى الرازي أنه رغم اتخاذ كل الأسباب الضرورية فإن مسألة الشفاء تبقى أمرا بيد الله تعالى، يقول بهذا الصدد : “ويتكل الطبيب في علاجه على الله تعالى، ويتوقع البرء منه. ولا يحسب قوته وعلمه، ويعتمد في كل أموره عليه. فإذ فعل ذلك ونظر إلى نفسه وقوته في الصناعة وحذقه، حرمه الله البرء”.[29] من الواضح أن الرازي يؤمن بأن الشفاء (البرء) ليس أمرا بيد الطبيب، فهذا الأخير ملزم باتخاذ الأسباب الضرورية لذلك، لكن نجاح الأمر بحصول الشفاء أمر موكول إلى الباري عز وجل. بل إنه يرى أيضا أن الأسباب نفسها ليست إلا توفيقا من الله تعالى للطبيب، وهذا ما يمكن أن يستشف من العبارتين التاليتين : “ويتكل الطبيب في علاجه على الله تعالى” و”يعتمد في كل أموره عليه”، إذ من الملاحظ هنا إن الرازي لم يميز بين الأسباب والنتائج، مما يجيز أن تحمل عبارة “كل أموره” عليهما معا.

   يتطرق الرازي أيضا إلى بعض المسائل المتعلقة بالآداب الاجتماعية التي يُستحسن للطبيب التحلي بها، كدعوته تلميذه ألا يكثر من الكلام أو يكون هو البادئ به (أي الكلام) في حضرة الأمير الذي يقوم على خدمته إلا إذا بدأه هو بالكلام أو بدأ بذلك أحد جلسائه. ومن ذلك أيضا ألا ينهاه عن أكل معين، بحكم مضرته له، أثناء تناوله ذاك الأكل إلا في الحالات القصوى. كما يدعوه أيضا إلى مسألة التدرج في تغيير بعض العادات الخاصة بمأكل أو مشرب هذا الشخص،  – أو أي شخص بصفة عامة – الذي يقوم على رعايته الطبية. ولا شك في أن هذه الطريقة تكون أبلغ أثرا على الشخص وأكثر فعالية من غيرها، فالنفس غالبا ما تقاوم التخلي عما تحب وتشتهي من أصناف الطعام والشراب. لذا يمكن للطبيب أن يحتال في دفع الشخص إلى ترك ما كان منها مضرا بصحته من خلال اتباع بعض الخطوات. منها مثلا – كما أشرنا – اتباع التدرج في ذلك ومحاولة نصحه هذا الشخص بغذاء يكون فيه نوع من “الإصلاح” لما تناوله بالأمس، يول الرازي “وينبغي أن تأمر له كل يوم أن يتخذ له من الغذاء ما تعلم أنه يكون مصلحا لما تناول في أمسه من أغذية، دافعا لما ينتظر من مضرته. ومل في ذلك إلى ما يشتهيه ميلانا ما. فإن الطعام المشتهى أوفق للأصحاء والمرضى مما لا يشتهى وإن كان أردأ …”[30]. من الجلي هنا أن الرازي لا يكتفي بأهمية العلاج المادي، من غذاء أو دواء، بل إنه يعتمد أيضا على بعض الجوانب النفسية في تدبير صحة المرء. ذلك أنه يعي مدى صعوبة إقلاع المرء عن أكل ما تشتهيه نفسه حتى لو كان في ذلك مضرة له. لذا، يقترح أن يأخذ المرء في الوجبات الخاصة باليوم الموالي طعاما ذا فائدة أكبر يكون بمثابة إصلاح لما خلفه الطعام السابق من أثر سلبي على صحته.

   لا ينحصر اعتماده على الجانب النفسي في هذه النقطة فحسب، بل إنه يدعو (تلميذه) إلى أهمية الاعتماد على الأطعمة التي يشتهيها هذا اللشخص أكثر من غيرها. بمعنى أنه ينبغي على الطبيب أن يقترح على الشخص (وهو في هذه الحالة الأمير الذي يتعهد تلميذ الرازي برعاية صحته) نوعا من الأطعمة والأشربة يكون تميل لها نفسه رغم أن فائدتها قتكون أقل من بعض الأطعمة الأخرى التي لا يشتهيها ولا تحبها نفسه. وهذا واضح من عبارته السالفة : “… فإن الطعام المشتهى أوفق للأصحاء والمرضى مما لا يشتهى، وإن كان أردأ …”. فضلا عن ذلك، يقدم الرازي  بعض التوجيهات الطبية العلمية لتلميذه، لكننا آثرنا عدم التطرق لها هنا مقتصرين فقط على ما اتصل بالجوانب الأخلاقية أو الآداب الاجتماعية المرتبطة بالممارسة الطبية.

   لا يغفل الرازي عن تذكير تلميذه بتجنب بعض الأمور التي من شأنها أن تؤدي إلى أخطاء طبية معينة أو أن تضر بمكانته لدى من يتعهد بصحته (الأمير). يخص بالذكر منها ضرورة تجنبه “الإسراف في شرب الخمر” نظرا لأنها قد تؤدي به، في حالة سكره، إلى إتيان خطأ ما أثناء معالجته لذاك الشخص مما يعسر معه تدارك نتائج ذلك الخطأ. كما أن هناك احتمالا أن يطلبه “الأمير” عند حاجته له لعلاج علة ألمت به فجأة فلا يجده نظرا لأن الطبيب يكون في تلك اللحظة في حالة من السكر تحول دونه ودون تلبية نداء الأمير له لغرض معالجته أو التخفيف من حدة ألمه ومعاناته مع مرض من الأمراض. وبذلك يكون هذا الأمر مدعاة إلى استصغارهِ الطبيبَ، مما يؤدي بدوره إلى حط مكانته ومنزلته لدى “الأمير”.

   لا نرى بأسا من الإشارة هنا إلى بعص التوجيهات العامة المرتبطة بالممارسة الطبية، والتي يقدمها الرازي لتلميذه يكون عمله أكثر نجاعة وإتقانا. منها – مثلا – أن يلازم الشخص المتعهد بتدبير صحته، ليس أثناء علته ومرضه فحسب، بل أيضا في حالة صحته وسلامته.[31] وترجع أهمية هذه المسألة، في نظر الرازي، إلى أن هذا الأمر يفيد الطبيب في معرفة أحوال ذلك الشخص أثناء صحته والتعرف على عاداته في المأكل والمشرب مما يفيده أثناء مرضه في معالجته من خلال تقديم الأدوية أو التوجيهات المفيدة التي تأخذ في الحسبان كل تلك الأمور الشخصية التي تختلف من شخص لآخر. ذلك أن وصفة علاجية ما قد تصلح لشخص معين لكنها قد لا تصلح لشخص آخر بحكم أن هذا الأخير قد يكون، مثلا، ممن يعاني حساسية تجاه مكون من مكونات الدواء ...[32] كما أنه من المُستحسن للطبيب أن يكثر من ملاقاة الشخص الذي يرعاه صحيا، حيث إن كثرة ملاقاة شخص ما كفيلة بأن تكشف للمرء عن كثير من عاداته وطبائعه، وهو ما يكون مفيدا للطبيب بشكل كبير في علاج ذلك الشخص، يقول الرازي : “ويحتاج في استعمال صناعة الطب إلى طول الملاقاة؛ فإن من صاحب إنسانا سنة، أعلم لطبيعته من صاحبه شهرا”.[33] من الملاحظ بخصوص بعض هذه النصائح والتوجيهات أن الرازي لا يكتفي بعرضها أو تقديمها بشكل مجرد، بل إنه يرفقها بسرد بعض الأحداث التي وقعت له أو عاينها هو شخصيا. وغني عن البيان أن هذه الطريقة تكون، في كثير من الأحيان، أكثر فائدة على قارئها وأبلغ أثرا في متلقيها.

   فضلا عن ذلك، يدعو الرازي إلى أهمية الجمع بين ضبط أصول صناعة الطب والتجربة دون الاقتصار على أحدهما فقط. لهذا، لا ينبغي أبدا الاستناد إلى نجاح بعضهم في معالجة أنسفهم أو غيرهم دون تمكن من الصنعة. حيث إنهم يكتفون فقط على ما وقفوا عليه بتجربتهم، دون أن يطالعوا كتب الطب أو يتلقوا هذه الصنعة عن أطباء متمكنين من علمهم ومهنتهم. أما نجاح هؤلاء في بعض الأحيان فهو راجع أساسا، حسب الرازي، إلى “الاتفاق” (الصدفة) فقط. يقول بهذا الشأن ناصحا تلميذه : “ودع ما يهذي به جهال العامة، أن فلانا قد وقعت له التجربة في غير علم يرجع إليه؛ فإن ذلك لا يكون، ولو كان من أطول الناس عمرا، وما نفع له من علاج موافق، فهو من حسن الاتفاق”.[34] من جهة أخرى، لا يغني العلم وحده الطبيب دون خبرة أو تجربة، إذ لا يكفي أن يأخذ عامة الناس كتبا في الطب ليعمدوا من خلالها إلى معالجة أنفسهم أو غيرهم، فقد تكون عواقب أمر كهذا بالغة الضرر على صحة الناس. يعيب الرازي على هؤلاء أنهم يرجعون إلى هذه الكتب دون أن يفقهوا أن هذه الكتب وضعت أساسا ليتم “الاحتذاء” بها لا لـ”تسعمل بأعيانها”. بمعنى أنها تكون معينة للمتعلم أو الطبيب في تعلم صناعة الطب، حيث تقدم أمثلة ونماذج يلجأ لها المتعلم في فهم هذا العلم واكتساب أصوله وبعض فروعه. بالتالي، فهذه الكتب لم توضع ليتم اللجوء إليها بشكل مباشر وأخذ ما فيها كما هو وتطبيقه على صحة الناس، يقول الرازي معلقا : “فأعلى درجات هؤلاء، الذين ليسوا يرجعون إلى أصول الصناعة (أي الطب)، أنهم ينظرون في الكتب، فيستعملون منها العلاجات. وليسوا يعلمون أن الأشياء الموجودة فيها، ليست هي أشياء تستعمل بأعيانها، بل هي مقالات جعلت؛ ليحتذى عليها، وتعلم الصناعة منها”.[35] يُرفق الرازي هذه التوجيهات، كما أشرنا سابقا، ببعض القصص والأحداث التي شاهدها بأم عينه تأكيدا لمصداقية أقواله وصواب نصائحه.

   رغم أنه سبق له أن أشار، كما ألمحنا سابقا، إلى ضرورة تحلي الطبيب بخلق التواضع، فإنه يعود للتذكير بهذا الأمر. حيث يرى أن التواضع يضفي على من اتسم به “زينة وجمالا”. مظاهر هذا التواضع أن يحرص الطبيب على اختيار كلامه حيث يؤثر “جيده ولينه” متجنبا في الآن نفسه لكل أنواع “الفظاظة والغلظة” في معاملته الناس عموما، والمرضى بصفة أخص. من جهة أخرى، يحذر تلميذه من أن يلبس عليه بعض المدعين فيحملونه على ادعاء أمور لا تدخل في صناعة الطب ولا طاقة للطبيب بها نظرا لأنها مجرد ادعاءات يزعمها بعض الدجالين، (يسميهم الرازي “الممخرقون”) كزعمهم إمكانية معرفتهم ما بالمريض بمجرد النظر إليه أو قدرتهم على معرفة ما أكل من طعام أو معرفة “الفرق بين الأبوال” …

   لقد كان الرازي ملما بكثير من حيل هؤلاء، حيث نجده يذكر بعض هذه الخدع والحيل، ويرجع ذلك إلى أنه هو نفسه كان يتعاطى في حداثة سنه مثل هذه الأمور، يقول في هذا الصدد مخاطبا تلميذه : “وإنما صرت بحيث لا يخفى علي شيء من هذه الأمور؛ لأني كنت في حداثتي أتعاجل العزائم والمخاريق؛ فصار لا يخفى علي أشر وجوهها.”[36] ليس هذا فحسب، بل إنه هو نفسه عانى بعضا من هذه الحوادث مع مثل هؤلاء، يقول مثلا : “ومنهم من أظهر ذلك لي، غير مستح مني بل مصرحا بالقول : من أنك كنت عندنا بخلاف ما نجدك؛ إذ كان في نفوسنا أنك إذا نظرت إلى ما بنا، وجسست نبضنا، أمكنك أن تخبرنا بجميع ما فعلنا في أيام علتنا، وما يجد من الآلام على كنهها. ولم ينجح كلامي فيهم. إن من وصفهم غير مدرك لهذه الصناعة، لما قد تمكن في نفوسهم من مخاريق الهرابين الممخرقين”.[37] بمعنى أن بعضا من هؤلاء قد توهموا، من جهلهم وتمكن ادعاءات المدعين من نفوسهم، أن في مقدور الرازي – باعتباره طبيبا – يستطيع أن يخبرهم بما طالبوه به بمجرد جس النبض أو النظر لما بهم، غافلين عن أن صناعة الطب لا تجري على هذا النحو أبدا. إذ مهما بلغ الطبيب من مهارة وحذق فإنه لا يستطيع إلا أن “يعتبر عن بعض ما بالعليل”، أي أن يستند إلى بعض العلامات والأعراض لمعرفة سبب الداء ثم الاهتداء إلى سبل علاجه دونما معرفته لبعض الأمور بشكل أكثر تفصيلا. هكذا نلفيه يصرح قائلا : “وإن كان قد يمكن الماهر (أي الطبيب الحاذق المتمكن)، أن يعتبر عن بعض ما بالعليل، فإنه لا يمكنه الإخبار عما فعله البارحة، وعما أكله على كنهه. فإن كانت صناعة الطب، ماهي محصورة في كتب الحكماء من اليونانيين والهند أيضا، فليس في واحد من هذه الكتب، ما ادعوه من مثل هذه الأشياء …”.[38] يشير الرازي هنا إلى أن ما يطالب به هؤلاء لا وجود له حتى لدى أكابر الأطباء اليونانيين (كأبقراط وجالينوس) والهنود. وإذا لم يكن هذا واردا لدى من تقدم من أفاضل الأطباء ولم يقر به أحد من الحكماء المتقدمين، فأنى لهؤلاء المتأخرين أن يطالبوا الأطباء الذي يقومون على رعاية صحتهم بأمور هي، على التحقيق، بعيدة كل البعد عن صنعة الطب ومقدرة الطبيب ؟

   لا ينسى الرازي في خضم هذه التوجيهات الأخلاقية والنصائح العلمية أن يعدد بعض مميزات مهنة الطب. ويلجأ الرازي إلى هذه النقطة كنوع من التحفيز لتلميذه وتشجيعه على الاجتهاد في مهنته استزادة في حبها واقتناعا بها. يجمل هذه الميزات في خمس نقط أساسية، وهي :إجماع الكل على أهمية وفضل هذه الصنعة، اعتراف عامة الناس وخاصتهم بالحاجة إلى الأطباء، اجتهاد الأطباء في الكشف عما هو كامن وراء ما يظهر من العلل والأمراض، قصد الأطباء الدائم لإدخال السرور على غيرهم من الأصحاء والمرضى، اشتقاق الاسم من “أسماء الله تعالى”. لم يوضح الرازي هذه النقطة الأخيرة، ومن المحتمل أن المقصود هو اسم الله تعالى “الشافي”، نظرا لأن الشفاء هو هدف الأطباء المتوخى من علاج المرضى.[39]

   ختاما، يمكن القول إجمالا إن الرسالة تعكس في بعض جوانبها مدى إلمام الرازي بصنعة الطب من الناحية العلمية ومدى خبرته وتمرسه من الناحية العملية. فالرسالة ليست مجرد تأملات مجردة، بل إن روح تلك الدراية والتجربة تنعكس فيها من خلال عدة أمور، لعل أبرزها هي الأمثلة الخاصة ببعض الحوادث التي عاينها الرازي بنفسه. من جهة أخرى، لم تكن هذه الرسالة هي المؤلف الوحيد الذي تطرق فيه الرازي إلى بعض المسائل الأخلاقية، بل إن له أعمالا أخرى مهمة يمكن إدراجها في فلسفته الأخلاقية. لهذا، فإن مقارنة المضامين الأخلاقية الواردة في هذه الرسالة مع تلك الأعمال الأخرى أمر بالغ الأهمية والفائدة، خصوصا في عملية رصد طبيعة الفكر الأخلاقي لدى الرازي في مجمله وتتبع مسار تطوره. نأمل أن تتاح لنا إمكانية معالجة هذه المسألة الخصبة وما يشاكلها من قضايا – سواء لدى الرازي أو غيره من علماء الإسلام – في القادم من الأيام.

المصادر :

  • ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ضبطه وصححه محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1998.
  • ابن جلجل، طبقات الأطباء والحكماء، تحقيق فؤاد سيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1985.
  • ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (الحكماء والفلاسفة)، تحقيق عامر النجار، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2009.
  • أبو إسحق بن علي الرهاوي، أدب الطبيب، تحقيق مريزن سعيد مريزن عسيري، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى، 1992.
  • أبو بكر الرازي، أخلاق الطبيب : رسالة لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي إلى بعض تلاميذه، تحقيق عبد اللطيف محمد العبد، مكتبة دار التراث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1977.
  • أبو بكر الرازي، الطب الروحاني، تحقيق عبد اللطيف العبد، مكتبة النهضة المصرية، 1978.
  • أبو بكر الرازي، سر الأسرار في الطب والكيمياء، تحقيق أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، 2003.
  • جمال الدين القفطي، إخبار العلماء بأخبار الحكماء، علق عيه ووضع حواشيه إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 2005.
  • الحسن ابن الهيثم، الشكوك على بطلميوس، تحقيق عبد الحميد صبره ونبيل الشهابي، مطبعة دار الكتب، 1971.
  • صاعد الأندلسي، طبقات الأمم، تحقيق حسين مؤنس، دار المعارف، [د.ت].
  • النديم، الفهرست، ج 2/1، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، تحقيق أيمن فؤاد سيد، 2009.

[1]– تمثل بعض كتب الشكوك، ككتاب الشكوك على بطلميوس لابن الهيثم وكتاب الشكوك على جالينوس للرازي، مثالا مهما بخصوص هذه النقطة، إذ رغم أنها كتب ذات طابع نقدي صرف، إلا أن هذا النقد كان مصحوبا بروح أخلاقية فريدة تجلت في احترام بالغ للأعلام التي وُجه لها النقد. يقول – مثلا – ابن الهيثم : “ولما نظرنا في كتب الرجل المشهور بالفضيلة، المتفنن في المعاني الرياضية، المشار إليه في العلوم الحقيقية، أعني بطلميوس القلوذي، وجدنا فيها علوما كثيرة، ومعاني غزيرة، كثيرة الفوائد، عظيمة المنافع“. يُنظر : الحسن ابن الهيثم، الشكوك على بطلميوس، تحقيق عبد الحميد صبره ونبيل الشهابي، مطبعة دار الكتب، 1971. ص. 5.

[2]– أبو إسحق بن علي الرهاوي، أدب الطبيب، تحقيق مريزن سعيد مريزن عسيري، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الطبعة الأولى، 1992.

[3]– أبو بكر الرازي، أخلاق الطبيب : رسالة لأبي بكر محمد بن زكريا الرازي إلى بعض تلاميذه، تحقيق عبد اللطيف محمد العبد، مكتبة دار التراث، القاهرة، الطبعة الأولى، 1977.

[4]– نشير إلى أننا استخدمنا هنا كلمتي “رسالة” و”كتاب” بنفس المعنى للإحالة على عمل الرازي الذي نحن بصدد تقديمه هنا.

[5]– يقول ابن جُلْجُل : “دبر [الرازي] مارستان الري، ثم مارستان بغداد زمانا“. يُنظر : ابن جلجل، طبقات الأطباء والحكماء، تحقيق فؤاد سيد، مؤسسة الرسالة، الطبعة الثانية 1985. ص. 77. نلفت الانتباه إلى أن كلمة “بيمارستان” و”مارستان” كانتا تستعملان بنفس المعنى.

[6]– يقول الرازي في سياق حديثه عن دواعي تأليفه لكتاب “الطب الروحاني” ما يلي : “جرى بحضرة الأمير الكلام في إصلاح الأخلاق، فسألني أن أعمل مقالة في كتاب، وأن أسميه بالطب الروحاني ليكون قرينا للكتاب المنصوري، الذي غرضه في الطب الجسماني. وعديلا له من عموم النفع، وشموله للنفس والجسد”. أبو بكر الرازي، الطب الروحاني، تحقيق عبد اللطيف العبد، مكتبة النهضة المصرية، 1978. ص. 33.

[7]– الرازي، أخلاق الطبيب، مرجع سابق. ص. 10. (من مقدمة المحقق).

[8]– نفسه.

[9]– يقول الرازي : “بلغني – أمتع الله بك، وبالنعمة فيك – أنه دعاك الأمير فلان إلى حضرته، واختصك لخدمته”. الرازي، أخلاق الطبيب، مرجع سابق. ص. 16.

[10]– أبو بكر الرازي، سر الأسرار في الطب والكيمياء، تحقيق أحمد فريد المزيدي، دار الكتب العلمية، 2003. ص. 9.

[11]– النديم، الفهرست، ج 2/1، مؤسسة الفرقان للتراث الإسلامي، تحقيق أيمن فؤاد سيد، 2009. ص. 307-312، وص. 459-460.

[12]– ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ضبطه وصححه محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 1998. ص. 379-392.

[13]– ابن جلجل، طبقات الأطباء والحكماء، مرجع سابق. ص. 77-80.

[14]– جمال الدين القفطي، إخبار العلماء بأخبار الحكماء، علق عيه ووضع حواشيه إبراهيم شمس الدين، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى، 2005. ص. 206-210.

[15]– ابن فضل الله العمري، مسالك الأبصار في ممالك الأمصار (الحكماء والفلاسفة)، تحقيق عامر النجار، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، الطبعة الأولى، 2009. ص.107-111.

[16]– صاعد الأندلسي، طبقات الأمم، تحقيق حسين مؤنس، دار المعارف، [د.ت]. ص. 46 وص. 72.

[17]– نشير من بين أعمال المحقق المخصصة لأبي بكر الرازي إلى : عبد اللطيف محمد العبد، أصول الفكر الفلسفي عند أبي بكر الرازي، مكتبة الأنجلو مصرية، 1977. يقسم المؤلف هذا الكتاب إلى ثلاثة فصول هي على التوالي : ما وراء الطبيعة، الجانب التجريبي، الجانب الخلقي. يقع الكتاب في ما يقارب 318 صفحة. كما أن المحقق، الدكتور عبد اللطيف محمد العبد، حقق عملا آخر للرازي هو كتاب “الطب الروحاني”. (بخصوص البيانات البيبليوغرافية للكتاب يُنظر الهامش رقم 6).

[18]– الرازي، أخلاق الطبيب، مرجع سابق. ص. 10 (من مقدمة المحقق).

[19]– المقصود هنا هو الأمير الذي يتعهد هذا الطبيب برعايته الصحية. من الملاحظ هنا أن الرازي لا يسمي هذا الأميرولايسمي أيضا تلميذه. ويبدو أن مرد ذلك إلى أحد أمرين، أو كلاهما معا : إما أنه فضل عدم ذكر اسم الأمير كي يجنب تلميذه أي مشكل محتمل بسبب هذه الرسالة. وإما أنه كان يفضل أن تبقى موجهة لعموم القراء قصد الانتفاع بمضمونها، وهكذا فلا تهم الأسماء بقدر ما تهم المضامين والتوجيهات التي تحتوي عليها الرسالة. وهذا الرأي الثاني يتماشى مع ما أشرنا إليه من أن الرازي كان يتوخى تكون رسالته ذات فائدة على وجهين : تفيد تلميذه بشكل خاص، وترجع أيضا على القارئ بالنفع والفائدة بشكل عام.

[20]– الرازي، أخلاق الطبيب، مرجع سابق. ص. 19-20.

[21]– نفس المرجع. ص. 22-23.

[22]– نفس المرجع. ص. 24.

[23]– أبو بكر الرازي، سر الأسرار في الطب والكيمياء، مرجع سابق. ص. 9-10.

[24]– من المعروف أن بعض المؤلفين، في التراث العربي الإسلامي، غالبا ما يشيرون في مقدمات كتبهم ورسائلهم إلى أسباب تحرير عملهم ذاك. لذا، ربما قد يكون الرازي أشار إلى بعض تلك الأسباب في هذين العملين. لكن، بحكم أن العملان مفقودان فإن ما عبرنا عنه أعلاه يبقى مجرد احتمال فقط.

[25]– الرازي، أخلاق الطبيب، مرجع سابق. ص. 25-26.

[26]– نفس المرجع. ص. 27.

[27]– نفس المرجع.ص. 29.

[28]– يقول الرازي في كتابه “في الطب الروحاني” ما يلي : “إن الإنسان إذا لزم العدل والعفة، وأقل من مماحكة الناس ومجاذبتهم سلم منهم على الأمر الأكثر، وإذا ضم إلى ذلك الإفضال عليهم، والنصح والرحمة لهم؛ أوفى منهم المحبة”. انظر هامش 9، الصفحة 36 من كتاب “أخلاق الطبيب”. ولم يكن الرازي يدعو إلى معاملة الفقراء بالأخلاق الحسنة والإحسان إليهم فقط، بل إنه هو نفسه كان يأتي هذه الأفعال الحميدة، يقول عنه النديم في الفهرست : “وكان كريما متفضلا بارّا بالناس، حسن الرأفة بالفقراء والأعلاء، حتى كان يُجري عليهم الجرايات الواسعة ويُمرضهم”. يُنظر: النديم، الفهرست، ج. 2/1، مرجع سابق. ص. 306. ويقول عنه ابن أبي أصيبعة : “وكان الرازي ذكيا فطنا رؤوفا بالمرضى، مجتهدا في علاجهم وفي برئهم بكل وجه يقدر عليه […]”. يُنظر : ابن أبي أصيبعة، عيون الأنباء في طبقات الأطباء، مرجع سابق. ص. 381.

[29]– الرازي، أخلاق الطبيب، مرجع سابق. ص. 38-39.

[30]– نفس المرجع. ص. 41.

[31]– نفس المرجع. ص. 71-72.

[32]– يقص الرازي هنا قصة وقعت له تعبر عن هذه النقطة بالذات، يُنظر : ص. 75-76.

[33]– نفس المرجع. ص. 76.

[34]– نفس المرجع. ص. 77.

[35]– نفس المرجع. ص. 77. ينقل ابن أبي أصيبعة عنه أيضا قوله : “الحقيقة في الطب غاية لا تدرك، والعلاج بما تنصه الكتب دون إعمال الماهر الحكيم لرأيه خطر.” ص. 384.

[36]– الرازي، أخلاق الطبيب، مرجع سابق. ص. 90.

[37]– نفس المرجع. ص. 91-92.

[38]– نفس المرجع. ص. 92.

[39]– يورد الرازي هذه الخصال الخمس المميزة لصنعة الطب في الصفحتين 87-88.

Science

الاستاذ عبد العزيز النقر

باحث بمركز ابن البنا المراكشي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق