الرابطة المحمدية للعلماء

جلالة الملك يوجه رسالة سامية إلى المشاركين في ندوة “التحديات الطاقية في الفضاء الأورو متوسطي”

وجه صاحب الجلالة الملك محمد السادس، نصره الله رسالة سامية إلى المشاركين في أشغال الندوة الدولية حول موضوع ” التحديات الطاقية في الفضاء الأورو متوسطي” ، التي انطلقت الجمعة بمدينة ورزازات، بمبادرة من مجلس المستشارين وبشراكة مع الجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط.
 
وفي ما يلي النص الكامل للرسالة الملكية السامية التي تلاها السيد محمد الشيخ بيد الله رئيس مجلس المستشارين ..

“الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول لله وآله وصحبه

أصحاب المعالي والسعادة،

حضرات السيدات والسادة،

إنه لمن دواعي الاعتزاز أن تستضيف المملكة المغربية هذا المؤتمر حول ” التحديات الطاقية في الفضاء الأورومتوسطي “، تحت رعايتنا السامية ، وفي رحاب مدينة ورزازات الجميلة، هذه المدينة التي ستحتضن المركب المندمج للطاقة الشمسية الأول من نوعه ضمن استراتيجيتنا الطاقية الطموحة.

وإننا لنشيد بمبادرتكم القيمة لتنظيم هذه الندوة الهامة بشراكة بين مجلس المستشارين ببلادنا ، والجمعية البرلمانية للمتوسط، وكذا بوجاهة اختيار موضوعها، الذي يندرج في سياق التحفيز على إنضاج الأفكار، وبلورة الحلول الجماعية ، الكفيلة بتأمين التوازن الطاقي والبيئي، في فضاءات تتسع بالتدريج لتشمل كافة بلدان المعمور.

كما نعبر عن تقديرنا لالتزامكم الحازم، ولما تمثلونه من قوة اقتراحية بناءة في بلورة استراتيجيات وبرامج طاقية جهوية، منوهين ، بصفة خاصة ، بدور مجلسي البرلمان المغربي والبرلمانات الأورو متوسطية في دعم السياسات الطاقية الخضراء ومواكبتها وتعزيز إسهامها في التنمية المستدامة. حضرات السيدات والسادة ،
إن ما يشهده المغرب من نمو اقتصادي ، وتطور في أنماط الاستهلاك ، يقتضي تحقيق ارتقاء نوعي بالقدرات ، واعتماد تخطيط محكم لمواجهة إشكالية ذات بعدين طاقي وبيئي.

وإذا كانت بلادنا لا تملك الموارد الطاقية الأحفورية التقليدية ، فإنها تتوفر ، ولله الحمد، على مصادر طاقية متجددة ، ريحية وشمسية ، ذات جودة عالية وعلى الظروف الملائمة لاستغلالها ، سواء تعلق الأمر بالعقار أو بالبنيات التحتية الكهربائية والمائية.

واقتناعا من المغرب بالأهمية القصوى لحماية البيئة والمحافظة عليها ، من منطلق إدراكه المبكر ، بحكم موقعه الجغرافي ، للآثار المحتملة للتغيرات المناخية ، فقد انخرط ، وبكل حزم في سيرورة التنمية المستدامة التي لا تنفصل على التنمية البشرية.

ومن هذا المنطلق ، ما فتئنا نضع ضمن أولوياتنا تطوير الطاقات المتجددة ، باعتبارها خيارا لا محيد عنه ، لتلبية نسبة كبيرة من الحاجيات الطاقية لبلادنا ، هدفنا جعل الطاقات المتجددة قادرة على تغطية ما يفوق 40 في المائة من حاجيات المغرب من الطاقة الكهربائية في أفق سنة 2020 ، وذلك في إطار شراكات مثمرة بين القطاعين العام والخاص.

وإذا كانت كلفة الطاقة الشمسية ما تزال مرتفعة لحد الآن، فإن هذا المصدر الطاقي المتجدد يعتبر خيارا استراتيجيا طموحا وواعدا ، بحكم توافر تكنولوجيات متطورة في هذا المجال ، كفيلة بتخزين الطاقات الضرورية لتلبية حاجياتنا ، ولاسيما خلال فترات الاستهلاك القصوى.

فعلاوة على توليد الطاقة الكهربائية ، فإن هذا القطاع يعد قاعدة للنمو الأخضر ، وفرصة مواتية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية ، تنمية تمكن بلادنا من تموقع صناعي تنافسي ، وتشجيع بحث علمي وتقني مبتكر ، يرتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية ، وتزويد شبابنا بتربية بيئية مواطنة ، وبثقافة الاستعمال الأمثل للطاقات البديلة ، فضلا عن ضرورة تمكينهم من تكوين مؤهل ، ذي قابلية متجددة للتشغيل، ومفتوح دوما على التطوير ، مع العمل على تعزيز التنمية المحلية للمناطق المحتضنة لهذه المشاريع ، والتي تتسم غالبا ببعدها الجغرافي عن المركز.

وتظل غايتنا المثلى من اعتماد هذه الطاقات المتجددة ، هي تحقيق تنمية مندمجة لهذا القطاع ، والتوظيف الناجع لمواردنا ، بما من شأنه توفير الأمن الطاقي لمنطقتنا ، وضمان تنمية مستدامة ومتوازنة في ضفتي المتوسط.
ونغتنم فرصة انعقاد هذه الندوة الهامة ، للتعبير عن تقديرنا وشكرنا لجميع شركائنا ، لما يولونه من اهتمام ودعم ، لانجاز هيكلة مبتكرة لأول مشروع للمخطط المغربي للطاقة الشمسية. هذا المشروع ذو البعد العالمي ، الذي سيتم البدء في إنجازه قبل متم السنة الجارية ، معبئين له الموارد البشرية والمادية والمالية الضرورية لإنجاحه.

حضرات السيدات والسادة،

إن الطاقات المتجددة، خصوصا منها الشمسية والريحية ، تظل في حاجة إلى استكمال كل شروط النجاعة المالية والاقتصادية ، الكفيلة برفع تحديات التغيرات المناخية ، بما في ذلك معالجة إشكالية التوفيق بين إنتاج الطاقة ، وحماية المناخ من التلوث ، لكون توليد الطاقة يعد من أهم أسباب انبعاث الغازات الدفيئة.

في هذا الإطار ، ووعيا منها بالأخطار المحدقة بالتوازن البيئي ، فإن بلادنا بصدد بلورة ميثاق وطني للبيئة والتنمية المستدامة ، يهدف بصفة خاصة إلى التملك الجماعي للثقافة البيئية ، وتجسيدها في سلوك الأفراد والجماعات ، مع الحرص على تحسين الحكامة البيئية.

غير أن تحقيق هذه الدينامية لأهدافها النبيلة ، لن يتأتى على النحو الأمثل دون قيام اندماج جهوي ناجع ، يمكن بلوغه عن طريق إرساء مجموعة أورو متوسطية للطاقة.

ومن هذا المنظور ، فإن بلدان الضفة الشمالية للبحر الابيض المتوسط ، التي أخذت على عاتقها التزامات حازمة لتطوير منظومة طاقية متنوعة ، بإمكانها تحقيق أهدافها في ظروف مثلى ، باللجوء الى ما توفره تنمية هذا النوع من الطاقة ببلدان الضفة الجنوبية من فوائد ، ذلك أن الإمكانات التي تزخر بها هذه البلدان ، من حيث جودة الموارد ، وتوافر البنيات التحتية العقارية والكهربائية والمائية ، من شأنها أن تتيح إنتاجية أفضل للطاقة الكهربائية، ذات عائدات مشتركة ونفع متكافئ.

لذا ، ندعو الى بلورة هذا التلاقي للأهداف في أجندة استراتيجية قائمة على النفع المتبادل ، وذلك من خلال إيجاد إطار مؤسساتي ، يسهر على ضمان التوافق بين التشريعات التي تصدرها برلمانات الفضاء الأورو متوسطي ، على نحو كفيل باستقطاب الاستثمارات العمومية والخاصة ، وتحفيز المؤسسات المالية على الانخراط في تمويل الطاقات المتجددة.

ومن شأن هذا التوجه ، أن يمكن من تصدير الطاقة الكهربائية من الضفة الجنوبية نحو الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط ، في أقرب الآجال ، بوصفه استجابة لضرورة ملحة تسائل هيئات من قبيل هيئتكم ، إلى جانب الحكومات ، والفاعلين المؤسساتيين ومنظمات المجتمع المدني.

حضرات السيدات والسادة

إن الشراكة بين البرلمانات ، التي يقدم ملتقاكم اليوم نموذجا واعدا عنها، ستشكل فرصة للمؤسسات التشريعية ولشركائها العموميين والخواص بالفضاء الأورو متوسطي، من أجل تبادل الآراء والخبرات حول الاستراتيجيات الطاقية لدول الفضاء الأورو متوسطي، وحول تجربة المغرب في هذا المجال، إذ جعل من الطاقات المتجددة أسبقية وطنية ، ضمن الجيل الجديد من أوراشه الإصلاحية والتنموية الكبرى.

وإننا لعلى يقين من أن هذه الندوة ومثيلاتها من الملتقيات العلمية والتواصلية ، من شأنها تعزيز كفايات المشرعين في موضوع يزاوج بين سمته التقنية وطابعه الاستراتيجي ، وبلورة اقتراحات كفيلة بتعزيز شراكات عملية بين بلداننا ، في أفق تسريع دينامية الاندماج الطاقي والاقتصادي بالفضاء الأورو متوسطي، وذلك في إطار ترسيخ مجتمع المعرفة والديمقراطية والتنمية المستدامة والبشرية الذي يسير بالمغرب بخطى ثابتة وواثقة نحو ترسيخ مقوماته.

وإذ نرحب بكم، حضرات السيدات والسادة البرلمانيين، وبكافة المشاركين والمشاركات في هذا الملتقى الهام، ضيوفا كراما ببلدكم الثاني المغرب، متمنين لكم طيب المقام بين ظهرانينا، فإننا ندعو الله تعالى أن يكلل أشغالكم بكامل التوفيق.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”.  

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق