الرابطة المحمدية للعلماء

جلالة الملك: تعزيز العمل العربي المشترك يظل هو حجر الزاوية في التصدي لمختلف الصعوبات

أكد صاحب الجلالة الملك محمد السادس٬ نصره الله٬ أن تعزيز العمل العربي المشترك يظل هو حجر الزاوية في التصدي لمختلف الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجه الأمة.

وقال جلالة الملك، في رسالة وجهها للمشاركين في الاجتماع رفيع المستوى للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، الذي انطلق اليوم الثلاثاء بالرباط، إن ذلك لن يتأتى إلا من خلال بلورة وتفعيل برامج واقعية للتعاون الملموس بين الدول العربية وبناء قوة اقتصادية قومية على قواعد راسخة من التضامن والتكامل والاندماج واستثمار المؤهلات البشرية والطبيعية لهذه البلدان٬ باعتبار ذلك خير وسيلة للدفاع عن القضايا العادلة للأمة والاستجابة للتطلعات المشروعة لشعوبها٬ وبالتالي تمكين الإنسان العربي من مقومات العيش الحر الكريم.

وشدد جلالة الملك في هذه الرسالة، التي تلاها وزير الدولة السيد عبد الله باها٬ على أن هذا الاجتماع يكتسي أهمية خاصة٬ كونه ينعقد في ظل ظرفية إقليمية ودولية دقيقة٬ تتميز، على الخصوص، بالتحولات السياسية العميقة والمتسارعة التي تشهدها بعض الدول العربية٬ فضلا عن الانعكاسات السلبية للأزمة المالية العالمية على أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية.

وأضاف جلالة الملك أن هذا الواقع يجعل الموضوع الذي اختير لهذا الاجتماع “التحديات الاقتصادية في الأمد القصير للتحول الديمقراطي”، أكثر راهنية ويتطلب الانكباب الجاد على تدارس مختلف تجلياته٬ مسجلا جلالته أن الاهتمام الخاص الذي تحظى به التطورات السياسية بهذه الدول لا يواكبه نفس الاهتمام بالمجال الاقتصادي.

وأعرب جلالة الملك عن أسفه لكون هذه التطورات٬ التي أسست لعهد جديد على درب الانتقال الديمقراطي٬ أفرزت مناخا أمنيا وسياسيا واجتماعيا معقدا يتسم٬ هنا وهناك٬ بالاضطراب المقلق٬ مع ما يواكب ذلك من تداعيات سلبية على الاستقرار الاجتماعي والنمو الاقتصادي.

“ووفاء لوشائج الأخوة٬ واعتزازا بانتمائه العربي والإسلامي- يضيف جلالة الملك- فإن احتضان المغرب لهذا الاجتماع هو خير تعبير عن تضامنه المطلق مع الدول العربية التي تعيش على إيقاع هذه التحولات٬ ومع شعوبها الشقيقة التواقة إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية”٬ مذكرا جلالته بأن المملكة المغربية ما فتئت تدعو المجموعة الدولية لتقديم الدعم لهذه الدول بهدف مساعدتها في جهودها لاستكمال مسار الانتقال السياسي ورفع التحديات الأمنية والتنموية التي تواجهها.

وفي هذا الصدد٬ أكد جلالة الملك مجددا التزام المغرب بتفعيل الاتحاد المغاربي٬ باعتباره مطلبا حيويا لكافة الشعوب المغاربية وضرورة استراتيجية وأمنية وتنموية ملحة٬ بل وحتمية اقتصادية يفرضها عصر التكتلات القوية الذي لا يؤمن بالكيانات الهشة أو المصطنعة.

كما شدد على التطلع لإقامة النظام المغاربي الجديد٬ الذي دعا إليه جلالته٬ لتجاوز الأطروحات العقيمة والعوائق الذاتية والموضوعية٬ والعمل ٬ بصدق ونية وفي مناخ من الثقة والحوار وحسن الجوار٬ على بلورة آليات للتضامن والتكامل والاندماج٬ بما يجعل من الاتحاد المغاربي قاطرة للتنمية المغاربية الشاملة وركيزة أساسية للعمل العربي المشترك وعاملا على تحقيق الأمن والاستقرار بمنطقة الساحل والصحراء والاندماج الإفريقي. وعبر صاحب الجلالة، من جهة أخرى ٬عن اعتزاز المغرب بالشراكة الاستراتيجية التي تجمعه بدول مجلس التعاون الخليجي٬ تجسيدا للروابط الوثيقة والمصالح الاستراتيجية معها٬ “والتي نحرص بمعية أشقائنا قادة هذه الدول على إثرائها والارتقاء بها إلى أعلى المستويات٬ في مختلف المجالات٬ مجددين لهم التعبير عن تقديرنا الكبير للدعم المتواصل الذي يخصون به الأوراش التنموية ببلدهم الثاني المغرب”.

وذكر جلالة الملك بأن المغرب تمكن٬ على امتداد عقود من الزمن٬ من تحقيق مكاسب هامة على درب توطيد نموذجه التنموي والديمقراطي المتميز٬ بفضل صواب اختياراته الكبرى ونجاعتها٬ وذلك في تجاوب دائم مع التطلعات المشروعة لأبنائه وضمن مسار وطني متدرج وبإرادة سيادية خالصة.

وأشار، في هذا الصدد٬ إلى إنجاز المغرب لإصلاحات سياسية ومؤسسية عميقة تم تتويجها بإقرار دستور متقدم لترسيخ دولة القانون والمؤسسات والممارسة السياسية الناجعة٬ القائمة على القرب والمشاركة٬ وكذا توسيع فضاء الحريات والنهوض بحقوق الإنسان في مفهومها الشامل٬ والأوراش التنموية٬ سواء في مجال محاربة الفقر والهشاشة والتهميش وتوطيد التماسك الاجتماعي٬ لاسيما من خلال برامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية أو من خلال إنجاز المشاريع الهيكلية الكبرى واعتماد استراتيجيات قطاعية مضبوطة.

كما استحضر جلالة الملك الإصلاحات في مجال القضاء بالنظر إلى دوره المحوري في إحقاق الحقوق وتحقيق الأمن القضائي وتحفيز التنمية والاستثمار٬ وكذا إطلاق ورش الجهوية المتقدمة باعتبارها ٬ليس فقط إصلاحا لتحديث هياكل الدولة٬ وإنما أيضا لكونها عماد الحكامة الترابية الجيدة.

ودعا صاحب الجلالة، في الختام٬ المشاركين في هذا الاجتماع إلى الانكباب على تدارس مختلف التحديات المرتبطة بعملية إعادة بناء المؤسسات واستعادة المواطن لثقته فيها والتداول بشأن الاستراتيجيات الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بتوفير الكرامة والعدالة الاجتماعية٬ بما يوطد الاستقرار والتماسك الاجتماعي٬ فضلا عن إيجاد الآليات الملائمة في مجال العدالة الانتقالية لتدبير مخلفات الفترة الانتقالية التي عاشتها هذه الدول.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق