مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينقراءة في كتاب

جزء (عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث) لأبي عبدالرحمن بقي بن مخلد القرطبي (ت 276هـ) ترتيب: علي بن أحمد ابن حزم (ت456هـ)

إن رواية الحديث الشريف وتلقي السنة المطهرة غضة طرية من فم النبي صلى الله عليه وسلم، مزية كبرى ومنقبة جليلة، اختص بها نفر من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وهم يمثلون نخبة جليلة القدر اعتنت بحفظ جميع ما سمعته آذانهم ووعته قلوبهم، من أقوال وأفعال وتقريرات صدرت عن الرسول المعلم عليه الصلاة والسلام في مناسبات مختلفة، وقد مست في مجموعها جوانب متصلة بالعبادات والمعاملات، كما مثلت هديه عليه الصلاة والسلام في السلم والحرب، وأبانت علاقته مع أهل بيته ومع كافة محيطه من الصغار والكبار والرجال والنساء.

والصحابة رضوان الله عليهم، وبسمو تعلقهم برسولهم ومنقذهم من الزيغ والضلال، نقلوا جميع تلك السنة المطهرة على أتم وجه وأكمله إلى الأجيال التي تلت عصرهم، وهم يمثلون بحق حلقة الوصل الرفيعة بين الرسول الهادي صلى الله عليه وسلم، وبين من جاءوا بعده، معتمدين في نقل ما تحملوه بقدر كبير على الرواية السماعية، ثم تدوين الحديث لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، وحفظه بعناية ودقة، ولما انتشر أولئك الأصحاب إبان الفتوحات الإسلامية في سائر الأمصار، واستقر بهم المقام في الحواضر الكبرى، نهضوا بنشر العلم الشريف الذي تلقوه من النبي عليه الصلاة والسلام، وكان لهم دور عظيم في حفظ ما سمعوه، ومساهمة فعالة في نقله وبثه في صفوف طبقة التابعين.

وبلغ مجموع الصحابة الذين من رأوا، أوسمعوا ورووا عن النبي عليه الصلاة والسلام العدد الكثير، وقد عبر عن ذلك الحافظ أبو زرعة الرازي (ت 264هـ) قائلا: (توفّي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمن رَآهُ، وَسمع مِنْهُ زِيَادَة على مائَة ألف إِنْسَان من رجل وَامْرَأَة وكل قد روى عَنهُ سَمَاعا)[1].

ولا شك أن العدد الذي ذكر أبأ زرعة لا يمثل حصرا للصحابة الرواة، فهو يبرز من كان لهم سماع في جانب، وأيضا من كانت لهم رؤية فقط وليس لهم سماع.

ومما يجب التأكيد عليه أن جموعا كبيرة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، لم تصلنا بواسطتهم أحاديث مروية عن رسول الله صلى الله عليهم وسلم. وهناك من نالوا حظ الرواية والسماع من النبي صلى الله عليه وسلم، وتميزت تبعا لذلك درجاتهم في الرواية، فمنهم من روى الكثير وهناك من روى القليل، ولو حديثا واحدا، لقلة مجالسته للنبي عليه أو لحداثة سنه.

وقد اجتهد الحافظ الذهبي في تقدير مجموع عدد الصحابة الرواة في مجموع مدونات السنة النبوية، بعد أن ذكر قول الحاكم الذي نص فيه أن الصحابة الرواة بلغ أربعة آلاف راو، لكنه علّق على ذلك قائلا: (لعل الرواية عنه [عليه الصلاة والسلام] نحو ألف وخمسمائة نفس، [لا يبلغون]ألفين أبدًا)[2].

ولعل من أحفل الكتب السنة النبوية جمعا للأحاديث، المروية عن جمع كبير من رواة الصحابة، هو كتاب (المسند) لإمام الأندلس الشهير ومحدثها الكبير أبي عبدالرحمن بقي بن مَخْلَد القرطبي (ت 276هـ).

وهذا المسند يعد بلا منازع من أهم مصادر السنة، اعتنى به صاحبه في انتقاء أحاديثه وترتيب رواته، وقد عدّد علي بن أحمد ابن حزم (ت 456هـ) مزايا هذا الكتاب الذي يظهر أنه اطلع عليه كاملا، وبيّن منهج صاحبه بتفصيل، مع التنويه بمؤلفه ورفعة شأنه، وذلك في سياق ذكر فضل الأندلس وذكر رجالها الأعلام، قائلا: (ومنها في الحديث مصنفه الكبير[المسند] الذي رتّبه على أسماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فروى فيه ألف وثلاثمائة صاحب ونيف. ثم رتّب حديث كل صاحب على أسماء الفقه وأبواب الأحكام، فهو مُصَنَّفٌ ومُسْنَدٌ، وما أعلم هذه الرتبة لأحد قبله، مع ثقته وضبطه وإتقاته واحتفاله في الحديث وجودة شيوخه، فإنه روى عن مائتي رجل وأربعة وثمانين رجلا ليس فيهم عشرة ضعفاء، وسائرهم أعلام مشاهير)[3].

ملأ بقي بن مخلد وهو العالم المسند والحافظ المتقن، مجالسه حديثا رواية ودراية، وإليه يعود الفضل ـ بعد عودته من رحلة الطلب بالمشرق ـ في إدخال بعض المصنفات إلى الأندلس التي لم يكن لها بعد حضور في مجالس الدرس هناك. يقول ابن الفرضي: (كان: ممَّا انفَرد به بقِيّ بن مَخلد ولم يُدخله سِواه: (مصنَّف) أبي بَكْر بن أبي شَيبَة رحمه الله بتمامه. وكتاب (الفقه): لمحمد بن إدريس الشَّافعي الكبير بكماله، و كتاب (التَّاريخ لِخَليفة بن خيَّاط)، وكتابه (في الطَّبقات)، وكتاب (سير عُمَر بن عَبْد العَزيز رحمه الله)، للدّروقي)[4].

لقد غدت الأندلس بامتياز بفضل بقي بن مخلد ومن قبله ابن وضاح، دار حديث وإسناد، بعد أن كان الغالب على تلك البلاد حفظ رأي مالك وأصحابه[5]، وأقبل عليه الآخذون عليه زرافات، وتتلمذوا له ورووا عنه مصنفاته وغيرها من مصنفات التي رواها عن شيوخه الأعلام في الأندلس والمشرق.

روى مسندَ بقيِّ بنِ مخلد جماعةٌ من الأعلام الأندلسيين أمثال: محمد بن عبدالله بن محمد بن قاسم القرطبي (ت 312هـ)، وهارون بن نصر القرطبي، ويحيى بن محمد بن عبدربه القرطبي، وعبدالله بن بونس المرادي (ت 330هـ) وغيرهم.

وممن نقل هذا السفر الحديثي الجامع إلى المشرق خلال رحلته هناك: طاهر بن عبدالعزيز الرعيني (ت 305هـ) الذي يقول عن الصدى الطيب الذي لقيه مسند شيخه قائلا: ( حملت معي جزءا من (مسند بقي) إلى المشرق، فأريته محمد بن إسماعيل الصائغ، فقال: ما اغترف هذا إلا من بحر،  وعجب من كثرة علمه)[6].

كما سعى أحد الأندلسيين إلى اختصار هذه المدونة الحديثية الجامعة للآثار النبوية، وهو عبدالله بن محمد بن حسن الكلاعي القرطبي يعرف (بابن أخي ربيع الصائغ) (ت 318هـ)[7].

ومما يؤسف عليه أن هذا الكتاب النفيس واختصاره المفيد، لا يعرف لهما اليوم أثر في الخزانات العامة والخاصة، ولكن خبرهما ظل متداولا في كتب التراجم والفهارس والأثبات، وهناك فقط نصوص من الكتاب الأصل احتفظ لنا بها: ابن عبدالبر في (التمهيد) و(الاستيعاب)، وابن الأثير في(أسد الغابة)، ابن رجب الحنبلي في (شرح علل الترمذي)، والذهبي في (تجريد أسماء الصحابة)، وابن حجر في (الإصابة).

ومن الفهارس والأثبات التي اعتنت بذكر الأسماء الذين تحملوا هذا المسند عبر العصور ونقلوه بالرواية إلى من بعدهم نجد: فهرسة ابن خير الإشبيلي (ت 575هـ)، والمعجم المفهرس أو تجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة، لابن حجر العسقلاني (ت 852هـ).

   وما دام أن مسند بقي بن مخلد غير متاح التداول اليوم، وليس بين أيدينا في الوقت الراهن سوى الوصف الدقيق الذي سجله ابن حزم الأندلسي، ومن خلاله يمكن تلمس الخطوط العريضة للمنهج العام الذي سار عليه بقي بن مخلد في مسنده، ولعل أهم السمات التي ميزت هذا السفر الحديثي:

  1. رتب بقي بن مخلد مسنده على أسماء الصحابة، فبلغ عدد الصحابة الرواة حسب منطوق ابن حزم 1300 صحابي ونيف.
  2. رتب أحاديث كل صحابي على أسماء الفقه وأبواب الأحكام.
  3. انتقى في مسنده أصح ما انتهى إليه من حديث كل صحابي، إلا أن لا يجد ذلك الحديث إلا من تلك الطريق فإنه يخرجه[8].
  4. روى في مسنده عن 284 شيخا، ليس فيهم عشرة ضعفاء، وسائرهم أعلام مشاهير.

ويعد جزء: (عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث) لبقي بن مخلد أحد أعمال هذا الحافظ الأندلسي الذي انتهى إلينا كاملا وسلم من الضياع، وهو وثيق الصلة بالمسند. ويَعْتَبِرُ الدكتورُ أكرم ضياء العمري هذا الجزءَ هو مقدمة للمسند المنوه به أنفا.

وتتمثل أهمية هذا الجزء الطريف في بابه أنه يطلعنا اطلاعا دقيقا على المكثرين في الرواية من الصحابة، ويدلنا على المقلين منهم، كما يبسط بالعد والإحصاء ما رواه كل صحابي من الحديث.

وقد وصلت إلينا النسخة التي اعتمدها الدكتور أكرم ضياء العمري في نشر تحقيق هذا الجزء، مسندة موثقة إلى بقي بن مخلد، وهي بترتيب وضعه علامة الأندلس والفقيه الظاهري أبو محمد علي بن أحمد بن حزم.

وهذا الجزء لا يتضمن مقدمة واضحة معالم التأليف التي درج عليها المؤلفون، بل أُدْرِجَ فيها فقط توثيق السند الذي رُوِيَ به هذا الجزء، ولأهمية ذاك السماع ولقيمة الرجال الأعلام الذين تحملوا هذا الجزء على توالي الأزمنة، أعرض نصه فيما يلي:

(أخبرنا أبو الفتح محمد بن عبدالباقي بن أحمد بن سليمان بقراءتي عليه في سنة إحدى وستين وخمسمائة. قال: أخبرنا أبو عبدالله محمد بن أبي نصر الحميدي الأندلسي إجازة، قال: أخبرنا الشيخ أبو محمد علي بن أحمد ابن سعيد الفقيه بالأندلس قال: (تسمية ما ذكره أبو عبدالرحمن بقي ابن مخلد رحمه الله في مسنده عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم)، أخبرني بذلك محمد بن سعيد بن نبات، قال: نا عبدالله بن نصر الزاهد. قال: أنا عبدالله بن يونس المرادي، قال: نا بقي بن مخلد.

قال أبو محمد: ثم رتَّبْنَاهُ نحن)[9].

وأما عمل ابن حزم في ترتيب مسند بقي بن مخلد، فقد جلاه بنفسه في طالعة كتابه: (أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد) حيث قال:

( هذا باب من ذكر من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، من الصحابة، رضوان الله عليهم، حديثا فما فوقه، ممن نقل الحديث عنهم، على مراتبهم في ذلك:

 أصحاب الألوف وما زاد منهم، ثم أصحاب الألفين وما زاد، ثم أصحاب الألف وما زاد، ثم أصحاب المئين وشيء، ثم أصحاب المئتين وشيء، ثم أصحاب المائة وشيء، ثم أصحاب العشرات وشيء، ثم أصحاب العشرين، ثم أصحاب التسعة عشر، ثم أصحاب الثمانية عشر، ثم أصحاب السبعة عشر، ثم كذلك نقص واحدٍ واحدٍ، إلى أصحاب الأفراد)[10].

إن جزء (عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث) لبقي بن مخلد سجل بدقة مجموع الصحابة الذين خرَّج لهم هذا الحافظ الأندلسي الكبير في مسنده، وقد بلغ مجموع  عددهم 1013 صحابيا وصحابية، ومما يحسن النبيه عليه في هذا الموطن أن الكثير ممن خرَّج لهم بقي مختلف في صحبتهم، بل هم يعتبرون من طبقة التابعين، وقد نبّه على ذلك الذهبي في تجريد أسماء الصحابة، وابن حجر في الإصابة. ومن أمثلة تلك الأسماء:

شعبة بن التوأم الضّبي: خرج له بقي بن مخلد في مسنده، وهو تابعي معروف[11].

ويفيدنا هذا الجزء أن مسند بقي بن مخلد هو أوسع المسانيد المؤلفة على الإطلاق في الحديث الشريف، وإذا كان مسند الإمام أحمد ضم 30 ألف حديث، فإن مسند بقي بن مخلد حسب هذا الجزء الإحصائي، استوعب 30969 حديثا، وأمام هذا العدد الكبير وفي غياب مسند بقي بن مخلد، فإنه يتعذر على الباحث معرفة مقدار الأحاديث المكررة في هذا المسند الكبير. والمعروف أن الحديث الواحد إذا تعددت مخارجه وكثرت طرقه صار أحاديث كثيرة.

ومن خلال هذا الجزء يمكن تلمس الجهد الكبير الذي اضطلع به العلامة بقي بن مخلد في تصنيف أسماء الصحابة الرواة وبيان عدد الأحاديث التي رواها كل واحد منهم. وقد قسم بقي بن مخلد الصحابة الرواة حسب مجموع المرويات التي خرجها لهم، مرتبين على الشكل التالي:

أصحاب الألوف، وأصحاب الألف، وأصحاب المائتين، وأصحاب المائة، وأصحاب العشرات، وأصحاب التسعة عشر، وأصحاب الثمانية عشر، وأصحاب السبعة عشر، وأصحاب الستة عشر، وأصحاب الخمسة عشر، وأصحاب الأربعة عشر، وأصحاب الثلاثة عشر، وأصحاب الاِثني عشر، وأصحاب الأحد عشر، وأصحاب العشرة، وأصحاب التسعة، وأصحاب الثمانية، وأصحاب السبعة، وأصحاب الستة، وأصحاب الخمسة، وأصحاب الأربعة، وأصحاب الثلاثة، وأصحاب الاثنين، وأصحاب الآحاد.

وهذا بيان تفصيلي لمجاميع الرواة وعدد الرواة المدرجين فيه، ومجموع الأحاديث التي رووها:

ع.ت مجاميع الرواة مجموع أحاديثهم عدد الصحابة الرواة
1 أصحاب الألوف 12400 4
2 أصحاب الألف 4370 3
3 أصحاب المائتين 4516 10
4 أصحاب المائة 3100 21
5 أصحاب العشرات 3810 91
6 أصحاب التسعة عشر 38 2
7 أصحاب الثمانية عشر 108 6
8 أصحاب السبعة عشر 51 3
9 أصحاب الستة عشر 48 3
10 أصحاب الخمسة عشر 60 4
11 أصحاب الأربعة عشر 154 11
12 أصحاب الثلاثة عشر 91 7
13 أصحاب الاِثني عشر 108 9
14 أصحاب الأحد عشر 99 9
15 أصحاب العشرة 140 14
16 أصحاب التسعة 108 12
17 أصحاب الثمانية 144 18
18 أصحاب السبعة 196 28
19 أصحاب الستة 162 27
20 أصحاب الخمسة 140 28
21 أصحاب الأربعة 212 53
22 أصحاب الثلاثة 216 72
23 أصحاب الاثنين 240 120
24 أصحاب الآحاد 458 458
المجموع 30969 حديثا 1013 راويا

ولإبراز عمل بقي بن مخلد في توثيق ما لكل صحابي من الأحاديث، أدرج الفقرة التالية من ذاك الجزء:

(أصحاب الألوف منهم رضي الله عنهم:

  1. أبو هريرة: خمسة آلاف حديث وثلاثمائة حديث وأربعة وسبعون حديثا. [5374 حديثا]
  2. عبدالله بن عمر: ألفا حديث وستمائة حديث وثلاثون حديثا. [2630 حديثا]
  3. أنس بن مالك: ألفا حديث ومائتا حديث وستة وثمانون حديثا. [2286 حديثا]
  4. عائشة أم المؤمنين: ألفا حديث ومائتا حديث وعشرة أحاديث [2210 أحاديث])[12].

ومما يجدر التنبيه عليه هو أن مجموع أعداد الأحاديث المذكورة أعلاه لا تدل على استقصاء تام لما رواه ذاك الصحابي في جميع مدونات السنة النبوية، وقد سبق لابن الجوزي أن بيّن وهمًا وقع فيه بعض العلماء الذين كانوا يعتبرون جزء (عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث) لبقي بن مخلد، هو إحصاء شامل لأحاديث كل صحابي في المصنفات الحديثية. يقول ابن الجوزي في هذا السياق: (كان أبو عبدالرحمان بقي بن مخلد، جمع في مسنده حديثا كثيرًا عن جمهور الصحابة، فعد منه الأحاديث التي يرويها كل صحابي، فتوهم بعض المتأخرين أن الصحابي لا يروى سوى ذلك، وليس كما توهم وإنما هو قدر ما وقع إلى المصنف)[13].

إن جزء (عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث) لبقي بن مخلد، على صغر حجمه، يمثل قيمة علمية كبيرة في الدراسات الحديثية، أدركها العلماء المتقدمون والمتأخرون، الذين اعتنوا بروايته وتوثيق متنه، وانكب بعضهم بترتيبه، وأفاد آخرون منه لوضع قائمة شاملة بأسماء الصحابة الرواة، كما لم يفت أصحاب كتب معرفة الصحابة من الرجوع إليه المرات الكثيرة، فهو العمدة في هذا الباب. ومن أشهر من أفاد من هذا الجزء:

  • أبو الفرج عبدالرحمن بن الجوزي (ت 597هـ)، في (باب عدد الأحاديث المروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم) من كتابه: (تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير. ص 263 ـ 280.
  • أبو عبدالله محمد بن أحمد الذهبي (ت748هـ)، في كتابه (تجريد أسماء الصحابة)، استفاد من مسند بقي بن مخلد استفادة كبيرة، واستعان به في معرفة كثير من الصحابة، وخاصة طبقة الصحابة ممن روى الحديث الواحد والحديثين، وقد وضع الذهبي لبيان المصدر الذي اعتمده، المتمثل في مسند بقي بن مخلد، رمزين هما: (د)، و(س):

د: روى له بقي بن مخلد في مسنده حديثا واحدا.

س: روى له بقي بن مخلد في مسنده حديثين.

وإذا كان مجموع أصحاب هذه الطبقة في جزء (عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث)، بلغ 578 صحابيا، فإن الإمام الذهبي أورد معظمهم، بل لعله استوفاهم جميعا في كتابه، غير أن الرمزين أعلاه ـ مع الأسف ـ غابا من النسخة المطبوعة من كتاب التجريد.

  • أبو الفضل أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني (ت 852هـ)، في كتابه (الإصابة في تمييز الصحابة)، وقد أشار في مواطن كثيرة إلى إفادته من جزء (عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث)، بل نص أحيانا على اطلاعه على مسند بقي بن مخلد نفسه، وهذا المسند سبق له أن بسط روايته وسنده إلى مؤلفه في كتابه: (المعجم المفهرس أوتجريد أسانيد الكتب المشهورة والأجزاء المنثورة. ص. 135).
  • أبو البقاء محمد بن علي بن خلف الأحمدي المصري (كان حيا سنة 909هـ)، في كتابه (البارع الفصيح في شرح الجامع الصحيح)، الذي أودع فيه النص الكامل لجزء (عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث)، مع الاعتماد نسخة مسندة من هذا الجزء (انظر: البارع الفصيح. مخطوط مكتبة فيض الله. تركيا. رقم: 269. ورقة 5).

وجملة القول إن جزء (عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث) لبقي بن مخلد، يعد من المصادر الأساسية في معرفة أسماء الصحابة الرواة، لذلك لم يستغن عنه من ألف في معرفة الصحابة قديما، كما أفاد الدارسين المحدثين في تقدير مجموع من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، سواء كانوا من المكثرين أو من المقلين.

 وهذا الجزء على جلالة قدره ومزية صاحبه في تأليف كتابه الكبير (المسند)، لم يخلو من أوهام حيث أُدْرِجَتْ فيه أسماء كثيرة مختلف في صحبتها، وجلهم معدودون من طبقة التابعين[14].

ولأهمية هذا الجزء المفيد وغزارة معلوماته بادر بعض المعتنين بإحياء التراث الإسلامي إلى تحقيقه والاعتناء بمتنه ونشره، وتتباين طبعات هذا الجزء من حيث ضبط النص وتخريجه، ومن أهم تلك النشرات:

  1. أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد. ترتيب ابن حزم. تحقيق إحسان عباس وناصر الدين الأسد. منشور ضمن كتاب: جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى. دار المعارف. القاهرة. 1970م.
  2. عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث. لبقي بن مخلد. منشور في كتاب بعنوان: (بقي بن مخلد القرطبي ومقدمة مسنده) دراسة وتحقيق أكرم ضياء العمري). مكتبة العلوم والحكم. المدينة المنورة. 1404هـ/ 1984م.
  3. أسماء الصحابة وما لكل واحد منهم من العدد. لأبي محمد علي بن أحمد ابن حزم الأندلسي. تحقيق وتعليق: مسعد عبدالحميد السعدني. مكتبة القرآن. القاهرة. 1991م.

ومما يحسن التذكير به في هذا المقام أن هناك نسخا خطية كثيرة من جزء (عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث) لبقي بن مخلد، محفوظة في بعض خزائن العالم، اعتمد بعضها مححقو الكتاب في إخراج هذا النص، وباقي النسخ الأخرى فاتهم الاطلاع عليها أو الوقوف على خبرها.

وبعد مرور عقود من الزمن على نشر هذا الكتاب، ومع ظهور نسخ خطية أخرى في هذه الخزانة أو تلك في أطراف بقاع العالم، فهذان الأمران سيشجعان الدارسين والمهتمين بتحقيق التراث على تشمير ساعد الجد، والاجتهاد في إعادة تحقيق هذا الأثر الجليل والاعتناء خاصة بتمييز أسماء الصحابة ومن فيه صحبتهم نظر.

ولعل من أهم النسخ الخطية المعروفة اليوم من هذا الجزء توجد في الخزائن التالية:

  • دار الكتب القومية والوثائق بالقاهرة: رقم: 254 و529.
  • دار الكتب الوطنيّة بتونس: رقم: 7052/ 13، ورقة (151 – 161).
  • مكتبة الأوقاف العامّة ببغداد: رقم: 5757/ 8 . ورقة 1.
  • المكتبة الظاهريّة بدمشق: مجموع 36 ورقة (102 – 104)، رقم 3768 ـ مجموع 31، ورقة (239أ ـ 249ب).
  • مكتبة برلين: رقم 9915/ 10. ورقة (27 – 29)[15].
  • مكتبة قونيا. تركيا: رقم: 487973. ضمن مجموع (101 ـ 118).

—————————————————————–

[1] . نكت على مقدمة ابن الصلاح. الزركشي.1/185.

[2]  تجريد أسماء الصحابة. الذهبي.1/ج.

[3]  رسائل ابن حزم. رسالة في فضل الأندلس وذكر رجالها. مج1. 178.

[4]  تاريخ علماء الأندلس. ابن الفرضي.1 108 ـ 109.

[5]  تاريخ علماء الأندلس. ابن الفرضي.1 107.

[6]  تاريخ الإسلام. الذهبي. 6/521.

[7]  تاريخ الإسلام. الذهبي. 7/342.

[8] . مدرسة الحديث في الأندلس. مصطفى محمد حميداتو. 1/199.

[9] . عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث. بقي بن مخلد. تحقيق: أكرم ضياء العمري. 78ـ79.

[10]  أسماء الصحابة الرواة وما لكل واحد من العدد. ابن حزم. تحقيق إحسان عباس وناصر الدين الأسد. منشور ضمن كتاب: جوامع السيرة وخمس رسائل أخرى. ص 275.

[11]  الإصابة. ابن حجر. 3/320.

[12] . عدد ما لكل واحد من الصحابة من الحديث. بقي بن مخلد. تحقيق: أكرم ضياء العمري. 79.

[13]  تلقيح فهوم أهل الأثر. ابن الجوزي. 263.

[14]  انظر في هذا الموضوع البحث التالي: (تحرير القول فيمن ذكره بقي بن مخلد في مسنده ضمن صحابة الوحدان غلطا وهو. تابعي “حرف العين المهملة نموذجا “). عمران خلف محمد وأشرف زاهر محمد. مجلة مجمع. جامعة المدينة العالمية. العدد 15. 2015م. ص177 ـ 214.

[15]  معجم التاريخ التراث الإسلامي في مكتبات العالم (المخطوطات والمطبوعات). علي الرضا قره بلوط – أحمد طوران قره بلوط. 1/741.

الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق