الرابطة المحمدية للعلماء

جدل ديني وأخلاقي بسبب ولادة “الخلية الحية المُصنّعة”

تساؤلات فلسفية ودينية حرجة حول الحدود بين الحياة واللاحياة

“المخلوق” الذي أنجبه الكومبيوتر والحدود بين الحياة واللاحياة، هو عنوان متابعة إعلامية دقيقة للإعلامي مصطفى كاظم، نشرها مؤخرا في موقع “بي. بي. سي” البريطانية، على هامش صدور نتاج تجارب علمية استغرقت عقدا من الزمن، وأفرزت في نهاية المطاف،”كائنا” مجهريا هو خلية أحادية تحمل برمجية وراثية تم تركيبها، كاملة، في المختبر، فيما اعتبر إعلان عن ولادة “الخلية الحية المُصنّعة” ضمن مشروع علمي تولاه معهد كريغ فنتر في ولاية ميريلاند الأمريكية.

ويعتبر وفنتر (63 عاما) من الباحثين الرواد على الجينوم البشري (الخريطة الوراثية)، من العلماء المثيرين للجدل، ويشتهر بوضعه مختصرا لفك شفرة الجينوم قبل عشر سنوات. ويعرف أيضا بكتابه “حياة غير مشفرة” وهو سيرة ذاتية له، لولا أن الصحافة الغربية أجمعت تقريبا على إضافة عناصر أخرى للتعريف به، بينها أنه يملك ثروة تقدر بملايين الدولارات وكان من المشاركين في حرب فيتنام، بل وتزيد أنه مبدع أيضا في مجال الترويج لأعماله وعقد صفقات لتمويلها مثل اتفاقه مع شركة “أكسون موبيل” النفطية باستثمار نحو 600 مليون دولار.

والواقع أن ما توصل إليه كريغ وفريقه المؤلف من 24 عضوا، يُعتبر بلا شك، إنجاز علمي كبير أحدث صدى واسعا، شأنه شأن عمليات الاستنساخ ووضع خريطة الجينات وغيرها، خاصة أن التقنية العلمية التي أعلن عنها هي تصنيع خلية حية، بواسطة حقن مادة وراثية عبارة عن سلسلة قصيرة من الحامض النووي “دي أن أيه” فُرّغ من مادته الوراثية، أما الخلية المنتجة، فبدت مشابهة تماما للخلية الطبيعية.

كما أنها دخلت أيضا في دور الانشطار الحيوي وانقسمت مليارات المرات، منتجة نسخا تتحكم فيها البرمجية المصنعة التي أدخلت للخلية الأم. ولأن سلسلة “دي أن أيه” التي أدخلت إلى الخلية محمولة على كروموسوم مصنع، تم تركيب شفرتها كاملة على الكومبيوتر، فقد صرّح فنتر، لدى إعلانه عن التقنية الجديدة، إن هذا “أول مخلوق أنجبه الكومبيوتر”، وهنا مكمن المآزق الدينية والأخلاقية والفلسفية في الموضوع الذي لم يثر متابعة إعلامية في العالم الإسلامي، ومعه الوطن العربي.

وكما كان متوقعا، تعددت المواقف من هذه التقنية الجديدة، بين من يراها نقطة تحول في سيرورة علم الجينات وأهم خطوة في أبحاث الجينوم، وبين من يعتبرها تدخلا في هرمونية الطبيعة، بل أن فريقا ثالثا يعتبر أن تصنيع الحياة يشكل خطرا على الحياة ذاتها، وواضح أن التساؤلات التي تدور حاليا تشمل جوانب علمية وفلسفية واجتماعية، وبما أن بحوثا كثيرة جرت في هذا المجال وفي بلدان مختلفة، يتبادر للذهن سؤال عن ماهية ميزة هذه التقنية التي توصل إليها معهد كريج فنتر في ميريلاند الأمريكية.

وإضافة إلى علامات الاستفهام الفلسفية التي تتعلق بالكون والوجود والتساؤلات الأخلاقية عن مدى حدود البحث العلمي التي أثارها إعلان التقنية الجديدة التي وصفت بـ “الحياة الاصطناعية”، هناك من يطرح مخاوف من مثل هذه الأبحاث خصوصا التساؤل عما إذا كانت الخلايا الجرثومية المصنعة تخضع لقوانين الطبيعة أم تنفلت منها. وكذلك ثمة خشية من توظيفها، في يوم ما، لإنتاج أسلحة بيولوجية تستخدمها الجيوش أو قوى التطرف المنفلتة.

وصرّح الدكتور محمد الربيعي، لموقع “بي. بي. سي”، وهو بروفيسور في التكنولوجيا الطبية في يونفرسيتي كوليدج – دبلن، أنه بالرغم من أن هذا الإنجاز “يمثل تقدما ملحوظا في مجال هندسة الخلايا، إذ أنه أثبت، للمرة الأولى، إمكانية السيطرة على نشاط الخلايا من قبل جينوم اصطناعي، إلا أن هذا ليس الانجاز الأول في ميدان إنتاج خلايا اصطناعية”، مضيفا أن هذا “العمل العلمي سيمهد الطريق نحو إنتاج خلايا تعمل وفق ما يريده العلماء” لاستخدامها في أغراض مختلفة. وأضاف محمد الربيعي، أنه إذا أخذنا بنظر الاعتبار أن ما قدمته هذه التقنية “هو مجرد تخطي حشر جينات معدودة كما هو المعتاد إلى حشر كل الجينات في الخلية البكتيرية”، فإننا نصطدم بسؤال مؤرق: ما هي الحدود بين الحياة واللاحياة؟ لأن هذه التجربة أثبتت أنه لا يمكن أن يكون الفاصل الجينات فقط، وقد تكون الخطوة الحاسمة صناعة خلية جديدة بفعاليات حيوية جديدة”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق