مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

تقـريـب السنـوسيـة عند علماء المغرب7

ذة. نعيمة ملوكي باحثة بمركز دراس بن إسماعيل

 

ب)- اعتماد السنوسية في المناهج التعليمية:

إن بساطة مضامين العقيدة السنوسية، وخلوها من الأفكار الفلسفية، ومراعاتها للشروط الموضوعية للفترة التي وجدت فيها اجتماعيا وفكريا، دفعت بالمغاربة إلى اعتمادها في برامج التدريس بالجوامع والمدارس العتيقة، وأقبل الناس على تعليمها وتدريسها للصغار والكبار.

 وعن تدريسها بجامع القرويين واهتمام العلماء بها ينقل لنا الدكتور عبد الهادي التازي بعض تلك الصور في الجزء الثاني من كتابه “جامع القرويين المسجد والجامعة بمدينة فاس” حيث قال:

“فقد ظل المذهب الأشعري هو السائد في سائر المعاهد كما ظلت كتب السنوسي عمدة العلماء والطلاب”.[ جامع القرويين2/422]

 وفي حديث الكلالي (ت1047هـ) عن شيخه القاضي أبي محمد سيدي عبد الواحد الحميدي يقول: “واتخذ للطلبة مجلسا في كبرى السنوسي وراء خصة القرويين حضرها عنده جماعة من الطلبة المعتبرين من أهل فاس” [جامع القرويين2/416]. “وكانت صغرى السنوسي تدرس بكرسي الإمام الورياكلي من بين من درسها الشيخ ابن سودة”. [جامع القرويين2/373]. وفي كرسي مستودع باب الحفاة كانت تدرس صغرى السنوسي من بين من درسها الشيخ يحيى السراج [جامع القرويين2/377]. ومن بين مجالس القرويين مجلس للشيخ القاضي عبد الواحد الحميدي كان يدرس فيه العقيدة الكبرى للسنوسي[جامع القرويين2/382]. ومجلس للشيخ سيدي محمد الشريف التلمساني يلقي فيه صغرى وكبرى السنوسي وكان يحضرها الفقيه أبو حفص عمر بن عبد العزيز الخطاب.  وفي كراسي فروع القرويين، “كرسي يمين القبة: وقد كان هذا الكرسي بيد أبي عبد الله محمد القسنطيني المعروف بالكماد، والغالب أن الذي أنشأ هذا الكرسي هو السلطان المولى الرشيد العلوي إذ وقف أوقافا على من يقرئ في الروضة الإدريسية العقيدة السنوسية الصغرى. [جامع القرويين المسجد والجامعة بمدينة فاس، للدكتور عبد الهادي التازي، دار الكتاب اللبناني-بيروت، ج2/397].

فإقبال الطلبة المغاربة على دراسة عقائد السنوسي، وحفظ بعضها عن ظهر قلب يعكس وعيهم وإيمانهم بأنها تمثل بصدق العقيدة الأشعرية الصافية، التي يتشبثون بها كعقيدة رسمية للبلاد وكثابت من ثوابتهم.

ج)- إنشاء المدارس التي تعنى بالسنوسية:

أدى الاشتغال بعقائد السنوسي إلى ظهور بعض المدارس المتميزة في مناطق المغرب العربي، وإن اختلفت بينها في بعض الجزئيات، وكذا اختلاف الفهم لبعض نصوص السنوسي، فإن تلك المدارس ظلت وفية وفاء تاما لروح الفكر السنوسي ومنهجه، ومن بينها:

1-مدرسة شمال المغرب: وهي مدرسة مغربية اشتهرت بتطوير فكر السنوسي عبر مجموعة من الشروح والحواشي، بالإضافة إلى طرقها نقاشات كلامية عكست تطورا مهما في ميدان علم الكلام، والتي كانت في غالبيتها تنتهي بتكريس فكرة أو رأي السنوسي.

ومن أهم من مثل هذه المدرسة نذكر: عبد الله الهبطي(ت963هـ)، والحسن الزياتي(ت1023هـ)، وأحمد المنجور(ت995هـ)، وعبد الواحد بن عاشر (ت1040هـ).

2- مدرسة جنوب المغرب: هي مدرسة مغربية مقرها مراكش وسوس والصحراء، وكانت بينها وبين مدرسة الشمال جسور، وقد ظهر في هذه المدرسة مجموعة من العلماء اهتموا بالتراث العقدي عموما، وبتراث السنوسي خصوصا، وببعض مسائله الفرعية.

ومن أهم من اشتهر في هذه المدرسة: أبو عثمان سعيد بن عبد المنعم الحاحي(ت953هـ)، وعيسى السكتاني(ت1062هـ)، وغيرهما.” [تطور المذهب الأشعري في الغرب الإسلامي ص256

د)- أما فتاوى العقيدة فقد كانت في الغالب تستلهم توجهات السنوسي وآراءه الكلامية، فالنوازل في جامعها المخصص لبعض الأسئلة العقدية التي كان يوجهها بعض الناس إلى أشهر من كان يعرف في وقته بعالم الوقت، فكانت الإجابة عنها في غالبيتها لا تخرج عن روح السنوسي الفكرية، وغالبا ما نجد مع هذه الأجوبة توثيقا لمصدر الجواب يرجع إلى أحد مؤلفات السنوسي، حتى تكون في ذلك تزكية وتدعيما للجواب.[المرجع السابق ص251]

وبذلك يمكن القول إن السنوسية استطاعت أن تفرض هيمنتها على الساحة العلمية والفكرية في علم العقيدة بالمغرب، وشكلت المرجع الأساس لكل القضايا والمناظرات الكلامية، والفتاوى العقائدية في مسائل التوحيد وعلم الكلام، ولعل ما تحتويه الخزانات العلمية المغربية من كتبها ومصنفاتها شاهدة على مكانة السنوسية عند المغاربة، وانشدادهم إليها في الحواضر والبوادي على حد سواء.

مما يؤكد أن المغاربة ما يزالون متمسكين بثوابتهم الدينية في مسائل العقيدة بما أسسه أبو الحسن الأشعري، والذين جاؤوا من بعده ممن اقتفوا منهجه، وتأثروا بآرائه ونظرياته، لإيمانهم بأن العقيدة الأشعرية عقيدة صافية بسيطة، بعيدة عن التجسيم، وتمثل عقيدة الصحابة والسلف الصالح رضوان الله عليهم أجمعين.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق