مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأخبار

تقرير حول مناقشة دكتوراه بعنوان: “التصوف الإسلامي في الدراسات الإسلامية في الغرب”

    نوقشت برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة عبد الملك السعدي بتطوان، أطروحة جامعية لنيل شهادة الدكتوراه بعنوان: “التصوف الإسلامي في الدراسات الإسلامية في الغرب“، من إعداد الطالب حفيظ هروس، وبإشراف الدكتور محمد عبد الواحد العسري وذلك يوم الثلاثاء 20 يناير  2015م وقد تكونت لجنة المناقشة من السادة الأساتذة:

الدكتور مصطفى حنفي رئيسا.

الدكتور عبد الواحد العسري مقررا.

الدكتورة مهدية أمنوح عضوا.

الدكتور سعيد مغناوي عضوا.

الدكتور صالح السنيدي عضوا.

الدكتور حسن عزرزي عضوا.

الدكتور مازن المطبقاني عضوا.

    حاول الباحث في أطروحته الجواب عن سؤال جوهري مفاده: لماذا اهتم الغربيون بالتصوف الإسلامي؟

 وعن هذا التساؤل الجوهري تناسلت أسئلة أخرى حاول الباحث أن يجد لها إجابات مقنعة من قبيل:
ما هي أهم السياقات التاريخية والهموم الفكرية والظروف السياسية التي أطرت اهتمام الغربيين بالتصوف الإسلامي؟

   كيف استطاع رواد الآداب الغربيين الكبار أن يستلهموا قيم التصوف الإسلامي ورؤاه الخلاقةِ في إبداعاتهم وتصوراتهم للكون والحياة؟

   ما هي أهم المدارس الصوفية وأعلام التصوف الذين اهتمت بهم الدراسات الإسلامية في الغرب واحتفلت بمذاهبهم ورؤاهم الإنسانية؟

    ما هي أهم المناهج العلمية التي توسل بها هؤلاء الغربيون في دراستهم للتصوف؟ وما مدى مصداقية النتائج المتمخضة عن تلك الدراسات في تقديم صورة حقيقية عن التصوف الإسلامي ونظريات المتصوفة المسلمين؟

كلها أسئلة حاول صاحب هذه الدراسة الإجابة عنها في هذا البحث.

     توزعت محاور هذه الأطروحة إلى خمسة فصول، يشتمل كل واحد منها على عدد من المباحث التي تضم بدورها عددا من المطالب.

الفصل الأول: بمثابة المدخل التاريخي والمنهجي للبحث، وينقسم إلى ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: عالج إشكالات العلاقة الملتبسة بين الإسلام والغرب، بداية بقراءة مفهوم “الإسلام والغرب” وما يطرحه من التباسات، مرورا بالسياقات التاريخية للعلاقة بين الجانبين، وانتهاء بأهم النظريات التي حاولت تفسير العلاقة المرتبكة بين الطرفين.

 أما المبحث الثاني: فقد خصص للدراسات الإسلامية في الغرب وافتتحه الباحث بذكر أهم الضرورات الفنية والمنهجية التي دفعته إلى اختيار مصطلح “الدراسات الإسلامية في الغرب” بدل مصطلح الاستشراق الشائع، ثم أردفه بتحديد الموقف من هذه الدراسات، وأنه ينبني أساسا على موقف المواجهة القائم على الاهتمام بالمقاربات والمناهج بدل الركون إلى موقف الإدانة المسبق أو الجنوح إلى موقف القبول المطلق، وختم المبحث بالحديث عن أهم المراحل التاريخية التي مرت بها هذه الدراسات مع العناية الفائقة بربطها بموضوع البحث ليكون لهذا التأريخ فائدته المنهجية.

أما المبحث الثالث فتعرض فيه لأهم الدراسات التي حاولت أن تهتم بتفكيك الدراسات الغربية التي عالجت موضوع التصوف الإسلامي مع إبداء الملاحظات التي يرى الباحث أنها مناسبة للمقام.

الفصل الثاني خصص لحضور التصوف الإسلامي في الكتابات الغربية المبكرة، وقد لامس الباحث هذا الموضوع من خلال معالجة قضيتين اثنتين: المبحث الأول تناول فيه قضية المجادلات المسيحية الوسيطية للإسلام وكيف أنها عملت على توظيف التراث الصوفي في سبيل تحقيق المنافحة عن المسيحية وذلك من خلال أنموذجين بارزين في الباب هما الراهبان “ريموندو مارتيني” و”رايموندو لوليو”، حيث ركز فيه الباحث بالدرجة الأولى على الأخير منهما نظرا لامتلاكه مشروعا متكاملا مع وجود مؤشرات عديدة على استفادته من الأدبيات الصوفية في مشروعه. المبحث الثاني عالج فيه قضية استلهام الآداب الصوفية وكيف برزت في الإبداعات الغربية الوسيطية من خلال استحضار أنموذج الأديب الإيطالي الكبير “دانتي أليجيري” وتأثُّره بكتابات محي الدين بن عربي المرسي وذلك من خلال مناقشة أطروحتين في الباب هما أطروحتا السيدين “خوليان ربيرا” و”أسين بلاسيوس”.

الفصل الثالث توجه فيه الباحث إلى محاولة استقصاء جهود الدراسات الإسلامية الغربية في خدمة التراث الصوفي سواء من حيث النشر والتحقيق أو من حيث الترجمة، وقد قسمه إلى مبحثين: المبحث الأول جعله عبارة عن قائمة بيبليوغرافية بأهم ما نشره وحققه وترجمه الغربيون من الكتب والرسائل الصوفية منذ الولادة الحديثة للدراسات الإسلامية بالغرب إلى يومنا هذا. ورغم أن البحث لم يستوعب في هذه القائمة كل ما قام به الغربيون من الجهود فإن القائمة اشتملت على أكثر من مائة عمل ما بين نشر وتحقيق وترجمة، وقد أحال الباحث على أكثر من خمسين دارسا ومتخصصا في مجالات وحقول الدراسات الصوفية. المبحث الثاني حاول من خلاله تسجيل أهم الملاحظات العامة ودارسة المنهج العام الذي ارتضاه هؤلاء الدارسون في أعمالهم.

الفصل الرابع: حاول فيه تدقيق النظر في معالجة التصوف الإسلامي من خلال الرؤية الاستشراقية بالطريقة التي تبلورت فيها منذ “ميلاد الاستشراق” إلى الوقت الذي أصبحت فيه هذه المنظورات القائمة على التحليلات الفيلولوجية والتاريخية تعيش أزمتها بفعل موجات النقد الشديدة التي تعرضت لها، ونظرا لأهمية هذا الفصل فقد جعله الباحث في أربعة مباحث منفصلة:

المبحث الأول: خصص لتفكيك الأطروحات الاستشراقية الخاصة بنشأة التصوف الإسلامي ومصادره، وناقشت الموضوع من جانبين: الجانب الأول تناول فيه بالتحليل الدراسات الاستشراقية العامة التي تناولت مسألة مصادر التصوف الإسلامي، والجانب الثاني بحث فيه أراء المتخصصين في التصوف مستعرضا نماذج ثلاث هم: “رينولد ألن نيكولسون” و”لويس ماسينون” و”أنماري شيمل”.

أما المبحث الثاني: فقد ركز فيه الباحث على دراسة وتحليل أطروحة “أسين بلاسيوس” بخصوص تصوف محي الدين بن عربي وذلك في مطلبين اثنين هما: المطلب الأول استعرض فيه عمل الرجل الذي حاول ما أمكن أن يثبت الصلة الوثقى بين مذهب ابن عربي في التصوف وبين الرهبنة المسيحية المشرقية، والمطلب الثاني قام فيه بتعرية منهج التأثر والتأثير الذي توسل به ” بلاسيوس” في دراساته وأبحاثه.

المبحث الثالث تناول فيه قراءة ” لويس ماسينيون” لتراث الحلاج الصوفي من خلال مطلبين كذلك: مطلب أول خاص بمعالم تصوف الحلاج عند “ماسينيون”، ومطلب ثان خاص بدراسة المنهج الاستباطني الذي اعتمده صاحبنا في عمله.

المبحث الرابع: والأخير في هذا الفصل رصد أطروحة المستشرقة الألمانية “أنماري شيمل” بخصوص نظرية الحب الإلهي عند جلال الدين الرومي وذلك من خلال مطلبين: الأول ركز فيه على استنباط معالم هذه النظرية من خلال كتابات السيدة “شيمل”، والثاني درس فيه مقومات المنهج الوصفي الذي ارتضته الباحثة في دراساتها لمكتوبات وآثار مولانا جلال الدين.

الفصل الخامس خصص لبعض المدارس والاتجاهات التحليلية للتصوف الإسلامي في الغرب التي حاولت تجاوز سقطات المقاربات الاستشراقية، وقد تناول فيه الباحث أنموذجين اثنين:

المبحث الأول: خصص للدراسات الأنتروبولوجية التي حاولت دراسة التصوف الإسلامي على ضوء المعاينة المباشرة والدراسات الحقلية الميدانية، والأنموذج الذي قام الباحث بتحليله هو أطروحة  “ارنست غيلنّر” الخاصة بالأدوار التي يمارسها الأولياء والصلحاء بالأطلس المتوسط في المغرب، وذلك من جهتين: الجهة الأولى إبراز المعالم النظرية لأطروحة الرجل، الجهة الثانية دراسة الاعتراضات التي أثارها خصوم نظريته.

المبحث الثاني: انفتح فيه على طريقة أخرى في دراسة التصوف الإسلامي والتي تتأسس على التعاطف الكامل مع موضوع البحث والانخراط الواعي في تقديم ما يعتقد أصحابه أنه الوجه الحقيقي للتصوف من خلال خوض غمار التجربة الصوفية ذاتها، وأنموذج هذه المقاربة هو ” ميشيل سودكيفيتش” أحد المهتدين إلى الإسلام من بوابة التصوف، وقد عالج أطروحته الخاصة بنظرية الولاية عند الشيخ الأكبر في مطلبين:

المطلب الأول خاص باستنباط معالم هذه النظرية من خلال كتابات ” سودكيفيتش”، والمطلب الثاني خاص بقراءة المنهج التبسيطي Vulgarisation الذي ركن إليه الرجل في تحليله لتراث الشيخ محي الدين.
وأخيرا الخاتمة ضمت أهم الخلاصات والاستنتاجات التي رسى عليها البحث.

ومن بين أهم النتائج والتوصيات التي خلص إليها هذا البحث:

1- ضرورة التنقيب على مصادر التصوف وأمهات كتبه والعمل على نشرها وتحقيقها وترجمتها الشيء الذي وفر قاعدة بيانية عريضة لدارسي تاريخ التصوف الإسلامي وتطوراته الداخلية وسياقاته المختلفة وأدواره الاجتماعية والسياسية مما لم يكن متاحا قبل ذلك.

2- العمل على دراسة قضايا التصوف الإسلامي والتعريف برجاله ومذهباهم، حيث أنفق العديد من الدراسيين الغربيين أثمن أوقاتهم وقضوا جل حياتهم في الكشف عن رجال طمرهم التاريخ وأقصتهم الذاكرة الجماعية الغالبة، فتم إعادة الاعتبار لهم على ضوء هذه الدراسات الحديثة.

3- كشف النقاب عن الآثار المحتملة التي قد يكون التصوف الإسلامي طبع بها الكتابات الغربية وآدابها منذ “العصور الوسطى”، فقد تحمس العديد من الدارسين الغربيين لإثبات هذه الآثار وتكلفوا في سبيل ذلك وبالغوا أحيانا لحاجات مقصودة، وقد حاول الباحث الاحتراس من المبالغة في القول بهذه التأثيرات المطلقة والتفصيلية ومال إلى ترجيح القول بالتأثيرات العامة.

4- الاعتراف بالخدمات التي قدمتها الدراسات الإسلامية في الغرب للتصوف الإسلامي لا يعني القبولَ التامَ بالمناهج التي توسلت بها أو التسليمَ المطلقَ بالنتائج التي آلت عموم هذه الأبحاث إليها، فقد اتضح جليا في كل مبحث من مباحث هذه الدراسة أن ثمة حقائق ثاوية في هذه الدراسات لم تستطع الفكاك منها وإن بدت متوارية خلف غابة كثيفة من المشاغل والهموم الفكرية والقلق الديني والفلسفي.

5- عدم قدرة المشتغلين بالتصوف الإسلامي في الدراسات الغربية على التحرر والانعتاق من أسر المسلمات الدينية والفكرية المغلوطة التي طبعت هذه الدراسات وبُنيت بشكل لا يقبل الشك عبر قرون مديدة، وعلى رأس هذه “المسلمات” التمييز الحاد والفصل التام بين المسيحية والإسلام على أساس أن الدين الأول روحي في أصله ومبناه بينما الثاني مجدب مقفر من هذه الناحية، وأن التصوف الإسلامي إنما يرجع في بناء ذاته وتكوينها إلى الأصول المسيحية التي اقتبس منها أسسه العامة.

6- التماهي مع الحاجات المجتمعية والمتطلبات الدينية والسياسية التي أرَّقت الغرب في فترات تاريخية معينة، ولهذا التماهي صور وأشكال مختلفة برزت أولا في الحاجة إلى الدفاع عن النصرانية وترميم حصونها الداخلية ضد الأخطار والتحديات التي رفعها الإسلام في وجهها، فظهرت المساجلات والمنافحات الدينية التي استندت إلى التراث الصوفي وأدبياته قصد بناء نسقها الحجاجي، ثم أطلت برأسها ثانية في الأبحاث المَسْحية الأولى للحركات الصوفية التي قام بها موظفو الحماية والإدارات الاستعمارية، كما أنها برزت كذلك في الأبحاث الروحية الغربية التي جاءت نتيجة هيمنة القيم المادية والفكر العقلاني وشيوع الفردانية بحيث كانت بمثابة “المرآة التصحيحة” التي عالج من خلالها الغرب علاته.

7- فرَض الشيخ محي الدين بن عربي نفسه بقوة على الدراسات الغربية سواء في “العصور الوسطى” أو في العصور الحديثة، وذلك رغم البرود الشديد الذي قوبلت به كتاباته في البدايات الأولى لهذه الدراسات بعد الميلاد الرسمي لها بفعل الانصراف التام إلى الجمالية الشعرية التي كانت تتماهى مع الرومانسية التي كانت غالبة على الغرب أنذاك أو بفعل التعتيم الذي تعرض له من قِبل بعض الباحثين الذين استشكلوا نظرياته، لكن تراثه لقي رواجا كبيرا بعد ذلك بفعل التفاف نخبة من المفكرين الغربيين ممن اهتدوا إلى الإسلام على نشر ودراسة كتبه ومصنفاته الشيء الذي وسمه ” ميشيل سودكيفيتش” “بالنهضة الأكبرية” التي حققتها هذه المدرسة ابتداء من “رينيه غينون”.

وبعد المناقشة والتداول، حصل الباحث على درجة الدكتوراه بميزة مشرف جدا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق