مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكتراث

تقريب نظم ابن عاشر شذرات من شرح العلامة الشيخ أبي عبد الله محمد بن قاسم جسوس على توحيد ابن عاشر(7)

 

قال العلامة الشيخ أبو عبد الله محمد بن قاسم جسوس شارحا لقول الناظم:

          “مقدمة لكتاب الاعتقاد         معينة على المراد

       “أقسام مقتضاه بالحصر تماز       وهي الوجوب الاستحالة الجواز”

مقتضى الحكم مُتعلَّقُه، والمراد هنا المحكوم به، والمعنى أن أقسام المحكوم به في الحكم العقلي تتميز وتتبين بالحصر، وتلك الأقسام هي الوجوب، والاستحالة، والجواز، وإنما قال: أقسام مقتضاه أي متعلقه ولم يقل أقسامه كما قال في المقدمات؛ لأن الأقسام الثلاثة ليست جزئيات للحكم لعدم صدقه عليها، ولا أجزاء لعدم تركبه منها، فلا يصح تقسيم الحكم إلى هذه الأقسام قسمة نوعية ولا جزئية؛ ولأجل هذا الإيراد قدروا مضافا في قول الصغرى: “اعلم أن الحكم العقلي ينحصر في ثلاثة أقسام”؛ أي ينحصر متعلقه، وهو أحد الأجوبة التي  أجيب بها عن هذا الإيراد، وفيه أن هذا التقدير يُبطل الحصر لخروج المحكوم به عن هذه الأقسام الثلاثة في كثير من القضايا كَ: “الله قديم”، مع ما فيه من التعبير بالأعم الذي هو المتعلق عن الأخص، وهو المحكوم به بلا قرينة بينة.

ومن الأجوبة أن قوله: الوجوب إلخ على حذف مضاف؛ أي إثبات الوجوب، واثبات الاستحالة، واثبات الجواز، وفيه أنه يُبطل الحصر في الثلاثة أيضا لفقدها في نحو المثال؛ ولأن المنقسم للثلاثة حقيقة هو المثبت. واعتبارُ ما يَعرض للحكم بالإضافة يُصيِّر الأقسام ستة: إثبات كل واحد من الثلاثة ونفيه لانقسام الحكم إليهما، فيَبطُل الحصر من هذا الوجه أيضا.

ومن الأجوبة أن معنى انحصاره فيها أنه لا يخرج عنها كانْحَصَر حكم الأمير في بلد كذا، وليس المراد تقسيمه إليها، ويبعده أو يمنعه التعبير بأقسام.

المقتضى: التقسيم؛ إذ لا يقال ينحصر الشيء في ثلاثة أقسام شيء غيره؛ لخروج تقسيم ذلك الغير عن الانحصار المقصود، هذا مع تعيين الغير، فكيف إذا لم يذكر كما هنا، نعم لو قال أشياء لصح هذا.

ومن الأجوبة أن انحصار الحكم في الثلاثة باعتبار وصفه ولا حذف؛ إذ الحكم الذي هو إثبات أمر لأمر أو نفيه أو إدراكه لا يخلو من الاتصاف بواحد منها، فإن وصفه إما وجوب وإما استحالة وإما جواز، وفيه أن الفعل والانفعال حادثان فلا يتصفان إلا بالجواز، فيبطل التقسيم والتعريفان الأولان الآتيان لانبنائهما عليه.

 والمخلص تفسير الحكم المقسّم إلى هذه الأقسام بالنسبة؛ أي ثبوت المحمول للموضوع أو عدمه فإنه يطلق عليها كما تقدم، وبها فسرنا القضية في كلام الناظم، ومعلوم أن النسبة لابد أن تتكيف بالوجوب والامتناع أو الجواز، فتقسيم الحكم -أي النسبة- للثلاثة باعتبار كيفه قسمة حاصرة، مطابق للواقع. وهذا الجواب وإن كان صحيحا بالنسبة إلى كلام المقدمات والصغرى لا يتأتى في كلام الناظم؛ لأنه جعل التقسيم في متعلق الحكم لا في الحكم نفسه، وقد علمت ما فيه، فلو أسقط الناظم هذا المضاف وجعل التقسيم في الحُكم بالمعنى الذي قدمناه لكان في غاية الحسن، ويكون حينئذ كلامه إشارة إلى الجواب عن الإشكال لما قدمناه، والله أعلم بالصواب.

د. إدريس غازي

• خريج دار الحديث الحسنية ـ الرباط.
• دكتوراه في الدراسات الإسلامية، جامعة سيدي محمد بن عبد الله ـ فاس، في موضوع: "أصل ما جرى به العمل ونماذجه من فقه الأموال عند علماء المغرب".
• دبلوم الدراسات العليا من دار الحديث الحسنية، الرباط، في موضوع: "المنهجية الأصولية والاستدلال الحجاجي في المذهب المالكي".
من أعماله:
ـ الشاطبي بين الوعي بضيق البرهان واستشراف آفاق الحجاج.
ـ في الحاجة إلى تجديد المعرفة الأصولية.

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق