مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامنصوص مترجمة

تفاعلات مفكرين مع كورونا (5): نعوم تشومسكي: جائحة كورونا علامة تحذير ودرس للبشرية

في حواره مع عدد من المنابر الإعلامية العالمية، يناقش المفكر وعالم اللسانيات ناعوم تشومسكي، أستاذ علم اللغة ومؤلف أكثر من 120 كتابا وآلاف المقالات، أسباب وتداعيات تفشي فيروس كورونا على العالم.

تشومسكي الذي يعيش في عزلته الذاتية في منزله حاليا يجادل بأن فيروس كورونا “علامة تحذير ودرس للبشرية، وعلينا أن نبحث في الجذور التي تؤدي إلى الأزمات، التي ربما تكون أسوأ مما نواجهه اليوم، والتحضير لكيفية “التعامل معها ومنعها من الانفجار”!.

أسباب أزمة كورونا

بخلاف الشخصية السابقة من هذه السلسة، هنري كيسنجر، الذي دعا إلى الحفاظ على المبادئ الليبرالية، يرى تشومسكي أن “الرأسمالية النيوليبرالية نفسها تقف وراء التعامل الفاشل للولايات المتحدة مع جائحة كورونا”. فالوباء العالمي الحالي مؤشّر على وجود مشاكل أساسية في النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي.

للتدليل على ذلك، يقول تشومسكي إنه “كان من المعروف أن الأوبئة من المحتمل جدا أن تحدث منذ فترة طويلة… كما أنه كان من الممكن أن يكونوا قد عملوا على اللقاحات وتطوير الحماية من أوبئة الفيروسات التاجية المحتملة.. لكن قطاع صناعة الأدوية، الذي لا تتدخل فيه الحكومة، رأى أنه ليس هناك ربح في منع وقوع كارثة مستقبلية، فاتجه إلى صنع كريمات جديدة للجسم عوض إيجاد لقاح يحمي الناس من الدمار الشامل”. يضيف تشومسكي: إن الأزمة الحالية أثبتت فشل سياسيات السوق “حين سلمنا مصيرنا للاستبداد الخاص لشركات الأدوية التي لا تخضع لمساءلة الجمهور، بل لمصلحة نفعية للنيوليبرالية المتوحشة التي تتحكم باقتصاد السوق وفلسفة العرض والطلب على المستوى العالمي، حيث الطاعون الجديد المتمثل في النيوليبرالية يقودنا إلى الهلاك.”

أزمة كورونا ليست سوى جزء صغير من الأزمات الكبرى القادمة

يؤكد تشومسكي أن الأزمة الصحية لفيروس كورونا خطيرة للغاية وستكون لها عواقب وخيمة ولكنها مؤقتة، في حين أن هناك أزمتان أكثر خطورة على الإنسانية، وهما الحرب النووية والاحتباس الحراري. ويقول تشومسكي أنه ومنذ انتخاب ترامب رئيسا لأمريكا، أصبح بالإمكان رؤية ثلاثة أشياء: تهديد الحرب النووية، وتهديد الاحتباس الحراري، وتدهور الديمقراطية. ومع أن الديمقراطية هي السبيل الوحيد للتغلب على الأزمة، فإن ذلك يبقى مشروطا بسعي الجمهور إلى السيطرة على مصيره.

ويعتبر تشومسكي أن تهديد الديموقراطية يتمثل في الإجراءات الاستثنائية التي تطبقها الحكومات من إغلاق للحدود الداخلية والخارجية، وحظر التجوال في بعضها، واستخدام الجيش في تطبيق إجراءات العزل. كما أن استخدام العديد من السياسيين مثل ترامب وماكرون لخطاب “الحرب” ضد كورونا يطرح تساؤلاً عن أثر هذا الخطاب في فرض حالة من الاستبداد.

بالمقابل، يعترف تشومسكي أن الخطاب المتداول الذي يشير إلى الحرب له بعض الأهمية، فإذا أردنا أن نتعامل مع هذه الأزمة علينا أن ننتقل إلى “التعبئة في زمن الحرب”، ويعطي مثالا على ذلك بفترة الحرب العالمية الثانية، حيث قامت أمريكا بالتعبئة المالية الشاملة التي قادت البلاد إلى تضاعف التصنيع الأمريكي أربع مرات، الأمر الذي أدى إلى النمو وإنهاء الكساد الاقتصادي. يقر تشومسكي أن الأمر ليس على هذا النحو تماما (حرب عالمية)، لكننا نحتاج إلى عقلية التعبئة لمحاولة التغلب على هذه الأزمة الشديدة والقصيرة المدى.”

في عالم متحضر، أزمة كورونا تهديد أكبر للفقراء.

يتبنى تشومسكي تصورا مفاده أن النظم السياسية التي تتحكم بها النيوليبرالية ويديرها الأغنياء قد خانت شريحة كبيرة من شعوبها. وبناء عليه، فإن أزمة فيروس كورونا ستمثل تهديدا أكبر للفقراء، فرغم تواجدنا في عالم متحضر، سيتعاون الأغنياء فيما بينهم بتضامن، وهو ما يعني أن الدول الغربية الغنية ستضر بالضعفاء من الدول الأخرى. ففي الهند مثلاً، حيث يقبع أكثر من مليار في العزلة الاجتماعية، ماذا سيحدث للذين يعيشون كل يوم بيومه “من اليد إلى الفم”؟ سيتضورون جوعاً ويموت المعزول وحيدا.”

يشير تشومسكي في حديثه إلى أن الولايات المتحدة اليوم هي الدولة الوحيدة التي يتبعها جميع الدول عندما تفرض عقوبات على دول أخرى مثل إيران وكوبا، ولكن مع ذلك: “أحد أكثر الأمور سخرية لأزمة الفيروس اليوم هو أن كوبا تساعد الدول الأوروبية. بينما لا تستطيع ألمانيا مثلًا مساعدة اليونان”، مستطردًا: “إن أزمة الحضارة الغربية في هذه المرحلة مدمرة.

فيروس كورونا يقدم للبشرية المخاطر والفرص

يشدد تشومسكي على أن هذه لحظة تاريخية حاسمة للإنسان. ليس فقط بسبب فيروس كورونا، بل لأن الفيروس يوقظ الوعي بالعيوب العميقة التي تواجهها البشرية. “فالعالم معيب وليس قوياً بما فيه الكفاية للتخلص من الخصائص العميقة المختلة في النظام الاقتصادي والاجتماعي العالمي كله، واستبداله بنظام عالمي إنساني كي يكون هناك مستقبل للبشرية قابل للبقاء”.

يضيف تشومسكي: عندما نتغلب على هذه الأزمة بطريقة أو بأخرى فإن الخيارات المتاحة ستتراوح بين تركيبة دول وحشية شديدة الاستبداد، أو إعادة بناء جذرية للمجتمع تقوم على أسس أكثر إنسانية تهتم بالاحتياجات البشرية بدلاً من الربح الخاص. “هناك احتمال أن ينتظم الناس ويقوموا بخلق عالم أفضل بكثير سيواجه المشاكل الهائلة التي نواجهها في المستقبل القريب. مشاكل الحرب النووية وهو أقرب مما كان عليه من قبل. بالإضافة إلى مشاكل الكوارث البيئية التي لم يعد هناك تعافي منها بمجرد وصولنا إلى تلك المرحلة وهي ليست بعيدة، ما لم نتصرف بشكل حاسم”.

العزلة الاجتماعية قبل وبعد كورونا

يلفت تشومسكي الانتباه إلى أن «ما علينا أن نتذكّره هو أننا شهدنا في السنوات القليلة الماضية نوعاً من أنواع العزلة الاجتماعية المؤذية جداً»، ويشرح ذلك قائلا: «أدخل إلى مطعم ماكدونالدز، على سبيل المثال، وأنظر إلى عدد من المراهقين يتناولون الهمبرغر. ما تلاحظه هو حصول حوارين متوازيين، حوار سطحي بينهم، وحوار يُجريه كلّ واحد على حدة على هاتفه الذكي مع شخص يتحدث معه عن بعد». هذه الظاهرة «عزلت الناس عن بعضهم البعض بطريقة مهولة، إلى الحد الذي دفع بعض جامعات أميركا أن تكتب على رصيفها «انظر إلى فوق»، لأنّ كل الشباب يمشون في الشارع ملتصقين بشاشات هواتفهم. وهذا نوع من العزل الاجتماعي (المقرر ذاتياً).”

يقول تشومسكي: “قد يتصور البعض أن العزلة الاجتماعية بدأت قبل كورونا بكثير وقد تسبب بها الاستخدام المفرط للهواتف الذكية المرتبطة بالإنترنت لا سيما بين الشباب، لكنها قد تكون هي المخرج والوسيلة إذا أحسن استخدامها لتنظيم الصفوف والتضامن الاجتماعي لخلق حركة اجتماعية واسعة النطاق. ويضيف: “نحن الآن في حالة عزلة اجتماعية حقيقية يجب التغلب عليها بإعادة الروابط الاجتماعية بأية طريقة ممكنة وأيا كان نوعها والتي بإمكانها مساعدة المحتاجين، وذلك عن طريق الاتصال بهم… الفكرة ليست بأن التواصل وجها لوجه أمر غير ضروري للبشرية. ولكن سيتم حرماننا منه لفترة”.

في تعليق لافت، يصرح تشومسكي في الأخير بأن أولئك المهتمين بإعادة بناء مجتمع قابل للحياة من بين الحطام الذي ستتركه الأزمة الحالية، من الجيد أن يستجيبوا لدعوة المؤرخ فيجاي براساد الذي قال “لن تعود الأمور إلى طبيعتها، لأن الوضع الطبيعي كان هو المشكلة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق