مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

تعلق القصد والنية بأعمال المكلف وضرورة موافقتها لقصد الشارع5

 

 

       دة. أمينة مزيغة باحثة بمركز دراس بن إسماعيل 

 

تعلق قصد المكلف بالغير

 

        فعل المكلف قد يقصد به مصلحة نفسه لكنه قد يصاحب ذلك قصد الإضرار بالغير وقد بين الإمام الشاطبي في المسألة الخامسة “وجوه التعارض – وعدمه – بين مصالح ومفاسد المكلف الفرد، ومصالح غيره ومفاسده، مع مراعاة القصد وعدمه، ويمكن تسمية هذه المسألة: قانون التعارض والترجيح بين مصالح الناس ومضارهم”[1] وفي ما يلي بيان تلك الأوجه:

       أولا- إذا قصد جلب مصلحة لنفسه دون الإضرار بالغير فحكمه أنه” باق على أصله من الإذن ولا إشكال فيه، ولا حاجة إلى الاستدلال عليه لثبوت الدليل على الإذن ابتداء”[2]

        ثانيا– إذا كان الفعل أو الترك مصحوبا بقصد إضرار الغير “فلا إشكال في منع القصد إلى الاضرار من حيث هو إضرار  لثبوت الدليل على ان لا ضرر ولا ضرار في الإسلام”[3]، أما إذا كان الفعل أو الترك من غير قصد الإضرار بالغير ففي هذه الحالة ينظر إلى ذلك الضرر هل هو عام أم خاص، قطعي أم ظني؟

        وقد فصّل الإمام الشاطبي رحمه الله الحديث عن هذا الجانب في المسألة الخامسة[4]، ويمكن الحديث عنها كالآتي:

         1- عموم الضرر: الضرر العام يرفع بالجملة، فيمنع جالب المصلحة أو دافع المفسدة مما هو مقدم عليه لأن المصالح العامة تقدم على المصالح الخاصة، فاعتبار الضرر العام أولى، ومثال ذلك مسألة الترس التي فرضها الأصوليون فإذا تترس الكفار بمسلم، وعلم أنه إذا لم يقتل استؤصل الاسلام فإن المحافظة على كلي الدين واجب، وإن كان الإسلام قد أمر بحفظ النفس إلا أن الدين مقدم على النفس وغيره، وإذا أمكن تلافي الضرر الخاص من وجه آخر بأن يكون مثلا في أمور مالية، فالضرر يرفع جملة.

        2خصوص الضرر: هذا الوجه ينظر إليه من جهتين:

              أ- إثبات الحظوظ: حق الجالب أو الدافع مقدم وإن استضر غيره بذلك لأن  جلب المنفعة أو دفع المفسدة مطلوب للشارع مقصود، ولذلك أبيحت بعض المحرمات كالميتة، وبيع الدرهم بالدرهم إلى أجل للحاجة الماسة للمقرض والتوسعة على العباد، فكل ذلك وما شابهه مما دلت الأدلة على قصد الشارع إليه إذا سبق إليه الإنسان فقد ثبت حقه فيه شرعا بحوزه له دون غيره، أو سبقه إليه لا مخالفة فيه للشرع، فتقديم حق المسبوق على السابق ليس بمقصود إليه شرعا إلا مع إسقاط السابق لحقه وهذا لا يلزمه بل قد يكون له حق إسقاط حقه في الضروريات وهذا في دفع الضرر وجلب المصلحة واضح كذلك إذا كان عدمها يضر به.

          ب- إسقاط الحظوظ: إسقاط الاستبداد والدخول في المساواة على سواء وهذا محمود جدا، فمسقط الحظ هو من يرى غيره مثل نفسه أو كأحد أهله ممن طلب القيام عليهم ندبا أو وجوبا وأنه قائم في خلق الله بالإصلاح و التسديد، ومثال ذلك ماجاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:(إن الأشعريين إذا أرملوا في الغزو أو قل طعام عيالهم بالمدينة جمعوا ما كان عندهم في ثوب واحد ثم اقتسموه بينهم في إناء واحد فهم مني وأنا منهم) ، وعلى هذا فإن العامل لا يلحقه ضرر إلا بقدر ما يلحق الجميع أو أقل ولا يكون موقعا في نفسه ضررا ناجزا وإنما هو متوقع أو قليل يحتمله في دفع بعض الضرر عن غيره، وهذا نظير من يعتبر المسلمين كلهم شيئا واحدا لقوله صلى الله عليه وسلم:(المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه يعضا).

          ويدخل في ذلك الايثار على النفس، بأن يترك حظه لغيره وهذا دأب الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام يقول الله عزوجل:(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا).

          3- قطعية الضرر: أن يكون الضرر مؤديا إلى مفسدة قطعية عادة وهذا ينظر إليه  من وجهين:

          أ- أن يكون قاصدا لما أجاز الشرع أن يقصده من غير قصد إضرار بأحد فهذا جائز لا حظر فيه.

        ب- أن يكون عالما بلزوم مضرة غيره لهذا العمل المقصود مع عدم استضراره بتركه فهذا فيه قصد الإضرار، مما لم يقصد الشارع وقوعه على الوجه الذي يلحق به الضرر دون الآخر.

         فالعمل الذي يقوم به العامل مع علمه بالمضرة إما أن يقصد أن يكون هناك تقصير في النظر المأمور به وهذا ممنوع، وإما أن يقصد نفس الإضرار وهو ممنوع أيضا.

        4- ظنية الضرر: هو ما يكون أداؤه إلى المفسدة ظنيا، فيحتمل الخلاف. هل يمكن أن يكون هذا الظن جاريا مجرى العلم فيمنع كما في الضرر القطعي أم لا يمنع، والراجح اعتبار الظن، وذلك من وجوه:

         أحدها: أن الظن جار مجرى العلم، والظاهر جريانه هنا.

         الثاني: أن هذا الظن قد يكون ذريعة إلى المفسدة، لذلك كان ماهو منصوص عليه لسد الذرائع داخلا في هذا القسم، ومثال ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكف عن قتل المنافقين لئلا يتخذ ذريعة إلى قول الكفار إن محمدا عليه الصلاة والسلام يقتل أصحابه.

         الثالث: أن هذا الضرر داخل في التعاون على الإثم والعدوان المنهي عنه شرعا، إلا أن الظن بالمفسدة والضرر لا يقوم مقام القصد إليه فالأصل الجواز من الجلب أو الدفع، بشرط ألا تتسبب المصلحة في مفسدة من جهة الحيل أو من باب التعاون لأن المتسبب لم يقصد إلا مصلحة نفسه، لذلك منع الجلب أو الدفع من هذه الجهة.

 

 


[1] – نظرية المقاصد 146.

[2] – الموافقات 2/265

[3] – الموافقات 2/265.

[4] – الموافقات 1/264.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق