مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

تعلق القصد والنية بأعمال المكلف وضرورة موافقتها لقصد الشارع2

         

 

       دة. أمينة مزيغة باحثة بمركز دراس بن إسماعيل

ثانيا: “القصد”

         أ- القصد لغة: “استقامة الطريق … قال تعالى في كتابه العزيز: (وعلى الله قصد السبيل)[1]على الله تبيين الطريق المستقيم والدعاء إليه بالحجج والبراهين الواضحة”[2]

“قال بن جني أصل ” قصد” ومواقعها في كلام العرب الاعتزام والنهوض نحو الشيء على اعتدال كان ذلك أو جور، هذا أصله الحقيقة، وإن كان قد يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل، ألا ترى أنك تقصد الجور تارة كما تقصد العدل تارة أخرى، فالاعتزام والتوجه شامل لها.”[3]

          ب- “القصد” اصطلاحا:

عند الإمام الشاطبي: استعمل الإمام الشاطبي هذا المصطلح بصيغتيه المصدرية والفعلية وبتراكيب أخرى، والمعنى الجامع لهذه الاستعمالات هو أم الشيء ونيته والتوجه إليه وما تعنيه كلمة قصد في إطار نسبتها إلى الشارع هو إرادته التشريعية او التكليفية جاء في الموافقات: ” فإذا رأيت في هذا التقييد إطلاق لفظ القصد وإضافته إلى الشارع فإلى معنى الإرادة التشريعية أشير وهي أيضا إرادة التكليف.”[4]

        ج- الفرق بين النية والقصد:

        يقول الإمام القرافي رحمه الله:” اعلم أن جنس النية هو الإرادة وهي صفة تقتضي التخصيص لذاتها عقلا شاهدا و غائبا، كما يقتضي العلم الكشف لذاته عقلا شاهدا و غائبا، ثم إن هذه الارادة متنوعة إلى العزم، والهمة، والنية، والشهوة، والقصد، والاختيار، والقضاء، والقدر، والعناية، والمشيئة، فهي عشرة ألفاظ”[5]، وقد عمل الإمام القرافي رحمه الله على توضيح الفرق بين هذه المصطلحات، وفي الفرق بين النية والقصد يقول القرافي: “وأما النية، فهي إرادة تتعلق بإمالة الفعل إلى بعض ما يقبله لا بنفس الفعل من حيث هو فعل، ففرق بين قصدنا لفعل الصلاة وبين قصدنا لكون ذلك قربة، أو فرضا أو نفلا أو أداء أو قضاء…”[6]،”وأما القصد فهو الإرادة الكائنة بين جهتين: كمن قصد الحج من مصر وغيرها، ومنه السفر القاصد أي: في طريق مستقيمة، وهذا المعنى يستحيل على الله تعالى”[7]، وبعد أن وضح الفرق بين كل تلك المفردات قال: “فهذه التفاسير والتغايرات بين هذه المعاني العشرة يساعد عليها الاستعمال، والأصول الموجبة لعدم الترادف، فتلخص: أن النية غير التسعة الباقية، لِما ذُكر فيها من الخصوصية المتقدمة، وخصوصيات كل واحد من التسعة المفقودة في النية، فيجزم الناظر بالفرق حينئذ، ولا يضر كون الاستعمال قد يتوسع فيه، فيستعمل “أراد ومراده نوى، وأراد ومراده عزم أو قصد أو عنى فإنها متقاربة المعاني، حتى يكاد يجزم بينها بالترادف …”[8]

         وبهذا يظهر معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “الأعمال بالنيات” ولم يقل “الأعمال بالإرادات” أو العنايات أو غير ذلك فإنه عليه السلام لم يرد إلا الارادة الخاصة المميلة للفعل إلى جهة الأحكام الشرعية، كما تقدم في تفسير النية …”[9]

          ويظهر لنا الفرق بين النيات والمقاصد في قول آخر للإمام القرافي رحمه الله قال: “وأما كون الانسان يثاب على نية واحدة، وعلى الفعل عشرا إذا نوى، فلأن الأفعال هي المقاصد، والنيات وسائل والوسائل أخفض درجة من المقاصد والنيات أخفض من القصود أو المقاصد”[10].

يقول بن رجب الحنبلي:” واعلم أن النية …نوع من القصد والإرادة”[11] وفي هذا إشارة إلى أن هناك فرقا بين المصطلحين.

             وقد يكون الفرق بين المصطلحين متمثلا في كون النية تأتي دائما في البدء ثم بعدها القصد، كأن يقول القائل: “نويت عمل كذا قاصدا به هذا الوجه”، فالنية تكون لصيقة بالنفس، والقصد بالعمل الظاهر أما الحكم فيكون حكما على العمل المترتب على النية بمعنى أنه يكون على النية أصلا وعلى العمل المرتبط بالقصد بالتبع والله أعلم.

 

 


[1] – النحل 99.

[2] – تاج العروس مادة (قصد)

[3] – لسان العرب مادة (قصد).

[4] – الشاطبي وفكره الأصولي بين الإبداع والاتباع، عبد الحميد العلمي 112.

 

[5] – الأمنية في إدراك النية 7.

[6] – الأمنية في إدراك النية 9.

[7] – الأمنية في إدراك النية 10.

[8] – الأمنية في إدراك النية 12.

[9] – الأمنية في إدراك النية 13.

[10] – الأمنية في إدراك النية 21.

[11] – جامع العلوم والحكم 100.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق