مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

تصحيح مفاهيم خاطئة (7): الاستنباط من مفهوم كلام الأئمة

سئل [ابن عرفه] [ عن الفقهاء أصحاب مالك] حين يسردون الأقوال ينسبونها إلى المدونة وغيرها، ويقيمونها استنباطا من لفظ محتمل أو مفهوم، وربما عارضه منطوق في محل آخر، وكثيرا ما يستدلّون بمفهوم كلام مالك وابن القاسم وغيرهما، والمفهوم في كلام الشارع فيه من النظر والخلاف ما فيه، فكيف به من كلام من ليس بعربي، وأيضا ربّما استنبطوا الخلاف من ضبط الحروف، كما فعلوا في قوله في كتاب الصيام من المدونة، وعليه قضاء رمضان الآخر.

فيا سيدي هل ما انتحلوه من ذلك صحيح جار على قوانين الشريعة؟

  [الجواب]  وحاصلها [أي المسألة] أنهم يستنبطون الأقوال من المدونة وغيرها من ألفاظ محتملة، أو مفهوم يعارض منطوقا في محل آخر، ويستدلون بمفهوم كلام ابن القاسم ومالك، والمفهوم من كلام الشارع مختلف فيه، فكيف به من كلام من ليس بعربي؟ إلى آخره.

وجوابه أن نقول: أما قوله يستنبطون الأقوال من لفظ محتمل، فإن أراد به محتمل على التساوي، هذا لا يصح الاستنباط منه، وهذا لا أظن يفعله مُقتدى به، وإن أراد أنه محتمل على التفاوت والاستنباط من الراجح، فهذا الأخذُ بالظاهر، وعليه أكثر قواعد الشريعة.

وقوله: يستدلون بمفهوم كلام مالك وابن القاسم. قلت: الكلام إنما هو الأخذ بالمفهوم في كلام مالك وابن القاسم، وكونهما من أهل المذهب، وهما عربيا اللسان،عارفان بأصول قواعد المذهب التي منها معرفة النص والظاهر والمفهوم وغير ذلك.

وتقرير ما طلب من بيان ذلك أن نقول: كلام ابن القاسم ومالك في الأمهات العلمية كلامُ عالم بالقواعد التي تستنبط منها الأحكام الشرعية (…)، ينتج ذلك القضية القائلة: كلام ابن القاسم ومالك في الأمهات العلمية الظنُّ غالبا يجريه في وجود دلالته على وجوه قواعد استنباط الأحكام الشرعية، وإذا ثبت هذا فالأخذ  بالمفهوم منه واضح البيان، والله أعلم وبه التوفيق.

قلت: قال القاضي أبو عبد الله المقري رحمه الله في قواعده ما نصه:  (لا يجوز نسبة التخريج والإلزام بطريق المفهوم أو غيره إلى غير المعصوم عند المحققين لإمكان الغفلة أو الفارق، أو الرجوع عن الأصل عند الإلزام والتقييد بما ينفيه، أو إبداء معارض في المسكوت أقوى، أو عدم اعتقاد العكس إلى غير ذلك، فلا يعتمد في التقليد ولا يعد في الخلاف، وقد قيل: إن اللخمي المشهور بذلك فرق قد بين الخلاف المنصوص والمستنبط، فإذا قال: واختلف فهو الأول، وإذا قال ويختلف فهو الثاني) انتهى.

وقال أيضا في بعض مقيداته ما نصه: إياك ومفهومات المدونة، فقد اختلف الناس في القول بمفهوم الكتاب والسنة، فما ظنك بكلام الناس، إلا أن يكون في باب المساواة أو الأولى، وبالجملة إياك ومفهوم المخالفة في غير كلام صاحب الشرع، وما عليك من مفهوم الموافقة الموافقة فيه، وفي كلام من لا يخفى عنه وجه الخطاب من الأئمة، ولا تُفْتِ إلا بالنص إلا أن تكون عارفا بوجوه التعليل، بصيرا بمعرفة الأشباه والنظائر، حاذقا في بعض أصول الفقه وفروعه، إما مطلقا أو على مذهب إمام …، ولا يغرنك أن ترى نفسك أو يراك الناس حتى يجتمع لك ذلك، والناس العلماء، واحفظِ الحديث تَقْوَ حجتك، والآثار يصلُحْ رأيك، والخلاف يتسعْ صدرك، واعرف العربية والأصول، وشفِّع المنقول بالمعقول، والمعقول بالمنقول (انتهى).

وقال ابن عرفة- رحمه الله – في كتاب الشفعة من مختصره ما نصه: والعمل بمفهومات المدونة هو المعهود من طريقة ابن رشد وغيره من الشيوخ، وإن كان ابن بشير يذكر في ذلك خلافا فعمل الأشياخ الجلة إنما هو على الأول (انتهى).

المعيار للونشريسي. ج 6: (ص 364 وص376 وص.377)

القواعد للمقري :تحقيق أحمد بن عبدالله بن حميد ج ص 348. معهد إحياء التراث الإسلامي 1984 مكة المكرمة.

الدكتور عبد الله معصر

• رئيس مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوك بالرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق