مركز الإمام أبي عمرو الداني للدراسات والبحوث القرائية المتخصصةأعلام

ترجمة الإمام أبي الحسن ، علي بن سليمان، القرطبي الأصل، الفاسي الثواء والوفاة (ت: 730 هـ)

                                      

أ_ اسمه ونسبه:

هو الإمام أبو الحسن علي بن سليمان([1])، بن أحمد بن سليمان([2])، الأنصاري([3]) القرطبي([4])، المالقي([5])، نزيل فاس([6])، مقرئ فاس[7]، صهرالشيخ أبي الحسن الصغير وأحد أشياخه([8])، وسبط أبي الحجاج، ابن مصامد[9]

هذا القدر من نسبه هو المذكور في مظان ترجمته، ولم ينص على الحي الذي ينسب له من الأنصار، ولا الفخد الذي ينتمي إليه.

يعرف في فاس عند العامة بسيدي علي القرطبي([10]).

 ويلقب بشيخ الجماعة([11])، وهو لقب يطلق على من اشترك في الأخذ عنه الأكابر والأصاغر؛ ممن أسن وكبر([12])، وهو قد أسن حتى أربى على الثمانين([13]).

ب_ ولادته:

لم تتعرض المصادر لتاريخ ولادته، لكن بالنظر إلى سنه الذي أربى على الثمانين، يمكن أن يتحدد – كما يرى الدكتور عبد الهادي حمتو- فيما قبل منتصف القرن السابع الهجري؛ وذلك أنه أخذ عن ابن أبي العاص ( ت 666 هـ)، وأبي جعفر المضرس ( ت668 هـ)، وابن أبي ريحانة المتوفى سنة (672 هـ)، والمقدر أنه أخذ عنهم وهو في ما يناهز سن العشرين أو يدانيها([14])؛ وتلك السن هي التي تؤهل لوثوق الأخذ، سيما وأنه أخذ على هؤلاء أخذ المتخصص، وقرأ عليهم قراءة المدقق؛ وبذلك يقدر تاريخ مولده – على التخمين –  ما بين ( 645 و 650 هـ)، أو ما يقرب من ذلك؛ وبذلك تكون سنه إلى حين وفاته تجاوزت الثمانين؛ كما نُص في ترجمته.

ج _ نشأته:

من المرجح أن تكون ولادته بقرطبة؛ فقد نص في الذيل و التكملة على أن أصله من قرطبة([15])، ومن ثم نسب إليها.

 وعلى عادة أهل العلم فإن الطالب يتلقى تعليمه الأولي ببلدته، وينهل من معين شيوخها قبل أن يقتفي سنة الرحلة في الطلب، فيكون خروجه من بلدته على ذلك الهدي.

 وأما نشأته فكانت  بمالقة[16]، فبها درس، وعلى شيوخها تخرج([17])، وفيها بدأ مشواره العلمي دراسة وقراءة، ونشاطه المهني، فقد تحرف بعقد الشروط([18]).

ففي مالقة تلقى تكوينه العلمي، وعلى جلة شيوخها أخذ، مثل ابن أبي العاص ، والمضرس، مقرئ مالقة، وابن الناظر، قاضي الميرية، ومالقة، وغيرهم من الذوات العلمية بها.

ولعله فيها بدأ التدريس والإقراء([19])؛ بعد إجازة الشيوخ له، واعترافهم بعلمه، قبل أن يرحل إلى فاس، ويستوطنها، ويتفرغ فيها للإقراء.

 د _ رحلته إلى فاس

لم تتحدث المصادر عن رحلته من الأندلس إلى فاس، متى كانت، وما الداعي إليها، بيد أن التخمين يرجح أن تكون في مطلع القرن الثامن؛ عندما استتب الأمر لبني مرين في المغرب، وثبوت حكمهم على مدينة فاس؛ وذلك بعدما أنشأوا المدارس، وأسسوا المعاهد، واستقدموا العلماء؛ فقد كان لهم الفضل في تطوير الحياة الفكرية والعلمية بفاس[20].

ويحتمل أن يكون قدومه إليها في غمار الهجرة التي قام بها عدد من علماء الأندلس في ذلك العصر؛ إذ حينها كان ” كبار الذوات العلمية والأدبية في الأندلس والمغربين: الأدنى والأوسط يفارقون بلادهم غير آسفين عليها، ويؤمون الحضرة الفاسية؛ حيث يتمتعون في كنف الدولة المرينية بأسنى ما كان يتمتع به رجالات الدول السالفة، كالعباسين والأمويين، مما سمعوا به ولم يروه“([21]).

كما أحجمت المصار عن مسار هذه الرحلة؛ هل نزل قبل ثوائه بفاس غيرها من المدن والحواضر العلمية المعروفة آن ذاك، مثل سبتة([22]) وتازة، وغيرهما، بيد أن المتعارف عليه أنه نزل فاسا، وبها تفرغ للإقراء، وفيها تخرج عليه جلة أصحابه من المقرئين والفقهاء.

كما أغمضت المصادر عن رحلته خارج القطر المغربي، مثل الرحلة إلى الحج وغيره.

 وبالنظر إلى شيوخه الذين أخذ عنهم؛ مثل: ابن رزين الحموي، وابن دقيق العيد، وقطب الدين القسطلاني، فمن المرجح أن يكون قد رحل إلى مصر، وإلى الاسكندرية؛ باعتبار أنه أخذ عن علي بن أحمد الغرافي الذي ” ولي دار الحديث النبهانية بالاسكندرية، وحمل عنه المغاربة، والرحالة، وحدثوا عنه”[23]، فلعل مترجمنا منهم.

كما يمكن أن نخمن أنه رحل إلى الحج، باعتبار أخذه عن محب الدين الطبري، الذي كان محدث الحرم، ومفتيه، وقاضي مكة[24] كما يحتمل أن يكون زار غيرها من الأقطار الإسلامية.

 هـ _ مناصبه الوظيفية

لم تفدنا المصادر شيئا عن وظائفه التي يحتمل أن يكون شغلها، غير التدريس، بيد أن ذاتا علمية، وطاقة معرفية لا يمكن أن يغفل عنها في إسناد المناصب إليها، مثل الخطابة، والقضاء، وغيرهما، سيما وأن صهره أبا الحسن الصغير كانت له حظوة لدى بني مرين، فقد ولي لهم القضاء على فاس[25].

بيد أن المنصب الوحيد الذي يعرف له غير  مهنة “عقد الشروط” التي اشتغل بها في مالقة _ إن اعتبر منصبا إداريا _ أنه كان شيخ الجماعة بفاس.

وإن كان المتعارف عليه فيه أنه لقب علمي يدل على تصدره وتبرزه في العلم والإقراء، وبلوغه مرتبة علمية تؤهله لأن يكون مرجعا للأخذ عنه، يسعفه بذلك سنه التي أهلته لأن يأخذ عنه الأكابر والأصاغر، والتلاميذ والأقران، مثل صهره أبي الحسن الصغير.

ز _ وفاتـه

لا يزال أبو الحسن ثاويا بفاس، يدرِّس ويقرئ، يعلم ويؤلف، حتى وافته المنية بها، وبلغه الأجل فيها، وقد أربى على الثمانين سنة، وكانت جنازته مشهودة([26]).

وقد اختلف في سنة وفاته على ثلاثة أقوال مذكورة في مصادر ترجمته.

الأول: أنه توفي في آخر ربيع الأول من سنة سبع وعشرين وسبعمائة (727هـ) انفرد بهذا التاريخ صاحب الذيل والتكملة حسب ما وجد في هامش نسخة ح من نسخها([27]).

الثاني: أنه توفي سنة ثلاثين وسبعمائة (730 هـ) وهي الواردة في جل المصادر.

الثالث: أنه توفي سنة ست وثلاثين وسبعمائة ( 736 هـ)، أوردها الكتاني في السلوة؛ إذ قال:« وفي الابتهاج بخط مؤلفه ما نصه: “توفي بفاس سنة ست وثلاثين وسبعمائة »([28]).

 وهي السنة التي اقتصر عليها عمر رضا كحالة في معجم المؤلفين([29])

والأقرب التاريخ الأوسط (730 هـ)؛ فهو الذي عليه جل المترجمين، وفيه أورده الونشريسي قي وفياته([30])، وابن القاضي في لقط الفرائد([31])، وصاحب موسوعة أعلام المغرب([32])، وهو المشهور المتعارف عليه

 

الهامش


([1]) – لم أقف لأبيه على ترجمة، في ما لدي من المصادر؛ فلا يعرف عنه شيء يفيد في تحديد شخصيته، غير أن ابن القاضي في الجذوة وصفه بالشيخ، ما يعني أنه على حظ من العلم.

([2]) – يشترك في هذا القدر من نسبه مع الإمام الفقيه الشافعي، أبي الحسن، علي بن سليمان بن أحمد بن سليمان، المرادي، الأندلسي، القرطبي (ت: 544 هـ). ترحمته في الذيل والتكملة السفر الخامس 1/ 217

([3])– نسبة إلى الأنصار، وهي نسبة يعرف بها كثير من الأندلسيين.

([4])– لكون أصله منها كما نص في الذيل والتكملة، السفر الخامس 1/217

([5]) – زاد كحالة في نسبه: العباسي. ن: معجم المؤلفين 7/ 102

([6])– فهو وافد عليها، ونزيل بها، وفيها ثوى حتى وافته المنية.

[7]   – غاية النهاية 1/ 755

([8]) – السلوة 3/182 والذيل والتكملة السفر الخامس: 1/217

[9]  – هو: يوسف بن محمد بن علي بن محمد بن جماعة، الصنهاجي، يعرف بابن مصامد، ( ت 633 هـ). ترحمه ابن فرحون في الديباج: 2/ 355 ترجمة 627، وكحالة في معجم المؤلفين: 13/ 331

 ([10]) – السلوة: 3/182

([11])  – شيخ الجماعة أطلق على عدد من العلماء، ومرجعه عندهم الوصف بالتبريز في العلم، والتفرغ للإقراء والتدريس، مطلقا ومقيدا؛ من ذلك ما ورد في الدرر الكامنة: 5/308 ترجمة 1507 في وصف محمد بن علي الخولاني أنه شيخ الجماعة في العربية. وكذا ما جاء في الإحاطة 1/39 في ترجمة محمد بن حسن بن باصة الأسلمي أنه أخذ علم الهيئة عن أبيه شيخ الجماعة في هذا الفن. وكذا ما ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام في ترجمة هارون بن الحسن بن كرج أنه شيخ الجماعة لما عنده من العقل والحزم. وقد ذكر الكتاني في السلوة: 3/169 ترجمة 1056 في ترجمة سيدي العربي بردلة أنه “أسن حتى صار شيخ الجماعة بفاس”.

([12])– قراءة نافع 3/12

([13])– الذيل والتكملة السفر الخامس: 1/217

([14]) – قراءة نافع عن المغاربة: 3/12

([15])  – السفر الخامس من الذيل والتكملة: 1/217

[16]  – لعله انتقل إليها لاستيطان أخواله بها؛ فابن مصامد سكن مالقة

 ([17]) – السفر الخامس من الذيل والتكملة: 1/ 217

([18]) – وهي مهنة التوثيق؛ إذ ” عقد الشروط ” علم يبحث فيه عن كيفية ثبت الأحكام الثابتة عند القاضي في الكتب والسجلات على وجه يصح الاحتجاج به عند انقضاء شهود الحال. ن مفتاح السعادة: 2/ 557، وأبجد العلوم: 3/ 339

([19]) –  ن: الذيل والتكملة السفر الخامس: 1/217

[20]   _ ن: فاس في عصر بني مرين، ص 168

([21])  – النبوغ النغربي، ص 185 بتصرف يسير.

([22])  – من المرجح أن يكون نزلها، فقد درس على ابن أبي الربيع السبتي، إمام النحو والعربية بها، قال عنه السيوطي: وجاء إلى سبتة لما استولى االفرنج على إشبيلية، وأقرأ بها النحو دهرا. ن بغية الوعاة: 2/ 276. فلعله درس عليه فيها.

[23]   – الدرر الكامنة 1/ 348

[24]   – ن: الوافي بالوفيات 7/90، والمنهل الصافي 1/ 64

[25]   _ ن الأنيس المطرب، ص 394

([26]) – الذيل والتكملة السفر الخامس: 1/217

([27])– نفسه.

([28]) – السلوة: 3/183

([29]) – 7/102

([30])– ص 106

 ([31]) – ص 185

([32]) – 2/ 612

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق