مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

ترجمة أبي الوليد الباجي

اسمه ونسبه:
هو سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب وارث، التجيبي التميمي، الباجي القرطبي، البطليوسي، الذهبي، الأندلسي، القاضي المالكي الأشعري، المكنى بأبي الوليد.
اختلف المترجمون في تاريخ ميلاده، وفي مكان مسقط رأسه، والذي عليه الجمهور أنه ولد يوم الثلاثاء 15 من ذي القعدة سنة 403هـ [2].
أما مكان الولادة فلا خلاف بين علماء التراجم أن أصل أبي الوليد من مدينة بطليوس، ولكن محل الخلاف في مسقط رأسه هل كان في هذه المدينة أم في غيرها، والظاهر من قول الجمهور، أن مسقط رأسه بباجة الأندلس بعد انتقال أجداده من بطليوس، ومن باجة الأندلس انتقل إلى قرطبة مع أسرته[3].
ينتسب أبو الوليد الباجي إلى أسرة علم وتقوى ونباهة ونبل وحسن تدين، فوالده هو أبو سليمان خلف بن سعد، فقد كان من أهل العفة والصلاح والتقوى، كثير التعبد بالصوم والاعتكاف والتهجد، زاهدا في الدنيا، محبا للعلم وأهله[4]، ووالدته هي أم سليمان، بنت فقيه الأندلس أبي بكر محمد بن موهب القبري القرطبي المعروف بالحصار، وقد اتصفت بالعفة والصلاح، وكانت فقيهة عابدة[5].
وللقاضي أبي الوليد عدد من الأولاد عاش بعضهم وتوفي آخرون في حياته، فمن الذين توفوا، محمد بن أبي الوليد، كنيته أبو الحسن، كان شابا يتصف بالذكاء والنبل ويرجى فيه الصلاح[6].
أما أولاده الذين عاشوا بعد وفاته، فمن أشهرهم: أحمد بن أبي الوليد سليمان الباجي. وكنيته، أبو القاسم. وهو أحد العلماء البارزين، برع في علم الأصول والكلام حتى أذن له والده في إصلاح كتبه الأصولية، وقد تفقه أبو القاسم على أبيه، وخلفه في حلقته بعد وفاته، وجمع ديوانه، وصلى عليه يوم وفاته[7].
نشأته:
نشأ أبو الوليد الباجي وسط أسرة عربية أصيلة، حيث إن مرد نسبه من جهة أبيه وأمه إلى قبيلة: “تجيب” العربية المشرفة بثناء الرسول صلى الله عليه وسلم عليها.
واتسمت هذه الأسرة بالعلم والنباهة[8]. فكان لبعض أفرادها مساهمة فعالة في الحياة العلمية، فضلا عما اتصفوا به من مكارم الأخلاق وعرفوا بالتقوى والورع وحسن التدين والزهد. فلم يكن في إخوته إلا مشهور بالحج والجهاد، والصلاح والعفاف.
وفي كنف هذه البيئة العلمية، وتحت رعاية الأسرة، نال أبو الوليد الباجي حظه من التربية الحسنة والأخلاق العاليه، وأخذ تعليمه الأولي في سن مبكرة جدا، ساعده ذلك على تنمية قدراته الذهنية ومواهبه الفكرية، الأمر الذي فسح أمامه آفاقا واسعة تبشر بغد مشرق بالعلم والمعرفة.
وقد سادت في عصره وضمن محيطه الأندلسي موجة علمية عالية تقوم على التنافس الجاد في مختلف العلوم وشتى الفنون وسائر المعارف، وفي هذا الجو العلمي العام ترعرع أبو الوليد الباجي وكله إرادة جدية وحزم أكيد، يساعده ذكاؤه الوقاد وتعليمه الأولي، ويدفعه حرص شديد، ورغبة ملحة صادقة في طلب العلم واكتسابه، والتبحر في أنواع المعارف المختلفة، متبعا في ذلك هدي العلماء العاملين، ومقتديا بهم سلوكا وأخلاقا[9].
شيوخه:
أخذ أبو الوليد الباجي على عدد كبير من العلماء من بينهم:
ـ خاله أبو شاكر عبد الواحد، المتوفى سنة: (456هـ).
ـ المحدث أبو الوليد ابن الصفار، المتوفى سنة: (429هـ).
ـ أبو محمد مكي بن أبي طالب، المتوفى سنة:(437هـ).
ـ أبو بكر خلف بن أحمد الرحوي، المتوفى سنة: (420هـ).
ـ أبو ذر الهروي، المتوفى سنة: (434هـ).
ـ أبو إسحاق الشيرازي، المتوفى سنة: (476هـ).
وغيرهم كثير.
آثاره:
لأبي الوليد العديد من الأعمال الجبارة كمثل “إحكام الفصول في أحكام الأصول”  و”الإشارة في أصول الفقه” و”كتاب الحدود” فى المصطلحات وتعريفاتها. وله أيضا كتاب “المنهاج فى ترتيب الحجاج” فى فن المناظرة، تعرض فيه أيضا للمسائل الأصولية التى ناظر فيها إمام الظاهرية ابن حزم، كما بين آداب المناظرة وقواعدها وكيفية صياغة الحجج والدفاع عن الأصول المالكية والإجابة على الاعتراضات عليها…
وكان الباجي قد وضع على “الموطأ” شرحا موسّعا كبير الحجم سمّاه “الاستيفاء” بلغ فيه الغاية واستوفى، إلاّ أنه لما رأى أكثر الناس قد تعذّر عليهم جمعه، وبَعُدَ عنهم درسه، تصدّى لاختصاره وانتقى منه الكلام على معاني ما يتضمّنه “الموطأ” من الأحاديث والفقه، ثمّ رأى بعد ذلك أن يزيد في اختصاره، ويقرب للمبتدئين منابع أسراره، فألّف كتاب “الإيماء” مُـخْتَصِراً ما في “المنتقى” من المعاني، ومُقتصراً على إشارات تفيد الشَّادِينَ في الإحاطة بأصول أهل المدينة.
وقد وُفّق الباجي توفيقا كبيرا في تطبيق منهجه، فهو في المنتقى يورد حديث “الموطأ” ويشرحه، وكثيرا ما يورد مسائل وفروعا متعلّقة به، مع عرض أقوال الأئمة ومناقشتها أحيانا، ودعم الاتجاه المالكي بدليله، مع ذكر مختلف الروايات، وتوجيه الحُكم في الغالب، كل ذلك مع حسن ترتيب وتنظيم في العرض.
ظهرت ملكة الباجي الحديثية والفقهية واضحة متميزة في هذا الكتاب الجليل، كما برزت قدرته الفذة على الجمع بين المدرستين المالكيتين: العراقية والقيروانية، يتضح ذلك في استشهاده بنصوص وآراء القاضي إسماعيل في “مبسوطه”، والقاضي عبد الوهاب في “التلقين”، و”الإشراف”، و”المعونة”، و”شرح الرسالة”، وابن الجلاب في “التفريع”، وابن القصار في “عيون الأدلة”، ممزوجة مع آراء أبي محمد ابن أبي زيد في “النوادر”، و”الرسالة”، و”مختصر المدونة”، مع الاعتماد على “المدونة” و”الواضحة” و”العتبية”، ولم يكتف الباجي باستيعاب آراء أمّهات الكتب المالكية بل قدّم لنا آراء المذاهب الأخرى شارحاً وموجِّهاً.
آراؤه العقدية:
ذكر أبو الوليد الباجي – ردًّا على راهب من فرنسا- أن عيسى عليه السلام (بشر مخلوق وعبد مربوب لا يعدو عن دلائل الحدوث والتغير من حال إلى حال، وأكل الطعام والموت الذي كتب على جميع الأنام. ولو جوزنا كونه – صلى الله عليه وسلم – مع هذه الصفات والأحوال المحدثات إلهاً قديماً لنفينا أن يكون العالم أو شيء مما فيه محدثاً مخلوقاً، لأنه ليس في شيء مما ذكرنا من البشر والعالم وما فيه من الحيوان والجماد من دلائل الحدوث غير ما في عيسى عليه السلام). إن ما سبق مثبت لبشرية عيسى عليه السلام وعبوديته فماذا عن نبوة عيسى عليه السلام ورسالته[10]؟
قوله في أبي بكر وعمر رضي الله عنهما:
قال أبو الوليد الباجي: وعندي أنه يدعو للنبي صلى الله عليه وسلم بلفظ الصلاة، ولأبي بكر وعمر لما في حديث ابن عمر من الخلاف[11].
وفاته:
بعد أن قضى أبو الوليد حياة جهادية من أجل تحصيل العلم ونشره، تعليما وتأليفا ومناظرة، والسعي إلى دعوة حكام الأقطار الأندلسية للالتفاف حول المرابطين لنصرة الإسلام ونبذ أحقادهم وجمع كلمة المسلمين ضد عدوهم المشترك “ألفنسو السادس” الذي كان يتربص بالإسلام والمسلمين الدوائر، انتهى به السعي والمطاف بمدينة “ألمرية” حيث أدركته المنية ليلة الخميس –بين العشاءين- في التاسع عشر من رجب سنة(474هـ)،  على الراجح، وصلى عليه يوم الخميس ـ بعد العصر ـ ابنه أبو القاسم، ودفن على ضفة البحر بالرباط[12]، رحمه الله تعالى.

 

 

 

الهوامش:

 

1 ـ ترتيب المدارك للقاضي عياض: 2/802-808. ومعجم الأدباء لياقوت الحموي: 11/246- 251. الصلة لابن بشكوال: 1/200-202. بغية الملتمس للضبي: 302-303. وفيات الأعيان لابن خلكان: 2/408-409. سير أعلام النبلاء للذهبي: 18/535-545. تذكرة الحفاظ للذهبي: 3/1178-1183.
2 ـ ترتيب المدارك: 2/808، ومعجم الأدباء 11/248.
3 ـ الذخيرة لابن بسام 2/1/94، معجم الأدباء لياقوت: 11/247، الديباج المهذب: 120، نفح الطيب: 76.
4 ـ تهذيب تاريخ  ابن عساكر لابن بدران 6/249.
5 ـ نفس المصدر 6/249.
6 ـ ترتيب المدارك للقاضي عياض 2/808.
7 ـ بغية الملتمس للضبي 181
8 ـ ترتيب المدارك 2/808
9 ـ الإشارة في معرفة الأصول والوجازة في معنى الدليل، لأبي الوليد الباجي، تحقيق: محمد علي فركوس،  دار البشائر الإسلامية، دون تاريخ. ص: 41/42.
10 ـ موسوعة الملل والأديان إعداد: مجموعة من الباحثين بإشراف الشيخ عَلوي بن عبد القادر السقاف الناشر: موقع الدرر السنية على الإنترنت  dorar.net
11 ـ صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان محمد بشير بن محمد بدر الدين السهسواني الهندي (المتوفى: 1326هـ)  المطبعة السلفية – ومكتبتها الطبعة: الثالثة ص: 253.
12 ـ نفح الطيب للمقري، 2/76، وترتيب المدارك للقاضي عياض، 2/808، والدباج المذهب لابن فرحون، 122.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق