مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةأعلام

ترجمة أبي المواهب الحسن بن مسعود اليوسي ت.1102هـ

تقديم:
عاصر علامة المغرب في القرن الثاني عشر الهجري أبو المواهب الحسن بن مسعود اليوسي (1040هـ/1102هـ) فترة متميزة من تاريخ المغرب، تمثلت أساسا في لحظة انتقال السلطة من يد السعديين إلى الأشراف العلويين؛ ابتداء من سنة: 1012هـ تاريخ وفاة أحمد المنصور الذهبي الذي تميز عصره بالرخاء الاقتصادي والاستقرار السياسي والازدهار الثقافي والعلمي، وما أعقب ذلك من تطاحن كبير على السلطة؛ وخاصة بين أبنائه وأحفاده: محمد الشيخ الملقب بالمأمون وابنه عبد الله وباقي أبناء المنصور: زيدان وأبي فارس، مما أتاح الفرصة لبعض الثوار بالظهور في وجه سلاطين الدولة السعدية، بالإضافة إلى ظهور بعض الطوائف التي لبست ستار الدين في دعوتها للخروج على السلطان، واستمر هذا الاضطراب إلى غاية سنة: 1079هـ تاريخ تولي المولى الرشيد العلوي السلطة؛ حيث استقر الوضع وعادت الأمور إلى نصابها مما أسهم في ازدهار وتنشيط الحياة العلمية بالمغرب من جديد، وخاصة على يد أخيه المولى محمد.
 وقد حظي أبو المواهب الحسن بن مسعود اليوسي باهتمام بالغ من لدن المؤرخين والمؤلفين المغاربة، فاعتنوا بترجمته، وحلوه بأوصاف تدل على علو شأوه ورفعة مكانته، قال عنه القادري: «الإمام الكبير، المحقق الشهير، أعجوبة الدهر، ونادرة العصر، سيف السنة القائم عن وجود أهل عصره بجزيل المنة، أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي»[1]، وجاء في “معلمة المغرب”: «اتفقت المصادر التي ترجمته على علو كعبه العلمي وصلاحه الصوفي»[2]، وتبقى الترجمة الوافية التي بسطها محقق بعض كتبه الدكتور حميد حماني اليوسي[3] الأغنى والأوفى. وقد نشرها في مقدمات تحقيقاته لكتب اليوسي مثل كتاب: “القانون في أحكام العلم والعالم والمتعلم” و”مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص” وحواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي” و”أخذ الجنة عن إشكال نعيم الجنة”، لذلك سوف أعتمدها أساسا في هذه الدراسة.  
الترجمة:
عرف اليوسي بنفسه في كتابه “المحاضرات” بقوله: «أنا الحسن بن مسعود بن محمد، بن علي بن يوسف، بن أحمد بن إبراهيم، بن محمد بن أحمد بن علي بن عمرو بن يحيى بن يوسف، وهو أبو القبيلة، بن داود بن يدراسن بن ينتتو، فهذا ما بعد من النسب »[4].
كان مسقط رأس اليوسي إذن بهذه الربوع، وعلى وجه التحديد بإحدى القرى بجبل ملوية..
وكنى اليوسي: أبو علي، وأبو المواهب، وأبو السعود، وأبو محمد.
جاء في “معلمة المغرب”: «ينتمي الحسن اليوسي إلى قبيلة آيت يوسي التي تندرج تحت لواء اتحادية آيت يدراسن الصنهاجية النازحة من أعالي ملوية إلى شمال غربي الأطلس المتوسط، ولد حوالي 1040هـ/1631م»[5]، من أسرة محافظة دَيِّنة، فاختلف إلى كُتّاب القرية لحفظ القرآن الكريم على عادة أطفال المغاربة وقتئذ.
جاء في “معلمة المغرب”: «ولم ينفرط العقد الثاني من عمره حتى انطلق -على عادة معاصريه من أهل الطلب- ليخوض غمار الرحلة، ويطوف على أهم المراكز العلمية في كل من سوس ومراكش ودكالة ودرعة وتافيلالت والأطلس المتوسط..»[6]، وكان ذلك رفقة معلمه أبي إسحاق الحداد.
فهرسة شيوخه:
    إقرارا من اليوسي بفضل شيوخه عليه خَلَّد تراجمهم في فهرسة، تضمنت من الفوائد ما يشهد لليوسي بعلو الكعب في التأليف، ثم التنوع في مشارب ثقافته الإسلامية الرفيعة، وإنصافا لهؤلاء الشيوخ على كثرتهم، اعتذر لمن فاته ذكره بسبب طول العهد بينه وبينه، فَطواه النسيان، وفي ذلك يقول: «ثم المراد ذكر من ظهر بخصوصية وفضيلة، لا كل من استفدنا منه شيئا إذ لا نحصيه، بل كثير ممن حصل لنا منه ضبط القرآن أو تجويده في زمن الصغر لم نذكرهم لكثرتهم، ومنهم من لم نثبت عليه أو على اسمه، جزى الله جميعهم خيرا، وجمعنا وإياهم في حظيرة القدس عند النظر إلى وجهه الكريم، مع الذين أنعم الله عليهم آمين..»[7].
وفي الفصل الأول من “الفهرسة” أتى اليوسي على الترجمة الوافية لشيوخ التعلم، وهكذا بلغ عدد الأشياخ المترجم بهم في “الفهرسة” واحدا وعشرين شيخا، مع ذكر جماعة أخرى من الشيوخ ممن حصل الانتفاع بهم، والاكتفاء بالدعاء لهم بالرحمة والغفران. يقول الأستاذ عبد الله المرابط الترغي في عرض “فهرسة اليوسي”: «ذكر شيوخه المغاربة الذين أخذ عنهم، واعتمد عليهم في الدرس والتكوين، ويسمِّي منهم تسعة شيوخ، كل منهم اشتهر أمره بفاس، وانشغل بالتدريس والتأليف، في مقدمتهم: والده محمد بن إدريس العراقي، والقاضي أبو الحسن علي الشدادي، والمحدث أبو القاسم ابن سليمان، ومحمد ميارة الصغير، وابن زكري، وأبو الحسن الحريشي، وأبو العباس بن مبارك اللمطي، وابن عبد السلام بناني..»[8].
وقد أحسن الهشتوكي صنعا فذكر طائفة من المعلومات تتصل بالشيوخ والمراكز العلمية التي تردد عليها اليوسي بالجنوب المغربي خصوصا لطول ملازمته لأستاذه اليوسي، ويمكن تقسيم هذه المراكز العلمية إلى:
مركز  دكالة: وقد صحب هناك شيخه محمد بن إبراهيم الهشتوكي.
بلاد ركراكة: ومن شيوخه هناك: عبد الله بن أحمد بن رحال، ومحمد بن موسى، وأبو جمعة بن مسعود، وسعيد بن عبد القادر الركراكيون.
بلاد سوس: أخذ عن أبي زيد التمنرتي عن الشيخ عبد الله بن المبارك الأقاوي عن الولي الصالح سيدي إبراهيم بن محمد عن والده سيدي محمد بن إبراهيم عالم جزولة وقطبها.
مركز تيزنيت: أخذ فيه عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عبد القادر الرافع نسبه إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني.
جزولة/إيليغ: وأخذ عن أعلامها كالقاضي الشيخ أبي عبد الله محمد بن سعيد بن عبد الله السملالي، والشيخ أبي محمد عبد الله بن سعيد السملالي، والشيخ أبي الحسن علي بن عبد الله أخ الشيخ إبراهيم بن عبد الله، والشيخ الأديب اللغوي أبي سلطان عبد العزيز اليعقوبي، وعن الشيخ عبد الله بن يعقوب السملالي وعلي بن أحمد الرسموكي.
تارودنت: وعلى رأسها أبو زيد القاضي عبد الرحمن التمنرتي.
الزاوية الناصرية: حيث التحق للتتلمذ على يد القطب ابن ناصر الدرعي، وحصل له من بركته ما عليه الآن يرى من سره..
الزاوية الدلائية: وأخذ عن أعلامها محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الدلائي وأبي عمرو بن محمد بن أبي بكر..
هذا بالإضافة إلى من لقيهم من الشيوخ من بلاد سجلماسة أبي العباس أحمد الدراوي إمام القصبة السجلماسية، وقاضي سجلماسة أيضا الفقيه المشارك محمد بن عبد الله الحسني ودرعة وفاس وباقي المناطق الأخرى، وتذاكر مع غير هؤلاء كالشيخ أبي محمد عبد القادر الفاسي والشيخ أبي عبد الله محمد بن سعيد السوسي المرغيثي وغيرهم يضيق المقام بتقصيهم جميعهم.
جاء في “معلمة المغرب” عن تتلمذه على باقي الشيوخ ممن لم يذكر من قبل ما يلي: «فتتلمذ في رحلته تلك لأبي بكر التطافي وأبي العباس الدراوي وأبي فارس عبد العزيز الفيلالي، ولقاضي الجماعة أبي مهدي عيسى السكتاني وللفقيه أبي عبد الله محمد بن إبراهيم. وقد مكنته رحلته وأخذه عن هؤلاء الجهابذة من لفت أنظار بعض الساسة إليه وهو في تلك السن المبكرة. فلم يكن من الغريب أن يسند بودميعة، أمير سوس يومئذ، إلى اليوسي في أثناء رحلته الثانية إلى تلك الجهة كرسي الأستاذية في تارودانت، وهو لم يتجاوز بعد العشرين. وانتقل المترجَم من سوس التي أخذ بها هذه المرة عن عبد العزيز الرسموكي إلى درعة حيث كانت الزاوية الناصرية بتامكروت في طور نشأتها، فتفرغ للأخذ عن شيخها أبي عبد الله ابن ناصر بعض العلوم التي كان قد بدأ النهل منها، وأعجب بذلك الشيخ وبطريقته في التلقين أيما إعجاب، فانتفع به ظاهرا وباطنا على حد قوله.. ولم تنصرف أعوام الستين حتى انتقل بعد ذلك إلى الزاوية الدلائية، حيث جمع بين الطلب والأستاذية، تلك الزاوية التي مكث بها حوالي عشرين سنة، وكان لها يومئذ صيت عظيم.. وهناك قضى أزهى فترات عمره، وأخذ بها عن بعض الفطاحل من العلماء كأحمد بن عمران الفاسي ومحمد بن محمد بن أبي بكر الدلائي.. وقبل أن يلقي عصا التسيار بجهة زايان، زار فروع الزاوية الناصرية بالشمال، ومر ببني زروال، ثم استقر بالقرب من خنيفرة حيث أسس زاوية خلفون على وادي أم الربيع، وعكف بها على تدريس العلم وتلقين الوِرد، وعلى الرغم مما لاقى من قبول، حيث تكاثر تلاميذه ومريدوه، فإن استقراره لم يطل بها .. فتوجه إلى مدينة مراكش وتصدر للتدريس بجامع الشرفاء حيث استمر على ذلك المنوال طوال خمس سنين وهي أطول فترة يقضيها مستقرا..»[9].
تلاميذه:
اشتهر من تلاميذ أبي المواهب الحسن بن مسعود اليوسي كل من: أحمد بن محمد بن ناصر الدرعي الذي اشتهر في فن الحديث، ومحمد بن يعقوب الولالي،  وعلي بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بالمراكشي الأقاوي الأصل وقد أخذ عنه العربية والفقه والفرائض والحساب، والحسن بن علي الهلالي وكان مجتهدا في التعليم والتعلم، وأحمد بن حمدان التلمساني المحدث، ومحمد الصغير الفاسي بن عبد الرحمن بن عبد القادر الفاسي، وأبي عبد الله بن زاكور، وعبد الوهاب بن محمد بن الشيخ، وعبد الكريم بن علي التدغي، وعلي بن عبد الرحمن الدرعي، وأحمد الشدادي..
    وكفى العلامة اليوسي فخرا أن من بين تلامذته ممن أصبحوا من فحول العلماء كأبي سالم العياشي وأبي الحسن النوري وأحمد بن مبارك وأبي عبد الله التازي، وأحمد الولالي ومحمد العربي القادري ومحمد بن عبد السلام بناني وأبي عبد الله بن زاكور والحسن بن رحال المعداني، والحسن بن رحال المعداني، وذكر تلميذه أبو عبد الله ابن زاكور في مدحه: « فلازمت منه بحرا زاخرا ونظمت من نفيس فوائده لؤلؤا فاخرا… وأبان لي عن وجوه خزائن الأدب وفروعه…»[10].
     وتجدر الإشارة أن فضل العلامة اليوسي على طلبة العلم وأهله لم يقتصر على داخل المغرب بل كذلك خارجه، ومثال ذلك على سبيل الذكر لا الحصر هو أنه قد استدعي من قبل فئة من علماء صفاقس طرابلس الغرب أثناء إقراره أداء مناسك الحج عام: 1101هـ أي قبل وفاته بسنة لإعطاء الإجازة واستجاب لهذا الطلب. وأقام العلامة اليوسي بطرابلس الغرب وأجاز هؤلاء العلماء كما طلبوا بتاريخ يوم  24 شعبان عام 1101هـ.
أقوال العلماء فيه:
حلاه القادري بقوله: «كان صاحب الترجمة رحمه الله عالما ماهرا في المعقول والمنقول، بحرا زاخرا في المعارف والعلوم، وخص عن أهل عصره بالصدع بالحق بين يدي خليفة الوقت اعتناء به ومبالغة في نصحه ومحبته فيه، راجيا منه أن يكون على سيرة الخلفاء، وقياما منه بالذب عن الدين وحماية للرعية وحرصا على سنن المهتدين.. وأقبل الناس عليه إقبالا عظيما، فكان حيثما قرأ أطبق الناس عليه وغص عليه المجلس بالخلائق ما لا يتفق لغيره، مع استمالة العامة إليه..»[11].
 وقال في موضع آخر: «وكان صاحب الترجمة آية في المعقول والمنقول وإليه المرجع فيهما، وآية في النبل والإدراك، مع الحظ الوافر في الأدب وحفظ دواوين الشعر، يستحضر ديوان أبي تمام وأبي الطيب والمعري ويسرد قصائدها عن ظهر قلب»[12].
وقال عنه عبد الله كنون: «أبو علي الحسن بن مسعود اليوسي، نسبة إلى آيت يوسي، قبيلة في عداد بربر ملوية، نابغة علماء هذا العصر ومن أفضل المتحققين بالعلوم العقلية والنقلية على سبيل العموم.. انتشرت عنه فنون المعارف في قبائل المغرب، ولم يأل جهدا في التعليم والإرشاد والإصلاح والتذكير، إذ كان على قدم السلف الصالح في حسن الهدي وإقامة شعائر الدين حتى قال فيه عصريه العلامة أبو سالم العياشي:
                 من فاته الحسن البصري يدركه                          فليصحب الحسن اليوسي يكفيه» [13]   وعن أدبه يقول المؤرخ الأديب محمد بن تاويت: « فاليوسي إذن يمثل الحركة الأدبية في معظم النصف الثاني من القرن الحادي عشر إلى نهايته.. وهو خير من يمثل هذه الحلقة لما توفر عليه من أدب قوي وسعة ثقافة، وكان في الشعر بتلك العارضة القوية والقدرة في نظم قوافيه الطوال بكل يسر وسهولة.. وديوانه المطبوع يشهد له بمكانة ممتازة في قرض الشعر الجزل وفي أسلوبه الأخاذ بسحر بيانه.. وعلى الجملة، فإن اليوسي يعد مفخرة من مفاخر المغرب النير المستنير بعلومه وآدابه، وإطلالاته المشرئبة على آفاق العالم الإسلامي، وإشراقاته الصوفية الناصعة»[14].
إنتاجه العلمي:
نظرا لوفرة إنتاج اليوسي العلمي في مختلف العلوم والفنون، فقد عقد محقق بعض كتبه الدكتور حميد حماني جردا لهذه المؤلفات المطبوع منها والمخطوط مما وُجد بالخزانات الوطنية ومكتبات الأوقاف والزوايا؛ كخزانة المكتبة الوطنية والخزانة الحسنية بالرباط، ومؤسسة علال الفاسي، ودار الكتب الناصرية بتمكروت، وخزانة القرويين بفاس، والمكتبة العامة بتطوان، وخزانة عبد الله كنون بطنجة، وباقي الخزانات الحبسية بمختلف مدن المغرب..
لكن تبقى أشهر كتبه المعروفة والمتداولة:
– مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص.
– حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي المسماة: “عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد”.
– الدر المصون في فضائل الكتاب المكنون، واشتمل على أحاديث في فضائل القرآن.
– زهر الأكم في الأمثال والحكم.
– البدور اللوامع في شرح جمع الجوامع.
– القانون في أحكام العلم وأحكام العالم وأحكام المتعلم.
– المحاضرات في الأدب واللغة.
– الفهرسة.
– الرحلة.
– أخذ الجُنة عن إشكال نعيم الجنة.
– الديوان أو يتامى الدرر.
– نيل الأماني في شرح التهاني.
– القول الفصل في التمييز بين الخاصة والفصل، وهو في فن المنطق.
هذا بالإضافة إلى مجموعة من الرسائل العلمية فقهية وعقدية، ومنظومات شعرية في مدح خير البرية ومدح بعض الشيوخ والزوايا، وشروح وأجوبة وتقاييد ومجموعات وكنانيش تعج بهم المكتبات والخزانات العامة في مختلف مدن المغرب، تدل على غزارة التأليف عند اليوسي.
وفاته:
وتوفي – رحمه الله- كما ذكر القادري: «عقب قفوله من الحج يوم الإثنين خامس عشر ذي الحجة متم عام اثنين ومائة وألف (1102هـ)، ودفن بإزاء داره بموضع يعرف بقرية تمزيزيت بقرب صفرو على أقل من مرحلة من فاس، ونقل بعد نحو عشرين سنة إلى موضع آخر هنالك فوجد كما دفن-رضي الله عنه-على ما حكي»[15].
أشعرية اليوسي: (من نصوص مؤلفاته)
1- يقول اليوسي في حاشيته على عقيدة السنوسي انتصارا للمذهب الأشعري الذي كتب له الانتشار في كثير من بقاع العالم الإسلامي عامة، وشمال إفريقيا خاصة[16]: «ولا خفاء أن بقاء طريق الأشاعرة إلى آخر الدهر، واضمحلال غيرها من الطرق من أقوى الأمارات على أنها الحق، وأنها التي عليها النبي المصطفى-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، ثبتنا الله عليها حالا ومآلا، وجميع المؤمنين بها بمنه ورأفته»[17].
2- اهتم اليوسي بعلم الكلام على سنن من تقدمه من مفكري عصره، وتناوله في مؤلفاته موجزا تارة ومفصلا أخرى، وبخاصة في “القانون” و”الحاشية” و”البدور”، ومما أورده في “الحاشية” قوله: «قال: وأما ما يحكى عن بعض المبتدعة كالحشوية وغيرهم؛ من أن النظر في علم التوحيد حرام، فلا يخفى فساده وضلال معتقده لكل عاقل، إذ هو مصادم للكتاب والسنة وإجماع المسلمين الذين يعتد بهم، وأما ما يخلطون به، أن الصحابة رضي الله عنهم لم يتكلموا فيه فكذب منهم وافتراء.. قال بعض العلماء: من قدح في علم التوحيد فقد أنكر القرآن والسنة؛ إذ أدلته مأخوذة منهما، وقد ذكر أهل البيان حقيقة المذهب الكلامي فقالوا: هو إيراد حجة للمطلوب على طريقة أهل الكلام..قال وأول من أنكر المذهب الكلامي الجاحظ من المعتزلة، قال الشيخ ابن عرفة: وكذب الجاح؛ إذ أكثر حجج أهل الكلام مستنبطة من القرآن العظيم..وقال البرزلي: فإن قلت هو-يعني علم الكلام- من محدثات الأمور ولم ينظر فيه السلف فلا ينبغي أن يخوض فيه الخلف وربما أعقب المراء والجدال والشبهات. قلت: بل نظر فيه السلف قطعا منهم: عمر بن الخطاب-رضي الله عنه- وابنه عبد الله وابن عباس حبر الأمة وعلي رضي الله عنهم، ومن التابعين عمر بن عبد العزيز وربيعة وابن هرمز ومالك والشافعي، وألف فيه مالك رسالته قبل أن يؤلف الشيخ الأشعري؛ لأنه من مناهج الأولين ومحض موارد البراهين، ولم يحدث فيه بعد السلف إلا مجرد الألقاب والاصطلاحات وقد حدث ذلك في كل فن من فنون العلم.. قال: وقول القائل نَهَوا عن النظر فيه باطل، وإنما نهوا عن علم جهم والقدرية وغيرهم من أهل البدع، وهم الذين ذمهم الشافعي وغيره من السلف من المحدثين.. وقال اليفرني عن القرافي: رأيت لأبي حنيفة جوابا عن كلام كتب به إليه مالك: إنك لتتحدث في أصول الدين، وإن السلف الصالح لم يكونوا يتحدثون في الدين. فأجاب: بأن السلف لم تكن ظهرت البدع في زمانهم فلذلك تركوه، وفي زماننا ظهرت البدع، فلو سكتنا عن الجواب عنها لكنا مقرين لها فافترق الحال.. وقال الشيخ سعد الدين في شرح النسفية: وبالجملة فهو-يعني الكلام- أشرف العلوم لكونه أساس الأحكام الشرعية، ورئيس العلوم الدينية، وكون معلوماته العقائد الإسلامية، وغايته الفوز بالسعادة الدينية والدنيوية، وبراهينه الحجج القطعية المؤيد أكثرها بالأدلة السمعية. قال: وما نقل عن السلف من الطعن فيه والمنع منه، فإنما هو للمتعصب في الدين، والقاصر عن تحصيل اليقين، والقاصد إفساد عقائد المسلمين، والخائض فيما لا يفتقر إليه من غوامض المتفلسفين، وإلا فكيف يتصور المنع عما هو أصل الواجبات وأساس المشروعات..وبالجملة، فشرف كل علم إنما هو بشرف معلومه، ولما كان معلوم هذا العلم أشرف المعلومات، كان هو أشرف العلوم..»[8].

                                                       إعداد الباحث: منتصر الخطيب

الهوامش:

[1] نشر المثاني للقادري ضمن موسوعة أعلام المغرب تنسيق وتحقيق: محمد حجي- طبعة دار الغرب الإسلامي- تونس:1980- وتشمل من المصادر المعتمدة: دوحة الناشر لابن عسكر- ونشر المثاني للقادري- والإعلام بمن غبر لعبد الله الفاسي-الجزء/5-ص:1801
[2] معلمة المغرب-من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر-مطابع سلا/2005-ج/22-ص:7692-و الإكليل و التاج في تذييل المحتاج لمحمد بن الطيب القادري- دراسة وتحقيق: مارية دادي – طبعة الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر- مطبعة شمس وجدة -رقم:178-ص: 211
[3] الدكتور حميد حماني-محقق كتاب”مشرب العام والخاص من كلمة الإخلاص” للإمام الحسن اليوسي وحواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي وأخذ الجنة وقانون العلم-وانظر كذلك: رسائل اليوسي- جمع وتحقيق ودراسة: فاطمة خليل القبلي-[وهي موضوع رسالة علمية لنيل دبلوم الدراسات العليا في الآداب تحت إشراف الدكتور عباس الجراري بكلية آداب فاس سنة 1978 وهي في جزأين- طبعة دار الثقافة/الدار البيضاء –الطبعة الأولى/1981
[4] كتاب المحاضرات لليوسي- نسخة ورقية- نقلا عن: حواشي اليوسي على شرح كبرى السنوسي المسماة: “عمدة أهل التوفيق والتسديد في شرح عقيدة أهل التوحيد” للإمام الفقيه الأصولي النظار: أبي المواهب الحسن بن مسعود اليوسي المتوفى سنة 1102هـ- تقديم وتحقيق وفهرسة: الدكتور حميد حماني اليوسي- مطبعة دار الفرقان للنشر الحديث/الدار البيضاء- الطبعة الأولى/2008-من الفصل الأول-ص:16
[5-6] معلمة المغرب- ج/22-ص:7692
[7] رحلته-نقلا عن حواشي اليوسي- ص: 16وما بعدها
[8] فهارس علماء المغرب-عبد الله المرابط الترغي-منشورات كلية الآداب بتطوان-الطبعة الأولى/1999-ص:184
[9] معلمة المغرب- ج/22-ص:7692
[10] مقال للباحث: خالد الصقلي بعنوان: فضل العلامة الحسن اليوسي على طلبة العلم المشارقة والمغاربة بموقع الرابطة.
[11-12] نشر المثاني للقادري ضمن موسوعة أعلام المغرب- الجزء/5-ص:1801
[13] النبوغ المغربي في الأدب العربي – عبد الله كنون – دار الثقافة – الطبعة الثانية(بدون تاريخ)- ص:285-286
[14] الوافي بالأدب العربي في المغرب الأقصى-محمد بن تاويت-الجزء الثالث-دار الثقافة/الدار البيضاء-الطبعة الأولى/1984-ج/3-ص:740
[15] نشر المثاني للقادري ضمن موسوعة أعلام المغرب- الجزء/5-ص:1801
[16] والملاحظ أن كتابات اليوسي في مجال العقيدة ترمي جلها إلى تعميق اعتناق المذهب الأشعري، ويرجع سبب  تمسك أهل المغرب بالمذهب الأشعري إلى اعتبار مؤسسه هو لسان حال أهل السنة عامة والسلف خاصة.
[17] حواشي اليوسي- ص: 231
[18] حواشي اليوسي- ص: 176-317

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق