الرابطة المحمدية للعلماء

تحركات دولية لمواجهة مخاطر التغيرات المناخية

رسالة ملكية إلى المشاركين في مؤتمر الأمن الغذائي العالمي في روما

وجه جلالة الملك محمد السادس أيده الله خطابا ساميا إلى
المشاركين في المؤتمر رفيع المستوى للأمن الغذائي العالمي وتحديات تغير المناخ
والطاقات الحيوية، الذي تحتضنه العاصمة الإيطالية روما إلى غاية اليوم 5 يونيو
الجاري 2008. 

وفي ما يلي نص الخطاب السامي الذي تلاه الوزير الأول عباس الفاسي:

“الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا، رسول الله
وآله وصحبه السيد الرئيس، أصحاب الفخامة والمعالي، رؤساء الوفود، معالي السيد
الأمين العام للأمم المتحدة، السيد المدير العام، حضرات السيدات والسادة، يطيب لي،
في البداية، أن أتقدم بتهانئي الحارة لرئيس هذا المؤتمر الهام، بمناسبة انتخابه.

كما أود التعبير للسيد جاك ضيوف، المدير العام، عن تقديري البالغ، للجهود
التي يبذلها في إدارة منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة، لمواجهة التحديات
الكبيرة في مجال ضمان الأمن الغذائي العالمي.

وأغتنم هذه الفرصة أيضاً، لأتوجه بالشكر الجزيل
إلى حكومة الجمهورية الإيطالية الصديقة، على ما بذلته من جهود لإنجاح هذا المؤتمر
الهام.

وها نحن نجتمع اليوم، بعاصمتها روما، بعد مضي قرابة اثنتي عشرة سنة،
على انعقاد القمة العالمية للتغذية، التي مكنت من المصادقة على إعلان روما،
وكذا على مخطط عمل يستهدف القضاء على الجوع وسوء التغذية في العالم، وضمان أمن غذائي
مستديم للجميع.

وإن انعقاد هذا المؤتمر رفيع المستوى، حول الأمن الغذائي
العالمي، ليعد تعبيراً صادقا عن انشغال ضمير المجموعة الدولية، وشعورها بالأهمية
المتزايدة، للعمل على توفير تغذية كافية، سليمة ومتوازنة، باعتبارها أساسا
للتنمية، والاستقرار الاجتماعي والعيش الحر الكريم.

ويلتئم هذا المؤتمر في ظرفية عصيبة، متسمة بالضغوط القوية التي يفرضها
الطلب على المواد الغذائية الأساسية، في السوق العالمية، والارتفاع المهول لسعر
الطاقة، الذي يزيد من حدة المخاطر المحدقة بالنمو والاستقرار، خاصة في البلدان
غير المنتجة للبترول التي تعاني بشدة، من آثار الجفاف والتصحر، وندرة الموارد
المائية، ولاسيما بمنطقة الساحل الإفريقية والضفة الجنوبية المتوسطية، اللتين
ينتمي إليهما المغرب.

وقد نجم عن ارتفاع أسعار المواد الطاقية، اللجوء إلى الوقود البيولوجي،
كبديل طاقي. مما حدا بالفلاحين، في العديد من البلدان، إلى تحويل مساحات
شاسعة، كانت مخصصة للزراعات الغذائية الأساسية لإنتاج الطاقة ذات الأصل الزراعي.

وإذا كان من شأن هذا النوع من الوقود، الذي أصبحت تفرضه
ضرورات اقتصادية صرفة، أن تساهم في تنويع مصادر الطاقة، فإنه يتعين إخضاع إنتاجها
لمعايير أخلاقية، بما يتيح الحفاظ على الأراضي الخصبة، وتخصيصها للزراعات الغذائية،
فيما يمكن استغلال الأراضي الجافة وشبه الجافة، لإنتاج هذه الطاقة.

كما أن الأسعار الدولية لأغلب المواد الاستهلاكية الأساسية، ولاسيما
منها الحبوب والأرز، تعرف اليوم ارتفاعا قياسيا، مقابل انخفاض المخزونات إلى أدنى
مستوياتها. ومما يفاقم من هذه الأوضاع، تزايد الاختلالات المناخية، والكوارث الطبيعية،
وتقلص الأراضي الصالحة للزراعة، وتفشي النزاعات المسلحة.

وأمام هذه الأوضاع والتحولات الخطيرة، فإن مؤتمرنا،
يشكل فرصة مواتية، لاتخاذ التدابير الاستعجالية للحد من آثارها،
ووضع استراتيجية شمولية لمعالجة مسبباتها وجذورها العميقة، وذلكم هو النهج
الذي يسير عليه المغرب في سياساته الوطنية والإقليمية والدولية.

وفي هذا السياق، اعتمدت حكومة المملكة المغربية مؤخرا، بتوجيه من جلالتنا، “مخطط
المغرب الأخضر” كاستراتيجية وطنية جديدة تهدف إلى تحقيق تنمية فلاحية طموحة.

ويعد هذا المخطط برنامجا براغماتيا لتحقيق تنمية سريعة للفلاحة
المغربية وناتج خام إضافي سنوي، في مستوى إمكانات بلادنا. 

إن هذا المخطط يرمي إلى جعل القطاع الفلاحي أهم محركات
تنمية الاقتصاد الوطني على مدى خمسة عشرة سنة. وذلك بالانتقال من
التصور التقليدي الذي كان يقابل بين الفلاحة العصرية والفلاحة الاجتماعية إلى
منظور استراتيجي يلائم جميع الفئات والجهات، عبر تجديد نسيج الفاعلين وإعادة هيكلته
بتشجيع الاستثمار الخاص والاعتماد على نماذج “التجميع”، التي برهنت على
نجاعتها ونجاحها على الصعيدين الوطني والدولي.

وإننا لنتوخى أن تكون لهذا المخطط انعكاسات اقتصادية واجتماعية هامة،
تتمثل بالأساس في إطلاق موجة جديدة من الاستثمارات ، وخلق فرص عمل إضافية، والرفع من
دخل حوالي ثلاثة ملايين شخص بالعالم القروي، بمقدار ضعفين إلى ثلاثة أضعاف.

وللتصدي لمضاعفات الاختلالات المناخية، التي تؤثر سلبا على المحصول الزراعي،
أحدثنا صندوقا وطنيا للتضامن القطاعي والتنمية القروية. كما اتخذنا تدابير جبائية،
بتخفيض الرسوم إلى أدنى حد ممكن، على استيراد الحبوب باعتبارها الغذاء الرئيسي
لعموم الشعب المغربي.

وبموازاة ذلك، حرصنا على تدعيم البرامج الوطنية، في مجال التشجير
وإحداث أحواض مائية إضافية، لحماية مخزونات السدود؛ فضلا عن اعتماد بلادنا منذ منتصف
التسعينات استراتيجية ومخطط عمل وطني لحماية البيئة والتنمية المستدامة، بهدف
ضمان أمن غذائي مستدام، ومواجهة التحديات المرتبطة بالتغيرات المناخية.

وللإسراع بوتيرة تنميتنا، ولاسيما بالمناطق القروية المتضررة
من الجفاف والهشاشة أطلقنا منذ ثلاث سنوات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية،
لمحاربة الفقر والتهميش والإقصاء الاجتماعي. وذلك من خلال مشاريع تنموية ملموسة.

وانخراطا في المسار العالمي المتعلق بتفعيل الآليات والاتفاقيات القانونية
الدولية، في مجال البيئة والأمن الغذائي، صادق المغرب منذ سنة 1995، على اتفاقية
الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية. كما احتضنت بلادنا سنة 2001، المؤتمر السابع
لأطراف هذه الاتفاقية، الذي أفضى إلى دخول بروتوكول كيوطو حيز التنفيذ.

السيد الرئيس، إن ضمان الأمن الغذائي للجميع، ومواجهة التغيرات المناخية
تحديان لا يمكن للمجتمع الدولي رفعهما، إلا بتعزيز التضامن الدولي، وجعل التعاون
شمال – جنوب أوسع نطاقا، والتعاون جنوب – جنوب أكثر نجاعة.

وفي هذا الإطار، يدعو المغرب إلى إحداث صندوق متعدد
الأطراف، يستهدف تقوية الكفاءات، ونقل التكنولوجيا للبلدان النامية
بشروط تفضيلية، وكذا تمويل إجراءات التعامل مع الآثار المترتبة عن التغيرات
المناخية.

وإننا لنتطلع لأن يحمل النظام المناخي الجديد، الذي أفرزه مؤتمر
بالي لدجنبر 2007، آليات تشاورية ملائمة وحلولا نهائية للقضايا المرتبطة بالأمن
الغذائي للسكان الأكثر خصاصة. وكل ذلك في نطاق من التعاون الدولي المتعدد الأطراف.

وفي هذا الصدد، أجدد الإعراب عن استعداد المغرب، للمشاركة
بفعالية في هذا المسلسل، من خلال المساهمة في تحديد التدابير الكفيلة بوضع ميثاق
للطاقة الإحيائية، من شأنه الاستجابة لمتطلبات الأمن الغذائي، والفلاحة والتنمية
المستدامة، ومستلزمات تطوير السياسات والاستراتيجيات الهادفة لتحقيق أهداف الألفية من
أجل التنمية.

وفي نفس السياق، فإن المغرب يدعم الجهود المبذولة لتشجيع
الزراعات المعيشية والرفع من مردوديتها، خاصة بإفريقيا والدول النامية، والتي
تعتمد على استيراد المواد الغذائية. كما ينبغي اتخاذ تدابير جماعية، تتوخى التحرير
الفعلي للتجارة في المواد الفلاحية، وتحقيق الاستقرار في سوق المواد الغذائية
وكذا الرفع من مستوى الدعم العمومي للتنمية، ووضع آليات خلاقة لتمويل المشاريع
التنموية، والاستجابة لطلبات المساعدة المقدمة من البلدان الأكثر فقرا فضلا عن
بناء إطار توافقي واتخاذ توجيهات منسقة لإنتاج الوقود الحيوي.

وأغتنم هذه المناسبة لأجدد إشادة المغرب بقرار معالي السيد بان كي مون،
الأمين العام للأمم المتحدة، القاضي بإحداث فريق متخصص، يضم خبراء مرموقين وكبار
المسؤولين عن السياسات العمومية، لدراسة مسألة الأمن الغذائي.

وإني واثق من أن أشغال لقائنا هذا، ستفضي إلى نتائج
ملموسة، تمكن من بلورة هدفنا المشترك، ألا وهو إيجاد
الآليات الكفيلة بضمان الأمن الغذائي لجميع سكان المعمور، وتحقيق أهداف الألفية من أجل
التنمية سنة 2015، لما فيه خير البشرية جمعاء.

أشكركم على حسن إصغائكم،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته”. (نقلا عن و م ع)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق