مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيغير مصنف

تحبير المختصر

تحبير المختصر

 وهو الشرح الوسط على مختصر خليل في الفقه المالكي

لأبي البقاء، تاج الدين بهرام بن عبد الله  المصري  الدميري (ت805ﻫ)

      يعد المختصر الفقهي للعلامة خليل بن إسحاق الجندي، من أبرك المتون الفقهية وأشهرها في الفقه الإسلامي عموما، والفقه المالكي خصوصا؛ ولأهميته عكف الناس عليه، وساروا بسيره منذ مطلع القرن التاسع إلى يومنا هذا، فاهتبل العلماء به، واعتنوا به عناية قليلة النظير، فلا يحصى كم ناظم له وشارح، ومعلق ومحش، ومعارض له ومنتصر، حتى بلغت هذه الجهود عدداً هائلاً، تنوّعت بين الإيجاز والإطناب، فقلما يوجد عالم من علماء المذهب إلاّ ورمى بسهمه شارحا للمختصر أو معلقا عليه، أو مقررا لمسائله، أو فاكا لرموزه وحالاّ لعويصه.

   ولعل من أقدم الجهود وأجودها التي اجترحت مختصر الشيخ خليل بالشرح والتعليق، كتاب «تحبير المختصر»، المعروف بـ«الشرح الأوسط»، صُحبة الشرحين الآخَرين: الكبير والصغير، للإمام الفقيه العلامة الحافظ المحقق المطلع، حامل لواء المذهب المالكي بمصر، أبي البقاء، تاج الدين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز بن عوض المصري (ت805ﻫ)، التلميذ البار لخليل بن إسحاق رحمهما الله، والذي اعتنى بالمختصر أيما اعتناء حتى قال عنه أبو البركات النالي مبرزا مكانته في المذهب، واعتناءه بمختصر خليل: «هو [أي: بهرام] أجل من تكلم على مختصر خليل علما ودينا وتأدبا وتفننا، مستحضرا المدونة وشراحها، معتمدا على ابن عبد السلام وخليل، سهل العبارة حسن التعبير والإشارات، فاضل في المذهب، محقق ثبت صحيح النقل، تخرج بخليل وتفقه به». [شرح خطبة مختصر بن إسحاق لأبي البركات النالي. مخطوط علال الفاسي اللوحة: 1].

   ويعد الشرح الأوسط أوسع الشروح الثلاثة انتشارا، وأكثرها اشتهارا، يقول عنه الحطاب: «فشرَحَه [أي: بهرام] ثلاثة شروح، صار بها غالبه في غاية البيان والوضوح، واشتهر منها الأوسط غاية الاشتهار، واشتغل الناس به في سائر الأقطار». [مواهب الجليل: 1/6].

   وشروح بهرام، بما فيها الأوسط من الشروح التي اعتمدها المالكية في الإفتاء والنقل، قال عنها القرافي: «وقد عم النفع بها [أي: الشروح الثلاثة]، وتداولها الطلبة والمدرسون، مع وجود غيرها من الشروح المتعددة وذلك ببركته». [توشيح الديباج ص: 63].

   إلا أن الشرح الأوسط دون الشرحين الكبير والصغير من حيث التحقيق والدقة، قال محمد النابغة الغلاوي في منظومته «الطليحة» في سياق حديثه عن الكتب المعتمدة في المذهب المالكي:

واعتمدوا بهرام لكن ي الوسط        أقسط في تحقيقه وما قسط

   والمطلع على الكتاب يلفه وجيز الألفاظ، سهل العبارة، دقيق المعاني، حافلا بالأقوال والنقول، وافتتحه مؤلفه بمقدمة بين فيها مكانة الشيخ خليل، وسبب تأليفه للمختصر، كما أبرز فيه الباعث على وضعه لهذا الشرح على المختصر، فقال: «أما بعد: فإن سيدنا شيخَنا الشيخَ الإمام العالم العلامة رحلةَ الطالبين، صدرَ المدرسين، مفتي المسلمين، غرسَ الدين خليلاً ابن الشيخ الصالح المرحوم نجم الدين إسحاق المالكيَّ، تغمده الله برحمته، وأسكنه أعلى جنته، كان في العلم إماماً تعبَّد به فما بدّله جهلاً ولا حرّفه، وحُكِّم قلم فتياه في الدم، والفرْج، والمال وصرفه، وصوّغ ذكره الزكي، فعلى الحالين عرّفه، فرفع الله تعالى ذِكْره، وأعلى قدره بملازمة الاشتغال والانشغال والمداومة على طريق شيخه سيدنا الشيخ الإمام العلامة العالم المحقق الأوحد الكامل أبي محمد عبد الله المنوفي ـ رحمه الله تعالى ـ ونفعنا ببركته وعلومه، فلم يزل كذلك إلى أن رفعه الله تعالى على أهل عصره في استحضار فقه مذهب الإمام الأعظم، إمام دار الهجرة النبوية، وسلّم له في ذلك أهل دهره، وسأله جماعة أن يصنف مختصراً في الفقه، مقتصراً فيه على بيان ما يفتى به على مذهب الإمام المذكور، رضي الله عنه وأرضاه، وجعل الجنة منقلبه ومثواه، وضاعف لنا وله الأجور، إنه هو العزيز الغفور، فوضع كتاباً فيه؛ إجابة لهم في مطلوبهم، ورغبة في تحصيل مرغوبهم، فلما كثر اختلاف الأشياخ في كثير من المسائل في التشهير والترجيح فيها، وفي ما به يفتى، سلك طريقاً واصطلاحاً لا عوج فيه ولا أمتاً، ونبّه في خطبته على ما سلكه والتزمه واعتبره في هذا المختصر، وفيه ما أفهمه، فلما كمل على حسن إحكام، وفيّ بذلك ورتّب الأحكام، اخترمته المنية قبل تبييض بقيته، وشرح قصده وطريقته، وتبين مقفله وحل مشكله. فسألني بعض الطلبة أن أضع عليه ما يشرح مقاصده، ويحل مشكله، ويبين مقفله ومجمله، مع ذكر الخلاف وطرق الأشياخ، فكتبت عليه بعد الاستخارة ما يبين ـ إن شاء الله تعالى ـ معانيه، ويوضح مقاصده ومبانيه، مع ذكر طرق الأشياخ، واختلاف الروايات، وإعزاء النقل الغريب إلى قائله، كما هو في المبسوطات، وذكر ما أهمله في توضيحه على  ابن الحاجب وهنا، وإيضاح ما استطعته إيضاحاً بيّناً.

   والله تعالى أسأل أن يعين على إتمامه وإكماله، وأن ينفع به من كتبه ونظر فيه، أو شيئاً منه، فإن ذلك من إنعامه وإفضاله، وسميته: «تحبير المختصر»، مع اعترافي بالعجز والتقصير، وإنما الموفق هو الله تعالى نعم المولى ونعم النصير».

   وقد صدَر الكتاب عن مركز نجبويه للمخطوطات وخدمة التراث، بعنوان: «تحبير المختصر» وهو الشرح الوسط على مختصر خليل في الفقه المالكي، باعتناء الأستاذين: أحمد بن عبد الكريم نجيب، وحافظ بن عبد الرحمن خير، ط 1، سنة 1434ﻫ ـ 2013م، وتقع هذه الطبعة في خمس مجلدات، يبلغ مجموع عدد صفحاتها نحو(3375) صفحة من القطع الكبير.

بقلم الباحث: عبد القادر الزكاري


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق