مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

بين يدي كتاب “في هندسة الخالق لخلقه الإنسان الخليفة نموذجا” لصاحبه فضيلة الدكتور إدريس حمادي

إنجاز: دة. أمينـة مزيغـة

  باحثة بمركز دراس بن إسماعيل

 

         “في هندسة الخالق لخلقه الإنسان الخليفة نموذجا”، هكذا اختار فضيلة الدكتور إدريس حمادي أن يعنون كتابه الجديد،  وهو عنوان وصفه ابن فاس البار  وعضو أكاديمية المملكة المغربية فضيلة الدكتور عبد الهادي التازي “بالغريب واللافت للنظر”، وقد يضاف إليه أنه “مفاجئ” باعتبار أنه أثار جدلا بين البعض، يقول في تقديمه للكتاب:” لقد كان هذا التأليف يصاحبني أثناء هذا الشهر المبارك، رمضان 1433/يوليه غشت 2012، حيث اطلّع عليه جل من زارني من الأصدقاء الذين كانوا يتمتعون بكفاءات علمية عالية سواء من المملكة المغربية أو الجزيرة العربية، فكان عنوان التأليف يستوقفهم … وبعضهم كان يقترح استعمال تعبير: تدبير أو صنع أو برء …”[1].

          إن توظيف المؤلِّف لمصطلح “هندسة”- وإن حُصر معناه في بعض المعاجم بأنه “تقدير الإنسان المهندس لمجاري القنوات واحتفارها لإيصال المياه إلى الأبنية”[2] – فإنه لم يكن صدفة أو عبثا، بل كان اختيارا، كما كان استحضارا لعمل المهندس كلية، تفكيرا وتقديرا وتصميما وخطة ورسما، وكذلك تهيئا وتركيبا وتشكيلا و إعدادا– وتتبعا لتنفيذ المشروع المراد تحقيقه على أرض الواقع من بدايته إلى نهايته في مختلف مراحله، جاء قي مقدمة ابن خلدون:”اعلم أن الهندسة تفيد صاحبها إضاءة في عقله واستقامة في فكره، لأن براهينها كلها بينة الانتظام جلية الترتيب، لا يكاد الغلط يدخل أقيستها لترتيبها وانتظامها، فيبعد الفكر بممارستها عن الخطأ وينشأ لصاحبها عقل على ذلك المهيع… وكان شيوخنا – رحمهم الله- يقولون: (ممارسة علم الهندسة للفكر، بمثابة الصابون للثوب الذي يغسل من الأقذار وينقيه من الأوضار والأردان)، وإنما ذلك لما أشرنا إليه من ترتيبه وانتظامه”[3].  ويضيف – فضيلة الدكتور ادريس حمادي – أن: “التفكير في أي مشروع من المشاريع يجب أن يكون مسبوقا بالتفكير في الإمكانات الخادمة له، والتفكير في الغاية منه، ويتضح هذا من جهة في أن الخالق سبحانه وتعالى قبل أن يخلق الإنسان خلق له الأرض وما فيها من الخيرات، وقرر أن يجعله خليفة له قبل خلقه، وقرر أن تكون كل المخلوقات مسخرة لخدمته وإطاعته قبل خلقه، ويتضح من الجهة الاخرى في تحديد الغاية من خلق الانسان التي هي حمله الأمانة”[4].                                                      

           تناول المؤلَّف صورا من هندسة الخالق للإنسان ليكون مؤهلا لأن يكون خليفة له في الأرض، متتبعا تلك الهندسة عبر خمسة أطوار أهلته للمهمة التي أنيطت به، مبينا مختلف المقومات المادية والمعنوية التي تم تسخيرها له – يقول صاحب المؤلف: “إذ لولا تلك المقومات أو الإمدادات الربانية ما أمكن لهذا الإنسان أن يمارس المهمة الثقيلة التي تم إعداده لها، وقد حدد المفسرون هذه المقومات التي أطلقوا عليها مصطلح النعم العامة في أربع هي: جعل الخالق سبحانه وتعالى آدم وذريته أحياء بعد أن كانوا في طي العدم، ثم خلق لهم كل ما في الأرض من الخيرات، ثم جعلهم خلائق له في الأرض ثم رابعا تسخيره كل المخلوقات لخدمتهم ومنفعتهم. كل هذا وقع التعبير عنه بهذه الآيات الكريمات المحيطة بالإخبار بجعل آدم خليفة له في الأرض، وأعني بها قوله تعالى: (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم) إلى قوله تعالى: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين) البقرة 28”.

          هذا وقد تطرق فضيلة الدكتور ادريس حمادي لمفهوم “الأمانة” التي حملها للإنسان و(كان بها جهولا)، إذ بيّن أنه مركب من أمرين لابد له منهما هما العقل والتكليف، كما ناقش مسألة عرضها على باقي المخلوقات  مشيرا الى أن الحكمة من ذلك – مع علمه وقدرته عز وجل- هي التعليم بالأساس يقول مرة أخرى: “يلاحظ من البداية أن الخالق الحكيم لما أراد الإقدام على جعل الإنسان خليفة له في الأرض، طرح المسألة على كل المخلوقات التي ستكون مع خليفته في الأرض بقصد إعطاء رأيهم بكامل الوضوح، ولم تكن استشارتهم هذه بقصد تكميل الرأي، فالله سبحانه وتعالى قد أحاط بكل شيء علما، بل بقصد تعليمنا أمورا نحن في حاجة إليها في حياتنا الدنيوية من بينها: أن اختيار الخليفة مسألة تهم الجميع ومن ثم يجب أن تطرح على الجميع … ويعلمنا كيفية إجراء الاستشارة وذلك بمناقشة الموضوع في جانبه الإيجابي والسلبي حتى لا تكون الاستشارة صورية… ويعلمنا كيف يجب أن يكون الاقناع والاقتناع بطريق الحوار وطريق الموازنة بين ماهو إيجابي وماهو سلبي … ثم يعلمنا كيف يتم غض الطرف عن الجوانب السلبية متى كانت أقل بكثير من الجوانب الايجابية …ويعلمنا كيف تصبح الطاعة والانقياد من الأمر الواجبة على المستشارين بعد اقتناعهم بالمسألة التي وقعت الاستشارة فيها … ويعلمنا كيف أن المشروع إذا لم يحض بالقبول من طرف أقلية يجب أن يأخذ طريقه نحو الإنجاز، … ثم يعلمنا أن التفكير في أي مشروع من المشاريع يجب أن يكون مسبوقا بالتفكير في الإمكانات الخادمة له والتفكير في الغاية منه…”[5]

           لقد قدم فضيلة الدكتور إدريس حمادي صورة واضحة عن هندسة الخالق لخليفته في الأرض وذلك  بطريقة ممنهجة مرتبة يربط فيها أول الموضوع بآخره، يطرح أسئلة وإشكالات في البداية لتجد إجابات مستوفية تتخلل ثنايا الكتاب حتى نهايته مما يظهر تمكنه من مفاتيح العلوم من فقه وأصوله ومقاصد شرعية وغيرها،  بالإضافة إلى حسن الاستشهاد بالنصوص، بل والاجتهاد في تفسيرها تفسيرا خاصا مرافقا هذا الانسان الخليفة من طور الإعداد والتهيئة إلى  يوم يبعثون.

          والذي تجدر الإشارة إليه أنه قبل قراءة الكتاب – من عنوانه – وأثناءه، وبعد إنهائه والقارئ يستشعر مجموعة من التساؤلات والإشكالات التي تثار، وتفتح آفاقا أخرى للبحث و التفتيش، خاصة أنه كلما تناول فكرة استفرغ جهده في توضيحها وبيانها من جميع الجوانب فنجده عند حديثه عن العقل- باعتباره أحد أمرين يتطلبه حمل الأمانة إلى جانب الهداية- ، قد تحدث عنه من جهة بنائه حتى يكون عقلا مفكرا متدبرا، كما لم يغفل الحديث عما قد يعتبر مانعا وعائقا له من أداء دوره، وهذا دأبه في جميع مباحث الكتاب، و دأبه في كتاباته السابقة، هذا ليس غريبا عن جريجي جامعة القرويين النجباء ممن تربطهم بها رحم لا تبلى الموصوفين: “بالملاذ الذين يفزع إليهم الناس لمعرفة شؤون دينهم، وعبّ الحكمة لمواجهة شؤون دنياهم… “[6].

        

        

 

 


[1] – في هندسة الخالق لخلقه 13.

[2] – لسان العرب (مادة هندس).

[3] – المقدمة 471.

[4] – في هندسة الخالق لخلقه 24.

[5] – في هندسة الخالق لخلقه 24.

[6] – جامعة القرويين بين الأمس و الغد، الدكتور أحمد عبادي،  أسبوعية منبر الرابطة، افتتاحية العدد26، 11 ماي 2011.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق