وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

بيمارستان مراكش

يعد بناء البيمارستانات  والمراكز المختصة في تدريس الطب مظهرا من أبرز مظاهر الاعتناء بالصحة والطب في المغرب، ويعد بيمارستان مراكش أول بيمارستانٍ تأسس في المغرب في القرن السادس الهجري الموافق للقرن الثاني عشر الميلادي،  وكان ذلك إبان حكم ثالث خلفاء الدولَة الموحدية السلطان أبو يوسف يعقوب المنصور، وأمر البنائين بإتقان بنائه، و أن يغرس فيه من جميع الأشجار والنباتات، وأجرى فيه مياهاً كثيرة تدور على جميع البيوت،  وتذكر المصادر التاريخية  أنه كان في كل  يوم جمعة يزوره ويعود المرضى ويسأل عن أحوالهم وعن معاملة الأطباء والممرضين لهم….

وكان البيمارستان منقسم إلى قسمين منفصلين بعضهما عن بعض، قسم للذكور وقسم للإناث، وكل قسم مجهز بما يحتاجه من آلة وعدة وخدم وفراشين من الرجال والنساء، وقوام ومشرفين، وفي كل قسم من هذين القسمين عدة قاعات لمختلف الأمراض، فقاعة للأمراض الباطنة، وقاعة للكحالة، وقاعة للتجبير، وكانت قاعة  الأمراض الباطنة منقسمة إلى أقسام أخرى، قسم للمحمومين، وقسم للممرورين، وقسم المبرودين، ولمن به إسهال …الخ.

ولكل قسم رئيس، فمن رئيس الأمراض الباطنة، ورئيس للجرائحية والمجبرين، ورئيس للكحالين ، وللبيمارستان بأجمعه رئيس يسمى ساعور البيماريستان[1]

 وقال المراكشي  في المعجب في تلخيص أخبار المغرب:” وبنى يعقوب المنصور  بمدينة مراكش بيمارستانا ما أظن أن في الدنيا مثله؛ وذلك أنه تخير ساحة فسيحة بأعدل5 موضع في البلد، وأمر البنائين بإتقانه على أحسن الوجوه؛ فأتقنوا فيه من النقوش البديعة والزخاريف المحكمة ما زاد على الاقتراح؛ وأمر أن يغرس فيه مع ذلك من جميع الأشجار المشمومات والمأكولات، وأجرى فيه مياها كثيرة تدور على جميع البيوت، زيادة على أربع برك في وسطه، إحداها رخام أبيض؛ ثم أمر له من الفرش النفيسة من أنواع الصوف والكتان والحرير والأديم وغيره بما يزيد على الوصف، ويأتي فوق النعت[2].

وأجرى له ثلاثين دينارا في كل يوم برسم الطعام وما ينفق عليه خاصة، خارجا عما جلب إليه من الأدوية، وأقام فيه من الصيادلة لعمل الأشربة والأدهان والأكحال؛ وأعد فيه للمرضى ثياب ليل ونهار للنوم، من جهازالصيف والشتاء[3].

فإذا نقه المريض فإن كان فقيرا أمر له عند خروجه بمال يعيش به ريثما يستقل، وإن كان غنيا دفع إليه ماله وترك وسببه، ولم يقصره على الفقراء دون الأغنياء، بل كل من مرض بمراكش من غريب حمل إليه وعولج إلى أن يستريح أو يموت[4].

 وكان في كل جمعة بعد صلاته يعود المرضى ويسأل عن أهل بيت أهل بيت، يقول: كيف حالكم؟ وكيف القومة عليكم؟ إلى غير ذلك من السؤال، ثم يخرج؛ لم يزل مستمرا على هذا إلى أن مات -رحمه الله”[5].

 و قد جاء في الروض المعطار في خبر الأقطار:” وأجرى المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن في وسطها ساقية ظاهرة، يخرج ماؤها من قصره فيشق المدينة من القبلة إلى الجوف، فكانت أشرف مدن المغرب وأعدلها هواء، وجعل فيها مارستان للمرضى يدخله العليل فيعاين ما أعد فيه من المنازه والمياه والرياحين والأطعمة الشهية والأشربة المفوهة، فتنعشه من حينه، وكان ذلك سنة خمس وثمانين وخمسمائة”[6].

 وجاء في الاستبصار في عجائب الأمصار: “ومما شرف به سيدنا ومولانا أمير المؤمنين أبو يوسف حضرته المكرمة رضه أن أرسل فى وسط المدينة ساقية ظاهرة ماؤها ماء قصره المكرم، تشق المدينة من القبلة إلى الجوف، وعليها السقايات لسقى الخيل والدواب واستقاء الناس، فهى اليوم أشرف مدن الدنيا وأعدلها هواء. ومن بركات «ب» وضع دار الفرج فى شرقى الجامع المكرم، وهو مارستان المرضى، يدخله العليل فيعاين ما أعد فيه من المنازه والمياه والرياحين والأطعمة الشهية والأشربة المفوهة «ج» ، ويستطعمها ويسيغها فتنعشه من حينه بقدرة الله تعالى.” [7]

       والأطباء الذين اشتغلوا في هذا المارستان:

  • أبو إسحاق إبراهيم الداني: كانت له عناية بالغة بصناعة الطب، وأصله من بجاية، ونقل إلى الحضرة، وكان أمين البيمارستان وطبيبه بالحضرة، وكذلك ولداه، وتوفي الداني في مراكش دولة المستنصر بن الناصر.
  • محمد بن القاسم: بن أبي بكر القرشي المالقي نزيل قرطبة، وقال عنه ابن الخطيب كان بارع الكتابة والنظم وحسن النادرة عارفا بالطب… [8]

ولا يزال السلطان مستمرا في اعتنائه وزيارته للبيمارستان، واستمر على هذا الحال إلى أن مات – رحمه الله- في شهر صفر من سنة 195هـ، وهو في عمر ثمانية وأربعون عاما، ويعتبر مارستان مراكش معلمة تاريخية لم يبق منها سوى ما ذكره المؤرخون، وكانت بنايته تتميز بالجمال والإتقان، حتى أن المصادر والمراجع لا تصف غيره من المستشفيات بتلك الأوصاف، ومن الجدير بالذكر أن إنشاء  مثل هذه البيمارستانات غالباً ما يكون خارج المدينة، بعيداً عن السكان،  وكان الهدف من ذلك حصر العدوى في نطاق ضيق درءا لانتشارها بين الناس …

[1] – العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين ص 132  الطبعة الثانية 1977م دار المغرب الرباط

[2] – المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص 209الطبعة الأولى 1426م المكتبة العصرية بيروت.

[3] – المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص 209الطبعة الأولى 1426م المكتبة العصرية بيروت.

[4] – المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص 209 الطبعة الأولى 1426م المكتبة العصرية بيروت.

[5] – المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص 209الطبعة الأولى 1426م المكتبة العصرية بيروت.

[6] –  الروض المعطار في خبر الأقطار ص641 الطبعة الثانية 1980م  مؤسسة ناصر للثقافة بيروت

[7] – الاستبصار في عجائب الأمصار ص210  طبعة 1986م دار الشؤون الثقافية.

[8] – المعجب في تلخيص أخبار المغرب ص 210 الطبعة الأولى 1426م المكتبة العصرية بيروت.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق