وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

بيمارستان سيدي فرج بفاس

يعتبر بيمارستان سيدي فرج بمدينة فاس من بين أقدم وأهم البيماريستانات التي أنشأت في تاريخ المغرب، وقد أسسه السلطان أبو يوسف يعقوب سنة 685هـ، ليكون مأوى للمساكين والغرباء والمرضى الذين لا مأوى لهم، وقد قام بتجديده أبو عنان سنة 766هـ، وقد كان بيماريستان سيدي الفرج يتكفل بجميع الأمراض والتخصصات الطبية، كطب العيون والطب الباطني وجراحة العظام والطب النفسي وكذا معالجة الحيوانات، كل هاته العوامل مكنت ماريستان سيدي فرج من الوصول إلى أوج ازدهاره، خصوصا في القرن الرابع عشر الميلادي، أما بخصوص تسمية الماريستان” ب الفرج”، فهناك أقوال متضاربة بين من يرى أن فرج ربما نسبة إلى الطريقة التي كان يستخدمها أطباء هذا المستشفى في علاج مرضاهم، ولأن المرضى كانوا يجدون فيه ما يفرج …والبعض الآخر يرى أن هذا الإسم نسبة إلى طبيب بني الأحمر الذين جاءوا إلى فاس ، وقد كان يسمى فرج الخزرجي.
وجاء في كتاب سلوة الأنفاس: ” ومن مزارات هذه الحومة، المحل الذي يكون فيه مرضى العقول، وهم الحمقى وهو المشهور بحوار سوق العطارين، سوق الحناء، ويسمى بالمارستان، والعامة تعبر عنه ب سيدي فرج، وتظن أن هناك ضريحا لأحد من لأولياء يسمى بهذا الإسم، وليس لذلك أصل يعول عليه، ولا يعرف لأحد هناك ذكر ولا قبر، وإنما هو محل بناه بعض الملوك ليكون مأوى لمن ذكر ولغيرهم من المساكين والمرضى الذين لا مأوى لهم، وسماه “باب الفرج” ، تفاؤلا بأن يحصل الفرج لمن يحل به، وحبس الناس عليه لذلك أوقافا كثيرة….” .
ولم يقتصر دور هذه المعلمة العظيمة التي تجسد ذروة الرقي الحضاري على علاج الإنسان فقط، بل تعدى ذلك إلى العناية بالحيوانات، حيث كان ملجأ للطيور وخاصة طائر اللقلاق، فكان إذا انكسر لقلاق أو أصيب بأي أذى حمل إلى سيدي فرج، فتصرف جراية لمن يضمده ويطعمه، وكانت هذه العلاجات التي تقدم للطيور، طريقة مبتكرة للتدريب والتمرس على العلاج بالنسبة للطلبة المتواجدين في المستشفى، وفي هذا الصدد ذكر الدكتور عبد الهادي التازي” …وكان يعتني بصحة الإنسان و الحيوان والطير، وخصصت به أوقاف لعلاج الطيور خاصة طيور اللقلاق إذا انكسرت أو أصيبت بأي أذى، ويصرف من هذه الأوقاف على من يضمدها ويداويها ويطعمها كما رصدت أوقاف للموسيقيين الذين يعزفون للمرضى كل أسبوع ليخففوا عنهم آلامهم، وينفق من هذه الأوقاف على ما يتطلبه غسل الموتى الغرباء وتكفينهم وإقبارهم”.

                                                                                                         الصورة تمثل بناية البيمارستان سيدي فرج    

وقد جلا الدكتور دومازل Dr Du Mazelوصف هذا البيمارستان فقال: بناؤه قديم يرجع تأسيسه إلى عهد سلاطين بني مرين، وهم في أوج عزهم وعظمتهم يعاونون على نشر العلوم وتجميل المدن، وبنى أحدهم وهو أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن عبد الحق هذا المارستان لما تولى الملك سنة 685هـ 1286م، وعهد مؤسسه إدارته إلى أشهر الأطباء وأوقف عليه الحبوس الكثيرة من العقار للصرف عليه وحفظه، ولما عظم أمر البيمارستان واتسعت أعماله أدخل عليه السلطان أبو عنان الذي تولى الملك 766هـ زيادات عظيمة.
وفي سنة 900هـ اتخذ أهل الأندلس من المسلمين إقامتهم في فاس، فتولى رياسته من بني الأحمر يسمى فرج الخزرجي ولذلك سمي بيمارستان فرج، فأصلح فيه وجعل الموسيقاريين يلحنون أمام المرضى، وليس في مدخل البيمارستان شيء يستوقف النظر وهو في سوق الحنا ويحيط به جدار أبيض وعليه باب عال مغطى بالحديد شأنه كسائر أبواب المدينة مقفل على الدوام ولا يفتح إلا قليلا.
وتذكر المصادر التاريخية أن هذا المارستان مكون من طابقين أرضي وعلوي، يضم الأول ثمانية عشر غرفة كانت مخصصة في ما مضى لعلاج المرضى النفسيين من الذكور، بينما الثاني يضم اثنين وعشرين غرفة خاصة بالنساء لعلاج المريضات، والغرف مفتوحة على العرصة، وكلها دون باب يغلق سوى عصى خشبية غليظة تقسم الباب نصفين.
وكان الفريق الطبي المعالج في الماريستان يتكون من أطباء، وصيادلة وممرضين، وكما جاء في شهادة الحسن الوزاني: ” كان الأطباء يعملون تحت إشراف رئيس الأطباء ورؤساء أقسام، وكان المارسستان يتوفر على موظفين آخرين كالحراس والطباخون وأشخاص للإعتناء بالمرضى وطاقم الموسيقى خاص بالمرضى”.
ويعتقد أن الأطباء والصيادلة كانوا يختارون بعد مباراة يشرف عليها الطبيب المسؤول على البيمارستان، ويعتقد أن كثيرا من التخصصات الطبية كانت موجودة بماريستان سيدي فرج، بما في ذلك الطب الباطني، جراحة العظام، وطب العيون، والطب النفسي، ثم اقتصر عملها فيما بعد على علاج الأمراض النفسية والعقلية.
ومع مر الزمـن تقلص حجمه إلـى بناية صغيرة مقسمة إلى حجرات تحـف بحديقة رمزية، فضلا عن مسجـد ثم يدور بالجميع جدار أبيـض ينفتح به بـاب حديدي مرتـفع حيث صار هـذا الملجأ يستخدم ـ فقط ـ لإيواء المعتوهيـن الموزعين بين حجراته المفصولـة ـ الساحـة ـ بأبواب ذات قضبان حديدية.
وتذكر المصادر التاريخية أن هذا الماريستان عرف انتكاسة حقيقية على عهد السلطان المريني أبي سعيد الثاني في مطلع القرن التاسع الهجري، إذ استصدر أبو سعيد فتوى تجيز له اقتراض أوقاف هذا الماريستان وغيره من ماريستانات فاس، لتغطية نفقات الحرب وإدراة باقي شؤون الدولة، على اعتبار أن معظم هذه الأوقاف تعود لأجداده، وقد عرفت هذه الفتوى معارضة شديدة داخل الأوساط الفاسية، فتراجع دور هذه المستشفيات، حيث أن الرعاية التي كان يتلقاها المرضى النفسيون آنذاك لم تعد ترقى إلى الجودة المطلوبة، ومع ذلك سيستمر ماريستان سيدي فرج إلى حدود 1944م، عندما دمر جزئيا، حيث تحول المبنى بعد ذلك إلى( قيسارية) لبيع الملابس والأدوات المنزلية، وهذا هو وضعه الحالي، وتم تحويل المرضى النفسيين إلى بيمارستان سيدي الفرج الجديد بمنطقة باب خوخة سنة 1949م..

.

ذة. رشيدة برياط

باحثة بمركز علم وعمران

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق