وحدة المملكة المغربية علم وعمرانمعالم

بيت بني عَشَرة

 

 

د.جمال بامي

مدير وحدة علم وعمران

في تاريخ المغرب أسر جليلة، وبيوتات نبيهة، أسهمت بحظ وافر في بناء كياننا وثقافتنا، وذلك بما خلّفت وراءها من تراث فكري ومادي، وبما خرّجت من أعلام برزوا في مختلف ميادين العلم والفكر. ويعتبر تاريخ هذه الأسر من أعظم موضوعات تاريخنا لما يشتمل عليه من عناصر وجزئيات تساعد على تكوين الصورة الكلية لفكرنا المغربي..

من هذه الأسر بيت سلاوي نبيه يعرف أفراده ببني القاسم، وينسبون إلى جدهم الأقرب القاسم بن محمد بن موسى بن عيسى بن عَشَرة، وقد اشتهروا أكثر من ذلك ببني عشرة، نسبة إلى عشرة الذي هو الجد الأعلى للأسرة، وقد كان عشرة هذا من أمراء المغرب في القرن الرابع الهجري.. ويرجح ابن بسام في “الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة” أن أصلهم البعيد يمتد إلى أسرة بني المدبّر العراقية الشهيرة…. وبنو عشرة هم مؤسسو سلا الإسلامية، وبن عبد المنعم الحميري مؤلف كتاب “الاستبصار” هو أول من أشار بوضوح إلى هذه الحقيقة التاريخية بقوله: “وقد كان اتخذ أرباب البلد العَشَريون وأولياؤهم، مدينة بالعُدوة الشرقية، وهي المعروفة الآن بسلا، فيها ديارهم بحومة الجامع”.. ولقد تجدد هذا المسجد في بداية العصر الموحدي وأدى رسالته العلمية على امتداد التاريخ الفكري للمغرب، وهو الجامع الأعظم بسلا اليوم…

بلغ بنو عشرة ذورة المجد في أيام المرابطين وغدوا في سلا “بدور سمائها، وصدور أسمائها” كما يقول الفتح بن خاقان  في “قلائد العقيان”، وأصبحت حضرتهم قبلة يؤمّها طلاب النّوال، وكعبة يحج إليها أهل العلم والفضل، ومستراحا للوافدين من أعلام الأندلس على مراكش حاضرة المملكة يومئذ..

وإذا كان بنو عشرة قد بلغوا ذروة المجد في عهد المرابطين فإن ذلك يرجع إلى الميراث المادي والمعنوي الذي أورثهم إياه جدهم عشرة وبنوه من بعده، ولاشك أن ميراثهم المادي والحضاري كان كبيرا ونفيسا، وقد تولى بنو عشرة وتوارثوا منصب القضاء بحاضرة سلا وتجاوزوها إلى غيرها من الحواضر، فهذا أبو بكر البيدق يقول في كتابه “أنس الفقير وعز الحقير” أن المهدي بن تومرت وأصحابه نزلوا عند مرورهم بمكناسة عند الحسن بن عَشرة، وحلّاه بالقاضي…

ويرى العلامة محمد بن شريفة في مقاله القيم “أسرة بني عشرة” المنشور في العدد العاشر من مجلة “تطوان” سنة 1965 أن بني عشرة هم حماة الأدب بالمغرب خلال العصر المرابطي بعدما اعتراه ما اعتراه خلال هذا العصر من خمول وإهمال لدرجة جعلت الأديب بن بَقيّ يقول :

أكلُ بني الآداب مثلي ضائع                                       فأجعل ظلمي أسوة في المظالم

ستبكي قوافي الشعر ملء جفونها                                 على عربي ضاع بين أعاجم

لقد أصبحت ديار بني عشرة بسلا خلال العصر المرابطي ملتقى أعلام الفكر والعلم والأدب، وغدت حضرتهم بدون منافس في المغرب والأندلس، وهكذا عاد بهم كساد الأدب إلى نفاق.. ومن الشعراء الذين اتصلوا ببني عشرة عبد الجبار بن حمديس الشاعر الصّقِلي المعروف، فقد زارهم أثناء وفوده على المعتمد بن عباد في منفاه بأغمات..

يبدو أن زعامة سلا التي كانت لبني عشرة قد انتهت بانتهاء دولة المرابطين، ويرى الدكتور المقتدر محمد بنشريفة أن زعامة بني عشرة لسلا انتهت بوفاة القاضي أبي العباس بن عشرة الذي وصلت مدينة سلا في عهده ذروة مجدها العلمي والحضاري.. وبعد انقطاع أخبارهم خلال العهد الموحدي عاد بنو عشرة للظهور خلال العصر المريني، وهو العصر الذي شهدت فيه سلا نهضة علمية وأدبية  كبرى…

ونجد بعض بني عشرة في هذا العصر يتركون سلا في اتجاه المشرق من أجل طلب العلم، ومن هؤلاء محمد بن إبراهيم السلاوي الذي رحل إلى المشرق، ثم استقر بتونس حيث لقيه الرحالة بن رُشيد بها في سنة 683هـ، وذكر أنه اختص بخدمة الشيخ أبي الحسن الحِرّالي، وسمى بعد ذلك ما أخذه عن الحِرّالي من مؤلفاته، ومن بني عشرة الذين خرجوا من سلا في هذا العصر بعد ذلك الرجل المعروف ببني عشرة الذي رآه الإمام الشهير بن عرفة في القرن الثامن بمحروسة تونس.. ولا شك أن ذكر هذه الأسرة العالمة سيظل باقيا ما بقيت مدينة العَشَريين..

جازى الله بني عشرة عن حاضرة سلا وعن المغرب خيرا، والله الموفق للخير والمعين عليه..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق