مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكشذور

بيان حد أصول الفقه

 

يقول حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي في بيان حد أصول الفقه:

 اعلم أنك لا تفهم معنى أصول الفقه ما لم تعرف أولا معنى الفقه، والفقه عبارة عن العلم والفهم في أصل الوضع، يقال فلان يفقه الخير والشر أي يعلمه ويفهمه، ولكن صار بعرف العلماء عبارة عن العلم بالأحكام الشرعية الثابتة لأفعال المكلفين خاصة، حتى لا يطلق بحكم العادة اسم الفقيه على متكلم وفلسفي ونحوي ومحدث ومفسر، بل يختص بالعلماء بالأحكام الشرعية الثابتة للأفعال الإنسانية كالوجوب والحظر والإباحة والندب والكراهة، وكون العقد صحيحا وفاسدا وباطلا، وكون العبادة قضاء وأداء وأمثاله.

 ولا يخفى عليك أن للأفعال أحكاما عقلية أي مدركة بالعقل، ككونها أعراضا وقائمة بالمحل ومخالفة للجوهر، وكونها أكوانا حركة وسكونا وأمثالها، والعارف بذلك يسمى متكلما لا فقيها. وأما أحكامها من حيث إنها واجبة ومحظورة ومباحة ومكروهة ومندوب إليها فإنما يتولى الفقيه بيانها.

 فإذا فهمت هذا فافهم أن أصول الفقه عبارة عن أدلة هذه الأحكام وعن معرفة وجوه دلالتها على الأحكام من حيث الجملة لا من حيث التفصيل، فإن علم الخلاف من الفقه أيضا مشتمل على أدلة الأحكام ووجوه دلالتها ولكن من حيث التفصيل، كدلالة حديث خاص في مسألة النكاح بلا ولي على الخصوص، ودلالة آية خاصة في مسألة متروك التسمية على الخصوص، وأما الأصول فلا يتعرض فيها لإحدى المسائل إلا على طريق ضرب المثال، بل يتعرض فيها لأصل الكتاب والسنة والإجماع، ولشرائط صحتها وثبوتها، ثم لوجوه دلالتها الجميلة إما من حيث صيغتها أو مفهوم لفظها أو مجرى لفظها أو معقول لفظها وهو القياس من غير أن يتعرض فيها لمسألة خاصة، فبهذا تفارق أصول الفقه فروعه، وقد عرفت من هذا أن أدلة الأحكام: الكتاب والسنة والإجماع، فالعلم بطرق ثبوت هذه الأصول الثلاثة وشروط صحتها ووجوه دلالتها على الأحكام هو العلم الذي يعبر عنه بأصول الفقه.

المستصفى من علم الأصول

 تأليف الإمام أبي حامد الغزالي المتوفى سنة 505هـ

الصفحة: 5-6.

ترتيب وضبط:

 محمد عبد السلام عبد الشافي

الطبعة الأولى: 1413هـ-1993م

دار الكتب العلمية بيروت لبنان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق