مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

بواعث المحبة ووظائفها عند الصوفية -أبو حفص شهاب الدين السهروردي أنموذجا-

    يهتم المنتجون بالمعرفة المتعلّقة بالأصول الإسلامية والمشتغلون بها بمسألة الحبّ، يولونها عناية فائقة، وأكثرهم عناية بهذا النمط من المضامين، المنتجون للمعرفة الناشئة على ضفاف النص الأخلاقي من الدين الإسلامي، وقد كان لطبيعة النص الأخلاقي فضلا عن مضامينه أثر كبير في تطور هذا الجهد المعرفي والتربوي، وتتوقّف تلك المعارف كثيرا عند إرادة المتلقي بوصفها المدخل الرئيس لقلبه وعقله، ونظرا لارتباطها بالقلب كان التوقّف عنده لافتا للانتباه، فكثر إنتاج المعارف المتعلّقة بالقلب؛ فكان من مواضيعها المميزّة الحب والمحبة، ومن مقتضيات هذا الأمر الحديث عن بواعث المحبة ووظائفها.

   ولو قلنا إن المحبة موضوع صوفي بامتياز، ما خالفنا الحقيقة، بل أكّدنا على حقيقة موضوعية من جهة، ومن جهة أخرى أحلنا النظر إلى مسالك أخرى في إنتاج المحبة، مسالك بمقدورها لو أحسن استثمارها، أن تكون قيمة مضافة لمجموع مسالك إنتاج المعرفة المتعلّقة بالعلوم الإسلامية، وخاصة في ظل تسليك راشد يقوم عليه أهل المحبة في تصرفاتهم المتجلية في شعب الحياة، تتكشّف محبتهم في الشأن الثقافي والاجتماعي والتربوي ثم بعدها السياسي، كموقف من متغيرات الزمان وضروراته وفق ما تمليه استحقاقات الأمة في الوقت الراهن.

   اخترنا لبحث المسألة، وفق ما أشرنا إليه، الكتابة عن شخصية صوفية بامتياز، إنّه عبد القادر السهروردي، صاحب كتاب “عوارف المعارف”، سنتوقف في دراسة المسألة عند القضايا الآتية:

 – بواعث المحبّة عند السهروردي

 – وظائف المحبّة عند السهروردي

 – المحبّة وصناعة الحاضر والمستقبل

   يستفاد من كثير من أدبيات النهضة والدراسات الفكرية المعاصرة أن التصوّف كان سببا في الميل عن الاهتمام بالدنيا، يترتّب عليه عزلة عن الأحداث المتسارعة التي تقع للأمة في أوضاعها الفكرية والتربوية والفكرية والحضارية فضلا عن السياسية والاقتصادية والاجتماعية، لهذا شاعت هذه الفكرة السلبية عن التصوّف في المجتمع العربي والإسلامي بجميع روافده الإيديولوجية (اليسارية واليمينية والوسط والإسلامية والقومية و…)، وتداول الناس أنّ التصوّف ليس إلاّ تشجيعا للاستقالة الطوعية المتشرّعة من الواقع، وبعثا لإهمال التفكير في إصلاح أوضاع الأمة فضلا عن التدخّل بالفعل لأجل ذلك.

   وشمل الحكم جميع المتصوّفة، فلم يسلم منها تصوّف عرفاني، ولا تصوّف فلسفي، ولا تصوّف إشراقي، ولا تصوّف أخلاقي، فكان الموقف صارما، لا يحتاج إلى غير التفتيش عن عيّنات الإدانة، من هنا عُدَّ الحديث عن المحبّة تمكينا لفكرة السلبية المشار إليها، ولو تمادينا في التفصيل، لما سمحت به طبيعة الورقة المقدّمة، وحسبنا أن نفحص ثم نمحّص بعض الأطروحة المشار إليها أعلاه؛ فنتوقّف عند بعضها، وخاصة التصوف الأخلاقي، مركّزين على أنموذج دال: (شهاب الدين السهروردي)، ذلك أنّه “ما زال للتصوف أثره الكبير في حياتنا المعاصرة، إنّه لم يمت أبدا، و لا بد إذن أن نتعرف أصوله وأن نفهم منشأه وتطوره”.[1]

   وقد كان حضوره على المستوى الدولي مشهدا قابلا للمعاينة، وخاصة في الأيام  الأخيرة، عندما أصبح معوّلا عليه ليكون بديلا محبّذا ومنتظرا لأنماط الخطاب الاحتجاجي في ميدان الخطاب الديني السياسي أو المُسيَّس، فظهر الخطاب الصوفي مرتكزا في إبعاد الأنماط المشار إليها، من هنا تتأكّد ضرورة العناية بهذا النمط من المعارف الإنسانية، لأجل تجاوز مسالك التدجين أو التكييف مع رغبة الغالب الدولي الوقتي الراهن  من جهة، والإفادة من المحبة الصوفية والتصوف عموما في نهضة الأمة من جهة أخرى.

   نستهل الورقة بسؤال مركزي مفاده، هل كانت بواعث  المحبة ووظائفها عند شهاب الدين  السهروردي مجسّدة لفكرة الاستقالة من تأطير المجتمع، مبعدة عن الاهتمام بقضاياه ومشجّعة على إهمال المشاركة في نهضة الأمة؟ أم أنّ الأمر على خلاف ذلك، ولا يمكن الخلوص إلى المراد قبل التعريف  المجمل بالشخصية التي نحن بصددها.

من المقصود بالسهروردي في هذا البحث؟

   المنتسبون إلى سهرورد [2] كُثُر [3] اشتهر كثير منهم بالاهتمام بالتربية الروحية تنظيرا وتطبيقا، وفق مشارب متنوّعة [4]، اختلف الباحثون في الإقرار بها وتقويمها، وبصحة الانتساب إليها، وعلى الرغم مما نُقِل من اختلاف في شأن الشخصيات المشار إليها، إلاّ أنّ شخصيتنا المختارة، كانت محلّ إجماع الدارسين من جهة انتمائها ومشربها التربوي، وقبل  تحديد مشربها، يحسن التعريف بها.

   هو يحيى أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الله ابن عمويه شهاب الدين القرشي السهروردي البغدادي (539هـ-632هـ) التيمي البكري، فقيه شافعي، مفسر، واعظ، مشارك في علوم شتى، من كبار صوفية الأمة الإسلامية على مشرب أهل السنة، المشرب الذي يركّز على المسألة الأخلاقية في التصوف، وفق مسالك الزهاد المتقدمين، تنسب إليه أشهر الطرق في القرنين السادس والسابع الهجريين، عُرِفت بالطريقة السهروردية، وتُعْرف ككثير من الطرق الصوفية بالسعي إلى الجمع بين الشريعة والحقيقة، ذلك أنّ التصوف عنده “طريق جامع بين الشريعة والحقيقة”،[5] ويمثّل السمة العامة للتصوف الأخلاقي المشتهر والمنتشر في الأوساط السنية.

   اجتمع فيه الأخذ بالواسطة كثير من أعلام التصوّف، فتأثّر بالسراج الطوسي (378ھ) صاحب كتاب “اللمع”، وبأبي طالب المكي (386هـ) صاحب كتاب “قوت القلوب”، وبالقشيري (465هـ) صاحب كتاب “الرسالة”، وبأبي حامد الغزالي (505هـ) في كتاب “إحياء علوم الدين”، وأخذ مباشرة عن خاله وشيخه أبي نجيب السهروردي (563هـ)، [6] الحجة السند الرئيس في المشرب الأخلاقي،[7] والشيخ عبد القادر الجيلاني (561هـ)، وأبي محمد القاسم بن عبد البصري (580ه).[8]

   اشتهر بالانتماء إلى التصوف والكتابة فيه، لهذا شاع بكتابه الموسوم بـ” عوارف المعارف”،[9] كما كانت له مساهمات في مجموع العلوم الإسلامية، فمن مؤلفاته: “أعلام الهدى وعقيدة أرباب التقى”، و”حلية الفقير الصادق في التصوّف”، و”رسالة السير والطير”، و”جذب القلوب إلى مواصلة المحبوب”، و”زاد المسافر وأدب الحاضر”، وفضلا عن مشاركته في مختلف ميادين العلوم الإسلامية، فقد كتب في نقد الفلسفة اليونانية كتابه “رشف النصائح الإيمانية وكشف الفضائح اليونانية”.[10]

التصوف عند السهروردي

   يفهم من أدبيات السهروردي المنزع العملي في اهتماماته الصوفية، وإذا عرف هذا المعنى من التصوّف، خلصت الجهود لأجل  حصول الأخلاق وتبديلها وفق الحقيقة المعبّرة عن المهمّة الرئيسة من التصوّف، لهذا انتهى إلى أنّ التصوف فوق الزهد وفوق الفقر.[11]

   وأقوال مشايخ الصوفية في ماهية التصوّف تزيد عن ألف قول، يطول نقلها، كما قال السهروردي، لهذا حاول رحمه الله استنتاج ضوابط تجمع مجمل معانيها وإن اختلفت ألفاظها، ذلك أنها مع اختلاف الألفاظ فالمعاني متقاربة، ويجمعها حسب تقديره أصول مهمة.

   يقول رحمه الله: “الصوفي هو الذي يكون دائم التصفية لا يزال يصفي الأوقات عن شوب الأكدار بتصفية القلب عن شوب النفس، ويعينه على كل هذه التصفية دوام افتقاره إلى مولاه، فبدوام الافتقار ينقى الكدر، وكلما تحرّكت النفس وظهرت بصفة من صفاتها أدركها ببصيرته النافذة وفر منها إلى ربّه، فبدوام تصفيته جمعيته، وبحركة نفسه تفرقته وكدره؛ فهو قائم بربه على قلبه، وقائم بقلبه على نفسه، قال تعالى: “كونوا قوامين لله شهداء بالقسط”، وهذه القوامة لله على النفس هو التحقق بالتصوف”.[12]

كما قال الشاعر الصوفي:

                     ليس التصوف لبس الصوف ترقعــه     ولا بكاؤك إن غنى المـغنـونــــا

                     ولا صياح ولا رقص ولا طـــرب      ولا تغاش كأن قد صرت مجنونـــا

                     بل التصوف أن تصفو بلا كــــدر     وتتبع الحق والقرآن و الـدنـيــــا

                     وأن ترى خاشعا لله  مكتئبــــــا    على  ذنوبك طول الدهر محـزونـــا

 التصوف والحب

   أسماء التصوف المتداولة تدل بمجموعها على مركزية المسألة الأخلاقية، والتي يُعَدُ الحب محورها الرئيس، يستفاد هذا المعنى من مختلف تلك التسميات من نحو “علم الأخلاق”،  و”علم الحقائق والمنازل”، و”علم الأحوال”، و”علم المعاملة والإخلاص في الطاعات”، و”علم السلوك”، و”علم الأسرار”، و”علم القلوب”، و”علم المعارف”، و”علم الإشارة”، و”علم الرياضة ومكائد الشيطان”، و”علم المكاشفة و المشاهدة”…

   فالأسماء تشير بمجموعها إلى لغة القلوب التي قوامها المحبّة، لهذا لا تُعْرف كلمة من أسماء المعاني شغلت الصوفية كما شغلتهم كلمة “الحب”، ويكفي أن تتذكّر أنّ أناشيد الصوفية تتمحور كلّها على الحب، وأنّ التصوّف لا يصلح إلا بفضل الحب، ولا يفسد إلا بسبب الحب، فالحب هو الأول والآخر في حياة القوم.[13]

   ذلك أنّ منزلة المحبة سامية وما سُمِّيَت محبّة إلا لأنّها خلصت إلى حبّة القلب، مجتمع العروق فجرت وشربت منها عروقهم حتى رويت[14]، وليست المحبّة غير صفاء المودّة، لأنّ العرب يسمون صفاء بياض عين الإنسان حبّة الإنسان كما يقال لصفاء سويداء القلب حبّة القلب، فصار الأول محلّ الرؤية، والثاني محلّ المحبّة.[15]

   لهذا يتعين للكتابة عن التصوف، التوقّف مليا عند الحب فكرة ومزاولة عند أهله الصادقين، ويفرض هذا المسعى فك التخليط المقصود بين الألفاظ والمعاني من جهة، والتشنيع على القوم أو إنزالهم منزلة الأنبياء، فلا التهويل من شأنهم ينفع، كما لا ينفع أيضا التهوين من شأنهم من جهة أخرى، كما يطلب أن نتوقّف عند التمييز بين التصوف من حيث وظيفته، والتصوف في واقع الناس من جهة أخرى، بغية إبعاد التشويش عن المصطلح ودفع محاولات تعويمه على الأقل، خوفا من أن لا يصبح للمصطلح  معنى في عالمه الخاص.

   ونظرا لما للحب من حضور جلي في أدبيات الصوفية فإنّ الكتابة في التصوف كتابة عن الرتب التربوية في مسالك أهل التصفية والتزكية والتسليك، كتابة في لغة القلوب وعنها، والتي تمثّل بوظائفها التربوية ورسالتها الاجتماعية والحضارية طريقا سريعا إلى نيل قرار التعيين في المقرّبين عند الله، والانخراط في رتب التربية الروحية، تلك الرتب التي تُعَد –بحق وحقيقة- مراقي الدرجات الرفيعة ومنازل أصحاب الهمم العالية،[16] فليست المحبّة غير سعي مستمر للترقي في سلم الأحوال أو المقامات بحسب منزلة الساعي إلى نيل الرتب، ذلك أنّ المحبّة صفة تجذب القلوب والأرواح والعقول وتدفعها إلى الترقي، إنّها جُهْد إرادي كسبي في أصل وضعه، قوامه التطهّر من الأوصاف الذميمة والتحلي بالصفات الحميدة، وكلّما تطهّرت النفس من الذمائم مالت الروح إلى المحبة.[17] فالمحبة ليست مفصولة عن الإرادة والسعي في أصل وضعها، من هنا كانت المحبّة في أصل وجودها ومبعث استمرارها فعلا متدرجا مستمرا،[18] يفرض جهدا دائبا وسعيا لنيل مؤهلات نيل المحبة والمحافظة عليها.

   يتبيّن مما سلف تقريره أن المحبّة عند الصوفية قوامها تحصيل مؤهلات تيسّر نيلها والمحافظة عليها، هي أشبه بالمطية، فمن فقدها فقد الوصول، والمحبّة عند السهروردي لم تخرج عن تلك المعاني والشروط العامة، وتفصيل القول فيها يدفعنا إلى الانتقال إلى الفكرة اللاحقة.

المحبة عند السهروردي

   يستهل السهروردي حديثه عن المحبّة بحديث النبي المصطفى صلى الله عليه وسلّم: “اللهم اجعل حبّك أحبّ إليَّ من نفسي وسمعي وبصري وأهلي ومن الماء البارد”.[19]

أولا: بواعث المحبّة عند السهروردي:

   يرى السهروردي أنّ الحديث المشار إليه من أهمّ بواعث المحبة، فقد اشتمل على مجموع مكوّنات الإنسان؛ فمنها محبّة الروح، ومنها أيضا محبّة القلب، ومحبّة النفس، ومحبّة العقل، ولكلّ دورها ووظيفتها، كما أنّ لكلّ منها بواعثها الخاصة وإن اشتركت من حيث جعله الالتزام بالسُنَّة مبعثها الرئيس جميعا، ويجمعها من جهة ويسوقها إلى المقصود إن كانت خالصة لله في مجموع المسارات المشار إليها، وذلك أنّه إن تعلّقت الروح والقلب والعقل والنفس في حبّها بالله طلبت خالص الحب، فيكون العبد بهذا محبّا لله تعالى بكليّته، فيكون حب الله باعثا رئيسا على استئصال كلّ محبة من عروق الإنسان؛ فيكون حبّ الله غالبا، وهنا تظهر نتائج تلك المحبّة، فيحب الله بقلبه وروحه وكلّيته، حتى يكون حب الله تعالى أغلب في جميع أحواله، فيصير طبعا وسجية وجبلة أكثر من حب الماء البارد، كأنّه يتحوّل من كسبي إلى فطري يلازمه في كلّ حال، وليس بمقدوره التنصّل منه.

   وهذا الحب الخالص الصافي موفور لخواص تنغمر به وبنوره نار الطبع والجبلة، فلا تكون إلا على وفق ما طلب المحبوب، أما غير الخاصة، والذين خصّهم السهروردي بالحب العام، فلهم نمط آخر من الحب، ولهذا توقّف السهروردي عند نمطين رئيسين من بواعث المحبّة، فالخواص يكون حبهم المنبعث من محبّة الذات (المحبوب) نتيجة عن مشاهدة بعكوف الروح وخلوص المحبّة إلى مواطن القرب، وشرط المحبّ، أن تلحقه سكرات المحبّة، فإذا لم يكن ذلك لم يكن حبه فيه حقيقة، من هنا انتقل إلى تقسيم الحب إلى قسمين؛ فقال: الحب حبان: حب عام، وحب خاص، ولكلّ بواعثه ووظائفه، وليس في التقسيم طبقية، بل هي قسمة وظيفية، تيسّر الفهم، وتدفع المنتمين إلى القسم الأول إلى بذل الجهد لأجل الانتقال إلى القسم الثاني،كما تشير إلى أنّ لكلّ الناس حظهم من الحب، فما عليهم إلا تعهّده بالعناية والحماية والتنمية، وفق ما يحقق الأبعاد الإنسانية المتجلية في شعاب الحياة.

بواعث المحبّة في الحب العام

   الحب العام قسم مشترك بين القسمين من المنتمين إلى  خط التصوف، فهي صفة الأدنى والأعلى على حدّ سواء، ذلك أن الأعلى إنّما ترقى بعد تحصيل صفات الأدنى ضرورة، وهي القسط المشترك المنال من الالتزام بأحكام الشريعة، لهذا ليس الحبّ العام إلاّ ثمرة امتثال الأوامر الشرعية والابتعاد عن النواهي، ولهذا يفسر هذا النمط من الحب بامتثال الأمر.

   وقوام الالتزام بالأحكام الشرعية معرفتها وتحصيل العلم بها، من ثمَّ كان من أهمّ بواعث الحب العام العلم بالأحكام الشرعية والعمل بها والتصرف بمقتضاه، لهذا عدّه السهروردي حبا من معدن العلم بالآلاء والنعماء، أي ناتج عنه، ومنه ينبعث، وعنه يصدر، ولهذا فالحب مخرجه من الصفات، وقد ذكر جمع من المشايخ هذا الحب ضمن سلّم المقامات، فيكون النظر إلى هذا الحب العام الذي يكون لكسب العبد فيه مدخل.

   والمقام عند السالكين على صيغة الظرف وهو الوصف الذي يثبت عليه العبد ويقيم عليه، ومقام العبد عند الله عزّ وجلّ ما اختاره لنفسه؛ فيكون مقامه بقدر ما يقوم به من العبادات والمجاهدات والرياضات والانقطاع عمّا سوى الله تباركت أسماؤه.[20]

   قال القشيري: “المقام ما يتحقق به العبد بمنازلته من الآداب مما يتوصّل إليه بنوع تصرف ويتحقق به بضرب تَطَلُّب ومقاساة تكلّف فيقام كلّ أحد موضع إقامته عند ذلك”،[21] ويقرر هذه الحقيقة كثير من الصوفية، عبّر عنها الجرجاني بقوله: “المقامات مكاسب”،[22] ووظّفها بهذا المعنى ابن جزي الغرناطي، حيث قال: “المحبّة الخاصة التي ينفرد بها العلماء الربانيون والأولياء والأصفياء من أعلى المقامات”،[23] بمعنى أنّ تحققها وتمكّنها من النفس هي أعلى المراتب كلّها بشرط سكون النفس بها وتملّكها للجوارح.

بواعث المحبّة في الحب الخاص

   المحبّة في الحب الخاص رتبة تنال بعد تحصيل المحبّة المحصّلة بطريق الحب العام، لهذا فهي فضلا عن تحقيق مواصفات الحب العام، تحقّق تجاوزها برتبة قوامها حب الذات عن مطالعة الروح، فهي ليست من قبيل الحب الذي معدنه العلم بالآلاء والنعماء فقط، بل يتجاوزه لينال بطريق مطالعة روحية تطالع بموجبها الروح الذات ويتولّد عنها حبّها والتعلّق بها، فهي معرفة كشفية قلبية جوانية، وهو الحب الذي فيه السكرات، وهو محض كرم واصطفاء من الله عزّ وجلّ يصطنعه الله الكريم لعبده، وهذا الحب يكون من الأحوال، لأنّه محض موهبة ليس للكسب فيه مدخل، وهو مفهوم من قول النبي صلى الله عليه وسلّم: “أحبّ إليّ من الماء البارد”، لأنّه كلام عن وجدان روح تتلذذ بحب الذات، وهذا الحب روح، والحب الذي يظهر عن مطالعة الصفات ويطلع الإيمان قالب هذا الروح، ولما صحّت محبّتهم هذه أخبر الله تعالى عنهم بقوله: ﴿أذلّة على المؤمنين﴾، لأنّ المحب يذل لمحبوبه ولمحبوب محبوبه، وينشد:

                            لعين تفدّى ألف عين وتتقى      ويكرم ألف للحبيب المكرم

   هذا الحب أصل الأحوال السنية وموجبها، وهو في الأحوال كالتوبة في المقامات، فمن صحت توبته على الكمال تحقق بسائر المقامات من الزهد والرضا والتوكّل، تلاحظ أن الحال والمقام من المصطلحات الرئيسة عند السهروردي في عرض مسألة المحبّة، لهذا نحن بحاجة إلى بيان مراده بها في هذه الورقة.

الحال والمقام عند السهروردي

   اختلفت إشارات الشيوخ في الفرق بين الحال والمقام، فتراءى للبعض أنّ هذا الشيء يُعَد حالا وتراءى للبعض مقاما، وكلا الرؤيتين صحيح لوجود تداخلهما، بحسب تقدير السهروردي، وضابط التمييز بينهما، أن اللفظ والعبارة عنهما مشعر بالفرق، فالحال سمي حالا لتحوّله، والمقام مقاما لثبوته واستقراره، وقد يكون الشيء حالا ثم يصير مقاما.[24]

  يستهل السهروردي تجاوز ما شاع ليتجاوب مع الاصطلاح الذي اختاره، فيضرب بهذا الصدد الأمثلة لأجل تيسير البيان، تأكيدا لفكرة أن الحال اللاحقة تنازل المقام السابق، لترتقي به إلى مقام لاحق، وهكذا دواليك من حال إلى مقام ومن مقام إلى حال ينازله، لأجل تنمية قدرات المتحلي بها  وتأهيله للترقي، فإذا داوم على الحال بداعٍ من باطنه، ولازمه العبد وتعهّد  الحال حتى يتحوّل إلى مقام، أسلمه هذا لحال أعلى وبتعهّده يترقى إلى مقام أسمى وهكذا دواليك، حال مستقر عليها فينتقل إلى مقامه، ثم حال أعلى ثم مقامها، وهكذا يصعد من حال إلى مقامها ثم حال أعلى فمقامها…[25]

   ولما كان الأصل في الأحوال هذه الحالة وهي أشرف الأحوال وهي محض موهبة لا تكتسب سميت كل المواهب من النوازل بالعبد أحوالا، لأنّها غير مقدورة للعبد بكسبه، فأطلقوا القول وتداولت ألسنة الشيوخ أن المقامات مكاسب، و الأحوال مواهب محفوفة بالمكاسب، فالأحوال مواجيد، والمقامات طرق المواجيد، ولكن في المقامات ظهر الكسب وبطنت المواهب، وفي الأحوال بطن الكسب وظهرت المواهب، فالأحوال مواهب علوية سماوية، والمقامات طرقها.[26]

خالص الحب [27]

   والحب الخالص أصل الأحوال السنية وموجبها، بحيث لا يتصوّر الترقي في سلم الأحوال أو المقامات بالمعنى الذي أشرنا إليه في أدبيات السهروردي بغير الحب، فالحب شرط أساسي للترقي، وفقده مُفضٍ إلى فقد الصعود في سلّم المقامات والأحوال، والحب في الأحوال كالتوبة في المقامات، فمن صحّت توبته على الكمال تحقق بسائر المقامات من الزهد والرضا والتوكل، وكذلك من تحقّق بالحب على الكمال تحقق بالأحوال، فمن حال المحاسبة إلى مقام المحاسبة، ثم منها إلى حال المراقبة لتصبح مقام المراقبة، ثم بالجهد تتحوّل بنازلة المشاهدة إلى حال المشاهدة، وبالمداومة عليها تصير مقام المشاهدة…، لهذا قال: “من صحّت محبته تحقق بسائر الأحوال من الفناء والبقاء والصحو والمحو وغير ذلك”.[28]

   والحب الخالص أن يحب العبدُ الله تعالى بكليته، وذلك أنّ العبد قد يكون في حال قائما بشروط حاله بحكم العلم، والجبلة تتقاضاه بضد العلم، مثل أن يكون راضيا والجبلة قد تكره، ويكون النظر إلى الانقياد بالعلم لا إلى الاستعصاء بالجبلة، فقد يحب الله تعالى ورسوله بحكم الإيمان، ويحب الأهل و الولد بحكم الطبع.

ثانيا: وظائف المحبّة عند السهروردي:

   يذكر السهروردي أنّ للمحبّة وجوها، وبواعثها في الإنسان متنوّعة، فمنها محبة الروح، ومحبة القلب، ومحبة النفس، ومحبة العقل، وهي متجلية في القسمين معا، تظهر في الحب العام كما تظهر في الحب الخاص، وما ظهر في الأول ظهر في الثاني ضرورة، لأنّه شرط أساسي فيه، فمن لم يتحقق بالحب العام، لا يمكن أن يترقى إلى مرتبة الحب الخاص، لهذا كانت وظائف الحب العام مندرجة ضرورة في وظائف الحب الخاص.

   قد يتبادر إلى الذهن في أوّل وهلة، وفق ما ألمحنا إليه في مستهل البحث، أنّه لا صلة للمحبة عند الصوفية بالمسألة الاجتماعية، وهي في الحقيقة محورها الرئيس، وفق ما سنكشف عنه من مقولات السهروردي، أما وظائفها الأخرى فهي أجلى من أن تكون مثار نقاش، سنعرض بهذا الصدد جملة من الوظائف، نجملها في الوظيفة التعليمية ثم الوظيفة التربوية، ثم الوظيفة النفسية (تربية الإرادة)، وأخيرا الوظيفة الاجتماعية.

1 – الوظيفة التعليمية للمحبّة [29]

   ذكرنا أنّ وظيفة الحب العام مندرجة ضرورة في وظيفة الحب الخاص، وإذا كانت وظيفة الحب العام متأتية من العلم بالآلاء والنعماء، فهو يؤكّد بما لا يدع مجالا للشك أنّ المحبة تفرض تعلّما مستمرا ييسّر تحقيق الأبعاد الوظيفية للمحبة، وكذلك الحال في الحب الخاص في حالاته الأولى، لهذا كانت المحبّة في رُتْبتَيْها طريقا لبعث الاهتمام بالعلم بما جاءت به الشريعة، ومبعثا للنظر بالبصر والبصيرة في آلاء الله ونعمه التي لا تحصى، ومن فقد العلم بالشريعة والعلم بالآلاء والنعماء فقدَ ضرورة المحبّة في القسمين، ولو لم يكن منه إلاّ تعلّم طرق المحبّة لكان حريا بالعناية، وبعد معرفته ينتقل إلى البحث عن مقتضيات هذا الحب في شعاب الحياة، ولكن المعرفة الصرف لا تجدي نفعا ما لم تتحوّل إلى أثر تربوي ونفسي واجتماعي، تعاين آثاره في مجمل شؤون الحياة، وهو ما نعمل على بيانه في الفقرات اللاحقة.

2 – الوظيفة التربوية للمحبّة

   التربية الناجعة تتأسس على العلم ولا علم بغير التعلّم، لهذا كان من مطالب تحقيق التربية بالحب تعلّم الحب والعلوم الدالة عليه في موضوعه والدالة على تجلياته في التصرفات اليومية، لهذا كانت العناية بالحب في أبعادها التربوية عند الصوفية عموما وعند السهروردي جلية في مجموع جهوده، وخاصة في كتابه “عوارف المعارف”، وتتلخص على سبيل المثال لا الحصر في:

أ – التوبة يجلبها الحب [30]

   التوبة بالنسبة للحب بقسميه (العام والخاص) بمثابة القوة المستودعة في النمطين من الحب؛ لأنّها مشتملة على الحب العام الذي هو لهذا الحب كالجسد، ومن أخذ في طريق المحبوبين وهو طريق خاص من طريق المحبة يكتمل فيه ويجتمع له روح الحب الخاص من قالب الحب العام الذي يشتمل على التوبة النصوح.

   وإذا كان الحب للأحوال كالتوبة للمقامات، فمن ادعى حالا يعتبر حبه، ومن ادعى محبة تعتبر توبته، فإن التوبة قالب روح الحب، وهذا الروح قيامه بهذا القالب، والأحوال أعراض قوامها بجوهر الروح.[31]

ب- التخلّق بأخلاق الله

   بمعنى الاتصاف بالأخلاق التي طلب الله التحلي بها، وهو الذي عبّر عنه حقيقة قول الرسول صلى الله عليه وسلّم: (تخلّقوا بأخلاق الله)، لأنّه بنزاهة النفس وكمال التزكية يستعد للمحبة، والمحبة موهبة غير معللة بالتزكية، ولكن سنة الله جارية أن يزكي نفوس أحبائه بحسن توفيقه وتأييده، وإذا منح نزاهة النفس وطهارتها ثم جذب روحه بجاذب المحبة خلع عليه خلع الصفات والأخلاق، ويكون ذلك عنده رتبة في الوصول؛ فتارة ينبعث الشوق من باطنه إلى ما وراء ذلك لكون عطايا الله غير متناهية، وتارة يتسلى بما منح فيكون ذلك وصوله الذي يسكن نيران شوقه، وبباعث الشوق تستقر الصفات الموهوبة المحققة رتبة الوصول عند المحب.[32]

 ج – التحلي بصفات المحبوب على البدل

   تدخل عليه صفات المحبوب على البدل من صفات المحب، سئل الجنيد عن المحبّة، قال: دخول صفات المحبوب على البدل من صفات المحب، قيل هذا على معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: (فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا)،[33] وذلك أنّ المحبة إذا صفت وكملت لا تزال تجذب بوصفها إلى محبوبها؛ فإذا انتهت إلى غاية جهدها وقفت والرابطة متأصّلة متأكّدة، وكمال وصف المحبة أزال الموانع من المحب، وبكمال وصف المحبة تجذب صفات المحبوب تعطفا على المحب المخلص من موانع قادحة في صدق الحب، ونظرا لقصوره بعد استنفاد جهده، يعود المحب بفوائد اكتساب الصفات من المحبوب.[34]

د – الهداية طريقها المحبة

من نال المحبة هُدِي إلى طريق الهداية، فمن قوله تعالى: ﴿ويهدي إليه من ينيب﴾، أثبت كون الإنابة سببا للهداية في حق المحب، وفي حق المحبوب صرح بالاجتباء غير معلل بالكسب.[35]

هـ – الإخلاص نتيجة المحبة

ذلك أن صدق المحبّة يفرض أن تهب لمن أحببت كلّك فلا يبقى منك لك شيء مصداقا لقول أحدهم [36]: “حقيقة المحبة أن تهب لمن أحببت كُلَّكَ ولا يبقى لك منك شيء”، و قال آخر [37]: “ما لم تخرج من كليّتك لا تدخل في حد المحبة”.[38]

و- حسن ثواب الآخرة

 شدّة التعلّق بالمحبوب يورّث الحنين والأنين حتى أنّه لا يسكن إلاّ إذا لحق بمحبوبه، لهذا قالت رابعة العدوية: “محب الله لا يسكن أنينه وحنينه حتى يسكن مع محبوبه”، وقال أحدهم [39]: “من قتلته محبته فديته رؤيته، ومن قتله عشقه فديته منادمته”، وفضلا عن كلّ ذلك فقد “ذهب المحبون لله بشرف الدنيا والآخرة، لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: (المرء مع من أحب)، فَهُم مع الله تعالى”.[40]

ح –  تجديد الود للمحبين

وصف بعض العارفين صفة أهل المحبّة الواصلين فقال: جدد لهم الود في كلّ طرفة بدوام الاتصال، وآواهم في كنفه بحقائق السكون إليه حتى أنَّت قلوبهم وحنّت أرواحهم شوقا، وكان الحب والشوق منهم إشارة من الحق إليهم.[41]

3 – الوظيفة النفسية (تربية الإرادة)

 المحبّة عند الصوفية وسيلة فعالة لتربية الإرادة، وسبيل مهمّة لبعث العوامل النفسية من مرقدها، فالمحبّة تدفع إلى طلب العُلى والسعي الحثيث إلى الترقي في سُلَّم الأحوال والمقامات.

أ – تربية الإرادة على مسعى التنمية

ذلك أنّ من  صحّت محبته تحقق بالحال الذي هو فيه وترقى به إلى مرتبة المقام، وهكذا من حال إلى مقام ومنه إلى حال أعلى، ينمو في سائر الأحوال من الفناء والبقاء والصحو والمحو وغير ذلك،[42] وفي ذلك  تيسير للتربية على الترقّي بجهد خاص يبذله المحب من أجل نيل الرتب السامقة.

ب – الترقي في أطوار المقامات للمحب

ييسّر للمحب الصادق في المحبة الترقي السريع في الأطوار، فلا يمكث كغيره المُدد الطويلة ليصل إلى المبتغى، فيصل إلى المقصود في الترقية في أقصر وقت يتقلب في أطوار المقامات، لأنّ التقلب في أطوار المقامات والترقي فيها طريق المحبين، ومن أخذ في طريق المجاهدة من قوله تعالى: ﴿والذين جاهدوا فينا لنهديهم سبلنا﴾،[43] تحقق له المراد.

ج – تطوى للمحب  أطوار المقامات

من أخذ في طريق المحبوبين يطوي بساط أطوار المقامات ويندرج فيه صفوها، وخالصها بأتمّ وصفها، والمقامات لا تقيّده ولا تحبسه وهو يقيّدها ويحبسها بترقية منها، وانتزاعه صفوها وخالصها، لأنّه حيث أشرقت عليه أنوار الحب الخاص خلع ملابس صفات النفس ونعوتها، والمقامات كلها مصفية للنعوت والصفات النفسانية، فالزهد يصفيه عن الرغبة، والتوكل يصفيه عن قلّة الاعتماد المتولّد عن جهل النفس، والرضا يصفيه عن ضربان عرق المنازعة، والمنازعة لبقاء جمود النفس ما أشرقت عليها شموس المحبّة الخاصة فبقيت ظلمتها وجمودها، لهذا قال أحدهم [44]: “فإذا تقلّب في أطوار المقامات لعوام المحبين، وطي بساط الأطوار لخواص المحبين وهم المحبوبون، تخلفت عن هممهم المقامات، وربما كانت المقامات على مدارج طبقات السماوات: وهي مواطن من يتعثّر في أذيال بقاياه.”[45]

د –  لين النفس مجلوب بالمحبة

من تحقق بالحب الخاص لانت نفسه وذهب جمودها، فينزع الزهد منه الرغبة، ورغبة الحب أحرقت رغبته، ويصفي منه التوكّل ومطالعة الوكيل حشو بصيرته، ويسكن فيه الرضا عروق المنازعة مع مَنْ لم تسلم كليته؟. [46]

هـ –  تطهير الإرادة

المحبّة تولّد السرور بالله، محبّة تحرق كلّ دنس وتطهّر القلب من التعلّق بكلّ ما من شأنه أن يضيّع أبعادها الوظيفية، ولهذا قال أبو الحسين الوراق: “السرور بالله من شدّة المحبّة له، والمحبّة في القلب نار تحرق كل دنس”.[47]

و –  تحرير الإرادة

 منتهى ما يطلبه المحب أن يحرر إرادته من التعلّق بكلّ شيء حتى من المحبّة نفسها، فلا تتعلّق همّته بغير المحبوب بالفناء عن المحبّة نفسها، قال أبو يعقوب السوسي: “لا تصح المحبّة حتى تخرج من رؤية المحبة إلى رؤية المحبوب بفناء المحبّة من حيث كان له المحبوب في الغيب ولم يكن هذا بالمحبة، فإذا خرج المحب إلى هذه النسبة كان محبا من غبر محبة”،[48] ويقرب منه ما نقل عن الشبلي عندما سئل عن المحبّة؛ فقال: كأس لها وهج إذا استقر في الحواس وسكن في النفوس تلاشت.[49]

ز – الترقي في المقامات طريقها المحبّة

إشارات الشيوخ في الاستغراق والفناء كلّها عائدة إلى تحقيق مقام المحبّة باستيلاء نور اليقين وخلاصة الذكر في القلب، وتحقيق حق اليقين بزوال اعوجاج البقايا، وأمنت اللوث الوجودي من بقاء صفات النفس، وإذا صحّت المحبة ترتّبت عليها الأحوال وتبعتها.[50]

ح – الشوق والمحبة

يذكر أنّ للمحبة ظاهرا وباطنا، ظاهرها اتباع رضا المحبوب، وباطنها يكون مفتونا بالحبيب عن كلّ شيء، ولا يبقى فيه بقية لغيره ولا لنفسه، فمن الأحوال السنية في المحبة الشوق، ولا يكون المحب مشتاقا أبدا، لأن أمر الحق تعالى لا نهاية له، فما من حال يبلغها المحب إلا ويعلم أن ما وراء ذلك أوفى منها.

   وبعد عرض مختلف الآراء المتضاربة في العلاقة بين الشوق والمحبة بين مثبت ومانع، انتهى السهروردي إلى التوسط، فقال: “وعندي أن الشوق الكائن في المحبين إلى رتب يتوقعونها في الدنيا، غير الشوق الذي يتوقعون به ما بعد الموت، والله تعالى يكاشف أهل ودّه بعطايا يحدونها علما ويطلبونها ذوقا، فكذلك يكون شوقهم ليصير العلم ذوقا، وليس من ضرورة مقام الشوق استبطاء الموت، وربّما الأصحاء من المحبين يتلذذون بالحياة لله تعالى، كما قال الجليل سبحانه لرسول الله صلى الله عليه وسلّم: ﴿قل إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين﴾، فمن كانت حياته لله، منحه الكريم لذة المناجاة والمحبة، فتمتلئ عينه من النقد، ثم يكاشفه من المنح والعطايا في الدنيا ما يتحقق بمقام الشوق من غير الشوق إلى ما بعد الموت، ولا يعني بالشوق إلا مطالبة تنبعث من الباطن إلى الأولى والأعلى من أنصبة القرب، وهذه المطالبة كائنة في المحبين، فالشوق إذا كائن لا وجه لإنكاره.[51]

ط – الأنس بالله يناله المحب

تعهد المحبة بالعناية لتتحوّل من حال إلى مقام يستقر عنده المحب، يدفعه إلى الأنس بالله، وبهذا ينال المحب انبساط المحبوب، وفق ما نُقِل عن ذي النون عندما سئل عن الأنس، فقال: “هو انبساط المحب للمحبوب…”، ويؤكّد معناه الخراز في قوله: “الأنس محادثة الروح للمحبوب في مجالس القرب”. [52]

 3 – الوظيفة الاجتماعية:

 يهتم الصوفية الحقيقيون بالوظيفة الاجتماعية للمحبّة، لهذا يعتنون بالأبعاد الوظيفية للحب من زاوية اجتماعية، حتى لتغدو المحبة عندهم بغير تلك الأبعاد إدعاء فارغا لا دليل عليه، ذلك أنّهم جعلوا من تلك الوظيفة الاجتماعية شاهد إثبات صدق المحبّة، منها على سبيل المثال لا الحصر:

أ – علامة المحبّة اتقاء المحارم [53]

اتقاء المحارم دليل المحبّة، لهذا نقل عن بعضهم وفق ما أثبته السهروردي أنّ من ادعى محبّة الله من غير تورّع عن محارمه فهو كاذب، وتورّع المحارم دعوة لضبط العلاقات الاجتماعية وفق مراد الله، فمن لم يكن منضبطا بها من مدعي المحبة فهو كاذب، وبهذا يتأكّد ما للمحبة من أثر في ضبط العلاقات الاجتماعية وصبغها بالأبعاد الإنسانية، التي تُرى إعانة وتضامنا مع الفقراء والمساكين في شعب الحياة.

  ب – الإنفاق من الملك علامة المحبّة

الإنفاق على عباد الله الذين هم عيال الله مما جعلك الله مستخلفا وموظفا فيه، كما ورد في الحديث، من أهم مظاهر الأبعاد الاجتماعية في المحبة، ومن ادّعى محبة الجنة من غير إنفاق ملكه فهو كذاب، كما نقله السهروردي.[54]

 ج – حب الفقراء علامة المحبّة [55]

حب رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنوانه حب الفقراء والمساكين، لهذا قال السهروردي: “إنّ من ادعى حب رسول الله صلى الله عليه وسلّم من غير حب الفقراء فهو كذاب”، ذلك أنّ من مقتضيات حب الرسول عليه السلام أن تطيعه فيما أمر، ومحبّة الفقراء والمساكين من التجليات المهمّة لحب النبي صلى الله عليه وسلّم، وكانت رابعة العدوية تقول:

              تعصي الإله وانت تُظهر حبّه     هذا لعمري في الفعال بديع

              لو كان حبك صادقا لأطعمته      إن المحب لمن يحب مطيع

 ثالثا:  المحبّة وصناعة الحاضر والمستقبل:

   العناية بالمحبّة عند الصوفية والسهروردي على الخصوص، تدفعنا إلى محاولة تأوين ما جاء في المحبّة عند الصوفية مع مقتضيات أسئلة الواقع المعاش، ولكن تصادفنا في طريق الإثبات مجموعة من المواقف التي تجعل التصوف أبعد ما يكون عن مسائل الحاضر والمستقبل، وهو في أحسن الأحوال قضية شخصية وتجربة ذاتية غير قابلة للتبليغ أو غير قابلة للنقل للآخرين، مما يجعل المحبة الصوفية وفق التصور الشائع، أبعد ما تكون عن إمكان الإفادة منها في حاضرنا ومستقبلنا، فهل لهذا الرأي ما يسنده؟

أ –  المحبة الصوفية ونقد الواقع المعاش

   ليس من مسالك الصوفية وفيهم السهروردي، نقد الواقع الاجتماعي أو التوقّف عند القضايا اليومية للحياة المعاشة وفق المسالك المتداولة في النقد الاجتماعي، وتعد هذه الميزة مستند إثبات سلبية الصوفية، والأمر بحسب تقديرنا وذلك بحسب أدبيات الصوفية أنفسهم، أنّ هذه الميزة مَحْمَدَة لهم وليست مَذَمَّة، ذلك أنّهم لا يتوقّفون عند فحص التصرفات وتمحيصها وفق مسالك الناقدين الاجتماعيين، وخاصة رواد فكرة التحضر في الأمة الإسلامية، بل يرون أنّ التوقّف عندها قد يكون سببا في الميل عن النصائح المستبطنة في حديثهم عن الحب ومقتضياته وتجلياته، فيكفي فقط بحسب تقديرهم أن تعالج الخلل دون تسمية المُعَالجَين بالمرضى، لأنّ خلع صفة المرضى عليهم يدفعهم إلى عدم التهيُّؤ للعلاج،كما أنّه يتضمن إقرارا واقعيا بأنهم ليسوا أهل حسابات مع الموصوفين بل مع الصفات التي جعلت الموصوفين أبعد ما يكونوا عن المحبة، لهذا هم يزاولون نقد الواقع المعاش ولكن ليس بمشرحة حركات النهضة، ولكن بشفقة ورحمة وحنان منقطع المثيل، من هنا نحن بحاجة إلى تفعيل هذه المسالك في النقد بحب وشفقة من أجل نهضة الأمة، ولا يتأتى لغير من كان حبّه بكليته خالصا لله تعالى.

ب – المحبة الصوفية وثقافة العمل الإيجابي

   ميزة المحبة في التصوف أنّه مسعى هادئ الإصلاح، بعيد عن مسالك التهريج الثقافي والسياسي، تنأى بنفسها عن مغبّة الوقوع تحت طائلة ثقافة الاستعداء التي شاعت وانتشرت في الأوساط السياسية والإيديولوجية في العالمين العربي والإسلامي، لهذا لو شاع انتشار الثقافة الصوفية الحقّة، لكانت عونا على دفع الناس إلى العمل كلّ بحسب ثقافته وطاقته، فلا تفكير في غير القيمة المضافة التي يفيد بها المجتمع والأمة، فلا يتوقّف المسعى الصوفي المتشبّع بثقافة المحبّة عند فكرة تصفيات الحسابات أو إقصاء المخالفين من تأطير المشهد التربوي والفكري، بل يكون قيمة مضافة للجميع، فأهله غير منشغلين بمعركة سلطة القول في الثقافة الاجتماعية أو الدينية فضلا عن ابتعادها عن السياسية بصورتها المتداولة، فلا تنازع أحدا على كرسي أو سلطة، ولكنّها تنازع الفساد من خلال التنبيه إلى خطورته على المجتمع، لهذا كانت المحبّة الصوفية قيمة مضافة للجميع عند أهلها المتشبعين بها، فلا يدخلوا معركة تصفية الحسابات السياسية أو الفكرية، لأنّهم يرون المجتمع بجميع مكوّناته، وبصرف النظر عن درجة التزامهم بالأوامر الشرعية، مثار شفقة ورأفة وليس مثار نقد وتجريح، وإذا رفضوا أن يكونوا صرعى ثقافة العُصب والصراعات، فإنّهم لا يقبلون أن تصفى بهم الحسابات مع أحد، وبهذا يستردون ثقة المجتمع والأمة.

ج – المحبّة الصوفية وثقافة التضحية

   ضيّع مجتمعنا العربي والإسلامي المعاصر ثقافة التضحية وترك الأنانية، ونَشْرُ ثقافة المحبّة تربي المجتمع على التضحية، وخاصة إن تصدّر الحديث عنها أهلها من الذين يرى التزامهم بها في شعاب الحياة، وتدريب المجتمع على المحبّة المثمرة، تجاوز لثقافة الادعاءات الفارغة، فكم من الأشخاص من يدعي حب الفكرة والأمة والبلد، فينيلها من كلامه الجمل المنمّقة والعبارات الرنانة والخطب المحبوكة، ولكنّه لا ينيلها خرقة بالية في تصرفاته المتجلية في شعب الحياة، نحن بحاجة إلى ثقافة البرهنة على صدق المحبّة، وصدقها أن تعيش ما تحب في خاصة نفسك أولا، ثم في تمثّل الأبعاد الوظيفية للمحبّة، ومن عجز عن ذلك، فلا أقل من أن يسكت عن ادّعاء المحبة.

د- المحبّة الصوفية وتعدد المرابطة دون الأمة

    لم ينقل عن الصوفية الحق إدّعاء أنّهم المسلك الأوحد لإصلاح أوضاع الأمة، قد يقول بعضهم أنّ مسلكه من أهم المسالك، ولكن ليس فيهم من قال بأنّه المسلك الوحيد، ولو تشبّع أفراد المجتمع، كلّ في الفضاء الذي يحسن الإفادة فيه، بثقافة أنّ الذي هو عليه ليس إلاّ  رافدا  من روافد بناء المجتمع والأمّة، وليس الرافد الوحيد، وحَكَمَهُ مسلك التفكير في العمل الإيجابي الذي يقدّمه، لاقتصدت الأمة في الطاقات وانتفعت بالأوقات، وابتعدت عن ثقافة  الخصومات التي لا طائل منها.

   تشبّع أفراد المجتمع بثقافة المحبّة مع إقرارهم بأنهم لا يمثلون المسلك الأوحد لتنمية المجتمع، يسهم في التأسيس النظري والتطبيق العملي لقبول ثقافة تعدد المرابطة من أجل نهضة الأمة، فنبعث اجتماعيا فكرة أنّنا بحاجة إلى جهد الجميع كلّ بحسب طاقته في الفن الذي يحسن إفادة الأمة به.

خاتمة

   تُعَد المحبة في التصوف فكرة محورية، ولو قلنا إن التصوف هو الحب والمحبة، لما كُنّا مبلغين، لهذا لا وجود للتصوف بغير الحب، فبه كان وبه يبقى وبه يستمر ويدوم، وأدبيات شهاب الدين السهروردي لم تكن بمعزل عن هذه الميزة، فكانت المحبة والحب مركزية في مؤلفه الذائع الصيت “عوارف المعارف”، وتلخّصت المحبة عنده كما نقل عن الشبلي عندما سئل عن المحبّة؛ فقال: كأس لها وهج إذا استقر في الحواس وسكن في النفوس تلاشت، وتلاشي النفس له بواعثه ووظائفه التعليمة والتربوية والنفسية والاجتماعية.

   انتهى السهروردي شهاب الدين إلى أنّ الحب حبان، حب خاص وحب عام ولكلّ منهما بواعثه وتجلياته في الإنسان بمجموع مكوّناته، فالروح لها محبتها، والنفس كذلك، وكذلك الحال بالنسبة للقلب والعقل، ينتهي به الحب بقسميه العام والخاص مع المداومة وجهاد الباطن إلى الحب الخالص.

   انتهى السهروردي إلى أنّ الحب العام معدنه العلم بالآلام والنعماء، أما الحب الخاص فمعدنه مطالعة الروح لذات المُحَب، وتقسيمها تنبيه لضرورة التفكير في الترقي من العام إلى الخاص بالجهد والبذل في المحبّة، ومجموع ما يرد عنهما له أبعاد وظيفية لا يتصوّر الحب بغيرها، أوّلها الوظيفة التعليمية للمحبة، فالحب دافع قوي لتعلّم المحبّة والعلم الذي يجلبها، وتترتّب عليها وظيفة تربوية للمحبّة، تتجلى في كون المحبّة جالبة للتوبة، وباعثة للتخلّق بأخلاق الله، والسعي الدؤوب للتحلي بصفات المحبوب على البدل، ومجموع ذلك يثمر الهداية والإخلاص، وحسن ثواب الآخرة، فضلا عن كون المحبّة سببا قويا في تجديد الود للمُحِبين، ومن نتائج هذه الوظيفة تحقيق الوظيفة النفسية للمحبّة بتربية الإرادة على مسعى التنمية، وتيسير الترقي في أطوار المقامات للمُحِب، فيستفيد من اختصار أوقات الترقي فتطوى للمحب أطوار المقامات، ويكتسب لين النفس وتطهير الإرادة وتحريرها، ومن نتائج المجموع الشوق لله والأنس بالله، ومن الأبعاد المنتظرة لتلك المعارف والمواقف بعث الاهتمام بالوظيفة الاجتماعية للمحبة، فتٍُرى في اتقاء المحارم، والإنفاق من الملك، وحب الفقراء، تلك هي الخلال التي نقلت بالأسانيد المتصلة عن الصوفية الحقة.

   ومن زاوية تحيين أو تأوين ما نحن بسبيله، ينتظر من الأمة الإفادة من المحبّة الصوفية في صناعة الحاضر والمستقبل، وبهذا الصدد يمكن الانتفاع بها في مسالك نقد الواقع المعاش، فتكون المحبّة والشفقة أساسين في نقد الواقع، فلا توقّف عند الأشخاص بل كلّ الوقفات تكون مع الفكر المنتقد، قوام كل ذلك  التأسيس لثقافة العمل الإيجابي، والتربية على التضحية لصالح الأمة، مع التمكين لفكرة تعدد المرابطة، ولو اقتنع الجميع بأننا بحاجة إلى الجميع، وفق ما مال إليه الصوفية، لكنا قد قدّمنا عملا ممتازا للمجتمع والأمة، وانتفعنا بمجموع الطاقات لأجل إحداث الوثبة التنموية المنتظرة.

الهوامش


[1] – نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، علي سامي النشار ط7، 3/13.

[2] – سُهْرَوَرْد – وقد تسمى سَهْرَوَرْد أيضاً- بلدة كردية قريبة من زَنْجان، في شمال غربي إيران، وهي منطقة ميديا القديمة. ذكرها كل من الإصطخري (ت346هـ)، وابن حوقل (ت بعد 367هـ)، وياقوت الحموي (تحوالي 626هـ)، وأبو الفداء (ت 732هـ) ضمن منطقة الجبال، ويشكل شرقي كردستان وجنوبيها حوالي ثلاثة أرباع منطقة الجبال، وتقع سُهْرَوَرْد غربي هذه المنطقة، على حدود  إقليم كردستان- العراق مع إيران.

[3]– منهم: السهروردي المقتول، ويقال الشهيد، ولكلا الاختيارين موقف يسنده، فمن عدّه شهيدا أبان عن موقف من قتله وقتلته، ومن عدّه قتيلا أبدى نوع رضا بالحكم الصادر في حقه، هذا من جهة الموقف من المسألة المشار إليها، أما من جهة نوع فلسفته، فقد اختلف الباحثون في شأنها فعدّها المستشرق الفرنسي هنري كروبان، فلسفة مشرقية قديمة (عرفانية فارسية)، بينما عدّها أبو محمد ريان فلسفة يونانية حاول صاحبها تغليفها برؤية فارسية من خلال استعمال بعض مصطلحاتها، ومال غلام حسين الإبراهيمي الديناني إلى نفي ما مال إليه أبو ريان، ومناصرة ما انتهى إليه المستشرق الفرنسي كوربان، والمسألة بحسب تقديرنا بحاجة إلى دراسة مستفيضة.

– انظر في المناقشات والردود: تاريخ الفكر الفسلفي في الإسلام، محمد علي أبو ريان، وتاريخ الفلسفة الإسلامية، لهنري كروبان، وإشراق الفكر والشهود في فلسفة السهروردي، غلام حسين الإبراهيمي الديناني.

– انظر بحثنا: الخميرة الأزلية عند السهروردي (المقتول/الشهيد)، ضمن أعمال المؤتمر الثاني لمخبر الخطاب الصوفي، الجزائر، حزيران 2008م.

[4] – تتوزّعهم المشارب الإشراقية العرفانية والأخلاقية وفق مشارب أهل السنة.

[5]– انظر زاد المسافر وأدب الحاضر، مخطوطة بمعهد إحياء المخطوطات العربية بالقاهرة، رقم 246 تصوف، ورقة1، نقلا عن مقدمة كتاب “كشف الفضائح اليونانية ورشف النصائح الإيمانية”، تحقيق وتعليق: عائشة يوسف المناعي، ص: 21.

[6] – انظر بحثنا: سند الطريقة الرحمانية، بحث قدّم للملتقى الأول للطريقة الرحمانية، بزاوية الهامل بالجزائر، 2004م.

[7] – انظر سير أعلام النبلاء، 20/ 475-478.

و (الطريقة ) السُهْرَوَردية تنسب إلى الشهاب صاحب العوارف، ومنها تتفرع طرق كثيرة أسانيدها في “السمط المجيد”، و “تبيان وسائل الحقائق”، و “حديقة الأولياء”، و “السلسبيل المعين”، وغيرها من كتب القوم على ما ذكره الشيخ زاهد الكوثري، فيما كتبه عن رجال الطريقة الخلوتية.

[8]– انظر تحقيق مناعي، 21.

[9] – ينسب الكتاب خطأ إلى خاله عبد القاهر بن عبد الله، المعروف بأبي نجيب السهروردي، طبعته دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1403هـ-1983م.

[10] – حققته وعلّقت عليه عائشة يوف المناعي، ونشرته بعنوان: “كشف الفضائح اليونانية ورشف النصائح الإيمانية”، ونشرته دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، القاهرة، مصر، ط1، 1420هـ/ 1999م.

[11]  –  انظر كتاب عوارف المعارف، عبد القاهر بن عبد الله السهروردي ،دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1403هـ/1983م، 53-58.

[12]  –  المصدر السابق، 53-58.

[13] – التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق، زكي مبارك، المكتبة العصرية للطباعة والنشر، صيدا بيروت، لبنان، د.ت، 2/189.

[14] – انظر منازل العباد من العبادة، الحكيم الترمذي، ص: 45.

[15] – كشف المحجوب، الهجويري علي بن عثمان، تحقيق: إسعاد قنديل، طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، مصر، 2/548-549.

[16] – انظر مقالنا: التصوف تحرير القلوب من أسر الجيوب، الشروق، الجزائر.

[17] – كشاف اصطلاحات الفنون، محمد على الفاروقي التهانوي، تحقيق: لطفي عبد البديع، المؤسسة المصرية العامة للتأليف، 1963م، 2/1-7.

[18] – السلوك عند الحكيم الترمذي، أحمد عبد الرحيم السايح، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، ط1، 1408هـ/1988م، ص ص: 77-82.

[19] – ورد بلفظ مغاير عن الترمذي، و قال حديث حسن، نصّه: (اللهم إنّي أسألك حبك وحب من يحبك والعمل الذي يبلغني حبك، اللهم اجعل حبك أحب إليّ من نفسي وأهلي ومن الماء البارد).

[20] – التصوف الإسلامي في الأدب والأخلاق، زكي مبارك، 2/118.

[21] – الرسالة القشيرية، القشيري، ص: 34.

[22]  – التعريفات، الجرجاني، 85.

[23] – القوانين الفقهية، ابن جزي الغرناطي، 287-288.

[24] – عوارف المعارف، 469.

[25]  – مثل أن ينبعث من باطن العبد أي من دواعيه الداخلية داعي المحاسبة، ثم يزول الداعي بغلبة صفات النفس ثم يعود ثم يزول، فلا يزال العبد حال المحاسبة بتعاهد الحال، ثم يتحوّل الحال بظهور صفات النفس إلى أن تتداركه المعونة من الله الكريم ويغلب حال المحاسبة وتنقهر النفس وتنضبط وتتملّكها المحاسبة فتصير المحاسبة وطنه ومستقره ومقامه، فيصير مقام المحاسبة بعد أن كان له حال المحاسبة، ثم ينازله حال المراقبة، فمن كانت المحاسبة مقامه يصير له من المراقبة حال، ثم يتحوّل حال المراقبة لتناوب السهر والغفلة في باطن العبد إلى أن ينقشع ضباب السهو والغفلة ويتدارك الله عبده بالمعونة، فتصير المراقبة مقاما، بعد أن كانت حالا، ولا يستقر مقام المراقبة إلا بنازل حال المشاهدة، فإذا منح العبد بنازل حال المشاهدة استقرت مراقبته وصارت مقامه، ونازل المشاهدة أيضا يكون حالا يحول بالاستتار ويظهر بالتجلي، ثم يصير مقاما وتتخلّص شمسه عن كسوف الاستتار، ثم مقام المشاهدة أحوال وزيادات وترقيات من حال إلى حال أعلى منه كالتحقق بالفناء والتخلّص إلى البقاء، والترقي من عين اليقين إلى حقّ اليقين، وحق اليقين نازل يخرق شغاف القلب وذلك أعلى فروع المشاهدة.

[26] – عوارف المعارف، 469-470.

[27]– المصدر السابق، 505.

[28] – نفسه، 504-505.

[29] – نفسه، 504.

[30]– نفسه، 505.

[31] – عوارف المعارف، 507.

[32] – المصدر السابق، 508.

[33] – ونص الحديث الثابت  بغير الصيغة التي ذكرها السهروردي.

[34] – عوارف المعارف، 509.

[35]  – المصدر السابق، 505.

[36]  – أبو  عبد الله القرشي.

[37] –  الروذباري.

[38]– عوارف المعارف، 506.

[39] – أبو يزيد.

[40] – عوارف المعارف، 506-507.

[41]  – المصدر السابق، 512 –  513.

[42]  – نفسه، 505.

[43]– نفسه، 505.

[44] – أبو يزيد.

[45]  – نفسه، 506.

[46]  – نفسه، 505-506.

[47]  – عوارف المعارف 507

[48]  –  نفسه، 507.

[49] – نفسه، 509.

[50] – نفسه، 508.

[51]  – نفسه، 509-510.

[52]  – عوارف المعارف، 512.

[53]– المصدر السابق، 507.

[54]  – نفسه، 507.

[55] – نفسه، 507.

د. حسن عالي

كلية العلوم الاجتماعية جامعة وهران-الجزائر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق