مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينأعلام

بلال بن رباح الحبشي (مؤذّن رسول الله صلى الله عليه وسلم)

 

 

 

بقلم: يونس السباح

اسمه ونسبه:

هو الصّحابي الجليل، بلال بن رباح الحَبشي المؤذن. كان مؤذنًا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم  وخازنًا[1]. وهو أشهر من نار على علَم، قضى الله وقدّر أن يشتهر اسمه ويذاع، ببركة إعلاء صوته بالأذان في كلّ الصّلوات.

صفته:  

ذكر علماء السّيَر صفاته رضي الله عنه، وأنّه كان فيما ذكروا آدَم شديد الأُدْمة، نحيفاً طُوالاً، أَجنَى[2]، خفيف العارضين[3]. وقيل: كان بلال تِربَ[4] أبي بكر رضي الله عنه، وكان شديد الأُدمة[5] نحيفاً أجنَى، كثير الشَّعر، خفيف العارضين، له شمطٌ [6] كثير، لا يخضب[7].

شهادة عمر بن الخطاب فيه:

 عن جابر، قال: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه  يقول: ((أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالاً))[8].  وهذه الشهادة من سيّدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، تدلّ على مكانته في الإسلام، وقدره عند الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.

سبقه للإسلام وبلاؤه فيه:

 كان بلال رضي الله عنه من السّابقين إِلَى الإسلام، وممن عُذّب في اللَّه عز وجل ، فصبر عَلَى العذاب، وكان أَبُو جهل يبطحه عَلَى وجهه في الشمس، ويضع الرّحى عليه، حتى تصهره الشمس، ويقول: اكفر برب مُحَمَّد، فيقول: أَحَدٌ، أَحَد، فاجتاز به ورقة بْن نوفل، وهو يعذب ويقول: أحد، أحد، فقال: يا بلال، أحدٌ أَحَد. كما شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  بدرًا والمشاهدَ كلّها، ودافع عن الإسلام، دفاعاً مستميتاً I[9].

ومن صور بلائه وصبره على أَذِيَّة قومه، أنه عُذّب من أجل دينه أشدَّ التّعذيب، ونكّل به أشدّ النكال، ولكن هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، أخذوه فكتفوه، ثم جعلوا في عنقه حبلاً من لِيفٍ فدفعوه إلى صبيانهم، فجعلوا يلعبون به بين أخشبي مكَّة حتَّى ملُّوه فتركوه[10]

ومن صور صبره أيضاً ما ذكره  سَعِيد بن المسيب، أنّ بلالاً كان شحيحًا عَلَى دينه، وكان يعذَّب، فإذا أراد المشركون أن يقاربهم  قال: اللَّه اللَّه، قال: فلقي النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم  أبا بكر، رضي اللَّه عنه ، فقال: لو كان عندنا شيء لاشترينا بلالا: قال: فلقي أَبُو بكر العبَّاس بن عبد المطلب فقال: اشتر لي بلالا، فانطلق العباس فقال لسيدته: هل لك أن تبيعيني عبدك هذا قبل أن يفوتك خيره؟ قالت: وما تصنع به، إنّه خبيث، وَإِنه، وَإِنه..ثم لقيها، فقال لها مثل مقالته، فاشتراه منها، وبعث به إِلَى أَبِي بكر، رضي اللَّه عنه، وقيل: إن أبا بكر اشتراه وهو مدفون بالحجارة يعذب تحتها[11].

وكان  رضي الله عنه إذا اشتدوا عليه في العذاب قال: أحد أحد، فيقولون له: قل كما نقول، فيقول: إنّ لساني لا يحسنه[12].

نُصرة الله له:

بعدما لاقى بلال رضي الله عنه صنوف العذاب على يد كفار قريش، وكان سيّده  أُميَّة بن خَلَف الجُمَحِي من أبرزهم، فكان من قدر الله تعالى أن دارت الدائرة عليه، وانتقم الله منه على يد  بلال يوم بدر ، فكان النّصر والعزة من الله له واضحة، وفيه يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه أبياتا، منها قوله:

هنيئاً زادك الرحمن خيراً === فقد أدركت ثأرك يا بلال[13]

خدمته للإسلام:

قدّم سيدنا بلال رضي الله عنه، خدمات جليلةً للإسلام، فقد كان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، طيلة حياته، سفراً وحضراً، وكان خازنه على بيت ماله، وهو سابق الحبشة[14].

وناهيك بهذه الخدمة شرفاً ورفعة، فإن المؤذّنين لهم بشارة خاصة، لأنّهم يرفعون أصواتهم بأعظم هُتاف، وأشرف قول، ويوصلون صوت الحق لآذان الناس، وكلّ هذا استحقّ من أجله بشارة نبوية تخصّه على وجه التّعيين بالجنة[15].

ومن أجل هذه الخدمة، وهذا الجزاء الأوفى، والتكريم الرباني له، لم يؤذن في زمن عمر رضي الله عنه، فقال له عمر: ما منعك أن تؤذن؟ قال: إني أذنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم  حتى قبض، لأنه كان وليّ نعمتي، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقول: يا بلال، ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله، فخرج مجاهداً. ويقال: إنه أذّن لعمر إذ دخل الشام مرة، فبكى عمر وغيره من المسلمين[16].

روايته للحديث:

رَوى عن بلال جماعة من الصحابة، منهم أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر، وكعب ابن عجرة والبراء بن عازب وغيرهم رضي الله عنهم [17].

وفاته رضي الله عنه :

سكن بلال رضي الله عنه  دمشق، ومات بها[18]. ودفن عند الباب الصغير بمقبرتها سنة عشرين، وهو ابن ثلاث وستين سنة. وقيل: توفي سنة إحدى وعشرين وقيل: توفي وهو ابن سبعين سنة[19].

ويقال: بحلب، سنة عشرين من الهجرة، ويقال: سنة ثمان عشرة[20].

 


 أسد الغابة: 1/243.  [1]

[2]  وجنئ الرجل جنأ، وهو أجنأ: أشرف كاهله على صدره وقد يقال: أجنى، والأنثى: جنواء. المحكَم: 7/489.

[3]  الاستيعاب: 1/178.

[4]  يعني:  قرينه.

[5]   الأدمة في الناس: السمرة الشديدة. تاج العروس : 31/194.

[6]  الشمط: بياض شعر الرأس يخالط سواده. لسان العرب: 7/336.

[7]  معرفة الصحابة لأبي نعيم: 1/373.

[8]  نفسه: 1/373.

[9]  أسد الغابة: 1/243.

[10]  انظر: الطبقات لابن سعد: 3/232. ومعجم الصحابة لأبي نعيم: 1/373.

[11]  أسد الغابة: 1/243.

[12]  ابن سعد في الطبقات: 3/232.

[13]  الاستيعاب: 1/178.

[14]  معرفة الصحابة لأبي نعيم: 1/373.

[15]  انظر: سير أعلام النبلاء: 1/347.

[16]  الاستيعاب: 1/178.

[17]  نفسه 1/178.

[18]  تاريخ دمشق: 10/429.

[19] الاستيعاب: 1/178.

[20]  معرفة الصحابة لابن منده: 1/267.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق