مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض مختصرات السيرة النبوية في المجالس العلمية

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه أجمعين

إن المجالس العلمية المنعقدة سواء للتدريس والتعليم، أو للإقراء والإجازة، أو للوعظ والإرشاد، كان العلماء يختارون  لها كتابا من الكتب المختصرة  المتداولة التي كتب الله تعالى لها القبول بين الناس في الأرض، لينتفع بها العام والخاص؛ وهذا ما يجعل أغلب المجالس العلمية كان مدار التدريس فيها على المختصرات في علوم: العقيدة، والفقه، والأصول، والحديث، والسيرة، والتاريخ، والتصوف، واللغة، والنحو، والمنطق، والحساب، وغيرها.

ولهذا اخترت الحديث في هذا المقال عن بعض المختصرات العلمية في علم السيرة النبوية الشريفة، فقد  اختارها العلماء في مجالسهم باعتبارها مراجعا، وأصولا، لا يمكن الاستغناء عنها في التحصيل، لتميزها بجودة التأليف، وشهرة ومكانة مؤلفيها، وكذا يمكن للطالب حفظها بسهولة لصغر جرمها، لكن تحتاج لشرح وبيان ليفهم مضامينها، ويتضح مشكالاتها.

هذا وإن بعض المختصرات التي كانت تعقد من أجلها المجالس العلمية ببلاد المغرب، آن الأوان للحديث عنها وعن مؤلفيها بإيجاز، أذكر منها:

السيرة النبوية لابن هشام (المتوفى عام: 213هـ أو 218هـ)

فابن هشام: هو عبد الملك بن هشام بن أيوب أبو محمد الذهلي السدوسي – وقيل: الحميري – المعافري، البصري، نزيل مصر، العلامة، النحوي، الأخباري، المشهور،  ترجم له غير واحد من العلماء، منهم: العلامة شمس الدين الذهبي (المتوفى عام: 748هـ) في كتابه: سير أعلام النبلاء فلتنظر مع باقي مصادر الترجمة في هامش التحقيق أخباره[1].

وأما كتابه السيرة: فقد روى السيرة مهذبة منقحة بعد تأليف ابن إسحاق بنحو نصف قرن، فكان الاختصار المقصد الأساسي في كتابه، فحذف ما كان قبل تاريخ إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام، منذ بدء الخليقة، وكان حديث أبناء إسماعيل، والأخبار التي ليست من السيرة في شيء فيما كان يراه، وحذف الأشعار الكثيرة التي كان يشك في مبلغ روايتها من الصحة. والمتعقب لأصل السيرة من رواية ابن هشام يلمح في ذلك طابع الحرص الشديد والأمانة الصارمة، التي كانت سمة العلماء المسلمين في تلك العصور القديمة[2]. وقد لقيت سيرة ابن هشام عناية كبيرة من العلماء: فشرحوها، واختصروها، وهذبوها، ونظموها، كما كانت للدارسين عناية بالكتاب: فطبعوه طبعات كثيرة، كل سعى لإخراجه في أحسن حلة.

وأما منهجه فيه: فقد قال ابن هشام: “وأنا إن شاء الله مبتدئ هذا الكتاب بذكر إسماعيل بن إبراهيم ومن ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم من ولده، وأولادهم لأصلابهم، الأول فالأول، من إسماعيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يعرض من حديثهم، وتارك ذكر غيرهم من ولد إسماعيل على هذه الجهة، للاختصار، إلى حديث سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتارك بعض ما ذكره ابن إسحاق في هذا الكتاب، مما ليس لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ذكر. ولا نزل فيه من القرآن شيء، وليس سببا لشيء من هذا الكتاب، ولا تفسيرا له، ولا شاهدا عليه، لما ذكرت من الاختصار، وأشعارا ذكرها لم أر أحدا من أهل العلم بالشعر يعرفها، وأشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكره، وبعض لم يقر لنا البكائي بروايته، ومستقص إن شاء الله تعالى ما سوى ذلك منه بمبلغ الرواية له، والعلم به”[3].

الشمائل المحمدية للترمذي (المتوفى عام: 279هـ)

فالترمذي: هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، الضرير، الحافظ، العلم، الإمام، البارع، ترجم له غير واحد من العلماء، منهم: العلامة شمس الدين الذهبي  في كتابه: سير أعلام النبلاء فلتنظر مع باقي مصادر الترجمة في هامش التحقيق أخباره[4]، وتنظر مقدمات محققي كتب الحافظ الترمذي، منها: الشمائل.

وأما كتابه الشمائل: فلم أقف على نص مشعر عن اختيار المصنف لكتابه عنوانا، بل العناوين المختارة مستنبطة من موضوعه، وهي من وضع النساخ، مثل: الشمائل النبوية، أو شمائل النبي، أو شمائل المصطفى، أو الشمائل المحمدية، أو الشمائل المحمدية والخصائص المصطفوية، الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية، أو الشمائل الترمذية، شمائل الترمذي وهو خال من مقدمة، فبعد البسملة والحمدلة انتقل مباشرة إلى الباب الأول من كتابه، وهو: باب ما جاء في خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد أولاه العلماء بالعناية، فشرحوه، واختصروه، ونظموه، وعرفوا برجاله ورواته، وكثير من الدارسين حققوه، فطبع طبعات كثيرة.

وأما منهجه فيه: فلم ينص المصنف على منهجه في مقدمة الكتاب، وهي خالية منه، وقد سلك سبيلا رائقا ومنهجا بديعا في التبويب، ترجم به مضمون كل باب من الأبواب، وهو كتاب جامع لصفوة من الأحاديث المسندة إلى رواتها من الصحابة، الواردة في صفته عليه السلام الظاهرة وهي: الخِلقية؛ لأنها أول ما يذكر من صفات الكمال، ودليل على الصفة الباطنة وهي: الخُلقية؛ لأنها مقدمة على غيرها من الوجود، إضافة إلى أحواله، وهديه في حياته ومعاشه  صلى الله عليه وسلم، ووفاته، وميراثه، ورؤيته في المنام، وختم الكتاب بحديثين دالين على التشبث بالسنة وأثر، وهما حديثا ابن المبارك: (إذا ابتليت بالقضاء فعليك بالأثر)، وابن سيرين: (هذا الحديث دين فانظروا عمن تأخذوا دينكم). كما أنه لم يحكم على الأحاديث بدرجتها كما هي عادته في سننه، وتكلم على بعض الرجال دون بعض[5].

أوجز السير لخير البشر لابن فارس (المتوفى عام: 395هـ)

فابن فارس: هو أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب القزويني الرازي، المالكي، اللغوي، ترجم له غير واحد من العلماء، منهم: العلامة شمس الدين الذهبي  في كتابه: سير أعلام النبلاء فلتنظر مع باقي مصادر الترجمة في هامش التحقيق أخباره[6]، وفي مقدمة تحقيق أوجز السير لخير البشر، مع جملة وافرة من مصادر الترجمة[7].

وأما كتابه أوجز السير: فهو كتاب صغير الحجم، مختصر، ليس فيه نص على عنوان وضعه المؤلف، وإنما تعددت عناوينه حسب النسخ، وقد وضعها نساخها، من ذلك: مختصر سيرة رسول الله، أو مختصر في نسب النبي ومولده ومنشئه ومبعثه، أو راعي الدرر ورامق الزهر في أخبار خير البشر، أو رائق الدرر ووامق الزهر، أو مختصر سيرة رسول الله، أو أخصر سيرة سيد البشر[8]، أو أوجز السير لخير البشر، وبهذا العنوان طبع عدة مرات، كما شرحه ونظمه بعض العلماء.

وأما منهجه فيه: فقد نص المؤلف في مقدمة كتابه على منهجه فقال: ” هذا ذكر ما يحق على المرء المسلم حفظه، ويجب على ذي الدين معرفته، من نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومولده، ومنشئه، ومبعثه، وذكر أحواله في مغازيه، ومعرفة أسماء ولده وعمومته، وأزواجه”[9].

الشفا بتعريف حقوق المصطفى للقاضي عياض (المتوفى عام: 544هـ)

فالقاضي عياض: هو عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، الإمام، العلامة، الحافظ الأوحد، شيخ الإسلام، القاضي، المشهور، ترجم له الجمع الغفير من الأعلام، فمنهم من خصه بكتاب كولده العلامة محمد في كتابه: التعريف بالقاضي عياض، وترجم له العلامة شمس الدين الذهبي  في كتابه: سير أعلام النبلاء فلتنظر مع باقي مصادر الترجمة في هامش التحقيق أخباره[10]، وتنظر مقدمات محقيقي كتب القاضي عياض، منها: الشفا.

وأما كتابه الشفا:  فقد اختار المؤلف عنوانا له كما نص على ذلك بقوله: “وترجمته بـ: الشفا بتعريف حقوق المصطفى”[11]، والكتاب جواب عن “السؤال في مجموع يتضمن التعريف بقدر المصطفى عليه الصلاة والسلام، وما يجب له من توقير وإكرام، وما حكم من لم يوف واجب عظيم ذلك القدر، أو قصر في حق منصبه الجليل قلامة ظفر، وأن أجمع لك ما لأسلافنا وأئمتنا في ذلك من مقال، وأبينه بتنزيل، صور وأمثال”[12] .

 وبذلك فهو خير الكتب التي عرفت بحقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقد أحاط بصفاته صلى الله عليه وسلم، وما يجب له من حقوق، تناول ذلك من جوانب فقهية، وأصولية، وعقدية بأسلوب بليغ، وبيان بديع، وحجج قوية، وبراهين ساطعة، مؤيدة بدلائل من القرآن، والسنة، وأقوال علماء الأمة[13].

وقد تلقته الأمة بالقبول فشرحوه، واختصروه، وعرفوا برجاله ورواته، وترجموه إلى لغات أعجمية، وكتبوا عنه الباحثون الدراسات والأبحاث، وعقدت من أجله الندوات والمؤتمرات الدولية، واعتنى به جماعة من الباحثين: دراسة وتحقيقا، فطبع طبعات كثيرة.

وأما منهجه فيه: فقد نص المؤلف في مقدمة كتابه على منهجه فقال: ” اعلم أكرمك الله أنك حملتني من ذلك أمرا إمرا، وأرهقتني فيما ندبتني إليه عسرا، وأرقيتني بما كلفتني مرتقى صعبا، ملأ قلبي رعبا، فإن الكلام في ذلك يستدعي تقرير أصول، و تحرير فصول، والكشف عن غوامض ودقائق من علم الحقائق، مما يجب للنبي صلى الله عليه وسلم ويضاف إليه، أو يمتنع، أو يجوز عليه، ومعرفة النبي والرسول، و الرسالة والنبوة، والمحبة والخلة، وخصائص هذه الدرجة العلية، وها هنا مهامه فيح تحار فيها القطا، وتقصر بها الخطا، ومجاهل تضل فيها الأحلام، إن لم تهتد بعلم علم، ونظر سديد، ومداحض تزل بها الأقدام إن لم تعتمد على توفيق من الله وتأييد. لكني لما رجوته لي ولك في هذا السؤال و الجواب من نوال وثواب، بتعريف قدره الجسيم، وخلقه العظيم، وبيان خصائصه التي لم تجتمع قبل في مخلوق، وما يدان الله تعالى به من حقه الذي هو أرفع الحقوق”[14]. وحصر الكلام فيه في أقسام، وكل قسم عقد تحته أبواب، وكل باب جاء فيه بفصول.

اخترت الحديث عن هذه الكتب الأربعة باقتضاب؛ باعتبارها من أهم المصادر التي لا يستغني عنها عالم، ولا باحث، ولا طالب العلم، ونظرا لأهمياتها في التحصيل، ولأجلها عقدت المجالس العلمية، وأصبحت مدار الشرح والدرس للأساتذة، يتلقاها الطلبة من أفواه العلماء بالشرح والبيان، لمعرفة سيرة المصطفى صلى الله عليه صلى الله عليه وسلم.

********************

هوامش المقال: 

[1]– سير أعلام النبلاء 10 /428-429.

[2]– تهذيب سيرة ابن هشام ص: 10-11.

[3]– السيرة النبوية 1 /18-19.

[4]– سير أعلام النبلاء 13/ 270_277.

[5]– الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية طبعة الجليمي ص: 14، والشمائل المحمدية طبعة كوشك ص: 5_7، والشروح المغربية على كتاب الشمائل النبوية ص: 32_35.

[6]– سير أعلام النبلاء 17 /103_106.

[7]– مقدمة تحقيق أوجز السير لخير البشر ص: 5_21.

[8]– مقدمة تحقيق أوجز السير لخير البشر ص: 24-25.

[9]– أوجز السير لخير البشر ص: 5.

[10]– سير أعلام النبلاء 20/ 212_218.

[11]– الشفا بتعريف حقوق المصطفى طبعة كوشك ص: 49.

[12]– الشفا بتعريف حقوق المصطفى طبعة كوشك ص: 47.

[13]– الشفا بتعريف حقوق المصطفى طبعة البجاوي ص: 3، والشفا بتعريف حقوق المصطفى طبعة كوشك ص: 8.

[14]– الشفا بتعريف حقوق المصطفى طبعة كوشك ص: 46-47.

*****************

جريدة المراجع

أوجز السير لخير البشر لأحمد بن فارس بن زكريا الرازي، تحقيق: محمد محمود حمدان، دار الرشاد، القاهرة- مصر، الطبعة الثانية: 1417 /1997.

التعريف بالقاضي عياض لمحمد بن عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، تحقيق: محمد بن شريفة، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، مطبعة فضالة، المحمدية- المغرب، الطبعة الثانية: 1982.

تهذيب سيرة ابن هشام لعبد السلام هارون، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، دار البحوث العلمية، الكويت، الطبعة 14: 1406 /1985.

سير أعلام النبلاء لمحمد بن أحمد بن عثمان. الذهبي، تحقيق: جماعة من المحققين، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، ، الطبعة الثانية عشر: 1435 /2014.

السيرة النبوية لعبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، اعتناء: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة: 1410/ 1990.

الشروح المغربية على كتاب الشمائل النبوية لأبي عيسى الترمذي للحسن حالي، منشورات الرابطة المحمدية للعلماء، مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة، مطبعة دار أبي رقراق، الرباط- المغرب، الطبعة الأولى: 1433 /2012.

الشفا بتعريف حقوق المصطفى عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، اعتناء: عبده علي كوشك، منشورات جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم، وحدة البحوث والدراسات، دبي- الإمارات، الطبعة الأولى: 1434 /2013.

الشفا بتعريف حقوق المصطفى عياض بن موسى بن عياض اليحصبي، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، 1404/ 1984.

الشمائل المحمدية لمحمد بن سورة الترمذي، تحقيق: عبده علي كوشك، منشورات مكتبة نظام يعقوبي الخاصة، المنامة- البحرين، الطبعة الخامسة: 1433 /2012.

الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية لمحمد بن عيسى بن سورة الترمذي، تحقيق: سيد بن عباس الجليمي، المكتبة التجارية، مصطفى أحمد الباز، مكة المكرمة، السعودية، الطبعة الأولى: 1413 /1993.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاح مغفور

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق