مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض ما ورد في فضل صيام عاشوراء من الأحاديث من خلال الصحيحين

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

     يعد شهر الله المحرم من الأشهر الحرم الأربعة العظيمة التي قال الله عنها في كتابه: ( إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ([1])،وفيه يوم عظيم مبارك من أفضل  الأيام؛ وهو يوم عاشوراء أي: العاشر منه، الذي نجى فيه الله تعالى موسى عليه السلام وبني إسرائيل من بطش فرعون وجنوده، فصامه سيدنا موسى شكرا لله تعالى، ثم صامه النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر الأمة الإسلامية بصيامه؛ مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ” قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا ؟ قالوا : هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى. قال: فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه” ([2]).

وقد وردت أحاديث صحيحة تدل على فضل صيام هذا اليوم، وسأقتصر في هذا المقال على إيراد حديثين في الباب مع تخريجهما تخريجا مختصرا، وذلك بذكر أماكن ورودهما في الصحيحين أو أحدهما، وختمت كل حديث منهما  بذكر بعض معانيه المستفادة منه كما بينها بعض العلماء الأعلام باختصار، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

الحديث الأول:

عن ابن عباس  رضي الله عنهما  قال: “ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتحرّى صيام يوم فضله على غيره إلا هذا اليوم يوم عاشوراء، وهذا الشهر يعني: شهر رمضان”.  وهذا لفظ البخاري، وأما لفظ مسلم: سئل ابن عباس عن صيام يوم عاشوراء فقال: ” ما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صام يوما يطلب فضله على الأيام إلا هذا اليوم ولا شهرا إلا هذا الشهر». يعني رمضان” .

تخريجه:

أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الصوم، باب: صيام يوم عاشوراء ([3])، ومسلم في صحيحه  في كتاب الصيام، باب: صوم يوم عاشوراء([4]) كلاهما من طريق سفيان          ابن عيينة، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وانفرد مسلم فرواه في كتاب الصيام باب: صوم يوم عاشوراء ([5])من طريق ابن جريج عن عبيد الله بن أبي يزيد.

بعض معاني الحديث

معنى يتحرى كما في لفظ البخاري، أي: يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه([6]).

قال الحافظ ابن حجر: “وكان ابن عباس اقتصر على قوله وهذا الشهر، وأشار بذلك إلى شيء مذكور كأنه تقدم ذكر رمضان وذكر عاشوراء، أو كانت المقالة في أحد الزمانين، وذكر الآخر، فلهذا قال الراوي عنه يعني: رمضان، أو أخذه الراوي من جهة الحصر في أن لا شهر يصام إلا رمضان لما تقدم له عن ابن عباس أنه كان يقول: لم أر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – صام شهراً كاملاً إلا رمضان-انتهى. وهذا من باب الترقي أو تقديم عاشوراء للاهتمام به أو لتقدمه في أصل وجوب الصوم أو لكونه من أول السنة. وإنما جمع ابن عباس بينهما وإن كان أحدهما واجباً والآخر مندوبا لاشتراكهما في حصول الثواب؛ لأن معنى يتحرى أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه”([7]).

الحديث الثاني:

حديث غيلان بن جرير، عن عبد الله بن معبد الزماني، عن أبي قتادة رضي الله عنه – في صفة صوم النبي صلى الله عليه وسلم -وهو حديث طويل –  وفيه: أنه صلى الله عليه وسلم : سئل عن صوم يوم عاشوراء فقال : صيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله “وفي رواية” يكفر السنة الماضية “

تخريجه:

أخرجه مسلم بروايتيه في صحيحه في كتاب الصوم، باب: استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم يوم عرفة وعاشوراء والاثنين والخميس([8]).

بعض معاني الحديث:

قال ابن الأثير في النهاية: “الاحتساب في الأعمال الصالحة هو البدار إلى طلب الأجر وتحصيله باستعمال أنواع البر والقيام بها على الوجه المرسوم فيها، طلباً للثواب المرجو فيها”([9]).

وفي الحديث فضل صيام عاشوراء، وأنه يكفر ذنوب السنة الماضية، والمقصود بالذنوب الصغائر؛ قال النووي: “قالوا المراد بالذنوب الصغائر، فان وجد ما يكفره من الصغائر كفره ، وإن لم يصادف صغيرة ولا كبيرة كتبت به حسنات ورفعت له به درجات “([10]).

  وخلاصة ما تقدم يمكن الوقوف من خلال هذين الحديثين على أمرين اثنين وهما:

الأمر الأول: استحباب صيام يوم عاشوراء لتحصيل الأجر والثواب.

الأمر الثاني: فضل صيام يوم عاشوراء، وأنه مكفر لذنوب السنة الماضية.

هذا وأسأل الله تعالى أن يوفقنا لطاعته والعمل في مرضاته، إنه جواد كريم.

***************

هوامش المقال:

([1]) سورة التوبة الآية: 36.

([2]) أخرجه البخاري في صحيحه (2 /58-59)، كتاب: الصيام، باب: صيام يوم عاشوراء، برقم: (2004)، ومسلم في صحيحه (1 /504) كتاب: الصيام، باب: صوم يوم عاشوراء، برقم: (1130) واللفظ للبخاري.

([3]) صحيح البخاري (2 /59)، برقم: (2006).

([4]) صحيح مسلم (1 /505)، برقم: (1132).

([5]) صحيح مسلم (1/ 505)، برقم: (1132).

([6]) فتح الباري (4/315).

([7]) فتح الباري (4/315).

([8]) صحيح مسلم (1/ 518-519) برقم: (1162).

([9]) النهاية في غريب الحديث والأثر (1 /382) مادة “حسب”.

([10]) المجموع شرح المهذب (6 /382).

*******************

لائحة المصادر المعتمدة:

  1. الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتحقيقه: محب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة، ط1/ 1400هـ.
  2. فتح الباري شرح صحيح البخاري، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، دار السلام الرياض، ط1/ 1421هـ- 2000.
  3. صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.
  4. المجموع شرح المهذب لمحيي الدين النووي، ويليه: فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي، ويليه: التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير لابن حجر، إدارة الطباعة المنيرية- التضامن الأخوي- المكتبة السلفية تصوير دار الفكر (د.ت).
  5. النهاية في غريب الحديث والأثر، لمجد الدين أبي السعادات المبارك بن محمد الجزري المعروف بابن الأثير. تحقيق: محمود محمد الطناحي، طاهر أحمد الزاوي، دار إحياء التراث العربي بيروت لبنان. (د.ت).

*راجع المقال الباحث يوسف أزهار

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق