مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض أقوال العلماء في المفاضلة بين العمرة في رمضان أم في أشهر الحج

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد وآله وصحبه أجمعين.

وبعد:

      لقد وردت أحاديث في فضل العمرة وثوابها، وأنها من مكفرات الذنوب، ومعلوم أن:” ثواب العمل يزيد بزيادة شرف الوقت، كما يزيد بحضور القلب وبخلوص القصد” كما قال ابن الجوزي رحمه الله ([1])  ، ومن هنا كان للعمرة في رمضان ثوابٌ عظيم، وجزاء مضاعف، فهي تعدل حجة كما في حديث  ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لامرأة من الأنصار : “ما منعك أن تحجي معنا؟ قالت: كان لنا ناضح، فركبه أبو فلان وابنه، -لزوجها وابنها-، وترك ناضحاً ننضح عليه، قال : ” فإذا كان رمضان اعتمري فيه؛ فإن عمرةً في رمضان حجة “، أو نحوا مما قال ([2]).

ولفضل العمرة وثوابها نجد من علماء الحديث من عقد لها  كتابا وبابا مفردين في مصنفه، أو بابا مفردا فيه ؛ ومن هؤلاء الأئمة الأعلام؛ الإمام البخاري (256هـ) في صحيحه([3])، ومسلم (261هـ) في صحيحه([4])، وابن ماجه (273هـ) في سننه([5])،والترمذي (279هـ) في سننه([6])… وغيرهم.

كما أن العمرة قد تكون في غيرها من الشهور؛ كأشهر الحج، وقد ثبت أن عُمَرَه صلى الله عليه وسلم جميعها كانت في شهر ذي القعدة، وقد فاضل بعض العلماء بين العمرة في رمضان وفي غيرها من أشهر الحج،  واختلفوا في ذلك إلى أقوال،  من هنا جاء هذا المقال  للتذكير ببعض هذه الأقوال؛ لكن قبل ذلك أعرف بالعمرة من الناحية اللغوية والاصطلاحية، وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق والسداد: 

التعريف اللغوي والاصطلاحي للعمرة:

العمرة لغة:

العمرة في اللغة: أصلها من الزيارة، والجمع: (العُمَر) ([7])  .

العمرة اصطلاحا:

العمرة في الاصطلاح: “زيارة مخصوصة للبيت، أو قصد إلى البيت على وجه مخصوص”([8]).

بعض أقوال العلماء في المفاضلة بين العمرة في رمضان أم في أشهر الحج.

   لقد ثبت في الحديث الصحيح  المتفق عليه عن النبي صلى الله عليه وسلم تصريحه بأفضلية العمرة في شهر رمضان”([9])، كما ثبت أن اعتمار  النبي صلى الله عليه وسلم لجميع عمراته كانت في شهر ذي القعدة لا في رمضان، وقد تعددت أقوال العلماء في المفاضة بينهما أي: – بين أفضلية العمرة في شهر رمضان، وبين أشهر الحج-  إلى أقوال وهي:

القول الأول: منهم الحنفية، وجماعة من الشافعية،  وابن فرحون من المالكية، وأحمد في رواية الأثرم عنه .

وهو أن العمرة في شهر رمضان أفضل([10])لحديث ابن عباس رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لامرأة من الأنصار : “ما منعك أن تحجين معنا؟ قالت: كان لنا ناضح، فركبه أبو فلان وابنه، -زوجها وابنها-، وترك ناضحاً ننضح عليه، فقال لها عليه الصلاة والسلام: ” فإذا كان رمضان اعتمري فيه، فإن عمرةً في رمضان حجة”([11]). 

القول الثاني: منهم ابن القيم الجوزية من الحنابلة.

وهو أن العمرة في أشهر الحج أفضل من العمرة في غيرها من الشهور؛ قال ابن القيم           (ت 751هـ): “وأما المفاضلة بينه وبين الاعتمار في رمضان، فموضع نظر؛ فقد صح عنه أنه أمر أم معقل لما فاتها الحج معه، أن تعتمر في رمضان، وأخبرها أن عمرة في رمضان تعدل حجة. وأيضًا فقد اجتمع في عمرة رمضان أفضل الزمان، وأفضل البقاع، ولكن الله لم يكن ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم في عمره إلا أولى الأوقات وأحقها بها، فكانت العمرة في أشهر الحج نظير وقوع الحج في أشهره، وهذه الأشهر قد خصها الله تعالى بهذه العبادة وجعلها وقتًا لها، والعمرة حج أصغر، فأولى الأزمنة بها أشهر الحج، وذو القعدة أوسطها، وهذا مما نستخير الله فيه، فمن كان عنده فضل علم فليرشد إليه”([12]).

القول الثالث:  وهو قول ابن حجر  وإليه مال القسطلاني.

وهو: أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قال ابن حجر(ت 852هـ) في الفتح: “لم يعتمر النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أشهر الحج كما تقدم، وقد ثبت فضل العمرة في رمضان بحديث الباب، فأيهما أفضل؟ الذي يظهر أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وسلم أفضل، وأما في حقه فما صنعه هو أفضل؛ لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه، فأراد الرد عليهم بالقول والفعل، وهو لو كان مكروهًا لغيره؛ لكان في حقه أفضل. والله أعلم”([13]).

وقال القسطلاني (923هـ): ” والذي يظهر أن العمرة في رمضان لغيره عليه الصلاة والسلام أفضل، وأما في حقه هو فلا فالأفضل ما صنعه؛ لأن فعله لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه فأراد الرد عليهم بالقول والفعل، وهو لو كان مكروهًا لغيره؛ لكنه في حقه أفضل”([14])

الخاتمة:

من خلال ما تقدم يمكن أن أخلص إلى الآتي:

1-للعمرة في رمضان ثواب عظيم، وجزاء مضاعف، فهي تعدل حجة كما في حديث الباب.

2-أن عمرات النبي  صلى الله عليه وسلم كانت كلها في شهر ذي القعدة.

3-تفضيل بعض العلماء من: الحنفية، وجماعة من الشافعية،  وابن فرحون من المالكية، وأحمد في رواية الأثرم عنه للعمرة في شهر رمضان على أشهر الحج.

4-تفضيل بعض العلماء ومنهم: ابن القيم الجوزية  للعمرة في أشهر الحج  على العمرة في شهر رمضان.

5-توجيه بعض العلماء –وهم ابن حجر  والقسطلاني- في المفاضلة بين العمرة في رمضان، وفي غيرها من أشهر الحج؛ أن العمرة في غير  رمضان أفضل لغير النبي صلى الله عليه وسلم، وأما في حقه صلى الله عليه وسلم فما صنعه من اعتماره في شهر ذي القعدة أفضل؛ لأن فعله صلى الله عليه وسلم كان لبيان جواز ما كان أهل الجاهلية يمنعونه.

********************

هوامش المقال:

([1])  نقلا عن فتح الباري (4 /520).

([2])  أخرجه البخاري في صحيحه (1 /539)، كتاب: العمرة، باب: عمرة في رمضان، برقم: (1782)، ومسلم في صحيحه (1 /573)، كتاب:  الحج، باب: فضل العمرة في رمضان، برقم: (1256) واللفظ للبخاري.

([3])  حيث أفرد لها كتابا وبابا في صحيحه سماه: “كتاب: العمرة، باب: عمرة في رمضان”، صحيح البخاري (1 /537) و(1 /539).

([4])  حيث أفرد لها بابا سماه:  “باب: فضل العمرة في رمضان”. صحيح مسلم(1 /573).

([5])  حيث أفرد لها بابا سماه: “باب: عمرة في رمضان” . سنن ابن ماجه (3/ 461).

([6])  حيث أفرد لها بابا سماه: “باب: ما جاء في عمرة رمضان”. سنن الترمذي (2 /264).

([7])  مختار الصحاح (ص: 454) مادة: “عمر”.

([8])  هداية السالك (4 /1387).

([9])  وهو حديث ابن عباس رضي الله عنهما السابق ذكره وتخريجه.

([10])  تنظر الأقوال في : هداية السالك إلى المذاهب الأربعة (4/ 1395-1396)، وانظر قول ابن فرحون في مواهب الجليل (4/ 40) قال: ” أفضل العمرة ما كان في رجب ورمضان”.

([11])  تقدم تخريجه.

([12])  زاد المعاد في هدي خير العباد (2 /90-91).

([13])  فتح الباري (4 /520).

([14])  إرشاد الساري (3 /266).

***********************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري. للقسطلاني، وبهامشه متن صحيح الإمام مسلم وشرح الإمام النووي عليه. المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق. مصر .ط6/ 1304هـ

الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه، وتصحيحه، وتحقيقه: محب الدين الخطيب، رقم كتبه، وأبوابه، وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه، وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة، ط1 /1400هـ.

زاد المعاد في هدي خير العباد. لابن القيم الجوزية. حقق نصوصه، وخرج أحاديثه، وعلق عليه: شعيب الأرنؤوط- عبد القادر الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة بيروت. ط 3/ 1418هـ- 1998مـ

صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج . لمحمد بن محمد مرتضى الزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427هـ-2006مـ..

فتح الباري شرح صحيح البخاري. لأحمد بن علي بن محمد ابن حجر العسقلاني. رقم كتبها وأبوابها وأحاديثها: عبد العزيز بن عبد الله بن باز- محمد فؤاد عبد الباقي. دار الكتب العلمية بيروت 2017مـ

مختار الصحاح. لمحمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي. عني بترتيبه: محمود خاطر. دار المعارف القاهرة. ط8/ 2019مـ.

مواهب الجليل لشرح مختصر خليل. لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن الخطاب الرعيني. ضبطه، وخرج آياته، وأحاديثه: زكريا عميرات. دار الكتب العلمية بيروت لبنان 2007مـ.

هداية السالك إلى المذاهب الأربعة في المناسك. لعبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن جماعة الكناني. تحقيق ودراسة: د. صالح بن ناصر بن صالح الخزيم. إشراف وتقديم: د. صالح بن فوزان- أشرف على طبعه: د. خالد بن علي بن محمد المشيقح. دار ابن الجوزي. الرياض. ط1/ 1422هـ.

الجامع الكبير. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي. حققه، وخرج أحاديثه، وعلق عليه: د بشار عواد معروف. دار الغرب الإسلامي بيروت. ط1/ 1996مـ

سنن ابن ماجه. لأبي عبد الله محمد بن يزيد ابن ماجه القزويني. تحقيق: محمود محمد محمود حسن نصار. دار الكتب العلمية بيروت لبنان 2018مـ.

*راجع المقال الباحث: محمد إليولو

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق