مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

بعض أحداث العهد المكي الواقعة في شهر شوال

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه

      يعد شهر شوال الشهر العاشر من التقويم الهجري، يأتي قبل شهر ذي القعدة، وبعد شهر رمضان الأبرك، وهو من أعظم الشهور المباركة، وفيه الكثير من الفضائل والخصائص، ويحتفل المسلمون في أول أيامه بعيد الفطر المبارك السعيد، ثم إن هذا الشهر كغيره من الشهور وقعت فيه العديد من الأحداث والوقائع  الخاصة بالسيرة النبوية بعهديها المكي والمدني،  ولأهمية ذلك انتقيت منها بعض الأحداث التي وقعت في الفترة المكية، فأحببت أن أُذَكِّر نفسي وإياكم بها بإيجاز ، وهذا أوان الشروع في الموضوع فأقول وبالله التوفيق:

من أحداث العهد المكي التي وقعت في شهر شوال أذكر الآتي:

الحدث الأول: نزول الوحي بعد فترة انقطاعه عنه صلى الله عليه وسلم

أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي، فنوديت فنظرت أمامي وخلفي، وعن يميني، وعن شمالي، فلم أر أحدا، ثم نوديت فنظرت فلم أر أحدا، ثم نوديت فرفعت رأسي، فإذا هو على العرش في الهواء – يعني: جبريل عليه السلام – فأخذتني رجفة شديدة، فأتيت خديجة رضي الله عنها، فقلت: دثروني، فدثروني، فصبوا علي ماء، فأنزل الله عز وجل: (يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر) ([1]) ”  واللفظ لمسلم([2])

وهذا يدل على أن الوحي الذي نزل عليه صلى الله عليه وسلم بعد الفترة؛ إنما نزل وهو صلى الله عليه وسلم راجع إلى بيته بعد إتمام جواره بتمام شهر رمضان، لأن مدة فترة الوحي كانت أياما كما قال المبارك فوري في كتابه الرحيق المختوم قال: أما فترة الوحي فروى ابن سعد عن ابن عباس ما يفيد أنها كانت أياما، وهذا الذي يترجح ، بل يتعين بعد إدارة النظر في جميع الجوانب، وأما ما اشتهر من أنها دامت طيلة ثلاث سنين، أو سنتين ونصف فلا يصح بحال”([3])

الحدث الثاني: عودة المسلمين المهاجرين إلى الحبشة إلى مكة

في شوال من السنة الخامسة من البعثة النبوية، عاد المسلمون المهاجرون إلى الحبشة إلى مكة المكرمة بعد أن مكثوا فيها شعبان وشهر رمضان. قال ابن سعد نقلا عن الواقدي: “فكانوا خرجوا في رجب سنة خمس، فأقاموا شعبان وشهر رمضان، .. وقدموا في شوال سنة خمس”([4]).

الحدث الثالث: خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف لدعوتهم

ذكر ابن سعد نقلا عن شيخه الواقدي أن خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى الطائف، ودعوتهم إلى الإسلام  في شهر شوال من السنة العاشرة من المبعث، بعد موت أبي طالب وخديجة رضي الله عنها، وذكر أن مدة إقامته بالطائف كانت عشرة أيام([5])

الحدث الرابع: زواج الرسول صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها

في شوال من السنة العاشرة من النبوة ـتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما، وبنى بها بالمدينة في شوال على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره إلى المدينة([6]).

قالت عائشة رضي الله عنها: “تزوجني رسول الله ﷺ في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله ﷺ كان أحظى عنده مني؟ قال: وكانت عائشة تستحب أن ُتدْخِلَ نساءها في شوال”([7]).

والتزوج والتزويج في هذا الشهر الفضيل من الأمور المستحبة فيه، دفعا لما هو متعارف عليه في أيام الجاهلية الأولى الذين يتشاءمون من وقوع الزواج فيه.

قال النووي – رحمه الله – في شرحه لحديث عائشة  المتقدم-رضي الله عنها-: «فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال، وقد نص أصحابنا على استحبابه ، واستدلوا بهذا الحديث . وقصدت عائشة رضي الله عنها بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه، وما يتخيله بعض العوام اليوم، من كراهة التزويج والدخول في شوال، وهذا باطل لا أصل له، وهو من آثار الجاهلية، كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الإشالة والرفع » ([8]).

   وفي الختام أرجو أن أكون قد وفقت في التذكير ببعض الأحداث المكية التي وقعت في شهر شوال باختصار مرتبة إياها ترتيبا زمانيا، واللَّهَ أسأل أن يوفقنا لطاعته والعمل في مرضاته، إنه جواد كريم.

*****************************

هوامش المقال: 

([1])  سورة المدثر الآيات: من 1إلى 4.

([2])  أخرجه البخاري في صحيحه (3 /317)، كتاب: تفسير القرآن، باب: (وربك فكبر) برقم: (4925)، ومسلم في صحيحه (1 /85) كتاب الإيمان، باب: بدء الوحي ّإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، برقم: (257) (161).

([3])  الرحيق المختوم (ص: 69).

([4])  نقلا عن طبقات ابن سعد (1/ 176).

([5])  نقلا عن طبقات ابن سعد (1/ 180).

([6])  انظر منتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم (ص: 39).

([7])  الحديث رواه مسلم في صحيحه (1 /642) كتاب النكاح، باب: استحباب التزوج والتزويج في شوال، واستحباب الدخول فيه، برقم: (73) (1423).

([8]) صحيح مسلم بشرح النووي (9/ 298).

***************************

لائحة المصادر والمراجع المعتمدة:

  1. الجامع الصحيح المسند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه. لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، قام بشرحه وتصحيحه وتحقيقه: محب الدين الخطيب، رقم كتبه وأبوابه وأحاديثه: محمد فؤاد عبد الباقي، وقام بإخراجه وأشرف على طبعه: قصي محب الدين الخطيب، المطبعة السلفية القاهرة، ط1/ 1400هـ
  2. الرحيق المختوم (بحث في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام). لصفي الرحمن المباركفوري. وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية قطر، ط 1428هـ-2007مـ.
  3. شرح النووي على صحيح مسلم. لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي. مؤسسة قرطبة. ط2 /1414-1994.
  4. صحيح مسلم. وفي طليعته: غاية الابتهاج لمقتفي أسانيد كتاب مسلم بن الحجاج للزبيدي.دار طيبة. الرياض. ط1/ 1427-2006.
  5. الطبقات الكبير. لمحمد ابن سعد بن منيع الزهري. تحقيق: د علي محمد عمير. مكتبة الخانجي القاهرة. ط2 /1434هـ- 2012مـ.
  6. منتخب من كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. لمحمد بن الحسن بن زبالة رواية: الزبير بن بكار، تحقيق: د أكرم ضياء العمري، الجامعة الإسلامية المملكة العربية السعودية ط1/ 1401هـ- 1981م.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار، والباحث عبد الفتاح مغفور

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق