مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقدية

باحثو مركز أبي الحسن الأشعري يحضرون الندوة الدولية: أصول البيان في فهم الخطاب القرآني وتأويله

 

من أجل تعميق التكوين العلمي، والاستفادة من جملة العلوم الشرعية ومناهجها، حضر باحثو مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية أعمال الندوة العلمية الدولية برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية، التابعة لجامعة عبد الملك السعدي بتطوان في موضوع: “أصول البيان في فهم الخطاب القرآني وتأويله” نظمها مركز بن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالتعاون مع فرقة البحث الأدبي والسيميائي بالكلية نفسها، وذلك يومي الأربعاء والخميس: 16-17 دجنبر2015.
وأكد منسق اللجنة المنظمة الدكتور عبد الرحمن بودرع ـ في كلمته التي تلت ترحيب عميد الكلية  ـ أن أشغال هذه الندوة تأتي في إطار بناء تصور علمي تسهم فيه علوم اللغة من نحو وصرف ومعجم وبلاغة في وضع قواعد وآليات تحفظ الفهم السليم للخطاب القرآني وتدرأ عنه سوء التأويل والتنزيل، مبينا الحدود التي يمكن أن تبلغه هذه العلوم في إنتاج خطاب تفسيري متكامل يمكننا من استثمار مقاصد القرآن وغاياته.
وعن الملكة التأويلية التي تمكِّن قارئ القرآن من الانتقال من الشك إلى النفع والعلم الراسخ، أكد الدكتور محمد الحافظ الروسي رئيس مركز بن أبي الربيع السبتي أنها تنتج عن إمعان النظر في النص القرآني وموازنته بنصوص أخرى موازنة تقوم على قواعد عاصمة وقوانين ضابطة مؤطَّرَة بأخلاقيات القراءة.
ودعا ـ الدكتور الشاهد البوشيخي رئيس مؤسسة البحوث والدراسات العلمية بفاس في محاضرته التي دارت حول موضوع علم أصول بيان القرآن  ـ إلى تشكيل مشروع لهذا العلم تشتغل عليه الأمة؛ لأن سياقها في القرن الحديث يطرح سؤال عودتها واستئناف نهوضها، استنادا على الآية القرآنية الكريمة {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } التي اعتبرهـا قانونـا يخضع له التطور التاريخي. وبعد بيانه لوجوب التمكن من التخصصات العلمية في كل الميادين أكد على ضرورة صياغة هذه العلوم وفق تصور تكاملي يقوم على أنسنة العلوم المادية، التي تعقبها أسلمة العلوم الإنسانية.
 وقد استعجل صاحب مشروع المعجم التاريخي للمصطلحات العلمية وجوب التقعيد لأصول البيان، مؤكدا أن هذا المجال لم يسبق له أن كان علما محدد الضوابط والقواعد، وحدد لذلك مشروعا يتوزع على جملة من الآليات، أهمها إكمال بناء هـذا العلم، وضبط ميزان الفهم بمحاصرته المنهجية من التحريف والتأويل والانتحال والتسيب التأويلي الذي يقوم على ما سماه بـ”السباحة الحرة”، وذلك بالانضباط لخطوات اعتبرها مراحل المشروع، وتبدأ من جمع المادة وتصنيفها وتحليلها وتعليلها، ثم إعادة تركيبها وفق تصور تفصيلي، كل ذلك من أجل تيسير عودة البشرية إلى الآدمية وخروج الأمة من اضطرابها وتمزقها الذي حصل بداية من القرن الثاني، ثم ختم محاضرته بتذكيره لضرورة إنتاج جيل راسخ ناسخ ينهض بهذا المشروع ليعيد من خلاله بناء علم أصول البيان.
وفي الجلسة الثانية تناول الدكتور عبد القادر سلامي ـ من جامعة تلمسان بالجزائر ـ  الظاهرة الاصطلاحية بوصفها معيارا يقاس به  تقدم الأمم والحضارات، رابطا بينها  وبين جملة من المفاهيم التي تشكل حقلها الدلالي، حيث قام بتحديد مفهومي لـ”البيان” و”الخطاب” و”النص” و”التفسير” و”التأويل” تحديدا كشف فيه عن مشتقاتها ومترادفاتها مستندا في ذلك على حقل التراث وتعريفات الحقل اللساني الغربي، ومبينا حدود تحققها في القرآن.
وفي الجلسة نفسها قدمت الدكتورة فاطمة الزهراء الناصري ـ الباحثة في مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء بالرباط ـ ورقة أسستها على قاعدة حاكمية القرآن على اللغة وليس العكس، والتي استخلصتها من معنى هيمنة القرآن، مبينة أن القرآن وإن كان نزل بلسان عربي مبين، إلا أنه يتجاوز حدود هذه اللغة، وقد أكدت أن القرآن بخصوصية تركيبه وتعبيره وصوره وألفاظه فكك السبائك والقوالب اللغوية التي تنتظم القصائد الشعرية الجاهلية وكلام العرب. وبهذه المداخلة انتهت أعمال اليوم الأول من الندوة لتستأنف في اليوم الموالي.
في اليوم الثاني من الندوة افتتح الدكتور محمد مفتاح الجلسة الثالثة بكلمة جدّد فيها الترحيب بالحضور الكرام أساتذة وطلبة ثم أحال الكلمة إلى الدكتورة سعاد الناصر من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان لإلقاء محاضرتها في موضوع “بلاغة القصّ في سورة طه”، حيث استهلّت الأستاذة محاضرتَها بتوطئة بين يدي الموضوع أكدت فيها ابتداءً على تميز كل سورة من سور القرآن بمِيزات وخصائصَ تجعلها نسيجا لغويا وبيانيا قائما بذاته، كما ضمّنتها مسوغات اختيارها لسورة طه محورًا لبحثها، مجملةً إيّاها في كثافتها المعرفية وزخمها القصصي ومحتواها الحجاجي المعجز، وقاصدةً من وراء هذا الاختيار استشفافَ مظاهر الجمال فيها واستنباطَ مقاصد الإعجاز الواصل بين آياتها، مع الدعوة إلى تنزيل هذه المظاهر على الواقع المعيش تمظهرًا بها وتجملاً بآدابها وأخلاقها. وقد قسمت المحاضِرة بحثها إلى ثلاثة مباحث؛ أولها الوحدات الدلالية في سورة طه، وثانيها الانسجام والتناسب، ثم ثالثها البنية السردية. تتبعت في المبحث الأول مختلف الدلالات البيانية والبلاغية للقصَص المسطور في سورة طه منتظمةً إياها، بحسب موضوعها وقالبها اللغوي، في سبع وحدات نصية دلالية؛ جعلت لكل منها خصائصَ تخصُّها ومميزات تميزها عن غيرها مشددة على ضرورة الإلمام بهذه الخصائص لتذوق البيان القرآني في مبانيه ومعانيه المعجزة. في المبحث الثاني أسهبت الباحثة، تشريحا وتمثيلا، في بيان أوجه الانسجام بين آي سورة طه من حيث الترابطُ الموضوعي للنص القصصي القرآني وانسجامُ بداية القصص مع نهايته سواء على مستوى السورة ككل أو على مستوى الوحدات الدلالية المكونة لها، كما تجلى هذا الانسجام في حسن النسق القصصي الرابط بين معاني الآيات مستشهدة بقوله تعالى: ﴿قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي .. الآيات﴾، وفي الجمع بين المتقابلات اللفظية والمعنوية؛ منها التقابل الكوني (السماوات/الأرض) في قوله تعالى ﴿تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى﴾ والتقابل الزمني (الليل/النهار)  كما في قوله عز وجل ﴿ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى﴾ إلى غير ذلك من ضروب التقابل المسبوكة في قالب قصصي غاية في الرصف والانسجام، ولم يفت المحاضِرة في هذا المبحث أن تلقي الضوء على التناسب الإيقاعي الجمالي الراصف بين الحروف والكلمات. وفي المبحث الثالث بينت الباحثة معاقد البنية السردية في القصص القرآني مجسَّدَة في سورة طه  مدلِّلة على تفردها وتميزها مقارنة بالبنية السردية للخطاب الأدبي الوضعي من حيث خصوصياتها الجمالية والبيانية ما يجعل النص القرآني في منتهى الإعجاز والبيان والجمال.
في المحاضرة الثانية تقدم الدكتور عبد الله بن محمد بن جار الله النغيمشي من جامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية ببحث تحت عنوان: “التأثير والتأثر بين المعنى والصنعة النحوية عند ابن جرير الطبري في تفسيره” رام من خلاله التدليل على العلاقة الجدلية بين الإعراب والمعنى الدلالي، مستعرضا مجموعة من النماذج التفسيرية التي تعكس هذه العلاقة الوثيقة، عند شيخ المفسرين،  بين النحو العربي ودلالات الألفاظ في بيان معانى الآيات، وقد بيَّن الباحث بناء على هذه النماذج المنتقاة كيف أن ابن جرير كثيرا ما يفاضل بين المعاني استنادا إلى القواعد النحوية، وفي أحايين متعددة يرد تفسير النحويين القائمَ على القواعد النحوية لمخالفته للمعنى المستفاد من سياق الآي، كما يرجح الطبري بين جملة من القراءات؛ فيمنع بعضها في موضع من المواضع وإن كانت جائزة من الناحية النحوية، ويرد أخرى لنفس التعليل وإن كانت ثابتة من حيث النقل، وقد بسط الباحث في محاضرته مجموعة من النماذج والأمثلة تصب حميعهاا في الإدلال على تأثير معاني الألفاظ في توجيه القواعد النحوية قبولا ورفضا، وعلى تأثير الصنعة النحوية في الترجيح بين المعاني والدلالات الممكنة التي تنطوي عليها الألفاظ والآيات.
في المحاضرة الثالثة ألقى الدكتور عدنان أجانة، من أكاديمية التربية والتعليم بكلميم، محاضرة تناول فيها موضوع “النحو العربي والقرآن الكريم: قراءة في حدود العلاقة وآفاقها”، وفي مستهل بحثه أكد الدكتور أجانة على أهمية النحو العربي باعتباره أصلا من أصول بيان معاني القرآن، مشدّدا على ضرورة استدعائه واستحضاره في معرض تبيين دلالات الألفاظ والتراكيب. بيد أن النحو العربي، يورد المحاضر، لاقتصاره في مجمل قواعده على الشواهد الشعرية المبثوثة في الشعر الجاهلي والشعر الأموي وبعض الشعر العباسي جعله قاصرا عن استيعاب النسق القرآني الفصيح؛ فقد أدى تجاهل النحويين للمصادر الأخرى للنحو ـ وهي القرآن الكريم نفسُه والنثر العربي والقراءات القرآنية بمتواترها وشاذها والأحاديث النبوية والشعر العباسي ـ إلى الوقوع في جملة من الهنات والمحاذير؛ منها استشكال الآيات من الناحية الإعرابية، وتخطئة القراء الناقلين للقراءات المعتبرة، وتوهينُ بعضها عن طريق تضعيفها أو تأويلها لعدم انسياقها للقاعدة النحوية المستقاة غالبا من الشعر الجاهلي، والحال أن كثيرا من القواعد النحوية اختلف فيها النحويون أنفسُهم تبعا للاختلاف المشهور بين المدرستين؛ مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة، ما يجعل الركون إلى القواعد النحوية والاقتصار عليها في بيان دلالات القرآن الكريم  حجْرا على المصادر الأخرى التي بالاستمداد منها تظهر بوضوح مظاهر فصاحة النسق اللغوي القرآني، لذلك اقترح المحاضر تمديد الوصف النحوي على مستوى المجال مفرداتٍ وتراكيبَ وعلى مستوى الاصطلاح بالانفتاح على المصادر الأخرى للنحو من أجل تقعيد قواعد جديدة تسهم في فهم أوسع وبيان أعمق للغة القرآن الكريم.
في المحاضرة الرابعة تقدم الدكتور عبد الله بن سرحان القرني من جامعة أم القرى بمكة المكرمة بورقة تناول فيها موضوع “الأصول النحوية والصرفية في تأويل القرآن: معاني القرآن وإعرابه للزجاج نموذجا”. استهل الباحث محاضرته باستعراض الأصول الكبرى للنحو العربي متمثلة في السماع والقياس والاجتهاد واستصحاب الحال، ثم عرّج على أصل الاشتقاق، مبيِّنا أهميته في فهم معاني الألفاظ القرآنية وتوجيه دلالاتها عند الزجّاج في كتابه. بيد أن الباحث انتقل، بعد ذلك، إلى نقد مبالغة الزجاج في التوسل بالاشتقاق في بيان معاني الألفاظ؛ مبينا كيف أن صاحب الكتاب ـ محل البحث ـ اشتاط في ربطه بين الألفاظ على أصل الاشتقاق لمجرد الاتحاد في حرفين أو أكثر ما جعله يستنبط معاني غريبة تكون في أحايين كثيرة بعيدة عن دلالات مفردات الآيات وتراكيبها، وقد قدم الباحث لتعليل حكمه جملة من الأمثلة والنماذج التقريبية. وفي ختام محاضرته دعا الدكتور القرني إلى ضرورة مراجعة كثير من الأحكام النحوية والتخريجات الصرفية المبثوثة في كتب الأقدمين والتي لا تسعف في بناء فهم الخطاب القرآني فهما صحيحا سليما مع وافر التقدير والاحترام لجهود الأوائل. 
فيما ذهب د.راشد الحمود الثنيان من جامعة المجمعة بالمملكة العربية السعودية إلى الحديث في موضوع: “كتب الغريب وأثرها في فهم القرآن، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة أنموذجا”. وقد انطلق المحاضر  في مداخلته للدعوة إلى الاهتمام بكتب غريب القرآن من أجل البحث في أصول البيان لفهم الخطاب القرآني لما لهذه الكتب من أهمية، وقد جعل من تفسير ابن قتيبة “تفسير غريب القرآن” أنموذجا في هذه الدراسة لما امتاز به هذا التفسير من الجمع ما بين التطويل والتقصير في هذا الجانب المهم من التفسير. ونظرا كذلك لاعتماده أكثر على السياق، واهتمامه كذلك بمباحث الوقف والابتداء. ثم تعرض المحاضر لخصائص كتب الغريب التي تهتم بتتبع الألفاظ الغريبة في القرآن الكريم والبحث لها عن اشتقاقات انطلاقا من أصول اللغة العربية. كما بيَّن أنواع هذه التفاسير وما تفاضلت فيه بعضها عن بعض، مقررا بذلك أنه يمكن تصنيف هذه التفاسير إلى خمسة أنواع حسب المنهج المتبع فيها وهي: المنهج المعجمي- المنهج السياقي- المنهج التفسيري- منهج الاختصار في بيان المعنى- ومنهج الإطالة والتوسط. وقد خلص المحاضر إلى أن عدم معرفة المفسرين بالغريب أوقع بعضهم في أغلاط كثيرة، وهذا ما تنبَّه له ابن قتيبة في تفسيره من البحث في غريب القرآن واعتماده في ذلك على الشواهد اللغوية والشعرية.
أما الجلسة الرابعة فقد تدخل فيها كل من الدكتور نصر الدين وهابي من جامعة الشهيد حمه لخضر من الجزائر وهو أستاذ لمادة النحو بها والدكتور عبد الرحمن بودرع أستاذ بكلية الآداب بتطوان ورئيس وحدة البحث الأدبي والسيميائي بها والدكتور محمد الفرجي من كلية اللغة العربية بمراكش.
كانت المداخلة الأولى بعنوان: “التوجيه النحوي للشاذ في لغة القرآن الكريم”، وقد أبرز المحاضر أن محور هذه الندوة يقتضي التفصيل والتقسيم في مداخلاتها، لذلك فقد تفضل بالإجابة على مجموعة من الاستفسارات وضعها كمقدمة لهذه المداخلة؛ من مثل: كيف يكون الأخذ باللغة لمصلحة التفسير؟ وهل يجوز تجاوز اللغة العربية في التفسير؟ وما مدى اعتماد التفسير على اللغة؟ ليستخلص من خلال هذه التساؤلات ضرورة التفريق بين اللغة والنحو باعتبار أن اللغة وعاء بينما النحو إنما هو قواعد لهذه اللغة. ثم انتقل بعد ذلك إلى التوجيه النحوي في مجموعة من الآيات القرآنية من مثل استعمال المثنى في قوله تعالى: (إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم..)الآية، وما تفيده (إن) ما بين المعنيين التاليين: هل تفيد الحصر أم تفيد معنى (أجل)، وذلك من خلال ما دار من سجال بين سيبويه والزجاج في ذلك.
أما المداخلة الثانية والتي كانت بعنوان: “النسق والبنية في دراسة النص القرآني واستجلاء بيانه”، فقد استعرض فيها المحاضر بعض مظاهر الانسجام بين أجزاء النص القرآني باعتباره نصا ذا وحدة متكاملة، مستحضرا لها وفق الترتيب التالي:  ما يتميز به من تماسك الأجزاء، وما اعتمده النص القرآني من تذييل للآيات وفق نسق معين، ثم الملاءمة والائتلاف الظاهر في القرآن بين اللفظ واللفظ من جهة، واللفظ والمعنى من جهة أخرى، وكذا حسن التنسيق في كلماته المتتالية، وأيضا ما يمتاز به من صيغة اللف والنشر تفصيلا وإجمالا، ثم مظاهر المشاكلة، والمطابقة والمقابلة، والوصل لفظا والفصل معنى.. فالخطاب القرآني بهذه المظاهر يشكل وحدة متكاملة منسجمة، مما يستدعي نظرة متناسقة أثناء تفسيره وتأويله.
بينما كانت المداخلة الثالثة تحت عنوان: “السياق موجها دلاليا في التفسير اللغوي بالغرب الإسلامي- البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي نموذجا”، وقد استعرض المحاضر مجموعة من المعالم في هذه المداخلة للدلالة على ضرورة اعتماد السياق في التفسير وذلك من خلال اعتبار الأمور التالية: التناسب الصيغي على وجه واحد، واختيار المعنى الأنسب، والحيز التركيبي الذي تدل عليه أدوات المعاني، واعتماد الظاهر المأخوذ من المعنى، وتظافر الكلام، ثم الوحدة الموضوعية. ثم ناقش المحاضر مسألة مقومات السياق عند أبي حيان في تفسيره وذكر مستويات التوجيه الدلالي لهذا السياق، معتمدا على بعض الشواهد القرآنية في هذا التوجيه، ليخلص في الأخير إلى عرض مجالات توظيف السياق عند أبي حيان الأندلسي.
وفي أعقاب هذه الجلسات كانت تنتظم مداخلات لبعض الطلبة استثمارا للأفكار المطروحة، واستلهاما كذلك لعرض إضافات من طرف مجموعة من الأساتذة، أغنت أعمال هذه الندوة العلمية.
وفي ختام هذه الندوة قرئت التوصيات التي اعتمدها المتدخلون تتويجا لأعمالهم، تضمنت ضرورة نشر أعمال هذه الندوة من طرف مركز ابن أبي الربيع السبتي مع اقتراح إخراج مدونة تهتم بأمر المعاجم اللغوية في التفسير  وإنشاء فريق بحث من المتخصصين يهتم بموضوع أصول البيان في فهم الخطاب القرآني.
 هذا، وقد تخلل الندوة تنظيم معرض لإصدارات الرابطة المحمدية للعلماء، بفضاء الكلية لاقت إقبالا كبيرا من طرف الطلبة الباحثين والأساتذة.

من أجل تعميق التكوين العلمي، والاستفادة من جملة العلوم الشرعية ومناهجها، حضر باحثو مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوث العقدية أعمال الندوة العلمية الدولية برحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية، التابعة لجامعة عبد الملك السعدي بتطوان في موضوع: “أصول البيان في فهم الخطاب القرآني وتأويله” نظمها مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالتعاون مع فرقة البحث الأدبي والسيميائي بالكلية نفسها، وذلك يومي الأربعاء والخميس: 16-17 دجنبر2015.

وأكد منسق اللجنة المنظمة الدكتور عبد الرحمن بودرع ـ في كلمته التي تلت ترحيب عميد الكلية  ـ أن أشغال هذه الندوة تأتي في إطار بناء تصور علمي تسهم فيه علوم اللغة من نحو وصرف ومعجم وبلاغة في وضع قواعد وآليات تحفظ الفهم السليم للخطاب القرآني وتدرأ عنه سوء التأويل والتنزيل، مبينا الحدود التي يمكن أن تبلغه هذه العلوم في إنتاج خطاب تفسيري متكامل يمكننا من استثمار مقاصد القرآن وغاياته.

وعن الملكة التأويلية التي تمكِّن قارئ القرآن من الانتقال من الشك إلى النفع والعلم الراسخ، أكد الدكتور محمد الحافظ الروسي رئيس مركز بن أبي الربيع السبتي أنها تنتج عن إمعان النظر في النص القرآني وموازنته بنصوص أخرى موازنة تقوم على قواعد عاصمة وقوانين ضابطة مؤطَّرَة بأخلاقيات القراءة.

ودعا ـ الدكتور الشاهد البوشيخي رئيس مؤسسة البحوث والدراسات العلمية بفاس في محاضرته التي دارت حول موضوع علم أصول بيان القرآن  ـ إلى تشكيل مشروع لهذا العلم تشتغل عليه الأمة؛ لأن سياقها في القرن الحديث يطرح سؤال عودتها واستئناف نهوضها، استنادا على الآية القرآنية الكريمة {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ } التي اعتبرهـا قانونـا يخضع له التطور التاريخي. وبعد بيانه لوجوب التمكن من التخصصات العلمية في كل الميادين أكد على ضرورة صياغة هذه العلوم وفق تصور تكاملي يقوم على أنسنة العلوم المادية، التي تعقبها أسلمة العلوم الإنسانية.

 وقد استعجل صاحب مشروع المعجم التاريخي للمصطلحات العلمية وجوب التقعيد لأصول البيان، مؤكدا أن هذا المجال لم يسبق له أن كان علما محدد الضوابط والقواعد، وحدد لذلك مشروعا يتوزع على جملة من الآليات، أهمها إكمال بناء هـذا العلم، وضبط ميزان الفهم بمحاصرته المنهجية من التحريف والتأويل والانتحال والتسيب التأويلي الذي يقوم على ما سماه بـ”السباحة الحرة”، وذلك بالانضباط لخطوات اعتبرها مراحل المشروع، وتبدأ من جمع المادة وتصنيفها وتحليلها وتعليلها، ثم إعادة تركيبها وفق تصور تفصيلي، كل ذلك من أجل تيسير عودة البشرية إلى الآدمية وخروج الأمة من اضطرابها وتمزقها الذي حصل بداية من القرن الثاني، ثم ختم محاضرته بتذكيره لضرورة إنتاج جيل راسخ ناسخ ينهض بهذا المشروع ليعيد من خلاله بناء علم أصول البيان.

وفي الجلسة الثانية تناول الدكتور عبد القادر سلامي ـ من جامعة تلمسان بالجزائر ـ  الظاهرة الاصطلاحية بوصفها معيارا يقاس به  تقدم الأمم والحضارات، رابطا بينها  وبين جملة من المفاهيم التي تشكل حقلها الدلالي، حيث قام بتحديد مفهومي لـ”البيان” و”الخطاب” و”النص” و”التفسير” و”التأويل” تحديدا كشف فيه عن مشتقاتها ومترادفاتها مستندا في ذلك على حقل التراث وتعريفات الحقل اللساني الغربي، ومبينا حدود تحققها في القرآن.

وفي الجلسة نفسها قدمت الدكتورة فاطمة الزهراء الناصري ـ الباحثة في مركز الدراسات القرآنية بالرابطة المحمدية للعلماء بالرباط ـ ورقة أسستها على قاعدة حاكمية القرآن على اللغة وليس العكس، والتي استخلصتها من معنى هيمنة القرآن، مبينة أن القرآن وإن كان نزل بلسان عربي مبين، إلا أنه يتجاوز حدود هذه اللغة، وقد أكدت أن القرآن بخصوصية تركيبه وتعبيره وصوره وألفاظه فكك السبائك والقوالب اللغوية التي تنتظم القصائد الشعرية الجاهلية وكلام العرب. وبهذه المداخلة انتهت أعمال اليوم الأول من الندوة لتستأنف في اليوم الموالي.

في اليوم الثاني من الندوة افتتح الدكتور محمد مفتاح الجلسة الثالثة بكلمة جدّد فيها الترحيب بالحضور الكرام أساتذة وطلبة ثم أحال الكلمة إلى الدكتورة سعاد الناصر من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان لإلقاء محاضرتها في موضوع “بلاغة القصّ في سورة طه”، حيث استهلّت الأستاذة محاضرتَها بتوطئة بين يدي الموضوع أكدت فيها ابتداءً على تميز كل سورة من سور القرآن بمِيزات وخصائصَ تجعلها نسيجا لغويا وبيانيا قائما بذاته، كما ضمّنتها مسوغات اختيارها لسورة طه محورًا لبحثها، مجملةً إيّاها في كثافتها المعرفية وزخمها القصصي ومحتواها الحجاجي المعجز، وقاصدةً من وراء هذا الاختيار استشفافَ مظاهر الجمال فيها واستنباطَ مقاصد الإعجاز الواصل بين آياتها، مع الدعوة إلى تنزيل هذه المظاهر على الواقع المعيش تمظهرًا بها وتجملاً بآدابها وأخلاقها. وقد قسمت المحاضِرة بحثها إلى ثلاثة مباحث؛ أولها الوحدات الدلالية في سورة طه، وثانيها الانسجام والتناسب، ثم ثالثها البنية السردية. تتبعت في المبحث الأول مختلف الدلالات البيانية والبلاغية للقصَص المسطور في سورة طه منتظمةً إياها، بحسب موضوعها وقالبها اللغوي، في سبع وحدات نصية دلالية؛ جعلت لكل منها خصائصَ تخصُّها ومميزات تميزها عن غيرها مشددة على ضرورة الإلمام بهذه الخصائص لتذوق البيان القرآني في مبانيه ومعانيه المعجزة. في المبحث الثاني أسهبت الباحثة، تشريحا وتمثيلا، في بيان أوجه الانسجام بين آي سورة طه من حيث الترابطُ الموضوعي للنص القصصي القرآني وانسجامُ بداية القصص مع نهايته سواء على مستوى السورة ككل أو على مستوى الوحدات الدلالية المكونة لها، كما تجلى هذا الانسجام في حسن النسق القصصي الرابط بين معاني الآيات مستشهدة بقوله تعالى: ﴿قال رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي .. الآيات﴾، وفي الجمع بين المتقابلات اللفظية والمعنوية؛ منها التقابل الكوني (السماوات/الأرض) في قوله تعالى ﴿تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى﴾ والتقابل الزمني (الليل/النهار)  كما في قوله عز وجل ﴿ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى﴾ إلى غير ذلك من ضروب التقابل المسبوكة في قالب قصصي غاية في الرصف والانسجام، ولم يفت المحاضِرة في هذا المبحث أن تلقي الضوء على التناسب الإيقاعي الجمالي الراصف بين الحروف والكلمات. وفي المبحث الثالث بينت الباحثة معاقد البنية السردية في القصص القرآني مجسَّدَة في سورة طه  مدلِّلة على تفردها وتميزها مقارنة بالبنية السردية للخطاب الأدبي الوضعي من حيث خصوصياتها الجمالية والبيانية ما يجعل النص القرآني في منتهى الإعجاز والبيان والجمال.

في المحاضرة الثانية تقدم الدكتور عبد الله بن محمد بن جار الله النغيمشي من جامعة القصيم بالمملكة العربية السعودية ببحث تحت عنوان: “التأثير والتأثر بين المعنى والصنعة النحوية عند ابن جرير الطبري في تفسيره” رام من خلاله التدليل على العلاقة الجدلية بين الإعراب والمعنى الدلالي، مستعرضا مجموعة من النماذج التفسيرية التي تعكس هذه العلاقة الوثيقة، عند شيخ المفسرين،  بين النحو العربي ودلالات الألفاظ في بيان معانى الآيات، وقد بيَّن الباحث بناء على هذه النماذج المنتقاة كيف أن ابن جرير كثيرا ما يفاضل بين المعاني استنادا إلى القواعد النحوية، وفي أحايين متعددة يرد تفسير النحويين القائمَ على القواعد النحوية لمخالفته للمعنى المستفاد من سياق الآي، كما يرجح الطبري بين جملة من القراءات؛ فيمنع بعضها في موضع من المواضع وإن كانت جائزة من الناحية النحوية، ويرد أخرى لنفس التعليل وإن كانت ثابتة من حيث النقل، وقد بسط الباحث في محاضرته مجموعة من النماذج والأمثلة تصب حميعهاا في الإدلال على تأثير معاني الألفاظ في توجيه القواعد النحوية قبولا ورفضا، وعلى تأثير الصنعة النحوية في الترجيح بين المعاني والدلالات الممكنة التي تنطوي عليها الألفاظ والآيات.

في المحاضرة الثالثة ألقى الدكتور عدنان أجانة، من أكاديمية التربية والتعليم بكلميم، محاضرة تناول فيها موضوع “النحو العربي والقرآن الكريم: قراءة في حدود العلاقة وآفاقها”، وفي مستهل بحثه أكد الدكتور أجانة على أهمية النحو العربي باعتباره أصلا من أصول بيان معاني القرآن، مشدّدا على ضرورة استدعائه واستحضاره في معرض تبيين دلالات الألفاظ والتراكيب. بيد أن النحو العربي، يورد المحاضر، لاقتصاره في مجمل قواعده على الشواهد الشعرية المبثوثة في الشعر الجاهلي والشعر الأموي وبعض الشعر العباسي جعله قاصرا عن استيعاب النسق القرآني الفصيح؛ فقد أدى تجاهل النحويين للمصادر الأخرى للنحو ـ وهي القرآن الكريم نفسُه والنثر العربي والقراءات القرآنية بمتواترها وشاذها والأحاديث النبوية والشعر العباسي ـ إلى الوقوع في جملة من الهنات والمحاذير؛ منها استشكال الآيات من الناحية الإعرابية، وتخطئة القراء الناقلين للقراءات المعتبرة، وتوهينُ بعضها عن طريق تضعيفها أو تأويلها لعدم انسياقها للقاعدة النحوية المستقاة غالبا من الشعر الجاهلي، والحال أن كثيرا من القواعد النحوية اختلف فيها النحويون أنفسُهم تبعا للاختلاف المشهور بين المدرستين؛ مدرسة الكوفة ومدرسة البصرة، ما يجعل الركون إلى القواعد النحوية والاقتصار عليها في بيان دلالات القرآن الكريم  حجْرا على المصادر الأخرى التي بالاستمداد منها تظهر بوضوح مظاهر فصاحة النسق اللغوي القرآني، لذلك اقترح المحاضر تمديد الوصف النحوي على مستوى المجال مفرداتٍ وتراكيبَ وعلى مستوى الاصطلاح بالانفتاح على المصادر الأخرى للنحو من أجل تقعيد قواعد جديدة تسهم في فهم أوسع وبيان أعمق للغة القرآن الكريم.

في المحاضرة الرابعة تقدم الدكتور عبد الله بن سرحان القرني من جامعة أم القرى بمكة المكرمة بورقة تناول فيها موضوع “الأصول النحوية والصرفية في تأويل القرآن: معاني القرآن وإعرابه للزجاج نموذجا”. استهل الباحث محاضرته باستعراض الأصول الكبرى للنحو العربي متمثلة في السماع والقياس والاجتهاد واستصحاب الحال، ثم عرّج على أصل الاشتقاق، مبيِّنا أهميته في فهم معاني الألفاظ القرآنية وتوجيه دلالاتها عند الزجّاج في كتابه. بيد أن الباحث انتقل، بعد ذلك، إلى نقد مبالغة الزجاج في التوسل بالاشتقاق في بيان معاني الألفاظ؛ مبينا كيف أن صاحب الكتاب ـ محل البحث ـ اشتاط في ربطه بين الألفاظ على أصل الاشتقاق لمجرد الاتحاد في حرفين أو أكثر ما جعله يستنبط معاني غريبة تكون في أحايين كثيرة بعيدة عن دلالات مفردات الآيات وتراكيبها، وقد قدم الباحث لتعليل حكمه جملة من الأمثلة والنماذج التقريبية. وفي ختام محاضرته دعا الدكتور القرني إلى ضرورة مراجعة كثير من الأحكام النحوية والتخريجات الصرفية المبثوثة في كتب الأقدمين والتي لا تسعف في بناء فهم الخطاب القرآني فهما صحيحا سليما مع وافر التقدير والاحترام لجهود الأوائل. 

فيما ذهب د.راشد الحمود الثنيان من جامعة المجمعة بالمملكة العربية السعودية إلى الحديث في موضوع: “كتب الغريب وأثرها في فهم القرآن، تفسير غريب القرآن لابن قتيبة أنموذجا”. وقد انطلق المحاضر  في مداخلته للدعوة إلى الاهتمام بكتب غريب القرآن من أجل البحث في أصول البيان لفهم الخطاب القرآني لما لهذه الكتب من أهمية، وقد جعل من تفسير ابن قتيبة “تفسير غريب القرآن” أنموذجا في هذه الدراسة لما امتاز به هذا التفسير من الجمع ما بين التطويل والتقصير في هذا الجانب المهم من التفسير. ونظرا كذلك لاعتماده أكثر على السياق، واهتمامه كذلك بمباحث الوقف والابتداء. ثم تعرض المحاضر لخصائص كتب الغريب التي تهتم بتتبع الألفاظ الغريبة في القرآن الكريم والبحث لها عن اشتقاقات انطلاقا من أصول اللغة العربية. كما بيَّن أنواع هذه التفاسير وما تفاضلت فيه بعضها عن بعض، مقررا بذلك أنه يمكن تصنيف هذه التفاسير إلى خمسة أنواع حسب المنهج المتبع فيها وهي: المنهج المعجمي- المنهج السياقي- المنهج التفسيري- منهج الاختصار في بيان المعنى- ومنهج الإطالة والتوسط. وقد خلص المحاضر إلى أن عدم معرفة المفسرين بالغريب أوقع بعضهم في أغلاط كثيرة، وهذا ما تنبَّه له ابن قتيبة في تفسيره من البحث في غريب القرآن واعتماده في ذلك على الشواهد اللغوية والشعرية.

أما الجلسة الرابعة فقد تدخل فيها كل من الدكتور نصر الدين وهابي من جامعة الشهيد حمه لخضر من الجزائر وهو أستاذ لمادة النحو بها والدكتور عبد الرحمن بودرع أستاذ بكلية الآداب بتطوان ورئيس وحدة البحث الأدبي والسيميائي بها والدكتور محمد الفرجي من كلية اللغة العربية بمراكش.

كانت المداخلة الأولى بعنوان: “التوجيه النحوي للشاذ في لغة القرآن الكريم”، وقد أبرز المحاضر أن محور هذه الندوة يقتضي التفصيل والتقسيم في مداخلاتها، لذلك فقد تفضل بالإجابة على مجموعة من الاستفسارات وضعها كمقدمة لهذه المداخلة؛ من مثل: كيف يكون الأخذ باللغة لمصلحة التفسير؟ وهل يجوز تجاوز اللغة العربية في التفسير؟ وما مدى اعتماد التفسير على اللغة؟ ليستخلص من خلال هذه التساؤلات ضرورة التفريق بين اللغة والنحو باعتبار أن اللغة وعاء بينما النحو إنما هو قواعد لهذه اللغة. ثم انتقل بعد ذلك إلى التوجيه النحوي في مجموعة من الآيات القرآنية من مثل استعمال المثنى في قوله تعالى: (إن هذان لساحران يريدان أن يخرجاكم من أرضكم..)الآية، وما تفيده (إن) ما بين المعنيين التاليين: هل تفيد الحصر أم تفيد معنى (أجل)، وذلك من خلال ما دار من سجال بين سيبويه والزجاج في ذلك.

أما المداخلة الثانية والتي كانت بعنوان: “النسق والبنية في دراسة النص القرآني واستجلاء بيانه”، فقد استعرض فيها المحاضر بعض مظاهر الانسجام بين أجزاء النص القرآني باعتباره نصا ذا وحدة متكاملة، مستحضرا لها وفق الترتيب التالي:  ما يتميز به من تماسك الأجزاء، وما اعتمده النص القرآني من تذييل للآيات وفق نسق معين، ثم الملاءمة والائتلاف الظاهر في القرآن بين اللفظ واللفظ من جهة، واللفظ والمعنى من جهة أخرى، وكذا حسن التنسيق في كلماته المتتالية، وأيضا ما يمتاز به من صيغة اللف والنشر تفصيلا وإجمالا، ثم مظاهر المشاكلة، والمطابقة والمقابلة، والوصل لفظا والفصل معنى.. فالخطاب القرآني بهذه المظاهر يشكل وحدة متكاملة منسجمة، مما يستدعي نظرة متناسقة أثناء تفسيره وتأويله.

بينما كانت المداخلة الثالثة تحت عنوان: “السياق موجها دلاليا في التفسير اللغوي بالغرب الإسلامي- البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي نموذجا”، وقد استعرض المحاضر مجموعة من المعالم في هذه المداخلة للدلالة على ضرورة اعتماد السياق في التفسير وذلك من خلال اعتبار الأمور التالية: التناسب الصيغي على وجه واحد، واختيار المعنى الأنسب، والحيز التركيبي الذي تدل عليه أدوات المعاني، واعتماد الظاهر المأخوذ من المعنى، وتظافر الكلام، ثم الوحدة الموضوعية. ثم ناقش المحاضر مسألة مقومات السياق عند أبي حيان في تفسيره وذكر مستويات التوجيه الدلالي لهذا السياق، معتمدا على بعض الشواهد القرآنية في هذا التوجيه، ليخلص في الأخير إلى عرض مجالات توظيف السياق عند أبي حيان الأندلسي.

وفي أعقاب هذه الجلسات كانت تنتظم مداخلات لبعض الطلبة استثمارا للأفكار المطروحة، واستلهاما كذلك لعرض إضافات من طرف مجموعة من الأساتذة، أغنت أعمال هذه الندوة العلمية.

وفي ختام هذه الندوة قرئت التوصيات التي اعتمدها المتدخلون تتويجا لأعمالهم، تضمنت ضرورة نشر أعمال هذه الندوة من طرف مركز ابن أبي الربيع السبتي مع اقتراح إخراج مدونة تهتم بأمر المعاجم اللغوية في التفسير  وإنشاء فريق بحث من المتخصصين يهتم بموضوع أصول البيان في فهم الخطاب القرآني.

 هذا، وقد تخلل الندوة تنظيم معرض لإصدارات الرابطة المحمدية للعلماء، بفضاء الكلية لاقت إقبالا كبيرا من طرف الطلبة الباحثين والأساتذة.

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق