الرابطة المحمدية للعلماء

باحثون يحاولون خلال ندوة فكرية بفاس تلمس التصورات الكفيلة بتجديد التصوف وإعادة إحيائه

حاول أكاديميون وباحثون جامعيون ومهتمون بالثقافة الصوفية ، أول أمس الأحد بفاس، تلمس التصورات الكفيلة بتجديد التصوف وإعادة إحيائه حتى يلعب دوره كما لعبه في الماضي في تهذيب النفس والارتقاء بها إلى مدارج الصفاء لتحقيق مبدأ الإحسان كما أصله وقعد له المتصوفة والشيوخ الكبار.

وقارب مجموعة من المتدخلين ، خلال الندوة الأولى لمنتدى مهرجان فاس للثقافة الصوفية التي انتظمت أمس حول موضوع “هل هناك إحياء للتصوف في العالم الإسلامي”، السؤال المركزي لهذه الندوة من خلال استدعاء مجموعة من التجارب لمتصوفة كبار أصلوا لهذا الفكر باعتبارهم كانوا مربين ولعبوا أدوارا مهمة وأساسية في مجال تربية النفس وتكريس القيم والمبادئ الإسلامية التي تدعو إلى المحبة والإحسان .

وحاول المتدخلون كل في مجال اختصاصه البحث عن آليات ومرتكزات إعادة إحياء التصوف الذي يعني في العمق ترجمة العبادات والمعاملات في عمقها الروحي والأخلاقي إلى ممارسات تنبني على مقامات وتجارب، مؤكدين على أن ما يحتاج إلى التجديد ” هو مفهومنا للتصوف وتجلياتنا لقيمه ومفاهيمه الروحية والأخلاقية”.

وفي هذا الصدد تساءل الباحث عبد الله الوزاني عن إمكانيات تجديد التصوف والمقاربات التي يجب اعتمادها لإعادة إحيائه حتى يواصل أداء الأدوار المنوطة به باعتباره يكرس مجموعة من القيم خاصة التزكية والإحسان والتضامن، مشيرا إلى أن ما تغير في الواقع هو المفاهيم وكذا التجليات التي يحملها الإنسان أو الباحث والمفكر والممارس عن هذه الثقافة أما الأسس والقيم التي قام عليها الفكر الصوفي فهي ثابتة وغير متغيرة .

وقال إن القيم المطلقة التي ارتكز عليها التصوف ، وكما أصلها وقعد لها الشيوخ الكبار، لا تتغير ولكن الذي يتغير هو إدراكنا وفهمنا لهذه القيم، مضيفا أن المتصوفة كانوا يعملون من أجل تقريب الناس إلى معرفة الله والارتقاء بهم إلى مدارج المعرفة ، وبالتالي فقد كانوا مربين يجولون العالم لنشر قيم المحبة والتسامح والإخاء .

وأكد أن التحولات التي عرفها العالم الإسلامي في العقود الأخيرة أدت إلى بروز مجموعة من الآفات التي ألمت بالتصوف، كما ألمت بالتدين بصفة عامة كحب النفس وحب الدنيا والفلكلورية مما يفرض العمل على تجديد الأدوار التي كان يقوم بها المتصوفة منذ القدم، والتي ترتكز على ثالوث التربية والتزكية ونشدان الحكمة ، وذلك من اجل المساهمة في إنقاذ العديد من الشباب الذي هو اليوم على حافة الانهيار.

ومن جهتها ، رفضت الباحثة في مجال التصوف ثريا إقبال الحديث عما يسمى ب ” تجديد التصوف ” لأن القيم التي يرتكز عليها هي برأيها ثابتة لا تتغير ” فهذا الفكر المقرون بالممارسة يقوم على مبدأ محبة الآخر والتعايش والإيثار ويسعى إلى الارتقاء بالذات إلى أعلى المدارج ليتحقق مقام الإحسان الذي يعني الإحسان في كل شيء من أجل أن ينعكس الجمال الإلهي في النفس البشرية”.

 وأكدت أن هذه المبادئ التي قام عليها التصوف منذ بروزه كفكر روحي سوف تبقى وما يتغير هي سبل الارتقاء بالنفس التي تختلف وتتطور حسب المتغيرات والتحولات التي يشهدها عالم اليوم ، وهو ما يفرض نهج مبدأ الاجتهاد اعتمادا على الوسائل والمستجدات الحديثة .

وبدورها ، تحدثت إيناس الصافي الباحثة في العلوم الفيزيائية بفرنسا عن العلوم وما تتيحه من إمكانيات لفهم العالم والنفس البشرية، مشيرة إلى أن العلوم تساهم كلما قطعت أشواطا في مجال الاكتشافات في تغيير نظرة الإنسان للعالم . واعتبرت أن الحقيقة الكاملة لا يمكن الوصول إليها عن طريق العلم لوحده بل بالقلب أيضا ، وهنا تكمن الروابط والتقاطعات القائمة بين العلوم البحثة وحياة الإنسان وفهمه وإدراكه والتي توسعها وتغنيها الممارسة الصوفية .

كما تطرق إيريك جيوفرويم الباحث المتخصص في الثقافة الصوفية إلى أهمية التصوف في الحياة المعاصرة باعتباره يشكل إحدى الآليات الأساسية والمهمة لمواجهة التحديات التي قد تعترض الإنسان . وأكد على أن التصوف في العالم الإسلامي ” كان لا يزدهر إلا في زمن الأزمات والاختلالات حيث يعود المفكرون والمنظرون إلى تلمس الحلول في الفكر الصوفي لمواجهة التحديات التي تعترضهم ” . كما تساءل عن إمكانية بروز مفكرين ومنظرين في الوقت الحاضر من اجل تجديد التصوف وإعادة إحيائه، مذكرا في هذا الصدد باجتهادات محمد إقبال الذي حاول من خلال كتاباته إيجاد حلول للمشاكل المعاصرة اعتمادا على مبادئ وقيم التصوف .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق