وحدة الإحياءقراءة في كتاب

انتقال الالتزام.. دراسة مقارنة في ضوء التطبيقات المعاصرة

 صدر حديثا، ضمن سلسلة “أعمال جامعية”، كتاب بعنوان “انتقال الالتزام: دراسة مقارنة في ضوء التطبيقات المعاصرة” لمؤلفه الباحث/الدكتور عبد الكريم العيوني، عن دار نشر المعرفة بالرباط، في طبعته الأولى، 2016م، في حجم متوسط يتكون من 415 صفحة، توزعت بين مقدمة تمهيدية، ثلاثة أبواب، وخاتمة.

وقد جاء في مقدمة الدراسة أنه استنادا إلى مبدأ التيسير في المعاملات المالية، تميزت الحوالة بكونها من العقود التي شرعت للتيسير على الأطراف المتعاقدة، وتحقيق مصالح المتداينين، مع الحفاظ على الالتزام بجميع صفاته وتوابعه، حين نقله من ذمة إلى أخرى.

وفي هذا الإطار يبرز الكاتب كيف أن مبدأ التيسير في المعاملات المالية يعد “وسيلة أساسية لتنشيط الحياة الاقتصادية، ولاسيما فيما يتعلق بانتقال الأموال من ذمة إلى أخرى تحقيقا لمصالح المتداينين؛ فالدائن أو المدين إذا كان بإمكانهما التعامل بالبيع والشراء والوفاء والرهن والتبرع بناء على الدين وذلك بنقله للمتعامل معه. فإن هذا سيحقق لهما منافع عديدة وسيقضي لهما حاجات كثيرة، وفي هذا يندرج أمر الرسول، صلى الله عليه وسلم، بقبول الحوالة في قوله: “مطل الغني ظلم فإذا أتبع أحدكم على ملي فليتبع”، فاستنباطا من هذا الحديث اعتبر فقهاء الشريعة أن عقد الحوالة من العقود التي شرعت للتيسير على العباد، ذلك أنها تسمح بدخول طرف ثالث يحل محل الدائن أو المدين في الالتزام ذاته، فإذا حل الطرف الجديد محل الدائن كانت الحوالة حوالة حق، أما إذا حل محل المدين كانت الحوالة حوالة دين”.

ففي ظل التقدم المعاصر للأنظمة القانونية والمالية والمعلوماتية، ينظر للالتزام على أنه عبارة عن قيمة مالية واقتصادية سهلة التداول والانتقال، ووسيلة للتمويل وتنشيط الأسواق المالية، غير أن الكاتب يرى أن هذا التطور الحاصل لانتقال الالتزام من الناحية الوظيفية، والأغراض التي يحققها من الناحية العملية، يصاحبه تجاوز وخرق لبعض الشروط والآثار المتعلقة بانتقال هذا الالتزام، ما ترتب عنه من تقنين لتشريعات مختلفة في موضوع انتقال الالتزام وتطوير المعاملات البنكية.

وتتمثل هذه التجاوزات/الخروقات في ما أسماه المؤلف، بشكلية النفاذ، المعرقلة والمبطئة والمكلفة لعملية الانتقال، والتي اعتبرها غير مناسبة  للمعاملات البنكية والمالية المتسمة بالسرعة في ظل اكتساح المعلوماتية للأنظمة البنكية المعاصرة.

ومع توسع التطبيقات المعاصرة لهذا الانتقال، فقد اتسم تداول وانتقال الديون بالمخاطرة من قبيل الديون المتعثرة والمشكوك في تحصيلها، الوضع الذي دفع بالباحث إلى التشكيك في نية المشرع حول ما إذا كان يرغب في التجديد كضرورة أم لمساعدة المشروعات على التخلص من الديون المتعثرة. إضافة إلى كون التطبيقات المعاصرة لحوالة الحق جاءت مطهرة من الدفوع التي تحمي من جموح الدائن الجديد ورغبته في استيفاء الدين، بحيث تم تغليب النظام القانوني للتداول على نظام الحوالة.

وأمام تطور انتقال الالتزام في تطبيقاته المعاصرة، وندرة الكتابات في هذا الموضوع، اختار الدكتور العيوني موضوع دراسة “انتقال الالتزام في ضوء التطبيقات المعاصرة”، والتي تتغي إبراز الجديد في هذا المجال، وإقامة مقارنة بين الشكل التقليدي والشكل المعاصر لهذه التطبيقات، دراسة كل من الحوالة والتداول؛ كطريق لانتقال الالتزام، وكذا إقامة المقارنة بينهما، مع استخلاص نتائج هذه الدراسة وتوظيفها في تطوير نظام الانتقال.

وكباقي الدراسات العلمية، فإن الدراسة التي نحن بصددها، شابتها بعض الصعوبات، أبرزها صاحبها في كونها ذات طبيعة تركيبية متشعبة، حيث تناولت القديم والجديد، وعالجت مواضيع متعددة، الشيء الذي ألزمه بالبحث والتمحيص في مجموعة من التشريعات القانونية، مدنية وتجارية وبنكية وكذا قانون الأعمال، مما شكل صعوبة في الإحاطة بالدراسة.

إضافة  إلى أن الحيز الأكبر في الدراسة، وكما أشار إليه الدكتور العيوني، تم إسناده إلى الجانب الإيجابي لانتقال الالتزام، كون أن الدائن صاحب الحق يكون في موقع قوة يسمح له بنقل التزامه للغير دونما حاجة لرضاء المدين، بينما المدين المثقل بالدين يكون في وضعية لا تسمح له بنقل التزامه للغير إلا برضا الدائن، وهو الجانب الذي أفرد له المشرع تشريعات خاصة مقارنة مع تطبيقات انتقال الالتزام في جانبه السلبي، مما حال دون إعداد خطة متوازنة للدراسة.

وارتأى المشرف على الدراسة أن التغلب على هذه الصعاب، يتطلب تناول الدراسة بنظامي الحوالة والتداول، من منطلق أن قابلية التحويل تعني انتقال الالتزام بالحوالة مع احترام الشكلية المقررة في الحوالة العادية،  عكس قابلية التداول والذي يكون سهلا وبسيطا وخارقا للشكلية المقررة في الحوالة المدنية، وما ينتج عنه من آثار مهمة تناولتها الدراسة بالتفصيل.

واعتمادا من الباحث على منهج المقارنة بين أنظمة قانونية مختلفة، مع الكشف على التطورات التي وصلت إليها هذه التشريعات ومدى استفادة المشرع الوطني من عناصر الجدة فيها، خلصت الدراسة، التي أولت الأهمية إلى معالجة إشكالية مدى صمود نظرية انتقال الالتزام أمام التطور الحاصل في التطبيقات المعاصرة، إلى أن النظام التقليدي لانتقال الالتزام، وخاصة في جانبه الإيجابي، لم يتوافق مع ما حصل من تطور في عالم الأعمال، وهو ما نتج عنه خرق لأهم مقتضيات نظرية انتقال الالتزام في جانبه الإيجابي، ويرجع الباحث السبب في ذلك إلى عنصرين اثنين: مصرفة حوالة الحق المدنية، حيث تقوت مؤسسات الائتمان في ظل التشريعات المعاصرة لهذا الانتقال، متخلية عن شكلية النفاذ المقررة في الحوالة المدنية؛ ليتوافق انتقال الالتزام فيها مع سرعة المعاملات البنكية، وهو ما دفع بالباحث إلى اقتراح تعميق الدراسة حول مؤسسات الائتمان وتأثيرها على القانون المدني.

 أما عنصر المعلوماتية الحديثة داخل المنظومة القانونية، فقد ساهم، بفضل نظام القيد في الحساب، في اختفاء الشكل الورقي للقيم المنقولة، مما سهل تداول هذه القيم وتوحيد طرق انتقالها، دون إغفال موضوع المخاطرة لدى تداول المشتقات المالية من القيم المنقولة، مما جعل من تداول الديون المتعثرة في البورصات العالمية، تدويلا للأزمة الاقتصادية، الوضع الذي دفع بصاحب الدراسة إلى التوصية بضرورة وضع مزيد من الضوابط التنظيمية لمحل التداول في البورصات المعاصرة، حماية للمدخرين من المضاربات غير المشروعة، والحد من عنصر المقامرة للتداول.

ذة فاطمة الزهراء الحاتمي

باحثة مساعدة بالوحدة البحثية للإحياء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق