مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

الوفود التي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

دونت السيرة النبوية أحداثا ووقائع جليلة مرت على النبي صلى الله عليه وسلم، ذلك أن أولائك من كانوا بالأمس من بلده الذين كانوا يجلونه ويوقرونه، ويلقبونه بأعلى المحامد، وأجل الصفات، صاروا بعد مبعثه وصفوته من الله تعالى، يلقى منهم أشد الإذاية، سوى أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن ينذر قومه وعشيرته، ويخرجهم من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد، لكن لما لاقى ما لاقى من صنوف الأذية في بلده مكة، حتى أرادوا قتله، فودع أحب البلاد إليه، متوجها إلى المدينة، فلما قويت شوكة المسلمين، رجع صلى الله عليه وسلم إلى مكة مفتتحا إياها بكلمة التوحيد، ودانت له قريش، وهي التي دوخها الإسلام وتربصت به، فنصبت جميع الوسائل لحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما عرفت العرب أنه لا طاقة لهم بحرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ربح في عداوته، ذلك أن الله معه، دخلوا في دين الله أفواجا.  

تلك الأفواج من آحاد الوافدين، وأفذاذ الوفود من العرب، أصبحوا يغدون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، مسلمين أمرهم له، مؤمنين برسالته التي اصطفاه الله تعالى وبعثه لأجلها، موحدين لله تعالى بألوهيته، مقرين بربوبيته، وسمي هذا الحدث العظيم بـ: سنة  الوفود[1].

في تلك السنة من شهر شوال،  وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم بعض الوفود، ولهذا رغبت في تناول هذا الموضوع في أبرز النقاط الآتية:  تعريف الوفود، وابتداءها، وعددها، وبعض الوفود التي وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم في شوال.

تعريف الوفود:

قال أبو زكريا النووي (المتوفى: 676هـ): “الوفد: الجماعة المختارة من القوم ليتقدمهم في لقي العظماء، والمصير إليهم في المهمات، واحدهم: وافد”[2].

وقال أبو الفداء ابن كثير (المتوفى: 774هـ): “الوفد: هم القادمون ركبانًا، ومنه الوفود”[3].

وجمع العلامة أبو عبد الله الزرقاني (المتوفى: 1122هـ) بين التعريفين، بعد إيراده كلام النووي، فقال: “انتهى كلام النووي، وأقرَّه في الفتح، وكأنه استعمال عرفي، وإلَّا ففي اللغة: إن الوافد القادم مطلقًا مختارا للقاء العظماء أم لا؟ راكبًا أم لا”[4].

ابتداء الوفود:

كان تاريخ ابتداء الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم، بعد رجوعه صلى الله عليه من الجعرانة في آخر سنة ثمان، وما بعد غزوة تبوك، سنة تسع من الهجرة النبوية الشريفة، وسميت هذه السنة: سنة الوفود، لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وفرغ من تبوك، وأسلمت ثقيف وبايعت ضربت إليه وفود العرب من كل وجه[5].

عدد الوفود:

إن الوفود التي وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم على نوعين: وفود داخلية من داخل مكة، ووفود خارجية من خارجها، وقد سرد محمد بن سعد في الطبقات الوفود، وتبعه الدمياطي في السيرة له، وابن سيد الناس، ومغلطاي، والحافظ زين الدين العراقي، ومجموع ما ذكروه يزيد على الستين، ولا يبلغ السبعين، وقد سردهم الشامي فزادوا على مائة، فلعلّ الجماعة من العلماء اقتصروا على المشهورين أو الآتين لترتيب مصالحهم[6].

وعلى العموم فالوفود التي عدَّها أهل المغازي والسير بين الستين والمائة، والمعروف والمذكور منها في كتبهم أقل من ذلك، فهذا أبو الربيع الكلاعي (تـ: 634هـ) قد سرد منها: 29 وفدا، وذكر أنها أكثر من ذلك[7]، وقد نظمها الحافظ زين الدين العراقي (تـ: 806هـ) في ألفيته في: باب ذكر الوفود إليه صلى الله عليه وسلم[8].

الوفود في شوال:

كان النبي صلى الله عليه و سلم إذا قدم عليه الوفود لبس أحسن ثيابه، وأمر أصحابه بذلك، فلما وفد الأشعث بن قيس في ثمانين راكبا من كندة، رأيت عليه صلى الله عليه وسلم حلة يمانية يقال: إنها حلة ابن ذي يزن، وعلى أبي بكر، وعمر رضي الله عنهما مثل ذلك[9]؛ لأن ذلك يرجح في عين الوافد ويكبته فهو يتضمن إعلاء كلمة الله ونصر دينه، فلا يناقض ذلك خبر: البذاذة من الإيمان؛ لأن التجمل المنهي عنه ثَمَّ ما كان على وجه الفخر والتعاظم، وليس ها هنا من ذلك القبيل[10].

ونحن في شهر شوال، ولما كانت المناسبة شرط، أرتأيت أن أورد بعض الوفود التي وفدت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر، منتقيا إياها من كتب السيرة النبوية العطرة، منها:

وفد سلامان:

وهم سبعة نفر على رأسهم حبيب بن عمرو السلاماني، وكان مقدمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال ، من سنة: عشر من الهجرة النبوية، فقد قال أبو عبد الله ابن سعد (المتوفى: 230هـ) نقلا بسنده إلى السلاماني: “قدمنا وفد سلامان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونحن سبعة فصادفنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا من المسجد إلى جنازة دعي إليها فقلنا: السلام عليك يا رسول الله، فقال: وعليكم، من أنتم؟ قلنا: نحن من سلامان قدمنا لنبايعك على الإسلام، ونحن على من وراءنا من قومنا، فالتفت إلى ثوبان غلامه، فقال: أنزل هؤلاء الوفد حيث ينزل الوفد، فلما صلى الظهر، جلس بين المنبر وبيته، فتقدمنا إليه فسألناه عن أمر الصلاة وشرائع الإسلام وعن الرقى، وأسلمنا وأعطى كل رجل منا خمس أواق، ورجعنا إلى بلادنا، وذلك في شوال سنة عشر”[11]، وذكره أبو نعيم الأصبهاني، وأبو الربيع الكلاعي نقلا عن الواقدي بإسناده[12].

وفد بني الحارث:

وهم سبعة نفر، على رأسهم: قيس بن الحصين ذو الغصة، قدموا مع خالد بن الوليد، لما أرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم ليدعوهم إلى الإسلام،  وكان مقدمهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، من سنة: عشر من الهجرة النبوية، فقد قال أبو عبد الله ابن سعد: “تقدم خالد وهم معه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هؤلاء الذين كأنهم رجال الهند؟ فقيل: بنو الحارث بن كعب فسلموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فأجازهم بعشر أواق، وأجاز قيس بن الحصين باثنتي عشرة أوقية ونشّ، وأمَّره رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني الحارث بن كعب، ثم انصرفوا إلى قومهم في بقية شوال”[13]، وذكره أبو الربيع الكلاعي نقلا عن ابن إسحاق[14].

إن الوفود التي وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى رأسهم قادة القوم، إن دل على شيء فإنما يدل على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم الرفيعة بين الأقوام، ولينه في نشر دعوة الإسلام، وسياسة التعامل مع الوفود وزعمائها، من إكرامهم، وحسن التعامل معهم، ولين الجانب معهم.

**********************

هوامش المقال:

[1]– سيرة ابن هشام بتصرف 4 /203.

[2]– شرح صحيح مسلم 1 /181، التلخيص شرح الجامع الصحيح ص: 781، وانظر: الوفود في العهد المكي وأثرها الإعلامي ص: 21_23.

[3]– تفسير القرآن الكريم 5 /263.

[4]– شرح المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 4/ 2.

[5]– سيرة ابن هشام 4/ 203، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء 1-2/ 318.

[6]– شرح المواهب اللدنية بالمنح المحمدية 4/ 2-3.

[7]– الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء 1-2 /318_376.

[8]– الدرر السنية في السيرة الزكية ص: 148_150.

[9]– الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء 1-2/ 356.

[10]– فيض القدير شرح الجامع الصغير 5/ 155.

[11]– الطبقات الكبير 6 /315.

[12]– دلائل النبوة 1 /450، الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء 1-2/ 361-362.

[13]– الطبقات الكبير 1/ 292-293.

[14]– الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء 1-2/ 367_370.

*********************

جريدة المراجع

الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء لأبي الربيع سليمان بن موسى الكلاعي الأندلسي، تحقيق: محمد كمال الدين عز الدين علي، عالم الكتب، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1417 /1997.

تفسير القرآن العظيم لأبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الدمشقي، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة، الرياض- السعودية، الطبعة الثانية: 1420/ 1999.

التلخيص شرح الجامع الصحيح لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، تحقيق: نظر محمد الفاريابي، دار طيبة، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1429/ 2008.

الدرر السنية في السيرة الزكية (ألفية السيرة النبوية) لأبي الفضل عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي، تحقيق: محمد بن علوي المالكي الحسني، دار المنهاج، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1426 /2005.

دلائل النبوة لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد الأصبهاني، تحقيق: محمد رواس قلعه جي، وعبد البر عباس، دار النفائس، بيروت- لبنان، الطبعة الثانية: 1406/ 1986.

السيرة النبوية لعبد الملك بن هشام بن أيوب الحميري المعافري، اعتناء: عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي، بيروت- لبنان، الطبعة الثالثة: 1410 /1990.

شرح المواهب اللدنية بالمنح المحمدية (ج4) لأبي عبد الله محمد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاني، المطبعة الأزهرية المصرية، مصر، الطبعة الأولى: 1327.

شرح صحيح مسلم لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، المطبعة المصرية بالأزهر، مصر، الطبعة الأولى: 1347/ 1929.

الطبقات الكبير لأبي عبد الله محمد بن سعد البصري، تحقيق: علي محمد عمر، مكتبة الخانجي، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1421/ 2001.

فيض القدير شرح الجامع الصغير لزين الدين محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين المناوي القاهري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى: 1356.

الوفود في العهد المكي وأثرها الإعلامي علي رضوان أحمد الأسطل، مكتبة المنار، الزرقاء- الأردن، الطبعة الأولى: 1404/ 1984.

*راجع المقال الباحث: عبد الفتاخ مغفور

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق