مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

الوفود التي وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان”وفد عدي بن حاتم وخولان”

بسم الله الرحمن الرحيم:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المصطفى الأمين، وعلى آله الطيبين، وأصحابه المجتبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 وبعد؛  يعد شهر شعبان من أشهر الله المباركة التي ذكر فضلها في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، وهو شهر يقع بين شهرين مباركين: شهر رجب الحرام، وشهر رمضان الأبرك؛ حيث حفل هذا الشهر الكريم بعدة أحداث ووقائع من السيرة النبوية العطرة؛ ومن بين هذه الأحداث التي وقعت فيه: قدوم الوفود على النبي صلى الله عليه وسلم،ودخولهم طواعية في دين الله تعالى فرادا وجماعات؛ ولأهمية هذا الموضوع، أحببت أن أكتب حوله هذا المقال؛ وذلك من خلال: التعريف بالوفود لغة واصطلاحا ، وذكر هدي النبي صلى الله عليه وسلم في استقبال الوفود، ثم ذكر بعض الوفود التي وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الشهر، ثم الإشارة إلى بعض الفوائد المستنبطة من أحداث هذه الوفود، ثم خاتمة أذكر فيها الخلاصات المستفادة من الموضوع، فأقول وبالله التوفيق:

أولا: تعريف الوفود لغة واصطلاحا:

1-الوفد لغة:

قال الرازي (بعد 660هـ): “وفد فلان على الأمير، أي: ورد رسولا، وبابه: وعد، فهو (وافد)، والجمع: (وفد) مثل: صاحب، وصحب، وجمع (الوفد)، (أوفاد)، و (وفود)، والاسم: (الوفادة) بالكسر، و أوفده إلى الأمير: أرسله “([1]) .

2-الوفد اصطلاحا:

قال ابن الأثير (606هـ): ” الوفد في الحديث؛ وهم: القوم يجتمعون ويردون البلاد، واحدهم: وافد، وكذلك الذين يقصدون الأمراء لزيارة، واسترفاد، وانتجاع، وغير ذلك. تقول: وفد، يفد، فهو: وافد. وأوفدته فوفد، وأوفد على الشيء، فهو موفد إذا أشرف “([2]) .

وقال النووي (676هـ): “الوفد؛ الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقي العظماء، والمصير إليهم في المهمات، واحدهم: وافد”([3]).

من خلال ما تقدم من تعاريف نخلص إلى أن: الوفد هم جماعة من الناس يتم اختيارهم من قومهم يقدمونهم رسلا للقاء العظماء؛ لأجل قضاء مهام.

ثانيا: هدي النبي صلى الله عليه وسلم في استقبال الوفود:

كان النبي صلى الله عليه وسلم حين استقباله للوفود، يلبس أحسن الثياب، ويأمر أصحابه أيضا بلبس أحسنها حين لقاء الوافدين الجدد، فعن جندب بن مكيث بن عمرو الجهني رضي الله عنه قال: “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قدم الوفد لبس أحسن ثيابه، وأمر عليه أصحابه بذلك، فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قدم وفد كندة وعليه حلة يمانية، وعلى أبي بكر وعمر مثل ذلك”([4]).

وعن عروة بن الزبير رضي الله عنه أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه إلى الوفد ورداءه حضرمي طوله أربع أذرع، وعرضه ذراعان وشبر، فهو عند الخلفاء قد خلق وطووه بثوب يلبسونه يوم الأضحى والفطر” ([5]).

ثالثا: الوفود التي وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان:

وفد عدي بن حاتم رضي الله عنه:

في شهر شعبان قدم وفد عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه على النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وحسن إسلامه، قال العيني: “قدم عدي على النبي صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع، قاله أبو عمر ، وقال الواقدي:  قدم في شعبان سنة عشر”([6]).

قال عدي بن حاتم يروي قصة وفادته على النبي صلى الله عليه وسلم: “أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عدي بن حاتم، وجئت بغير أمان ولا كتاب، فلما دُفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك: “إني لأرجو أن يجعل الله يده في يدي” قال: فقام فلقيته امرأة وصبي معها، فقالا: إن لنا إليك حاجة، فقام معهما حتى قضى حاجتهما، ثم أخذ بيدي حتى أتى بي داره، فألقت له الوليدة وسادة، فجلس عليها وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: “ما يُفِرُّك أن تقول لا إله إلا الله، فهل تعلم من إله سوى الله”. قال: قلت: لا، قال: ثم تكلم ساعة ثم قال: “إنما تفِرُّ أن تقول: الله أكبر، وتعلم شيئا أكبر من الله؟” قال: قلت: لا. قال: “فإن اليهود مغضوب عليهم، وإن النصارى ضلال” قال: قلت: فإني جئت مسلما. قال: فرأيت وجهه تبسط فرحا، قال: ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار جُعلت أغشاه، آتيه طرفي النهار ، قال: فبينا أنا عنده عشية إذ جاءه قوم في ثياب من الصوف من هذه النِّمار ، قال: فصلى وقام فحث عليهم، ثم قال: “ولو صاع، ولو بنصف صاع، ولو قُبضة، ولو ببعض قبضة يقي أحدكم وجهه حر جهنم، أو النار، ولو بتمرة، ولو بشق تمرة، فإن أحدكم لاقي الله وقائل له ما أقول لكم: ألم أجعل لك سمعا وبصرا؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أجعل لك مالا وولدا؟ فيقول: بلى، فيقول: أين ما قدمت لنفسك؟ فينظر قدامه وبعده، وعن يمينه وعن شماله، ثم لا يجد شيئا يقي به وجهه حر جهنم، ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة؛ فإني لا أخاف عليكم الفاقة، فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى تسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة، أو أكثر ، ما يخاف على مطيتها السرق” قال: فجعلت أقول في نفسي: فأين لصوص طييء؟”([7]).

بعض الفواءد المستمدة من قصة وفادة عدي بن حاتم رضي الله عنه:

ومما يستفاد من قصة عدي بن حاتم رضي الله عنه الآتي:

1-جواز استقبال الوفود في المسجد.

2-أن دعوة الأنبياء مستجابة.

3-تواضع النبي صلى الله عليه وسلم وعطفه على أمته، والقيام على قضاء حوائجهم.

4-الاعتناء بدعوة من يسعى لدخول الإسلام وشرح تعاليمه.

5-الاستبشار وإظهار الفرح حال دخول أحد للإسلام.

6-الحث على الصدقة ولو بالقليل، وأنها سبب لوقاية الإنسان من النار وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لعدي: “ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة”.

7-بشارة النبي صلى الله عليه وسلم بانتشار الإسلام.

وفد خولان:

حلَّ وفد خولان على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان من السنة العاشرة للهجرة في عشرة نفر من اليمن، فأسلموا وحسن إسلامهم وتعلموا القرآن والسنة، وأحسن النبي صلى الله عليه وسلم وفادتهم، وحين رجعوا إلى ديارهم هدموا أصنامهم، وأحلوا ما أحل الله تعالى، وحرموا ما حرم الله تعالى.

قال ابن سعد:” أخبرنا محمد بن عمر الأسلمي، قال: حدثني غير واحد من أهل العلم، قال: قدم وفد خولان، وهم عشرة نفر ، في شعبان سنة عشر فقالوا: يا رسول الله نحن مؤمنون بالله ومصدقون برسوله، ونحن على من وراءنا من قومنا، وقد ضربنا إليك آباط الإبل، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما فعل عم أنس؟ صنم لهم، قالوا: بشر وعر ، أبدلنا الله به ما جئت به، ولو قد رجعنا إليه هدمناه، وسألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم، عن أشياء من أمر دينهم، فجعل يخبرهم بها، وأمر من يعلمهم القرآن والسنن، وأنزلوا دار رملة بنت الحارث، وأمر بضيافة فأجريت عليهم، ثم جاؤوا بعد أيام يودعونه، فأمر لهم بجوائز اثنتي عشرة أوقية ونش ورجعوا إلى قومهم فلم يحلوا عقدة حتى هدموا عم أنس، وحرموا ما حرم عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحلوا ما أحل لهم” ([8]).

بعض الفوائد المستمدة من قصة وفادة خولان على رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ومما يستفاد من هذه القصة الآتي:

1-الحرص على حماية جناب التوحيد، وهدم معالم الشرك، ويتضح ذلك حين سألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضمهم: عم أنس.

2-الحرص على تعليم من يرغب في الإسلام وتلقينهم القرآن الكريم والسنة المشرفة.

3-إكرام الضيف والإحسان إليه هدي نبوي قويم.

4-إغداق العطاء لتحبيب الإسلام إلى من يرغب فيه، وتأليف قلوبهم عليه، هدي نبوي، وذلك حين أعطى النبي صلى الله عليه وسلم وفد خولان اثنتي عشرة أوقية من فضة.

الخاتمة:

ومن خلال موضوع المقال استخلصت الآتي:

1-أن شهر شعبان الأغر وقعت فيه أحداث سجلتها كتب السيرة والحديث، ومنها قدوم الوفود فيه على النبي صلى الله عليه وسلم.

2-أن الوفد معناه: الجماعة المختارة من القوم ليتقدموهم في لقي العظماء والمصير إليهم في تنفيذ المهام.

3-أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام رضوان الله عليهم كانوا يعتنون عناية خاصة في استقبال الوفود، حيث يلبسون أجود ما يجدون من الثياب.

4-أن في قصة قدوم وفد عدي بن حاتم رضي الله عنه، ووفد خولان فوائد وعبر وقد تقدم ذكر بعضها.

والحمد لله رب العالمين.

*****************

هوامش المقال:

([1])مختار الصحاح (ص: 729-730) مادة: (وفد).

([2])النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 209) مادة: (وفد) باب: الواو مع الفاء.

([3]) شرح صحيح مسلم (1 /216).

([4]) الطبقات الكبرى (1 /263-264).

([5]) الطبقات الكبرى (1 /394).

([6]) عمدة القاري شرح صحيح البخاري (18/ 35).

([7]) أخرجه الترمذي في سننه (ص: 661)، كتاب: التفسير، باب: ومن سورة فاتحة الكتاب، برقم: (2953) وقال: “هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث سماك بن حرب”.

([8]) الطبقات الكبرى (1 /280).

******************

لائحة المراجع:

السنن. لمحمد بن عيسى الترمذي، حكم على أحاديثه وآثاره وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني، واعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، (د.ت).

صحيح مسلم بشرح النووي . لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، حققه وخرجه وفهرسه: عصام الصبابطي- حازم محمد- عماد عامر. دار الحديث القاهرة. 1422هـ- 2001مـ.

الطبقات الكبرى. لمحمد بن سعد. تحقيق: د. علي محمد عمر. مكتبة الخانجي مصر. ط1/ 1421هـ- 2001مـ.

عمدة القاري شرح صحيح البخاري. لبدر الدين العيني. طبعة إدارة الطبعات المنيرية. 1348هـ. وصورتها دار الفكر. بيروت ودار إحياء التراث. (د.ت).

مختار الصحاح. لمحمد بن أبي بكر الرازي. عني بترتيبه: محمد خاطر . دار المعارف. ط8/ 2019مـ.

النهاية في غريب الحديث والأثر. لأبي السعادات مجد الدين المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير، تحقيق: طاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، دار إحياء الكتب العربية، (د.ت).

*راجعت المقال الباحثة: خديجة ابوري.

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق