مركز الدراسات القرآنيةدراسات عامة

الوظيفة الاجتماعية للمرأة في القرآن والسنة

د. إيمان سلاوي
تستعرض الباحثة في هذه المساهمة أهم  ما جاء في بحثها: “الوظيفة الاجتماعية للمرأة في القرآن والسنة” من أفكار ومقاربات.. وهذا البحث هو في الأصل رسالة تقدمت بها الباحثة لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة محمد بن عبد الله بفاس، شعبة الدراسات الإسلامية، وحدة القرآن والحديث، سنة 2006 م.
في أهمية الموضوع وخطورته
إذا صح أن نقول إن لكل عصر قضية، فإن قضية هذا القرن بدون منازع هي قضية المرأة، يدل على ذلك عدد المؤتمرات الدولية المنعقدة في الموضوع، وعدد الكتابات، وعدد البرامج الإعلامية، بل عدد المؤسسات الدولية والعربية المشتغلة بالموضوع، وقد وصفت مجموعة من الباحثات الملامح العامة لما تميز به الخطاب حول المرأة في الربع الأخير من القرن العشرين بما يلي:
• صعود قضية المرأة على سطح المجتمع وتضخم نصيبها في حيز الخطاب الاجتماعي والثقافي والسياسي.
• تعاظــم الاتجـاه المؤسسي فـي تناول قضية المرأة.
• استحكام ظاهرة الاستقطاب والصراع في قضية المرأة”.  [أنظر: “المرأة العربية والمجتمع في قرن، تحليل وبيبلوغرافيا”، مجموعة من الباحثات بإشراف منى أبو الفضل، ص: 106-113]
• ولا أحتاج إلى استدلال على أن هذه المميزات ظهرت في العالم كله، وكان للعالم العربي والإسلامي حظه منها بمقتضى طبيعة العلاقة الاقتصادية، والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تربط هذا العالم بالعالم الغربي!
وإذا كان هذا وجه أهمية الموضوع من الناحية الواقعية، فإن الوجه الآخر يعكسه حجم اهتمام النص القرآني والنبوي، والذي لا زال الكثير منه في حاجة إلى إظهار، خاصة بما يوافق التحولات الاجتماعية السريعة التي جدت في المجتمع الإنساني بما يستجيب لتحديات العولمة والعلمنة ومساءلتها للدين في مجموعة من القضايا والمسائل العالقة.
والوظيفة الاجتماعية للمرأة في القرآن والسنة واحدة من هذه المسائل التي مر عليها فكر الأمة مرور الكرام، فاطمأن لإفرازات الواقع الاجتماعي مرة، وارتضى ما تعارف عليه الناس في شأنها واعتبره من الدين مرة أخرى، بل دافع على اختزال هذه الوظيفة في الزوجية والأمومة حينا، ورأى في قيام المرأة بغير ذلك من أعمال مهنية أو فكرية أو سياسية… تضييعا لحقوق الزوج والأولاد…، ولم تستطع هذه النظرات العابرة أن تواجه تحدي المؤسسات الدولية، التي تعمل جاهدة من أجل توسيع دائرة وظيفة المرأة حتى تستوعب كل الأنشطة التي يمكن أن تجعل منها مشاركا فاعلا في تنمية المجتمعات، فرصدت لذلك المؤسسات التي تخطط، والتي تتابع، والتي تحاصر وتعاقب، والتي تساعد وتعين…، حتى بدا أن المشروع الذي تحمله هذه الهيآت الدولية أكثر إنصافا للمرأة، وأكثر قدرة على إطلاق طاقاتها وتنمية قدراتها، وتحقيق منفعتها تبعا لذلك… مما جعل الحاجة ماسة إلى مراجعة ما ساد من فهم في فكر المسلمين، لا ليصبح متساوقا مع الموجة الجديدة التي تقودها الهيآت الدولية ومن خلفها المجتمعات القوية، ولكن ليكفل لأمتنا تحقيق الحصانة التي تجعلنا قادرين على التمييز بين المنفعة والمفسدة بمقياس ديننا الحنيف، كما تجعلنا أهلا لتصحيح المسار الذي أفسده إقصاء التشريعات الربانية من توجيه حياة الناس.
أسباب اختيار الموضوع
• الحاجـة إلى بنـاء المفاهيـم انطلاقا من القرآن والسنة.
• محورية قضية الوظيفة الاجتماعية في قضايا المرأة.
مـنـهـج الـبـحـث وخـطـتـه
1. الاستقراء
ثبت من خلال ما ذكر أن آفة الآفات في بحث موضوع المرأة هو غياب الاستقراء التام للنصوص، مما أضعف سلطة نفوذ بعض النصوص الكلية لقلة تداولها، وضخم سلطة نصوص أخرى انسياقا مع موجة التشويش التي سادت معتمدة على بعض النصوص الجزئية، وإذا كان من تفوق للعقل المسلم في المراحل الذهبية له فبفضل حضور منهج الاستقراء في الاستدلال والمحاجة، حتى عد أصول الفقه كله قائما إما على أصول عقلية أو على الاستقراء الكلي للأدلة الشرعية. [انظر الشاطبي: “الموافقات”، م1/ص:19]
• واسترشادا بهدي هذا المنهج الأساسي في العلوم الشرعية، فقد عمدت إلى استقراء كل الآيات والنصوص النبوية المتعلقة بالموضوع، بقدر ما سمحت أدوات تتبع ذلك في القرآن والسنة.
2. الإحصـــــاء
واجتهدت في توظيف المنهج الإحصائي، مستفيدة من نتائجه العلمية ولغته الرقمية بقدر حاجة الموضوع دون الانشغال بالأرقام عن المقصد والمرام.
3. الاستنبـــــاط
وهو ثمرة ما سبق؛ إذ به يستقيم ربط الحقائق التي أفرزها الاستقراء بغية الوصول إلى فكرة جديدة [أنظر: معجم علوم التربية، ص: 164]، ونظرية متكاملة تسترشد بما قيل في الموضوع قديما وحديثا وفقا للمنهج التحليلي بما يقتضيه من وصف، ونقد، وتفكيك، وتركيب.
4. المنهج الحواري
وقد اقتضته طبيعة الفروع الخلافية الكثيرة المتعلقة بالموضوع.
5. منهج الدراسة الـمصطلحية
وقد استفدت عموما من منهج الدراسة المصطلحية في تتبع المصطلحات المتعلقة بالموضوع في مواردها بمختلف سياقاتها واستعمالاتها، ثم من خلال المعاجم اللغوية فالمعاجم الاصطلاحية، وذلك لتبيين المأخذ اللغوي الذي أخذ منه اللفظ ثم توظيفاته الاصطلاحية، حتى إذا تم ذلك انتقلت إلى التفاسير وشروح الحديث مسترشدة بها لتبيين مقصود الشرع من توظيف المصطلح، بعيدا عن منزلقات تناوله عاريا من كل ضوابط الاستعمال اللغوي والشرعي التي تحفظه وتصون دلالته.
تصـمـيـم الـبـحــث
حاولت من خلال تصميم البحث أن أترجم ما سبق ذكره من أهميته، فتجلت خطواته الكبرى على الشكل التالي:
أولا: مهاد نظري:
قصدت من خلاله وضع الموضوع في سياق إشكالاته العامة، متتبعة مسار تطوره التاريخي، وقد قسمته تبعا لذلك إلى أربعة مباحث:
الـمـبحـث الأول:  وخصصته لرصد التحولات التاريخية والاجتماعية في المجتمع الإسلامي مبينة أثرها على قيم تكريم المرأة، فتطرقت في المطلب الأول منه لما بدا بعد العهد النبوي من ضعف للوازع الديني أثر بشكل سلبي على نفوذ قيم تكريم المرأة في المجتمع، وفي المطلب الثاني رصدت ما وقع من خلط بين الدين وبين القيم الاجتماعية الموروثة، مما نتج عنه إعطاء صفة القدسية لمفاهيم تناقض أحكام الدين جملة وتفصيلا.
الـمـبحـث الثاني: انصب على بيان أثر اجتهادات بعض المنشغلين بالعلوم الشرعية في تزكية بعض مظاهر الانحراف عن قيم الدين في تكريم المرأة، واختص المطلب الأول منه بتوضيح أثر اجتهادات بعض أهل التفسير في ذلك، بينما اختص المطلب الثاني بذكر أثر وضاع الحديث والمعتمدين للضعيف منه في تشويه ما جاءت به السنة النبوية الشريفة في شأن النساء، وأخيرا خصصت المطلب الثالث للحديث عن اجتهادات بعض الفقهاء وأثرها في ما ذكر.
الـمـبحـث الثالث: تطرقت فيه لدور التحديات الخارجية المعاصرة في تعميق مشكلة المرأة في المجتمعات الإسلامية، مخصصة كل مطلب لوجه من وجوه هذا التحدي فجاء تقسيم المبحث على الشكل الآتي:
 المطلب الأول: الاستعمار.
 المطلب الثاني: التنصير.
 المطلب الثالث: الاستشراق
 المطلب الرابع: العولمة.
الـمـبحـث الـرابـع: انصب على الشق الداخلي من التحديات المرتبطة بالموضوع، متمثلة في المعوقات الذاتية للمجتمع الإسلامي وأثرها في تعميق التخبط الفكري الذي تعيشه الأمة في معالجتها للموضوع، وقسمت المبحث إلى ثلاث مطالب، اختص الأول منها بتفصيل مظاهر الانبهار بنمط الحياة في الحضارة الغربية وأثره السلبي في الموضوع، وتطرق المطلب الثاني للعلمانية وأثرها، بينما عكفت في المطلب الثالث على إظهار أوجه تخبط الفكر الإسلامي المعاصر في معالجة المشكلة.
وختمت هذا التمهيد بتصوير ما عليه واقع وضعية المرأة اليوم في المجتمع الإسلامي نظرا وواقعا.
 ثانيا: الباب الأول
انشغلت في هذا الباب بتفصيل مكانة المرأة في القرآن والسنة، إذ بيان الوظيفة الاجتماعية متعلق تمام التعلق ببيان المكانة والأهمية التي أولاها هذا الدين للمرأة، وحتى لا يكون في تناولي لهذه النقطة تكرار لما سبقني إليه غيري فقد ابتعدت عن المنهج الانتقائي للنصوص، واخترت تتبع كل الآيات المتعلقة بالموضوع في القرآن؛ مستنتجة من خلال تأملها كما وكيف -على ضوء التفاسير- النظرة القرآنية الكلية للمرأة ومكانتها في الإسلام، واعتمدت المنهج نفسه عند الحديث عن مكانة المرأة في السنة، غير أنني لم أقم بالاستقراء التام للنصوص النبوية المتعلقة بالموضوع، نظرا لامتدادات هذه المهمة في الآلاف من الأحاديث الأمر الذي لم يسمح بتتبعه مجال البحث والمدة المخصصة لدراسته، فاكتفيت بالاستقراء الناقص مستنطقة النصوص النبوية في كل ما يدل على مظاهر تكريم المرأة، أو بيان مكانتها أو موقعها في رسالة الإسلام كما بشر بها الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم.
فإذا تقررت المكانة العظيمة التي يوليها القرآن والسنة للمرأة، وثبت تعزيزهما لأهليتها لإتيان كل فضل وخير، انتقلت إلى مناقشة تصور الإسلام لمكانة المرأة مقابل مكانة الرجل، مقارنة بنظرة الاتفاقيات الدولية لهذه المسألة، متوخية بذلك الرد على أحدث الشبهات المعاصرة المتهمة للأديان وعلى رأسها الدين الإسلامي بالتمييز ضد المرأة.
وقد جاء تفصيل ذلك في تقسيم الباب على الشكل التالي:
• الفصل الأول: مكانة المرأة في القرآن.
• الفصل الثاني: مكانة المرأة في السنة.
• الفصل الثالث: تكريم المرأة بين فلسفة الإسلام وفلسفة الاتفاقيات الدولية.
 ثالثا: الباب الثاني
يعتبر هذا الباب ثمرة للباب السابق، وتفصيلا لما خص به الشرع المرأة المسلمة من مهام وأعمال، تشكل في مجموعها وظيفتها الاجتماعية، وقد خصصت القسم الأول من هذا الباب لمحاولة حسم أهم الخلافات الفقهية المؤثرة في تحديد هذه الوظيفة، باعتبارها عاملا أساسا في عدم توحد المسلمين حول فهم واحد والدور المنوط بالمرأة في الإسلام.
وقد قسمت مباحث هذا الفصل بحيث يختص كل مبحث بإحدى القضايا الخلافية، فجاءت المباحث على الشكل الآتي:
الـمـبحـث الأول: وتطرقت فيه للخلاف حول مدى دخول المرأة في الخطاب العام في القرآن الكريم.
الـمـبحـث الثاني: عرضت فيه لقضية اللقاء بين الرجال والنساء مستعرضة أدلة المجيزين وأدلة المانعين، ومرجحة بعد ذلك ما رجح لدي من رأي.
الـمـبحـث الثالث: تطرقت فيه لمسألة تعليم المرأة وموقف الفقهاء منه.
الـمـبحـث الرابع: تتبعت من خلاله الموقف الشرعي من ممارسة المرأة للعمل المهني واتبعت نفس المنهج في المقارنة والترجيح.
الـمـبحـث الخامس: وحررت فيه مناط الخلاف في قضية ولاية المرأة وأهليتها لذلك.
فإذا استوى واستقام أمر المشكلات الجزئية والفرعية التي أثرت على الفكر الإسلامي في تحديده للوظيفة الاجتماعية للمرأة، رجعت إلى الأصول من جديد المتمثلة في القرآن والسنة متوخية استنباط وظيفة المرأة من الإشارات الصريحة والخفية المتعلقة بذلك، والمُشَكِّلَة في مجموعها نظرة الإسلام الكلية لوظيفة المرأة في الحياة، والتي تتجلى في وظيفة واحدة -هي وظيفة العبادة- لها امتدادات تتعدى حدود الزمان والمكان لتستوعب كل أعمال الخير المقترنة بالإيمان، بحيث لا تحدها إلا مراعاة المرأة المسلمة لمهمتين خصتهما الشريعة بعناية خاصة هما وظيفتا الإحصان والأمومة.
وقد جاء الفصل بمباحثه حريصا على الإحاطة بجزئيات وتفاصيل هذه المفاهيم الثلاثة: العبادة – الإحصان – الأمومة.
وذيلت البحث بخاتمة جمعت ما خلصت إليه من نتائج علمية من خلال أبواب البحث وفصوله، وأظهرت من خلالها آفاقا جديدة لبحوث قادمة.
الخلاصات والنتائج.
وأجملها فيما يلي:
1. قادني الاطلاع على ما كتب في الموضوع سواء من طرف رموز الفكر الإسلامي القديم أو الحديث، إلى استخلاص قصور الإجابات -علميا ومنهجيا استنادا إلى ما نصت عليه الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة- عن السؤال الجامع لكل إشكالات موضوع المرأة: لماذا خلق الله النساء؟ إذ جاءت الإجابات كما يلي:
– إما متأثرة بواقع البيئات، والأحوال الاجتماعية المختلفة التي تؤطر النظر إلى المرأة ومكانتها ودورها في المجتمع، وهذا ما طبع الموضوع في كتب التفسير.
– إما وجهات نظر في الغالب شخصية لا ترتكز إلى أساس شرعي أو علمي كما دل على ذلك اعتبار الرازي أن النساء خلقن من أجل أن يستقيم التكليف للرجال كما خلقت لهم باقي النعم.
– إما ردود فعل طغى عليها طابع الانفعال فأفقدها التريث المطلوب لإعداد إجابات علمية قوية، ومثل ذلك ما سقط فيه الفكر الإسلامي المعاصر في مطلع هذا القرن وإلى عهد قريب منه، حيث تم التضخيم من واجبات المرأة كزوجة وأم، حتى بدا وكأن الجواب على السؤال لماذا خلقت المرأة؟ هو أن تكون زوجة وأما، وفي ذلك ما فيه من تقزيم وتسطيح للإشكال.
2. تبين من خلال البحث أن النصوص المؤكدة لقيم المساواة بين المرأة والرجل تحتل حيزا مهما في القرآن والسنة -وقد أثبتت ذلك بالاستقراء التام وباستعمال الرسوم البيانية الموضحة له- مما يستدعي مراجعة منهج تأصيل قضايا المرأة -ومنها الوظيفة الاجتماعية- بناء على الاستثناءات ودون الرجوع إلى الأصول الكلية المؤطرة للموضوع، والتي ينبغي الانطلاق منها لصياغة رؤية صحيحة لوظيفة المرأة الاجتماعية.
3. تم تحرير القول في الشبهة المعاصرة التي يرمى بها الإسلام اليوم متمثلة في اعتبار أحكامه مثبتة للتمييز ضد المرأة، وأثبتت الدراسة أن الآيات والأحاديث الصريحة تنبذ كل تمييز ضد النساء باعتبار الجنس، في حين تقر التمايز بين الجنسين، وتعرض لمواطنه كما تقتضيه سنة الله في الكون متجلية في تكامل الكائنات، دون أن تنقص هذه السنة من قيم المساواة التي بسطتها آيات عديدة بسطا مستفيضا، وزكتها السنة قولا وفعلا.
وتبين أن مرجعية عدم التمييز كأساس للتشريع أكبر بكثير من مساحة التمايز، وما وقع من تضخيم لهذه الأخيرة -على حساب إقراره تعالى لمبدأ التفاضل بين الذكر والأنثى على أساس التقوى-، إنما حدث بفعل تأثير اجتهادات بعض المفسرين أو الفقهاء الشيء الذي يحتاج مراجعة في ضوء المنهج الرباني الموفق بين نبذه للتمييز ضد المرأة، وإثباته للتمايز بين الجنسين بما يترتب عليه من إكرام لشقي الإنسانية فكلاهما داخل في قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) [الاِسراء: 70].
4. خلصت من خلال الدراسة إلى أن القرآن نص صراحة على وظيفة المرأة والرجل في قوله تعالى: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56] ، فتقرر طبقا لذلك أن وظيفة المرأة والرجل هي العبادة، وتبين أن مفهوم العبادة قد تعرض للتشويه فضاعت معالمه ومقاصده، وإن كان لهذا الأمر أثر على الرجل والمرأة، فإنه كان على هذه الأخيرة أشد للأسباب التالية:
– المبالغة في سد الذريعة بدعوى فساد الزمان.
– المبالغة في توسيع قاعدة استثناء المرأة من الواجبات والأوامر الشرعية بدعوى الصيانة والحماية.
– كثرة الأحاديث الضعيفة التي تجعل حق الزوج مقدما على كل حق غيره.
– اعتبار الأعمال المستلزمة للتعب والمشقة (وكل أوجه الخير كذلك) من واجبات الرجل لا دخل للمرأة فيها.
وتجدر الإشارة إلى أن أخطر هذه التشوهات التي لحقت معنى كون المرأة مكلفة بوظيفة العبادة؛ ما يرجع إلى ما اكتسب سلطة بكونه من الدين بفعل صدوره من مفسر أو محدث أو فقيه.
5. تبين أن وظيفة العبادة شاملة لكل أوجه الخير ولا مسوغ لاختزالها في بعض وجوهها كالأمومة أو الزوجية، لما لذلك من أثر في الحد من آفاق المرأة وتطلعها للتأهيل والتدريب، حتى يتسع حظها في الإحسان عند قيامها بواجب الاستخلاف.
6. أعطى القرآن والسنة عناية خاصة لوظيفتين من وظائف المرأة الاجتماعية هما: الإحصان والأمومة، وخلص البحث في شأنهما إلى ما يلي:
– أن هاتين الوظيفتين داخلتين في مفهوم العبادة، ولا يعني ذلك أن قيام المرأة بهما هو وجه عبادتها.
– أن إحسان المرأة في أوجه العبادة المختلفة يعلي من نسبة إحسانها في أداء هاتين الوظيفتين.
– أن الإحصان لا يكون بالزواج فقط، كما أن الأمومة لا تكون بالاستجابة البيولوجية لهذه المهمة فقط، بل دلالتهما أوسع من ذلك، إذ كل صور إشاعة العفة هي إحصان وكل إحسان إلى النشء أمومة.
– عدم اطراد التعارض بين القيام بمسؤوليات الأمومة، وواجبات الزوجية، وبين القيام بأعمال خير غيرها،
ففي حياة النساء مساحات من فضل الوقت والجهد يفي بذلك.
7. تبين أن أحد أسباب الخلاف في الفكر الإسلامي المعاصر حول وظيفة المرأة الاجتماعية راجع إلى تضخم مقولة انقسام دوائر العمل إلى حيزين أو مجالين؛ هما فضاء البيت، وفضاء خارج البيت، وأكدت الدراسة أن هذا التصور هو واقع اجتماعي قد بدأ بالتحول فعلا حينما دخلت المؤسسة الإعلامية إلى البيت، وحينما اتسعت دوائر التأطير التربوي خارج البيت، وحينما حلت الآلات محل واجبات المعمل المنزلي، وفضلا عن هذا التحول الاجتماعي الواقعي، فإن المرجع الذي يتحكم في هذه المسألة هو أن الرؤية الإسلامية لا تعرف هذا التقسيم، بحيث يتداخل الفضاء الخارجي والداخلي (البيت، المجتمع) في إطار من تكامل مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وفي إطار اتساع دائرة الإحسان إلى الجماعة المؤمنة بما ينعكس على مصلحة الفرد نفسه. بمقتضى المكافأة الربانية من جهة، وبمقتضى استفادة الأم والزوجة والأطفال من خدمات المجتمع الذي يتفوق أفراده نساء ورجالا في تحسين أوضاعه كل حسب مجال عمله ومجال تألقه الشيء الذي لا يتحقق إلا عن طرق توسيع مجالات التكوين، والتدريب الذي يسهم في اكتشاف القدرات وتطويرها وتوظيفها.
وأخيرا، إذا كان من خير قدمه هذا البحث، فهو العودة بالموضوع إلى الإطار المعرفي الذي يجب أن يضبط رؤيتنا وتصورنا لكل القضايا، ولا شك أن الجهد يحتاج لكثير من التنقيح، والإضافة، أهمها كيف السبيل إلى التنزيل، وقد اخترت أن أقدم هذه التوصيات كنظرات أولية، آمل أن يقيض لها الله من يفصلها ويجليها، لتغدو مشروعا متكاملا كفيلا بإخراج أمجاد المرأة المؤمنة من جديد.
دة. إيمان سلاوي

تستعرض الباحثة في هذه المساهمة أهم  ما جاء في بحثها: “الوظيفة الاجتماعية للمرأة في القرآن والسنة” من أفكار ومقاربات.. وهذا البحث هو في الأصل رسالة تقدمت بها الباحثة لنيل شهادة الدكتوراه من جامعة محمد بن عبد الله بفاس، شعبة الدراسات الإسلامية، وحدة القرآن والحديث، سنة 2006 م.

في أهمية الموضوع وخطورته

إذا صح أن نقول إن لكل عصر قضية، فإن قضية هذا القرن بدون منازع هي قضية المرأة، يدل على ذلك عدد المؤتمرات الدولية المنعقدة في الموضوع، وعدد الكتابات، وعدد البرامج الإعلامية، بل عدد المؤسسات الدولية والعربية المشتغلة بالموضوع، وقد وصفت مجموعة من الباحثات الملامح العامة لما تميز به الخطاب حول المرأة في الربع الأخير من القرن العشرين بما يلي:

 • صعود قضية المرأة على سطح المجتمع وتضخم نصيبها في حيز الخطاب الاجتماعي والثقافي والسياسي.

• تعاظــم الاتجـاه المؤسسي فـي تناول قضية المرأة.

• استحكام ظاهرة الاستقطاب والصراع في قضية المرأة”.  [أنظر: “المرأة العربية والمجتمع في قرن، تحليل وبيبلوغرافيا”، مجموعة من الباحثات بإشراف منى أبو الفضل، ص: 106-113]•

ولا أحتاج إلى استدلال على أن هذه المميزات ظهرت في العالم كله، وكان للعالم العربي والإسلامي حظه منها بمقتضى طبيعة العلاقة الاقتصادية، والثقافية والاجتماعية والسياسية التي تربط هذا العالم بالعالم الغربي! وإذا كان هذا وجه أهمية الموضوع من الناحية الواقعية، فإن الوجه الآخر يعكسه حجم اهتمام النص القرآني والنبوي، والذي لا زال الكثير منه في حاجة إلى إظهار، خاصة بما يوافق التحولات الاجتماعية السريعة التي جدت في المجتمع الإنساني بما يستجيب لتحديات العولمة والعلمنة ومساءلتها للدين في مجموعة من القضايا والمسائل العالقة.

والوظيفة الاجتماعية للمرأة في القرآن والسنة واحدة من هذه المسائل التي مر عليها فكر الأمة مرور الكرام، فاطمأن لإفرازات الواقع الاجتماعي مرة، وارتضى ما تعارف عليه الناس في شأنها واعتبره من الدين مرة أخرى، بل دافع على اختزال هذه الوظيفة في الزوجية والأمومة حينا، ورأى في قيام المرأة بغير ذلك من أعمال مهنية أو فكرية أو سياسية… تضييعا لحقوق الزوج والأولاد…، ولم تستطع هذه النظرات العابرة أن تواجه تحدي المؤسسات الدولية، التي تعمل جاهدة من أجل توسيع دائرة وظيفة المرأة حتى تستوعب كل الأنشطة التي يمكن أن تجعل منها مشاركا فاعلا في تنمية المجتمعات، فرصدت لذلك المؤسسات التي تخطط، والتي تتابع، والتي تحاصر وتعاقب، والتي تساعد وتعين…، حتى بدا أن المشروع الذي تحمله هذه الهيآت الدولية أكثر إنصافا للمرأة، وأكثر قدرة على إطلاق طاقاتها وتنمية قدراتها، وتحقيق منفعتها تبعا لذلك… مما جعل الحاجة ماسة إلى مراجعة ما ساد من فهم في فكر المسلمين، لا ليصبح متساوقا مع الموجة الجديدة التي تقودها الهيآت الدولية ومن خلفها المجتمعات القوية، ولكن ليكفل لأمتنا تحقيق الحصانة التي تجعلنا قادرين على التمييز بين المنفعة والمفسدة بمقياس ديننا الحنيف، كما تجعلنا أهلا لتصحيح المسار الذي أفسده إقصاء التشريعات الربانية من توجيه حياة الناس.

أسباب اختيار الموضوع

• الحاجة إلى بناء المفاهيم انطلاقا من القرآن والسنة.

 • محورية قضية الوظيفة الاجتماعية في قضايا المرأة.

 منهج البحث وخطته

1. الاستقراء

ثبت من خلال ما ذكر أن آفة الآفات في بحث موضوع المرأة هو غياب الاستقراء التام للنصوص، مما أضعف سلطة نفوذ بعض النصوص الكلية لقلة تداولها، وضخم سلطة نصوص أخرى انسياقا مع موجة التشويش التي سادت معتمدة على بعض النصوص الجزئية، وإذا كان من تفوق للعقل المسلم في المراحل الذهبية له فبفضل حضور منهج الاستقراء في الاستدلال والمحاجة، حتى عد أصول الفقه كله قائما إما على أصول عقلية أو على الاستقراء الكلي للأدلة الشرعية. [انظر الشاطبي: “الموافقات”، م1/ص:19]

واسترشادا بهدي هذا المنهج الأساسي في العلوم الشرعية، فقد عمدت إلى استقراء كل الآيات والنصوص النبوية المتعلقة بالموضوع، بقدر ما سمحت أدوات تتبع ذلك في القرآن والسنة.

2. الإحصاء

واجتهدت في توظيف المنهج الإحصائي، مستفيدة من نتائجه العلمية ولغته الرقمية بقدر حاجة الموضوع دون الانشغال بالأرقام عن المقصد والمرام.

3. الاستنبـاط

وهو ثمرة ما سبق؛ إذ به يستقيم ربط الحقائق التي أفرزها الاستقراء بغية الوصول إلى فكرة جديدة [أنظر: معجم علوم التربية، ص: 164]، ونظرية متكاملة تسترشد بما قيل في الموضوع قديما وحديثا وفقا للمنهج التحليلي بما يقتضيه من وصف، ونقد، وتفكيك، وتركيب.

4. المنهج الحواري

وقد اقتضته طبيعة الفروع الخلافية الكثيرة المتعلقة بالموضوع.

5. منهج الدراسة الـمصطلحية

وقد استفدت عموما من منهج الدراسة المصطلحية في تتبع المصطلحات المتعلقة بالموضوع في مواردها بمختلف سياقاتها واستعمالاتها، ثم من خلال المعاجم اللغوية فالمعاجم الاصطلاحية، وذلك لتبيين المأخذ اللغوي الذي أخذ منه اللفظ ثم توظيفاته الاصطلاحية، حتى إذا تم ذلك انتقلت إلى التفاسير وشروح الحديث مسترشدة بها لتبيين مقصود الشرع من توظيف المصطلح، بعيدا عن منزلقات تناوله عاريا من كل ضوابط الاستعمال اللغوي والشرعي التي تحفظه وتصون دلالته

تصـميم البحث

حاولت من خلال تصميم البحث أن أترجم ما سبق ذكره من أهميته، فتجلت خطواته الكبرى على الشكل التالي:

أولا: مهاد نظري:

قصدت من خلاله وضع الموضوع في سياق إشكالاته العامة، متتبعة مسار تطوره التاريخي، وقد قسمته تبعا لذلك إلى أربعة مباحث:

 المبحث الأول:  وخصصته لرصد التحولات التاريخية والاجتماعية في المجتمع الإسلامي مبينة أثرها على قيم تكريم المرأة، فتطرقت في المطلب الأول منه لما بدا بعد العهد النبوي من ضعف للوازع الديني أثر بشكل سلبي على نفوذ قيم تكريم المرأة في المجتمع، وفي المطلب الثاني رصدت ما وقع من خلط بين الدين وبين القيم الاجتماعية الموروثة، مما نتج عنه إعطاء صفة القدسية لمفاهيم تناقض أحكام الدين جملة وتفصيلا.

المبحث الثاني: انصب على بيان أثر اجتهادات بعض المنشغلين بالعلوم الشرعية في تزكية بعض مظاهر الانحراف عن قيم الدين في تكريم المرأة، واختص المطلب الأول منه بتوضيح أثر اجتهادات بعض أهل التفسير في ذلك، بينما اختص المطلب الثاني بذكر أثر وضاع الحديث والمعتمدين للضعيف منه في تشويه ما جاءت به السنة النبوية الشريفة في شأن النساء، وأخيرا خصصت المطلب الثالث للحديث عن اجتهادات بعض الفقهاء وأثرها في ما ذكر.

 المبحث الثالث: تطرقت فيه لدور التحديات الخارجية المعاصرة في تعميق مشكلة المرأة في المجتمعات الإسلامية، مخصصة كل مطلب لوجه من وجوه هذا التحدي فجاء تقسيم المبحث على الشكل الآتي: 

المطلب الأول: الاستعمار.

المطلب الثاني: التنصير.

المطلب الثالث: الاستشراق.

المطلب الرابع: العولمة.

المبحث الرابع: انصب على الشق الداخلي من التحديات المرتبطة بالموضوع، متمثلة في المعوقات الذاتية للمجتمع الإسلامي وأثرها في تعميق التخبط الفكري الذي تعيشه الأمة في معالجتها للموضوع، وقسمت المبحث إلى ثلاث مطالب، اختص الأول منها بتفصيل مظاهر الانبهار بنمط الحياة في الحضارة الغربية وأثره السلبي في الموضوع، وتطرق المطلب الثاني للعلمانية وأثرها، بينما عكفت في المطلب الثالث على إظهار أوجه تخبط الفكر الإسلامي المعاصر في معالجة المشكلة.

وختمت هذا التمهيد بتصوير ما عليه واقع وضعية المرأة اليوم في المجتمع الإسلامي نظرا وواقعا.

 ثانيا: الباب الأول

انشغلت في هذا الباب بتفصيل مكانة المرأة في القرآن والسنة، إذ بيان الوظيفة الاجتماعية متعلق تمام التعلق ببيان المكانة والأهمية التي أولاها هذا الدين للمرأة، وحتى لا يكون في تناولي لهذه النقطة تكرار لما سبقني إليه غيري فقد ابتعدت عن المنهج الانتقائي للنصوص، واخترت تتبع كل الآيات المتعلقة بالموضوع في القرآن؛ مستنتجة من خلال تأملها كما وكيف -على ضوء التفاسير- النظرة القرآنية الكلية للمرأة ومكانتها في الإسلام، واعتمدت المنهج نفسه عند الحديث عن مكانة المرأة في السنة، غير أنني لم أقم بالاستقراء التام للنصوص النبوية المتعلقة بالموضوع، نظرا لامتدادات هذه المهمة في الآلاف من الأحاديث الأمر الذي لم يسمح بتتبعه مجال البحث والمدة المخصصة لدراسته، فاكتفيت بالاستقراء الناقص مستنطقة النصوص النبوية في كل ما يدل على مظاهر تكريم المرأة، أو بيان مكانتها أو موقعها في رسالة الإسلام كما بشر بها الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم.
فإذا تقررت المكانة العظيمة التي يوليها القرآن والسنة للمرأة، وثبت تعزيزهما لأهليتها لإتيان كل فضل وخير، انتقلت إلى مناقشة تصور الإسلام لمكانة المرأة مقابل مكانة الرجل، مقارنة بنظرة الاتفاقيات الدولية لهذه المسألة، متوخية بذلك الرد على أحدث الشبهات المعاصرة المتهمة للأديان وعلى رأسها الدين الإسلامي بالتمييز ضد المرأة.

  وقد جاء تفصيل ذلك في تقسيم الباب على الشكل التالي:

 • الفصل الأول: مكانة المرأة في القرآن.

الفصل الثاني: مكانة المرأة في السنة.

الفصل الثالث: تكريم المرأة بين فلسفة الإسلام وفلسفة الاتفاقيات الدولية.

 ثالثا: الباب الثاني

يعتبر هذا الباب ثمرة للباب السابق، وتفصيلا لما خص به الشرع المرأة المسلمة من مهام وأعمال، تشكل في مجموعها وظيفتها الاجتماعية، وقد خصصت القسم الأول من هذا الباب لمحاولة حسم أهم الخلافات الفقهية المؤثرة في تحديد هذه الوظيفة، باعتبارها عاملا أساسا في عدم توحد المسلمين حول فهم واحد والدور المنوط بالمرأة في الإسلام.

وقد قسمت مباحث هذا الفصل بحيث يختص كل مبحث بإحدى القضايا الخلافية، فجاءت المباحث على الشكل الآتي:

 المبحث الأول: وتطرقت فيه للخلاف حول مدى دخول المرأة في الخطاب العام في القرآن الكريم.

المبحث الثاني: عرضت فيه لقضية اللقاء بين الرجال والنساء مستعرضة أدلة المجيزين وأدلة المانعين، ومرجحة بعد ذلك ما رجح لدي من رأي.

المبحث الثالث: تطرقت فيه لمسألة تعليم المرأة وموقف الفقهاء منه.

المبحث الرابع: تتبعت من خلاله الموقف الشرعي من ممارسة المرأة للعمل المهني واتبعت نفس المنهج في المقارنة والترجيح.

المبحث الخامس: وحررت فيه مناط الخلاف في قضية ولاية المرأة وأهليتها لذلك.

فإذا استوى واستقام أمر المشكلات الجزئية والفرعية التي أثرت على الفكر الإسلامي في تحديده للوظيفة الاجتماعية للمرأة، رجعت إلى الأصول من جديد المتمثلة في القرآن والسنة متوخية استنباط وظيفة المرأة من الإشارات الصريحة والخفية المتعلقة بذلك، والمُشَكِّلَة في مجموعها نظرة الإسلام الكلية لوظيفة المرأة في الحياة، والتي تتجلى في وظيفة واحدة -هي وظيفة العبادة- لها امتدادات تتعدى حدود الزمان والمكان لتستوعب كل أعمال الخير المقترنة بالإيمان، بحيث لا تحدها إلا مراعاة المرأة المسلمة لمهمتين خصتهما الشريعة بعناية خاصة هما وظيفتا الإحصان والأمومة.

وقد جاء الفصل بمباحثه حريصا على الإحاطة بجزئيات وتفاصيل هذه المفاهيم الثلاثة: العبادة – الإحصان – الأمومة.

وذيلت البحث بخاتمة جمعت ما خلصت إليه من نتائج علمية من خلال أبواب البحث وفصوله، وأظهرت من خلالها آفاقا جديدة لبحوث قادمة.

الخلاصات والنتائج

وأجملها فيما يلي:

1. قادني الاطلاع على ما كتب في الموضوع سواء من طرف رموز الفكر الإسلامي القديم أو الحديث، إلى استخلاص قصور الإجابات -علميا ومنهجيا استنادا إلى ما نصت عليه الآيات الكريمة والأحاديث الصحيحة- عن السؤال الجامع لكل إشكالات موضوع المرأة: لماذا خلق الله النساء؟ إذ جاءت الإجابات كما يلي:

إما متأثرة بواقع البيئات، والأحوال الاجتماعية المختلفة التي تؤطر النظر إلى المرأة ومكانتها ودورها في المجتمع، وهذا ما طبع الموضوع في كتب التفسير.

إما وجهات نظر في الغالب شخصية لا ترتكز إلى أساس شرعي أو علمي كما دل على ذلك اعتبار الرازي أن النساء خلقن من أجل أن يستقيم التكليف للرجال كما خلقت لهم باقي النعم.

إما ردود فعل طغى عليها طابع الانفعال فأفقدها التريث المطلوب لإعداد إجابات علمية قوية، ومثل ذلك ما سقط فيه الفكر الإسلامي المعاصر في مطلع هذا القرن وإلى عهد قريب منه، حيث تم التضخيم من واجبات المرأة كزوجة وأم، حتى بدا وكأن الجواب على السؤال لماذا خلقت المرأة؟ هو أن تكون زوجة وأما، وفي ذلك ما فيه من تقزيم وتسطيح للإشكال.

2. تبين من خلال البحث أن النصوص المؤكدة لقيم المساواة بين المرأة والرجل تحتل حيزا مهما في القرآن والسنة -وقد أثبتت ذلك بالاستقراء التام وباستعمال الرسوم البيانية الموضحة له- مما يستدعي مراجعة منهج تأصيل قضايا المرأة -ومنها الوظيفة الاجتماعية- بناء على الاستثناءات ودون الرجوع إلى الأصول الكلية المؤطرة للموضوع، والتي ينبغي الانطلاق منها لصياغة رؤية صحيحة لوظيفة المرأة الاجتماعية.

3. تم تحرير القول في الشبهة المعاصرة التي يرمى بها الإسلام اليوم متمثلة في اعتبار أحكامه مثبتة للتمييز ضد المرأة، وأثبتت الدراسة أن الآيات والأحاديث الصريحة تنبذ كل تمييز ضد النساء باعتبار الجنس، في حين تقر التمايز بين الجنسين، وتعرض لمواطنه كما تقتضيه سنة الله في الكون متجلية في تكامل الكائنات، دون أن تنقص هذه السنة من قيم المساواة التي بسطتها آيات عديدة بسطا مستفيضا، وزكتها السنة قولا وفعلا.

وتبين أن مرجعية عدم التمييز كأساس للتشريع أكبر بكثير من مساحة التمايز، وما وقع من تضخيم لهذه الأخيرة -على حساب إقراره تعالى لمبدأ التفاضل بين الذكر والأنثى على أساس التقوى-، إنما حدث بفعل تأثير اجتهادات بعض المفسرين أو الفقهاء الشيء الذي يحتاج مراجعة في ضوء المنهج الرباني الموفق بين نبذه للتمييز ضد المرأة، وإثباته للتمايز بين الجنسين بما يترتب عليه من إكرام لشقي الإنسانية فكلاهما داخل في قوله تعالى: (ولقد كرمنا بني آدم) [الاِسراء: 70].

4. خلصت من خلال الدراسة إلى أن القرآن نص صراحة على وظيفة المرأة والرجل في قوله تعالى: (وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) [الذاريات: 56] ، فتقرر طبقا لذلك أن وظيفة المرأة والرجل هي العبادة، وتبين أن مفهوم العبادة قد تعرض للتشويه فضاعت معالمه ومقاصده، وإن كان لهذا الأمر أثر على الرجل والمرأة، فإنه كان على هذه الأخيرة أشد للأسباب التالية:

– المبالغة في سد الذريعة بدعوى فساد الزمان.

– المبالغة في توسيع قاعدة استثناء المرأة من الواجبات والأوامر الشرعية بدعوى الصيانة والحماية.

– كثرة الأحاديث الضعيفة التي تجعل حق الزوج مقدما على كل حق غيره.- اعتبار الأعمال المستلزمة للتعب والمشقة (وكل أوجه الخير كذلك) من واجبات الرجل لا دخل للمرأة فيها.

وتجدر الإشارة إلى أن أخطر هذه التشوهات التي لحقت معنى كون المرأة مكلفة بوظيفة العبادة؛ ما يرجع إلى ما اكتسب سلطة بكونه من الدين بفعل صدوره من مفسر أو محدث أو فقيه.

5. تبين أن وظيفة العبادة شاملة لكل أوجه الخير ولا مسوغ لاختزالها في بعض وجوهها كالأمومة أو الزوجية، لما لذلك من أثر في الحد من آفاق المرأة وتطلعها للتأهيل والتدريب، حتى يتسع حظها في الإحسان عند قيامها بواجب الاستخلاف.

6. أعطى القرآن والسنة عناية خاصة لوظيفتين من وظائف المرأة الاجتماعية هما: الإحصان والأمومة، وخلص البحث في شأنهما إلى ما يلي:

– أن هاتين الوظيفتين داخلتين في مفهوم العبادة، ولا يعني ذلك أن قيام المرأة بهما هو وجه عبادتها.

– أن إحسان المرأة في أوجه العبادة المختلفة يعلي من نسبة إحسانها في أداء هاتين الوظيفتين.

– أن الإحصان لا يكون بالزواج فقط، كما أن الأمومة لا تكون بالاستجابة البيولوجية لهذه المهمة فقط، بل دلالتهما أوسع من ذلك، إذ كل صور إشاعة العفة هي إحصان وكل إحسان إلى النشء أمومة.

– عدم اطراد التعارض بين القيام بمسؤوليات الأمومة، وواجبات الزوجية، وبين القيام بأعمال خير غيرها،ففي حياة النساء مساحات من فضل الوقت والجهد يفي بذلك.

7. تبين أن أحد أسباب الخلاف في الفكر الإسلامي المعاصر حول وظيفة المرأة الاجتماعية راجع إلى تضخم مقولة انقسام دوائر العمل إلى حيزين أو مجالين؛ هما فضاء البيت، وفضاء خارج البيت، وأكدت الدراسة أن هذا التصور هو واقع اجتماعي قد بدأ بالتحول فعلا حينما دخلت المؤسسة الإعلامية إلى البيت، وحينما اتسعت دوائر التأطير التربوي خارج البيت، وحينما حلت الآلات محل واجبات المعمل المنزلي، وفضلا عن هذا التحول الاجتماعي الواقعي، فإن المرجع الذي يتحكم في هذه المسألة هو أن الرؤية الإسلامية لا تعرف هذا التقسيم، بحيث يتداخل الفضاء الخارجي والداخلي (البيت، المجتمع) في إطار من تكامل مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، وفي إطار اتساع دائرة الإحسان إلى الجماعة المؤمنة بما ينعكس على مصلحة الفرد نفسه. بمقتضى المكافأة الربانية من جهة، وبمقتضى استفادة الأم والزوجة والأطفال من خدمات المجتمع الذي يتفوق أفراده نساء ورجالا في تحسين أوضاعه كل حسب مجال عمله ومجال تألقه الشيء الذي لا يتحقق إلا عن طرق توسيع مجالات التكوين، والتدريب الذي يسهم في اكتشاف القدرات وتطويرها وتوظيفها.

 وأخيرا، إذا كان من خير قدمه هذا البحث، فهو العودة بالموضوع إلى الإطار المعرفي الذي يجب أن يضبط رؤيتنا وتصورنا لكل القضايا، ولا شك أن الجهد يحتاج لكثير من التنقيح، والإضافة، أهمها كيف السبيل إلى التنزيل، وقد اخترت أن أقدم هذه التوصيات كنظرات أولية، آمل أن يقيض لها الله من يفصلها ويجليها، لتغدو مشروعا متكاملا كفيلا بإخراج أمجاد المرأة المؤمنة من جديد.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق